إنجيل يوحنا: كتاب الآيات : يسوع ابن الله

يسوع ابن الله
10: 31- 42

صدّقوا هذه الأعمال، لكي تعلموا وتعترفوا أن الأب فيّ وأني أنا في الآب.
"أنت إنسان وتجعل نفسك إلهًا" (آ 33). هذه العبارة تقلب رأسًا على عقب اعتراف الإيمان الحقيقي لدى المسيحيين: لقد صار الله إنسانًا. "الكلمة صارت بشراً" (1: 14). هنا نجد المسافة الشاسعة بين اليهود والمسيحيين في اقترابهم من يسوع. فهو في نظر اليهود يتصرّف كإنسان يتطاول على حياة حميمة مع الله. أمّا في نظر المسيحيين، فهو كلمة الله الذي صار بشراً. وهو لا يأتي من ذاته، بل من الآب "الذي كرّسه" (قدّسه) (آ 36).
ويعود يسوع في آ 37 إلى موضوع "الأعمال". أرسل ليلعب دور المرسل في التقليد اليهودي الذي يتقلّد سلطته من المرسِل، بل يتماثل معه. لا شكّ في أنّ الأعمال لا تبرهن عن شيء. غير أنها آيات تدلّ على أن كلمات يسوع ليست أقوالاً بدون أساس.
وتأتي خاتمة موقتة (آ 40- 42): "وانطلق يسوع إلى عبر الأردن، إلى شرقي الأردن". جاءه التهديد فابتعد. إن هذا العبور إلى ما وراء الأردن له قيمة رمزية. ترك يسوع اليهودية المهدّدة واللامؤمنة. نحن هنا أمام صورة عن خروج الخراف مع راعيها. ففي سياق الفشل الذي يظهر في ف 10، ترتسم ولادة الجماعة الجديدة.
حين ذكر الإنجيلي دور يوحنا المعمدان، أشار إلى أول اعتراف علني: "إنّ يوحنا لم يعمل آية قط، بيد أنّ جميع ما قاله عن هذا كان حقّ". يذكر يوحنا أربع مرات (1: 19- 36؛ 3: 22- 30؛ 5: 33- 35؛ 10: 41) قبل أن يُمّحى ويُتمّ مهمته كشاهد.
قد تكون هذه الآيات شكّلت خاتمة للقسم الأول من الإنجيل، وقبل أن يدخل ف 11- 12 في مكانهما في الإنجيل. انتهى هذا القسم بجوّ من التفاؤل: آمن به كثيرون.
نقرأ في آ 33 ب: تجعل نفسك إلهاً. ولكن في بردية رقم 66: تجعل نفسك الله (مع أل التعريف). ونحن نعرف انطلاقاً من 1: 1 أن "الله" مع أداة التعريف يدلّ على الله الآب. هذا ما ظنّه اليهود، ويوحنا يسخر من موقفهم (رج 7: 42: من نسل داود، من بيت لحم). هو لا يهتمّ بأن يجعل خصوم يسوع منطقيين مع موقفهم. بل، هم بدون إرادتهم يقدّمون حقائق يقبل بها المسيحي. قالوا في 7: 42: ألم يقل الكتاب: إنه من نسل داود؟ وهذا صحيح. وفي هذا النصّ نسمع: لا يجعل يسوع نفسه الله الآب، ولكن الله يحبّ طبيعته. إنه في الحقيقة ما يعتبره خصومه أمراً مستحيلاً: إنه إله وإنسان معاً.
ونقرأ آ 34 وبرهان يسوع. لا شكّ في أننا لسنا أمام لاهوت الجماعة المسيحية الأولى. بل أمام جدال لاحق يبرهن تجاه اليهود إمكانية بنوّة الله، إنطلاقاً من الكتب المقدّسة. يعود يوحنا إلى مز 82: 6 (أما قلتم: أنتم آلهة وأبناء العلي كلكم). وكان التأويل اليهودي قد طبّقه لا على القضاة وحسب، بل على مجمل شعب الله. فكم بالأحرى نستطيع أن نطبّقه على مرسل الله الذي هو فوق الجميع. إذن، لماذا تتحدّثون عن تجديف؟
يسوع هو ابن الله. وهذا اللقب يتّخذ بعداً جديداً على ضوء الأعمال التي قاربها، والتعابير التي تدلّ على اتحاده بالآب (آ 30، 38). ولكنه لا يأخذ كل مداه إلاّ على ضوء القيامة والصعود. إن يسوع سيجلس عن يمين الآب الذي يقول له بالحقيقة، لا بالرمز: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك.
في آ 31، رسم الإنجيلي ردّة الفعل التي أثارتها خطبة آ 25- 30، فقادنا مع آ 33 إلى حوار يسوع مع نفسه. ففي الإنجيل الرابع لا يأخذ اليهود حجارة ليرجموا يسوع سوى مرتين. في 8: 59 وبعد أن قال: "قبل أن يكون إبراهيم أنا هو". وهنا بعد كلام يسوع عن وحدته مع الآب. فالرجم هو عقاب التجديف (لا 24: 14- 16).
رآهم يسوع يستعدّون للرجم، أرادوا أن يقبضوا عليه (آ 39). فسألهم عن السبب. "فأعماله" تأتي من الآب. جاء بها من عالم الآب وجعلها منظورة في عالم البشر (آ 32).
قال مز 82: 6: أنتم آلهة. وهذا لا نفهمه بشكل كامل إلاّ على ضوء العهد الجديد. نقرأ في 1 يو 1: 3: "شركتنا نحن، إنما هي مع الآب، ومع يسوع المسيح ابنه". أجل، هذا هو السبب الذي لأجله أعلن الإنجيل. ونقرأ في 2 بط 1: 4: "وهبت لنا المواعد الثمينة العظمى، حتى تصيروا بها شركاء في الطبيعة الإلهية". وفي أف 4: 24: "أن تلبسوا الإنسان الجديد الذي خلق على مثال الله في البرّ وقداسة الحقّ".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM