القِسمُ الثاني
تكريسُ الكهَنَة وَتوليَتهُم وَظائِفَهم
8 : 1 – 10 : 20

إنّ ف 8-10 تلخّص البُنْية الإخبارّية الرئيسيّة لعمل الكهنة انطلاقًا من سفر الخروج (29: 35) القائل: "فاصنع هذا كله لهارون وبنيه كما أمرتك به. في سبعة أيام تكرّسهم". لقد تضمّن سفر الخروج (ف 25- 31) تعليماتٍ عن صنع الخيمة، وعن البدء بشعائر العبادة، وبيّنت ف 35-40 كيف وضع موسى هذه التعليمات موضعَ العمل. غير أنّنا لا نجد في سفر الخروج كيف وُضعت موضعَ العمل التعليماتُ المتعلّقة بتكريس الكهنة (رج خر 29: 1 ي ). من أجل هذا كتب الفصل الثامن من سفر اللاويّين. كانت ف 1-7 قد أدخلتنا في إطار إخباريّ فزوّدتنا بتعليمات طقسيّة عن الذبائح المقدّسة بمناسبة تكريس الكهنة، ونَقلَ إلينا (ف 40) من سفر الخروج عناصر متعلّقة بهذا التكريس، كمسْح الخيمة وما تحتوي بالزيت المقدّس (خر 9:45- 11، رج لا 8: 10- 11) وظهور مجد الربّ (خر 40: 34-35؛ رج لا 23:9). وها قد جاءت هذه الفصول الثلاثة (8-10) لتحدّثنا عن تكريس الكهنة وتَوليتهم وظائفَهم.
كتبت هذه الفصول بعد الجلاء، فأبرزت مكانةَ هارون كرئيس للكهنة (3:4)، وبيّنت أنّ الكهنوت محصور في أبنائه (1: 5). ولكّنها لم تنس مكانة موسى، وهو من يسلّم مسؤوليّة إقامة الذبيحة الى هارون (9: 1 ي). وكان قد سبق له أنْ رئِسَ شعائرَ العبادة وكرّس الكهنة (8: 1 ي)، ففتح الطريق أمام داودَ الشيخ لمّا كرّس أبناءه كهنة.
إنّ العلاقة بين موسى وهارون تعكس الى حدّ بعيد العلاقةَ بين يشوع، رئيسِ الكهنة، وزربّابل، أمير الشعب، كما يذكرها سفرا حجّاي وزكريّا. يشبه زرّبابلُ إلى حد يعيد، الملكَ داود. وقد قال فيه زكريا (6: 12-13): "ذلك الرجل الذي اسمه الغصن... هو يبني هيكل الربّ، وهو يحمل العلامات الملوكيّة، ويجلس على عرشه ويملك على شعبه. والكاهن أيضًا يكون على عرشه بقربه، وعهدُ سلام يكون بينهما". ولا بدّ من القول إنّ ما قاله زكريا (3: 1-9) عن تكريس يشوع قريب جدَّ القرب ممّا ستقوله النصوص الكهنوتيّة عن تكريس هارون. أجل، نحن أمام المثال الذَي يتعرّف إليه الشعب: اتّفاق كامل بين سلطة الملك وسلطة الكاهن، وكلاهما سيُسمح بالزيت المقدّس. هذا المثال سنجده في شخص يسوع الذي يكون كاهنًا، فيَبطُل معه كهنوتُ العهد القديم، ويكون ملكًا فيعلن عن ملك جديد: "تمّ الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالبشارة" (مر 1: 14).