الفَصل الثَامِن: هَارُونُ وَبَنوهُ يُقرّبون الذّبَائح

الفَصل الثَامِن
هَارُونُ وَبَنوهُ يُقرّبون الذّبَائح
9 : 1 – 24

أ- المقدّمة
بعد أن تولّى هارون وبنوه منصبهم الكهنوتيّ من يد موسى، بدأوا ممارسة واجباتهم بتقريب الذبيحة لله في اليوم الثامن للاحتفال، أي في اليوم الأول لكهنوتهم. فالأيّام الثمانية تشكّل احتفالاً واحدًا تكون فيه الأيّام السبعة تهيئة لثامنها. تكرّس الكهنة، فمارسوا منذ اليوم الأوّل كهنوتهم كاملاً، وقدّموا في حفلة واحدة أربعةَ أنواع من الذبائح الرئيسيّة، أي ذبيحةَ الخطيئة والمحرقةَ والتقدمةَ وذبيحة السلامة.
لقد تم تكريس هارون وبنيه بحسب التقليد الكهنوتيّ، في اليوم الثامن من الشهر الأوّل من السنة الثانية، لإقامة بني إسرائيل في بريّة سيناء (خر 40: 2-17). تكرّسوا فقدّموا ذبائح عنهم، ثم عن الشعب فقرّبوا الشعب الى الربّ.
ما يَلفِت النظر في هذا المقطع، هو دور هارون المميَّز. بعد أن تنتقل إليه سلطة موسى، سيعمل هو وحدَه تقريبًا عملَ الكهنة، كما أنّه سيلعب الدور الذي كان يلعبه الملك في تقدمة الذبائح. وهكذا يكون من الممكن أنّ هذا النصّ هو أساس تنصيب كل رئيس كهنة جديد.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
(آ 9: 1-7) تهيئة الذبائح: الذبائح تقام أمام الشعب كلّه.
نحن في عيد الخريف، عيدِ المَظالّ (23: 36) الذي يذكّر الشعب باقامته في البرية تحت الخيام. المجد (كابود في العبرانيّة) يدلّ على منظر الغنى والبهاء اللذين يتمتع بهما رجل عظيم. بالنسبة الى التقليد الكهنوتيّة مجد الرب هو حضوره القدير المتسامي الذي يصل الى الشعب بواسطة الكهنة وعبرَ الذبيحة. هذا المجد كان ملموسًا بالسحاب (خر 3:40 ي؛ 1 مل 8: 10) الذي هو رمز حضور الإله وكلِّ إله عند العبرانيّين وعند الكنعانيّين. أمّا أوضح صورة في هذا الحضور، فنحن نقرأها في سفر الخروج (24: 15-17): "وصعد موسى الجبل، فغطّى السحاب الجبل. وحلّ مجد الرب على جبل سيناء، وغطاه السحاب ستةَ أيام، وفي اليوم السابع دعا موسى من جوف السحاب. وكان منظرُ مجد الربّ كنار آكلة". أمّا مجد الرب على خيمة الاجتماع فنقرأ عنه في سفر الخروج (9:32؛ 40: 34-35) وسفرِ العدد (16: 42).
(آ 8-14) تقدمة الذبائح عن الكهنة: هذه الذبيحة عن الخطيئة تتمّ كما في (8: 14-17). لا يقول النصّ إنّ الدمّ يوضع داخل المعبد (رج 4: 5-7)، لأنّ هارون لن يدخل الى المعبد إلاّ في ما بعدُ. أمّا طقس المحرقة فيمارَس كالمعتاد (رج 1 :3 - 9).
في هذا المقطع يبدو بنو هارون كمساعدين له وحسب: يناولونه الدمّ، يناولونه المحرقة (آ 12-13)، ولكنّه يقترب وحدَه من المذبح ويقوم بالأعمال الرئيسيّة.
إنّ الرسالة الى العبرانيّين (9: 7) تذكر واجب الكهنة اللاويّين في تقديم الذبيحة عن أنفسهم ثم عن الشعب، ورئيس الكهنة في تقديم الكفّارة عن خطاياه ، ثم عن خطايا الشعب.
(آ 15- 21) تقدمة الذبائح عن الشعب: تبدأ محرقة الصباح (رج 6: 9) بعد أن يتولّى هارون منصبه، وترافقها تقدمة. نحن لسنا هنا أمامَ خبرة بل أمام توجيه طقسيّ: هكذا يجب أن تعملوا.
(آ 22-24) البركة الأخيرة: يُختَتم الاحتفالُ بالبركة الأخيرة. مثلُ هذه البركة نقرأها في سفر العدد (6: 24-26) والملوك الأوّل (8: 56-58).
خرجت نار من عند الرب وأحرقت... النار تأتي من عند الرب (تك 17:15 ؛ قض 6: 21 ؛ 1 مل 38:18، 1 أخ 1 26:2). وهذا يبيّن أنّ الرب رضي بالتقدمة وقبلها، فبلغت هدفها. فإذا كانت أوّل ذبيحة قدّمها هارون قد قُبلت، فهذا يعني أنّ جميع الذبائح التي يقدّمها أبناؤه في المعبد، بفضل كهنوتهم، مقبولةٌ وشرعيّة. وهكذا يشدّد الكاتب على حقيقة كهنوت هارون بعلامة ملموسة.
بنى داود مذبحًا على بيدر أرونا، وقدّم سليمان محرقة في الهيكل الذي بناه. وهذا ما فعله هارون بعد أن وليَ منصبَ الكهنوت.
هتفت الشعب للرب هتاف الفرح. إنّ الشعب يشترك بعينيه، فيرى ما يحدث على المذبح، ويشترك بيديه فيتقبّل ما يعطى له، ويشترك بركبتيه فيقع ساجدًا على وجهه الى الأرض، ويشترك بفمه فيهتف هتاف الفرح، لا هتافَ الفساد كما يفعل الوثنيون، بل هتافَ الجماعة المؤمنة: "هلمّوا نرنّمْ للربّ ، نهتف للخالق مخلصنا".

ج- بعض المعاني الكتابيّة
1- ذبيحة الكهنة

قال موسى لهارون: "إقترب الى المذبح واعمل للرب ذبيحة خطيئتك ومحرقتك، وكفّر عن نفسك وعن الشعب" (7:9). وقالت الرسالة الى العبرانيّين (5: 1-4): "فإنّ كلّ حَبر يؤخذ من بين الناس ويقام لدى الله من أجل الناس، ليقرّب قرابين وذبائح كفّارة عن الخطايا، وبوسعه أن يشفق على الجهّال والضالّين، لأنّه هو نفسَه متسربل بالصعب. فعليه إذًا أن يقرّب كفّارةً لخطاياه كما يقرّب كفّارة لخطايا الشعب. وما من أحدٍ يتولّى بنفسه هذا المَقام، إلاّ إذا دعاه الله كما دعا هارون". رغم الشبَه الحاصل بين كهنة العهد القديم ويسوع، فيسوع ليس كاهنًا كما يقول سفر اللاويّين وإلاّ لخضع لكهنوت اللاويّين. ولكن يسوع يرتبط بنظام أسمى من نظام كهنوت هارون. أجل، إنّ الكهنوت يأتي من الله ويتوجّه الى الله، هو الذي اختار هارون على يد موسى، ولم يتوَلَّ هارون هذا المَقام إلاّ لمّا دعاه الله. وهكذا فالمسيح لم ينتحل المجد، فيجعلَ نفسه حبرًا، بل تلقّى هذا المجد من الذي قال له: "أنت ابني وأنا اليوم ولدتُك " (مز 2: 7). وقال له في مكان آخر (110: 4): "أنت كاهن للأبد على رتبة ملكيصادق" (عب 5: 5-6).
2- البركة الأخيرة في الاحتفالات

يقول سفر اللاويّين (9: 22): ولمّا أكمل هارون... "رفع يده نحو الشعب وباركهم". البركة هي أعظم عطيّة من عند الرب، والربّ هو من يبارك عادة. يبارك الأرض ويبارك نبْتها، وبالأمطار يطرّيها (مز 65: 11). يبارك عبده إبراهيم، فيَرزُقه غنمًا وبقرًا وفضّةً وذهبًا (تك 24: 35). والرب يبارك بواسطة الوالدين: بركةُ الأب توطّد بيوت البنين، ولعنةُ الأم تقلع أسسَها (سي 3: 8)، والربّ يبارك خصوصًا بواسطة كهنته بعد الاشتراك في الليتورجيا. نقرأ في سفر العدد (6: 24-26): "يبارككم الربّ ويحفظكم، يضيء الربّ بوجهه عليكم ويرحمكم. يرفع الرب وجهه نحوكم ويمنَحكم السلام". ونقرأ في سفر الملوك الأوّل (8: 56-58) بلسان سليمان الملك الذي هو في الوقت ذاتِه كاهنُ شعبه: "تبارك الربّ الذي وهبَ شعبَه الراحة. ليكنِ الربّ إلهُنا معنا كما كان مع آبائنا.. وليمِلْ بقلوبنا إليه، لنسلك في جميع طرقه ونحفظ وصاياه ". وفي المزمور (3:134) نقرأ: "ليباركك من صهيون الربّ صانعُ السماوات والأرض " (رج سي 23:50-24).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM