الفصَل الحَادي وَالعِشرُون: أعيَادُ بَني إسرَائيل

الفصَل الحَادي وَالعِشرُون
أعيَادُ بَني إسرَائيل
33: 1- 44

أ- المقدّمة
إنّ هدف الروزنامات المقدّسة في العهد القديم هو تحديدُ المناسبات التي فيها يَحُجّ الذكور المعبدَ المقدّس، ليشاركوا في مراسم العبادة. يقدّمون للرب غلاّتهم: هو أعطاهم إيّاها وهي له. يقدّمون له عِينةً منها، وما تبقّى يكون للقِيام بأَوَد حياتهم.
إنّ الشكل الأساسيّ والأبسط لهذه الروزنامة يكمُن في دورة الأعياد السنويّة الثلاثة التي يذكرها سفر الخروج (23: 14-17)، والتي ستتوسع فيها النصوصُ في ما بعد. إرتبطت هذه الأعياد أولاً بالزراعة، وقد أخذ بها العبرانيّون عن الكنعانيّين حين أقاموا بأرض كنعان. ثم اهتمّ الكهنة بالاحتفال بها، لا سيّما في وقت الجلاء مشدِّدين على أهميّة القيام بها بالدقّة المطلوبة.
نجد في التوراة ثلاثَ روزنامات ظهرت على التوالي. الروزنامة الأولى نقرأها في سفر التثنية (16: 1-17): إحفظ شهرَ أبيب واصنع فيه فصحًا للرب إلهك... " والثانية نقرأها في سفر اللاويّين (23: 1 ي )، والثالثة نقرأها في سفر العدد (28: 16-29: 39): وفي اليوم الرابع عشرَ من الشهر الأول فصحٌ للرب.
إذا قابلنا هذه الروزناماتِ الثلاث، يمكننا أن نستنتج من نصّ سفر اللاويّين ما يلي:
أولاً: هناك مقطعان يحدّدان بإيجاز في أيّ يوم وأيّ شهر يتمّ الاحتفال بهذه الأعياد (آ 5-8، 23-26). والأشهُر المذكورة هنا تطابق أشهُرَ الروزنامة البابليّة (الشهر الاوّل يبدأ في نصف آذار، وينتهي في نصف نيسان) التي دخلت الى اليهوديّة قبل سقوط أورشليم بزمن قليل (آ 16، 29-32) فعملَ فيها الكهنة. وهكذا نكون هنا أمام روزنامة الأعياد التي تُعيَّد في هيكل أورشليم، والتي تفرِض على المؤمنين احتفالين سنويّين عظيمين: احتفالاً قي الربيع، واحتفالاً في الخريف. وهذا ما يتوافق والروزنامةَ التي نقرأها في سفر حزقيال (45: 21-25)، والتي تسعى الى المحافظة على الطقوس التي عرفها الهيكل قبل الجلاء ليُعمل فيها في المستقبل، يوم سيُبنى الهيكل الثاني.
ثانيًا: وهناك مقاطعُ (آ 9- 21، 39-43) لا نجد فيها زمنًا يحدّد وقت الاحتقال بالعيد. أمام هذه الآيات نحن في الريف، لا في أورشليم، فلا نستطيع أن نحدّد يوم العيد الذي يرتبط بأعمال الزراعة التي ترتبط بدورها بتقلّبات الطقس. وهكذا تتّصل هذه المقاطع بنظام سفر الخروج (23: 15-16) القديم، فتذكر الأعياد الثلاثة التي كانت تعيَّد في المعابد المنتشرة في أرض بني إسرائيل.
ثالثًا: لقد ظهرت موادُّ هذا الفصل على مرحلتين: في مرحلة أولى دمجَ "جامع" شريعة القّداسة روزناماتِ المعابد المتعدّدة بعضَها ببعض ، فقدّم لغير الكهنة ما يجب معرفته في هذا القَبيل. في مرحلة ثانية زاد الكهنة ما يتعلّق بشريعة السبت (آ 2-3)، وفرضوا على المؤمنين راحة في هذه الأعياد تشبه راحة السبت. ثم نظّموا كلّ هذه الموادّ وسمَّوها "محافلَ مقدّسة" أي أعيادًا يحتفلون بها إكرامًا للرب.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
(آ 23: 1-3) شريعة السبت: "مَحافل مقدّسة". الكلمة العبرانيّة هي "موعد" أي اللقاء والاجتماع (راجع خيمة الاجتماع خر 33: 7). العيد نحتفل به في مكان معيّن وزمن معيّن، وفيه يتمّ اللقاء بين الرب وشعبه (خر 43:29). العيد هو الموسم الذي يجتمع فيه الناس. وسميّ العيدُ عيدًا لأنّه يعود كلّ سنة بفرح مجدَّد.
أمّا السبت فنظامٌ اتّخذَ له مدلولين في بني إسرائيل. هو أولاً وقت يختبر فيه جميعُ الشعب معنى الحرّية التي حصلوا عليها بخروجهم من مصر (خر 12:23؛ تث 5: 12-15). وهو ثانيًا يوم الراحة الذي يتطلعّ مسبّقًا الى يوم الراحة مع الله في اليوم الأخير (خر 8:20- 11 ؛ 17:31).
ليس السبت عيدًا سنويًّا، بل احتفالٌ أسبوعيّ سيتّخذ في ما بعدُ أهميّة كبرى فيكون علامة مميَّزة لديانة بني إسرائيل (اش 56: 2-6؛ 58: 13-14). فعلى كل المؤمنين أن يحافظوا على السبت، كما حافظ عليه الربّ ذاتُه. ومن خالفه يستوجب حكم الموت (خر 31: 14؛ عد 15: 32-36).
(آ 4-8) عيد الفصح والفطير: في الأصل كان الفصح والفطير عيدين متميّزين، وهذا ما نلاحظه في هذا المقطع. إلاّ أنّ الجماعة سوف تحتفل بهما في الوقت ذاته، أي في الرحيم، فتدمُجهما في عيد واحد.
كان الفصح عيد الرُعاة، يحتفلون به ليمنعوا الشر عن بيوتهم وقطيعهم (14: 5-6 ؛ خر 7:12-13). لم يكن الفصح "مَحفِلاً مقدّسًا"، إذ ليس فيه تقدمة ولا ذبيحة، وكان الشعب يحتفل به لا في المعابد بل في البيوت. أمّا عيد الفطير فهو عيد الكنعانيّلات، وفيه كانوا يقدّمون للإله أُولى غلال الأرض.
(آ 9-14) عيد الحَزْمة الأولى: هذا العيد يشبه عيد الفطير، إلاّ أنّ الاحتفال به يختلف عن الاحتفال بعيد الفطير، بل نحن لا نجد ما يقابل هذا النصر في التوراة. أنكون أمام تقليد خاصّ بأحد المعابد، كان يحتفل فيه الشعب بالعيد يومًا واحدًا بدلَ سبعة أيّام؟
(آ 15-22) عيد الأسابيع: نقرأ في هذا المقطع تقليدًا غريبًا عن معبد أورشليم، وهو يصوّر عيدًا كبيرًا من أعياد السنة. عيد الفطير هو عيد بداية الحَصاد، وعيد الأسابيع هو عيد الانتهاء من عمل الحَصاد، وكان اسمه القديم عيدَ حصاد البواكير (خر 23: 16). هو عيد شكر لله العظيم على ما أعطى الشعبَ من الخير. أخذه العبرانيّون عن الكنعانيّين، وازدادت أهميّته بموازاة أهمية الزراعة (تك 30: 14 ؛ قض 15: 1؛ 1 صم 13:6؛ 7:12)، ثم خفّت تدريجيًّا بعد الجلاء.
هذا العيد سيسمّى في ما بعدُ عيدَ العنصرة، وسيتّخذ معنى دينيًّا عندما يرتبط بتذكار إعطاء الله شريعتَه على جبل سيناء.
(آ 23-25) أوّل يوم من الشهر السابع: أول يوم من كل شهر كان عيدًا عند بني إسرائيل وبني كنعانَ على السَواء (عا 8: 5). ولكن المقطع الذي نقرأه، لا يحتفظ إلاّ باليوم الأول من الشهر السابع وهو أول شهر من أشهر السنة. وهكذا صار هذا العيدُ عيدَ رأس السنة.
"يوم عطلة وتذكار واحتفال مقدّس على صوت البوق" (آ 34): شبتون "أي عطلة وامتناع عن العمل" (راجع في العربية سبت أي استراح)، "زكرون" أي تذكار: سيتذكّر الربُّ حاجاتِ شعبه في بابل. كان يومُ رأس السنة يومًا يَعزُم الله فيه على التدخّل من أجل شعبه. وكان المؤمنون يهتفون بالبوق ثلاث مرّات إيذانًا بمجيء السنة الجديدة.
( آ 26-32) يوم الكفّارة: تحدّثنا عن هذا اليوم في (16: 29-34).
(آ 33-36) عيد المَظالّ: في هذا العيد كانوا يصنعون لهم خيامًا من أغصان الأشجار، ويقيمون فيها خلال زمن القِطاف. من أجل ذلك كان هذا العيد يسمّى عيدَ القِطاف (خر 23: 16؛ 34: 22).
يرجع هذا العيد الى أصلْ كنعانيّ (قض 9: 27)، وكان قِمّةَ السنة الزراعيّة. كانوا يجمعون فيه الغلال، ثم يبتهجون ابتهاجًا عظيمًا (تث 16: 13-14). إهتمّ شعب إسرائيل القديم بهذا العيد اهتمامًا مميّزًا فسمَّوه عيدَ الحجّ (1 مل 8: 2 ؛ حز 45: 25) والعيدَ الكبير.
(آ 37-38) الخاتمة: تلك أعياد الربّ التي تحتفلون فيها احتفالاً مقدّسًا.
(آ 39-44) عيد المَظالّ أيضًا وأيضًا: عاد الكاتب الى الحديث عن عيد المَظالّ كَما كان التقليد الأورشليميّ يحتفل به. وكما أنّ عيد الفصح كان يذكر الشعب بالخروج من مصر، وعيدَ العنصرة بعهد سيناء، فعيدُ المَظالّ سيرتبط بإقامة بني إسرائيل في البريّة تحت الخيام

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM