الفَصلُ التَاسِع: تَنْظيمَاتٌ أخرىَ لِلكَهَنَة

الفَصلُ التَاسِع
تَنْظيمَاتٌ أخرىَ لِلكَهَنَة
10 : 1 – 20

أ- مقدّمة
يكمّل الفصل العاشر ما قاله الفصلان السابقان عن تَوْلية الكهنة لمَنْصبهم. ينطلق من أحداث واقعيّة، فيعطينا بعض التنظيمات المرتبطة بتصرّف الكهنة.
خلال زمن الجلاء تجمّعت فصائل الكهنة من معابد أرض إسرائيل المنتشرة في البلاد، فتوحّدوا حول جَدّ واحد منه يتحدّرون، هو هارون الكاهن. ولكنّ هذا التوحيد لم يَخْلُ من الجدل الشديد، وإنّ كلّ الكهنة الذي ادّعوا انتماءهم إلى نسل هارون لم يُقبلوا في صفوف الكهنة. هذا ما يلمّح إليه الفصل الذي نحن بصدَده. وسوف يعلّم الكهنة بعد الجلاء أنّ نسل ابنَي هارون نادابَ وأبيهو، ليسا من الكهنة، لأنّ جَدّيهما قد عوقبا بسبب خطيئة اقترفاها في القيام بطقوس العبادة، فلم يُبقِ لهما الربّ عَقِبًا (عد 3: 2-4؛ 26: 60- 61؛ 1 اخ 24: 1-2). أمّا ابناه الآخران، أي ألعازارُ وإيتامار، فهما وحدَهما يحملان كهنوت هارون الذي حُصِر في نسلهما.
في هذه الآيات نجد إذًا خبرًا يعلّل فيه الكاتب تطوّرَ الكهنوت من حالة الى حالة. هذا هو السبب الذي لأجله حُصر الكهنوتُ في نسلَي ألعازَار وأبياتار. والأمرُ ليس وليدَ الساعة، كما تقول كتب الكهنة، بل يرجع الى عهد موسى وهارون (قابل 10: 1 وعد 17:16-18؛ لا 2:10 وعد 35:16)

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
(آ 10: 1-3) خطيئة ناداب وأبيهو: "نار غير مقدّسة". الكلمة العبرّية "زرة" تَعني النار الغريبة والدخيلة التي لا عهدَ للكهنة بها، ولكن ناداب وأبيهو كانا كاهنين! لهذا نتساءل: هل قاما بشعائر دينيّة غريبة عن شعب الله (اش 12:43؛ حز 44: 9-14)، أم هل دخلا المعبد وهما بحالة السُّكر؟ على كل حال، لا يهمّ أنّ نعرف ما كانت خطيئة ناداب وأبيهو بقدرْ ما نفهم أنّ هذه الحادثة ستعلّم الكهنة أن يمتنعوا عن الحزن أمام الميت.
جاءت نار وقتلتهما (رج عد 35:16؛ 2 مل 1 :10).
إنّ الذين يقتربون مّني. نجد هنا وجهين من سموّ الله وعلوّ قدره: مجدَه الخارجيّ الذي نستطيع أن نتأمّله إن كنّا أعضاءً في شعبه، وقداستَه التي لا يصل إليها أحدٌ ولا يشاركه فيها إلاّ القريبون منه، أي الكهنة. عندما يضرب الرب أحدَ المتعدِّين على قداسته، فهو يعطي الدليل على مَقامه الرفيع. فعلى الكهنة أن يمارسوا وظيفتهم بحسب الأحكام والوصايا التي أمرهم بها الرب ، لئلاّ يموتوا كما مات ناداب وأبيهو.
"وأسِف هارون" أو "وظلّ هارون صامتًا".
(آ 4- 5) محل الجثّتين: دعا موسى ميشائيل والصافان، ابنَي هارون (رج خر 6: 18-22)، ولم يكونا من الكهنة على ما يبدو، فحملا الجثّتين لئلاّ يتنجّس أحدٌ بوجودهما في المحلة.
(آ 6-7) قواعدُ الحزن الخاصّةُ بالكهنة: كان الناس في حزنهم يرسلون شعورهم أو يحلقونها (أي 1: 20)، ويمزّقون ثيابهم (تك 37: 34)، وينوحون على موتاهم (تك 23: 2). هذه الأعمال كانت مقبولة في شعب الله، أمّا الخدوش في الأبدان فكانت ممنوعة منعًا قاطعًا (19: 28). بالإضافة الى ذلك حُظر على الكهنة أيّةُ علامات حزن. إنهم يمثّلون الله الحيَّ القدّوس، فلا يحِقّ لهم أن يكونوا على اتّفاق مع الموت وما يمثّله من نجاسة.
(آ 8- 11) الامتناع عن الخمر: نجد مثل هذا الأمر في سفر حزقيال (44: 21): "لا يشرب كاهن خمرًا عند دخوله الى الدار الداخليّة". كيف يُمكن رجلاً أن يفقد عقله بالمُسكرات فيعلّمَ بني إسرائيل فرائض الربّ وسُننه؟
(آ 12-15) حصّة الكهنة من التقدمات: يشدّد الكاتب على قدسيّة الفطير (رج 6: 9)، ويحذّر من الأخذ بالمعنى الدينيّ الذي يعطيه الكنعانيّون للفطير. إنّ أبناء شعب الله يأكلون الفطير، ليشكروا الربّ على خير السنة المقبلة.
يميّز الكاتبُ بين المكان الطاهر (آ 14) والمكان المقدّس (آ 13) الذي هو رِواق الخيمة (رج 6: 9-19). والمكان الطاهر المذكور في (4: 12؛ 6: 4) يقع خارج المحلة.
(آ 16-20) شريعة خاصّة بذبيحة الخطيئة: نرى في هذه الآيات طريقةً لتنظيم التشريع في شعب إسرائيل. يقعِ حادث فيناقشه الكهنة، ويتّخذون قرارًا بشأنه، ثم يقدّمونه "قانونًا" للشعب مستوحًى من كلام الله، كما ورد في توراة موسى.

ج- نظرة سفر اللاويّين الى الكهنوت.
1- قصة ناداب وأبيهو

لقصّة ناداب وأبيهو مغزَيان: المغزى الأول يدلّنا على مصير أفراد الشعب الذين يريدون أن يتصرّفوا كالكهنة، والمغزى الثاني يُفسِّر لنا السبب الذي من أجله تفرّد ابنا هارون، ألعازار وأبياتار، بوظائف الكهنوت.
إنّ القداسة أمر خطِر، إذا كان الذي يقترب منها ليس الشخصَ المعيّن، وإذا كان يلعب دورًا ليس له، هذا من جهة. ومن جهة ثانية كان التقليد الكهنوتيّ يعتبر كهنةً أبناءَ فنحاس وأبناءَ هارون عبر إيتامار. أمّا التقليد اليَهْوَهيّ القديم (خر 24: 1-9- 11) فهو يعتبر أشخاصًا مقدّسين ومكرّسين لخدمة الرب كلَّ الذين صعدوا مع موسى إلى جبل سيناء، أي نادابَ وأبيهو والسبعين شخصًا. لهؤلاء أعطي أن يرَوا الرب دون أن يمسَّهم أذى. أمّا نادابُ وأبيهو فقد تعديّا صلاحيّاتهما، وأرادا أن يقتربا من المذبح بتقدمة، أو بحالة لا يرضى الله بها، فكانت النتيجة مُفْجعة.
يمكننا أن نقابل ما حصل لناداب وأبيهو بما حصل للملك عزيّا (2 اخ 26: 16- 21) الذي ضُرب بالبرص، لأنّه أراد أن يقوم بعمل خاصّ بالكهنة. أراد أن يقدّم البخور، وهذا أمر محفوظ للكهنة بحسب سفر الأخبار المكتوبِ بروح التقليد الكهنوتيّ، فضُرب بالبرص. وإذ صار نجِسا بسبب مرضه، أُجبر على الابتعاد عن الربّ القدّوس.
2- الكهنة بنو لاوي

هناك نصوصٌ كتابيّة عديدة تسمّي الكهنةَ اللاويّين أو بني لاوي، والتحدّرُ من نسل لاوي شرطٌ لا بدّ منه لممارسة الكهنوت.
من أين تأتي كلمة "لاوي"؟ قالوا: إنّ فعل "لوا" العبرانيّ يعني من دار على نفسه. فيكون اللاوي هو رجل الرقص الانتشائيّ على مثال "الدراويش" أو الرائين الأوّلين (1 صم 10: 5-6). وقالوا: إنّ فعل "لوا" يعني رافق وتعلّق وانضمّ. فاسمُ لاوي الذي ولدته لَيْئةُ زوجةُ يعقوب، فسّره الكتاب على لسان أمّه: هذه المرةَ يلوي (أي يتعلق) إليّ زوجي (تك 24:39). وإنّ رجال قبيلة لاوي انضمّوا إلى هارون وتعلّقوا به (عد 18: 2-4). راجع في العربية كلمة "ولى" (بتبادل الحروف) ووالى أي صادق وناصر. وقالوا: إنّ "لوا" العبريّة تعني أعار وأقرض. فاللاويّون هم "العارية" أي ما يعطى عن أبكار بني إسرائيل (عد 3: 12؛ 8: 16). فصموئيل مثلاً قد أعاره والداه للربّ (1 صم 1 :28). ونرى في النصوص القديمة كلمة "لوا" التي تدلّ على أشخاص وأشياء مكرّسين للرب.
المعنى الأول يبقى معنًى تفسيريًّا لاحقًا. والمعنى الثاني يجد أساسه في الكتاب المقدّس. والمعنى الثالث يطرح مشكلة أساس اللاويّين. على كلّ حال، فالكتاب المقدّس يربط جماعة الكهنة هؤلاء، باسمٍ علَم هو لاوي، أحدُ أبناء يعقوب. وهذا الاسم يمكن أن يكون اختصارًا لكلمة "لاوي إيل " التي نقرأها في نصوص مدينة ماري "لاوي لـ ي " وقد نسخت عند المصريّين "راوي ر"، ومعناها من ارتبط بالله وصاحَبَه

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM