الفَصل السَابع: شَريعَةُ التّكْريس

الفَصل السَابع
شَريعَةُ التّكْريس
8 : 1 – 36

أ- مقدّمة
يَروي هذا الفصل تكريسَ هارون وبنيه، وتقليدَهم وظيفتَهم الكهنوتيّة، ويحدّثنا عن اختيار الله لهم على يد موسى، ليكونوا كهنة على الشعب. جعل النصّ في إطار سيناء، وزمنِ موسى، ولكن الواقع يبيّن لنا أنّ الكهنوت الذي يعرِضه أمامنا يرجعُ الى العصر الذي دُوّن فيه سفر اللاويّين، أي ما بعدَ الجلاء.
هناك على الأقلّ ثمانيةُ أعمال يقوم بها موسى: يقدّم هارونَ وبنيه، يغسلهم بالماء (آ 6)، يلبسهم ملابسَ الكهنوت (آ 7-13)، يمسح المسكِن ويقدّسه (آ 10- 11). ثم يقدّم ثلاثَ ذبائح (آ 14-28)، ويقوم بطقس التكفير (آ 30) والوليمة المقدّسة (آ 31) وأخيرًا يأمرهم بالانزواء سبعة أيّام (آ 33). إن هذه المجموعة من المراسيم قد جُعلت هنا، لتطمئننا أنْ لا شيء قد أُهمل، وأنّ الاحتفال كان كافيًا.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
(آ 8: 1-3) المقدّمة: لقد نفّذ موسى ما أمره به الربّ (خر 28: 1 ي )، فكرّس هارونَ وبنيه كهنةً.
تذكر هذه الآيات (1-3) الثيابَ (خر 28: 2 ي) وزيتَ المسح (خر 29: 7) وعجلَ ذبيحة الخطيئة (خر 29: 2-10) والكبشَين (خر 29: 15) وسلّةَ الفطير (1 خر29: 2-3) والاجتماعَ على باب الخيمة (خر 29: 40).
"وقال الرب" هذه العبارة تدلّ على بداية قسم جديد (رج 6: 9). إنّ التعليمات المفصلّة عن تهيئة الاشياء التي ستستعمل في الاحتفال، هي من مميّزات النصوص الطقسيّة في الشرق القديم، مثلاً: عيد السنة الجديدة في بابل، أو عيد تكريس الفرعون ملكًا.
(آ 4-13) موسى يلبس هارون وبنيه ويمسحهم بالزيت: الأفود هو إمّا صنم (قض 27:8) وإمّا شيء للعبادة (1 صم 21: 10). أمّا اللّباس فأصله مصريّ، وهو مؤلّف من قطعة كتّان، يجعله الكاهن عليه عندما يقوم بمراسيم العبادة. والزنار أيضًا أصلُه مصريّ.
الأوريم والتوميم هي أشياء (أو حجارة) مقدّسة توضَع في جيب خاصّ، فتعطي السائلين ثلاثةَ أجوبة: نعم، كلا، لا جوابَ (1 صم 28: 6؛ رج خر 28: 30). العِمامة كانت لباسَ الملوك (خر 21: 31) وأصلُها مصريٌّ أيضًا.
زيت المسح هو ما يميّز رئيس الكهنة عن الشعب (قض 9: 9). منذ بداية الملكيّة، كان الملوك يُمسحون بالزيت المقدّس، فتصير قدرة الله فيهم (1 صم 10: 1 ي عن شاول؛ 16: 12-13 عن داود).
لباسُ الكهنة هذا هو لباس الملوك قبل المنفى. ولكنّ التقليد الكهنوتيّ سيعطي معنًى دينيًا لكل قطعة من هذا اللباس: يلبَسه رئيس الكهنة، فيلقي الخوف والرهبة في قلوب الحاضرين.
(آ 14-17) الذبيحة من أجل الخطيئة: بعد حفلة اللباس تبدأ ذبيحة من أجل الخطيئة: يتطهّر المذبح، فيصير موضعَ لقاء الله للإنسان. ومن دون ذبيحة الخطيئة هذه، يبقى للاستعمال العاديّ، بعد أن نجّسه الإنسان بخطيئته.
(آ 18- 21) المحرقة: تقدمة الكَبْش أمرٌ معروف في الذبائح القديمة (تك 15: 9)، وهو الضحية المفضّلة في ذبائح التكفير (5: 15). تتمّ الذبيحة على المذبح المقدّس حديثًا، أمّا طقوسُها فهي التي قرأناها في 1: 10-12.
(آ 22-28) حفلة التنصيب: بعد تقدمة الكبش الثاني يبدأ تكريس هارون وبنيه.
في آ 28 كلمة "تكريس" تترجم العبرانيّة "ملا" الله (رج قض17: 5-12)، وهذا يدلّ على حقّ الكاهن الجديد في مشاركة الله، في التقادم التي تأتي الى المعبد. هذه العبارة نجدها في الطقوس الأشوريّة، وهي تذكّرنا بحركة المؤمن الذي يضع تقدمته في يد الكاهن.
(آ 29-36) طقوس أخرى لتكريس الكهنة: وتبقى طقوس جاءت الى أورشليم من هذا المذبح أو ذاك ، ولكنّ المشترع لم يعرف أين يضعها في هذا الإطار العامّ الذي رسمه الكهنة ليؤلّفوا بين الطقوس. لذلك سيجعلها في ملحق خاصّ، وهدفُه من ذلك أن لا يضيع تقليدٌ من تقاليد شعب الله في كل أرضه.
تقيمون سبعة أيّام. هذا هو آخر طقس تطهيريّ، وفترةُ سبعة أيام هي الوقت الذي يحتاج إليه الكاهن لينتقل من بيته العاديّ الى بيته الكهنوتيّ.
فلا تموتون. من تعدّى وصايا الله سَواءٌ أكان على الصعيد الطقس أم على الصعيد الأخلاقيّ ، يموت موتًا. هذا ما حدث لنادابَ وأبيهو (10: 1 ي ).

ج- بعض الملاحظات حول الفصل السابع
الملاحظة الأولى: عن الأفود. إنّ هناك ثلاثةَ أو أربعةَ أنواع من الأَفود. النوع الأوّل: "أفود بز" (راجع في العربيّة البزّ)، وهو المصنوع من الكتّان الأبيض، وكان الكهنة يرتدونه ليستروا به عَورتهم. كان الصبي صموئيل يلبس هذا الأَفود (1 صم 18:2) ، ومثلَه فعل داود (2 صم 6: 14-20) ، فقالت فيه امرأته ميكال: "كاد يكون عريانًا ". النوع الثاني: الأفود الذي جعله أبياتار على يده، حين أمر شاول بقتل كهنة شيلو في نوب (1 صم 23: 6). لقد كان ولا شكّ خفيفًا ليستطيع إبياتار أن يحمله وينجوَ بنفسه. وعندما سأله داود: أين يتوّجه، رجع إلى الأفود (2 صم 23: 9)0 اذًا كان هذا الأفود يستعمل للعِرافة ، وكان يلبسه الكاهن في أوقات خاصّة. النوع الثالث: أفود رئيسِ الكهنة الذي يذكره سفر اللاويّين في هذا الفصل، ويصوّره لنا سفر الخروج (28: 6-7 ؛ 39: 2-4) على الشكل التالي: له كتفان موصولتان ، وكان مصنوعًا من ذهب وكتّان... كان له جيب للقُرعة المقدّسة (أوريم وتوميم). النوع الرابع: هو صورة وتمثال. يقول سفر القضاة (27:8) إنّ جدعون صاغ أفودًا (من ذهب)؛ ويقول أيضًا (قض 4:17- 5): إنّ ميخا عمل صنمًا ثم صنع أفودًا وترافيم وكرّس أحد أبنائه، فصار له كاهنًا. ويذكر أشعيا (30: 22): غشاء المسبوكات من الذهب أي "أفودة" وهي صنم مصنوع من الخشب ومطعّم بالذهب (تث 25:7، اش 40: 19). وهكذا نتساءل عن هذا النوع الأخير: هل هو غلاف يلتصق بلباس الكهنة، أم تمثال من الخشب مُغشًّى بالذهب.
الملاحظة الثانية: عن الأوريم والتوميم، وهي تدلّ على القرعة المقدّسة. كانت الأوريم والتوميم تُحفظان في جِراب أو جيب (أو في الأفود)، ومن هناك تُرميان. أمّا الأجوبة الممكنة فثلاثة: نعم، كلاّ، لا جواب. سأل شاول الربّ فلم يجبه الربّ لا بالأحلام، ولا بالأنبياء، ولا بقُرعة الكهنة المقدّسة. ونقرأ أيضًا في حياة شاول (1 صم 14: 41) أنّه سأل الربّ: لماذا لم تجب عبدَك اليوم؟ إن كانت هذه الخطيئة فيّ أو في ابني يوناتان، أيّها الرب إله إسرائيل، فأجبني بالأوريم، وإن كانت في شعبك بين إسرائيل فأجبني بالتوميم. ما معنى هذا الكلام؟ لا نجد جوابًا الى سؤالنا في الترجوم، ولكن السبعينيّة اليونانيّة واللاتينيّة الشعبيّة تترجمان الكلمتين: العلم والحق. أمّا ترجمة سيمّاك اليونانيّة فتتبع تفسير التلمود وتقول "الأنوار والكلمات"، مستندةً إلى معنى كلمة "أور"، أي النور، وكلمة "تمم"، أي التمام والكمال. ثم إنّ هناك عددًا من الشروح القديمة. يقول التلمود إنّ الاسم المقدّس كتب بين صفّي ضلوع الصدر، وإنّ ما يقوله من خلال الكتابة واضح كالنور، وهو يتمّ في أوانه، وقال يوسيفوس المؤرّخ: كانت الحجارة الكريمة الاثنتا عشْرةَ تُشعّ، فتدلّ بشعاعها على ما يُقرّه الله. وقاد فيلون الإسكندريّ: كانت الأوريم والتوميم تمثالَين صغيرين كتماثيل القُرعة في مصر. بهذا الشرح الأخير يمكننا أن نفسّر لماذا يرتبط الأَفود بالترافيم وسائر التماثيل. أمّا الرأي الذي يجعل "أوريم " تشتقّ من "أرر" العبريّة التي تدلّ على اللعنة، و"وتوميم" من كلمة "تمم" التي تدلّ على أنّ الشيء يتمّ، فهو يعتبر أنّ الأوريم يعني كلاّ، وتوميم يعني نعم.
الملاحظة الثالثة: عن التاج المقدّس: العبارة العبرانيّة "نزر هاقدش" أي نذر القديس. الشخص المكرّس في شعب إسرائيل القديم لا يقصّ شعره، لأنّ قصّ الشعر حرام، وعلى المكَّرس أن يحفظه من أيّة نجاسة، إمّا بأن يرسله بسيطًا على طريقة الناذرين (كما فعل شمشون)، وإمّا أن يحفظ رأسه محلوقًا على طريقة الرومان قديمًا والبوذيّين حديثًا. إنّ الملوك كانوا يضعون حلقةً حول رؤوسهم، ليسترسل شعرهم فوقها (قض 5: 2)، وفيما بعد سيضعون التاج على رؤوسهم. ترجمت السبعينيّة اليونانيّة والشعبيّة اللاتينيّة الآيةَ التي ترد فيها عبارة "نزرها قدش" على الشكل التالي: "ووضع العمامة على رأس هارون، ووضع على العمامة صفيحةً من الذهب كما أمر الرب موسى". وزادت ترجمة أخرى "رمز تكريسهم للرب" قال يوسيفوس: إنّ عمامة رئيس الكهنة كانت كعمامة سائر الكهنة، إلاّ أنّه كان يُحيطها بتاج من الذهب المصقول بثلاث صَفيحات، الواحدة فوق الأخرى مع كأس من الذهب من فوقها، بشكل زهرة تويجيّاتُها مسنونة. إن ما قاله يوسيفوس يذكّرنا بالمَسح بالزيت المقدّس. في وقت من الأوقات كان رئيس الكهنة يُمسَح وحدَه بالزيت المقدّس (8: 12)؛ ولكنّ سفر الخروج (28: 41) يقترح أن يمنح جميع الكهنة بالزيت المقدّس، فلا تكونَ المسافة شاسعةً بين الكهنة ورئيس الكهنة. وكذا نقول عن اللباس الأبيض الذي كان خاصًّا بالكهنة إلى عهد أغريبا الثاني (ملك خلقيس سنة 48 ب م)، قبل أن يعمّم على كل اللاويّين أيضًا. ولكنّ حبّ التمايُز غريزة في الإنسان. فحين لبس اللاويّون لباسَ الكهنة، زيّن الكهنةُ رؤوسهم بعِمَامة خاصّة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM