الفَصل السَادس: تَعليماتٌ لِلكهَنَةِ عَنِ الذّبَائح

الفَصل السَادس
تَعليماتٌ لِلكهَنَةِ عَنِ الذّبَائح
6 : 1 – 7 : 38

أ- مقدّمة
تطرّقت الفصولُ الخمسة الأولى الى الذبائح من جهة مادّة الذبيحة ومقدِّمها، وسينظر الفصلان اللاحقان إلى الذبائح من جهة وظائف الكهنة وحقوقهم.
إنّ فرائض الفصلين (6-7) تتوجّه الى هارون وأبنائِه (6: 2-8)، وهي متأخّرة في الزمان عمّا ورد في الفصول الخمسة الأولى، ولكنّها ترتبط بها فتعطي تعليماتٍ جديدةً عن طقوس الذبائح التي سبق لنا وذكرناها. أمّا ما يميّز الجزء الثاني (ف 6-7) عن الجزء الأول (ف 1- 5) فهو تشديدهُ على أعمال الكهنة وحصّتِهم من الذبائح المتنوّعة.
في إطار الكهنوت والذبائح نتوقّف إذًا على خمسة أمور: المحرقةِ، التقدمة والقربان، ذبيحةِ الخطيئة، ذبيحةِ الإثم، ذبيحة السلامة.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
(آ 6: 1-6) المحرقة: يتحدّث الكاتب لا عن المحرقة التي يقدّمها عابدٌ فَرْد، بل عن المحرقة الرسميّة التي تقدّم صباحَ ومساءَ كلّ يوم، كما نعرفها في طقوس الهيكل الثاني (رج خر 38:29-42؛ عد 3:28-8). يبدو أنّ زمن الملوك (2 مل 16: 15) والمنفى (خر 46: 13-15) لم يعرف محرقة المساء التي أُسسّت في ما بعدُ كعلامةُ الرباط الدائم بين الله وشعبه.
النار الدائمة. طقس عرفه الفُرس، كما يقول المؤرّخ سترابون (15: 5: 15)، وجهِله المصريّون والأشوريّون والبابليّون. والنار في الطقوس الموسوّية لا تهدف إلى عبادة قوى الطبيعة، ولا إلى تكريم إله السماء الصافية، بل الى إعلان إيمانٍ بإله كشف لبني إسرائيل عن مشيئته عَبْرَ صورة من النار.
(آ 7- 11) تقدمه الدقيق: كانت الطقوس الكنعانيّة تسعى في احتفالاتها إلى التعبير عن تفجير قوة الحياة في الطبيعة (الخمير في الخبز)، في وليمة مقدّسة يرافقها الغناء والرقص، وما يتبع ذلك من انفلات أَخلاقيّ. أمّا سفر اللاويّين فهو يأخذ طقوس الكنعانيّين، فينقّيها ويعبّر بها عن عظمة ألله القدّوس: الكهنةُ وحدَهم يأكلون التقدمة. الخميرُ ممنوع، لأنّ اتّصال الأقداس بما ليس مقدّسًا أمرٌ محرّم. الغناء ينتظم في المزامير، والبَغاءُ المكرّس يُستَقبَح ويُستهجن. بعد هذه التنقية يمكن للمؤمن أن يقدّم الى الله محاصيلَ أرضه، فيعبّرَ بها عن تكريمه لإلهه.
كلّ من مسَّها يكون مقدّسا (آ 11). إنّ قداسة الأشياء تنتقل الى الإنسان من دون علم منه. فعلى الإنسان اللاّمقدّس أن يتجنّب ما هو مقدّس وإلاّ كان جزاؤه الموت.
كل ذكَر يأكُل منه. ولكن الفتيات، بناتِ الكهنة، فلهن حقُّهن من الذبائح (10 : 14؛ 12:22-13).
(آ 12-16) القربان: إنّ الكهنة كممثّلي الله يتقبّلون قسمًا من الذبائح. ولكن عندما يقدّمونها بأنفسهم، فلا يمكنهم أن يستفيدوا منها. إنّ الكاهن لا يقدّم تقدمةً ويستعيدها.
(آ 17-23) ذبيحة الخطيئة: نجد إعادة لما قرأناه في (4: 1- 5: 13) مع تشديد على قداسة الذبيحة. إن القداسة تنتقل كالعدوى إلى الإنسان أو إلى الأشياء.
(آ 7: 1- 10) ذبيحة الإثم: تبدو ذبيحة الإثم مماثلةً لذبيحة الخطيئة، فلا نستطيع التفريق بينهما.
ينتهي هذا المقطعُ باستطراد على حقّ الكهنة من ذبيحة الإثم: الكاهن الذي يقرّبُ محرقةَ أحدِ الناس يكون جلدُها من نصيبه.
(آ 11-36) ذبيحة السلامة: نجد هنا ملحقًا عن شريعة ذبيحة السلامة.
تبدو ذبيحة السلامة في ثلاثة أنواع. النوع الأول: الشكر. النوع الثاني: النَذْر النوع الثالث: التبرُّع، أي التقدمةُ التي لا يكون وراءَها نَذرٌ أو وعد.
ذبيحة الشكر (تودة في العبرانيّة راجع في السريانية "أودي" أي شكر واعترف وأقرّ، وفي العربيّة استودى بحقّه أي اقرَّ به) هي إقرار بعظمة الله وصفاته واعترافٌ بضعف الإنسان وخطيئته. كانت هذه الذبيحة ترتبط بأكل الخبز (عا 4: 5؛ ار 17: 26؛ 33: 11) وذبحِ الحيوان (22: 29)، وتقامُ بمناسبة الاحتفال بالعيد (عد 15: 3؛ مز 50: 14، 23 ؛ 13:56) فيحدّثون بعظائم الله (مز 105، 106، 107).
ذبيحة النُذور (" نزر" في العبرانية) والذبيحةُ الطوعيّة أي التبرّع ("ندبة" في العبرانيّة) ترتبطان بذبيحة الشكر دون أن تكونا منظّمتين مثلَها تنظيمًا دقيقًا.
تؤكل الذبيحة خلالَ اليومين على الأكثر وما بقي منها في اليوم الثالث يُحرَق (آ 16-17). أجل، يجب إلاّ يمتدَّ العيد طويلاً فيكونَ مناسبةً للتجاوزات والإسراف في الأكل والشرب. وذِكر اليوم الثالث ينطلق من اعتبارٍ يقول بأنّ الفساد يدبّ في الأجساد بعد يومين (هو 6: 2). ومن تعدّى هذه الشريعة، فأكل من لحم الذبيحة في اليوم الثالث ، فقد أبطل الهدفَ من ذبيحته التي صارت وكأنّها لم تكن.
بعد تنظيم ذبيحة السلامة على أنواعها، يوردُ النصّ سلسلةً من الفرائض والموانع (آ 8-21)
"أقطعه من شعبي" (آ 10 ، 21). إذا قطع البدويُّ من جماعته في الصحراء، فهذا يعني بالنسبة إليه الموتَ المحتَّم. أمّا العبارة فقد أخذت في سفر اللاويين معنًى أعمقَ فدلّت على حرمان الشخص من عون الله ، ومنعِه من التمتعّ بالمواعيد التي أُعطيت لإبراهيم.
ثم نقرأ أحكامًا تنهَى عن أكل الشحم والدم (آ 23-27) وفرائضَ تعلّم المؤمنين ما يجب عليهم إعطاؤه للكهنة (آ 28-36).
"يحرّك الصدر تحريكًا" (آ 30) قبل أن يرفع المؤمن تقدمتَه إلى الله ، كان يقوم بعمل طقسيّ فيحّرك القسمَ المقدّم لله قبل أن يقرّبه إلى الكاهن.
(آ 37-38) وينتهي القسمُ الأوّل بعبارة ختاميّة: تلك حصّةُ هارون، تلك شريعة المحرقة... ويربط المشترع الكلامَ الذي قيل في خيمة الاجتماع ، بأحداثِ جبل سيناء. "أمر الربّ بها موسى في طور سيناء".

ج- ملاحظات حول المذبح والذبيحة
بعد أن درسنا آياتِ الفصول السبعة الأولى، نتوقّف على موضوعين اثنين، الأول: المذبح، الثاني الذبيحة.
1- المذبح

المذبح هو العنصرُ الجوهري في المعبد. وفي قصّة الآباء يكفي إبراهيمَ أن يبني مذبحًا ليعلن عن تأسيس معبد للربّ (تك 7:12، 8؛ 18:13 راجع بالنسبة الى يعقوب 33: 20). الكاهن هو خادم المذبح، والذبيحةُ هي التقدمةُ المرفوعة على المذبح.
المذبح هو اسمُ مكانٍ من "ذبَحَ". فعلى المذبح كانت تُنحَر الحيوانات المقدّمة للرب. ولكن في ما بعدُ ستنحر الحيوانات بعيدًا، ثم يؤتى بها على المذبح. وسيُجعل على المذبح غيرُ الحيوانات المذبوحة: توضع تقادمُ من غلال الأرض، ويحرق البخور. بعد زمان سيفترق مذبح البخور عن مذبح المحرقة، فيُجعل هذا خارجَ الهيكل، ويبقى ذاك داخلَ المعبد (اش 6: 6).

أولاً: المذابح في كنعان قبلَ مجيء بني إسرائيل إليها
تعوّد الكنعانيّون أن يذبحوا على الصخر الطبيعيّ أو المنحوت، أو على حجر كبير أو على مذبح مبنيّ (رج قض 6: 19-23). ولقد اكتشف علماءُ الآثار في "البتراء" مذبحًا منحوتًا في الصخر، وفي "سرعة" مكعّبًا كبيرًا من الحجر سمَّوه مذبح منوح (قض 13: 19-20)، وفي "مَجِدّو" "بيمة" أي تلك الرَبوةُ من الحجارة التي تذبح عليها الذبائح.

ثانيًا: المذابح عند بني إسرائيل
نقرأ في سفر القضاة (6: 19-23) أنّ الملاك أمر جدعون أن يجعل اللحم والفطير على الصخرة، ففعل. حينئذ صعدت نارٌ من الصخرة وأكلت اللحمَ والفطير. تلك كانت ذبيحة جدعون. ونقرأ في السفر عينه (13: 19-20) أنّ منوح، والدَ شمشون، قدّم على الصخرة جَدْيًا من المَعْز محرقةً للرب، فكان عند ارتفاع اللهيب عن المذبح، أي عن الصخرة ، أنّ ملاك الرب صعد في لهيب المذبح.
ونقرأ في سفر صموئيل الأوّل (6: 14) أنّه لمّا عاد تابوت العهد على عجلَة من بيتَ شمس، شقّق أهلها خشبَ العجلة، وأصعدوا البقرتَين محرقة للرب على حجر كان هناك. وفي حرب شاول ضدّ الفلسطيّين بدأ الشعب ينحَر الحيوانات التي أخذها من العدوّ. حينئذ قال لهم شاول: دحرجوا صخرة كبيرة... واذبحوا ههنا. وبنى شاول مذبحًا للرب، وكان أوّل مذبح بناه للرب (1 صم 14: 32-35). ويذكر الكتاب أيضًا المذبحَ الذي بناه بنو جاد ورأوبين، وذلك الذي بناه داود على بيدر أرونا اليَبوسيّ (2 صم 24: 25. هناك سيبنى الهيكل)، وذلك الذي رمّمَه إيليّا (1 مل 18: 30-33).
يُصنع المذبح من تراب، وإنْ بُني بالحجارة فلا تُنحت الحجارة لئلا تتدنّس (خر 20: 24-26). وفي هذا السبيل يقول سفر التثنية (27: 5-6): "وتبنون هناك (في جبل عيبال) مذبحًا للرب إلهِكم، مذبحًا من الحجارة، لا ترفعون عليه حديدًا، من حجارة غيرِ منحوتة، تبنونه وتُصعدون عليه محرقات الرب إلهِكم". وسينفّذ يشوع (8: 30- 31) أمر الرب، فيبني مذبحًا للربّ في جبل عيبال. ولقد فسّر المعلّمون كلام الشريعة فقالوا: "المذبح يسامِح والحديد يعاقِب، المذبح يُطيل الحياة والحديد يقصّرها".

ثالثًا: مذابح العبادة في البرّية
إذا قرأنا ما كُتب عن تصوير المعابد في البريّة، فالخيمة (أو المسكن) كان لها مذبحان: مذبحُ المحرقات الموضوعُ أمام مدخل المسكِن (4: 18؛ خر 40: 6)، ومذبحُ البخور الموضوعُ في المسكِن أمام الحجاب الذي يفصل القسم الخَلفيّ، حيث كان تابوت العهد (خر 6:30؛ 5:40، 26).
يصوّر سفر الخروج (27: 1-8، 38: 1-7) مذبحَ البخور على الشكل التالي: مربعٌ من خشب السنط، طوله ذراع وقرونه قطعةٌ واحدة.
يبدو أنّ مذبح البخور ومذبحَ المحرقات هما صورة مصغّرة عمّا سيكونه هذان المذبحان في الهيكل.

رابعًا: قيمةُ المذبح الدينيّة
المذبحُ هو مائدة الربّ (خر 44: 16؛ ملا 1: 7 ، 12)، والطاولة التي يوضع عليها خبزُ التقدمة تشبه المذبح (خر 41: 21-22). لا شك في أنّ العبرانيّين تهربّوا من استعمال كلمة طاولة، لئلاّ يُظَنّ أنّ إلههم يأكل ويشرب كما يفعل البشر (اش 65: 11؛ دا 14: 1-22).
بما أنّ الهيكل هو بيتُ الله، فالمذبح هو قلب الهيكل. من أجل هذا يوضع السِراج في الهيكل (24: 2-4؛ خر 27: 20- 21) فيدلّ على هذا الحضور، وتحرق على المذبح نار دائمة (6: 5-6؛ 2 مل 18-36)، لتدلّ على عهد الله الذي لا يتغير.
المذبح هو علامة حضور الربّ. في الزمن القديم كان المؤمن يبني مذبحًا في المكان الذي ظهر له الربّ فيه (تك 7:22؛ 26: 24-25)، أو يسمّي هذا المكان باسم يذكّره بالله. لقد سمّى يعقوب المذبحَ الذي بناه في "شكيم " إيل، إلهَ إسرائيل، وسمّى موسى المذبحَ الذي بناه بعد انتصاره على العمالقة "الربُّ رايتي" (خر 17: 14- 15). وهذا المذبح المبنيّ سيصبح مركِزَ عبادة ، فيُصار الى تكريسه كلَّ سنة، ويطهَّر، فيتحمّل قداسة سامية.
إنّ قداسة المذبح تَرتبط بقرونه التي يُرَشّ عليها دمُ الذبائح، لتكرّس المذبح (8: 15؛ خر 29: 12؛ حز 43: 20). فالهارب الذي يطلب حمايةَ الربّ له، يمسك بقرون المذبح.
وأخيرًا المذبح هو أداة الوَساطة بين الله والإنسان. عليه توضع تقدمات البشر، وهي عطيّة الإنسان لله الذي يجيب إلى عطاء الإنسان ببركاته وخيراته. عندما يذكر المؤمن اسمَ الرب على هيكله، يجيء الربّ ويباركه (خر 24:20).

خامسًا: المذبح في العهد الجديد
بالنسبة إلى يسوع، المذبحُ مقدّس، وهو يساعدنا على التقرّب إلى الله.
يقول الإنجيل (مت 18:23 ي): "تقولون من حلفَ بالمذبح لا يلتزم بيمينه؛ ولكن من حلفَ بالقربان الذي على المذبح، يلتزم بيمينه. فما هو الأعظمُ أيّها الجهّال العميان؟ القربانُ أم المذبحُ الذي يقدّس القربان"؟ أجل أعاد يسوع الى المذبح قدسيّته، ونبّهَ تلاميذه الى أهميّة مصالحة الإخوة قبل المجيء الى المذبح، وتقدمةِ القربان (مت 23:5-24).
مع المسيح، الهيكل الجديد لم يعد ذلك المبنيَّ من حجر، بل جسدَه (يو 2: 21)، ولا مذبحَ إلاّ هو (عب 13: 10). يسوع هو الكاهن وهو المذبح، ومن اتّحد بجسد ربّنا ودمِه، اتّحد بالمذبح الذي هو الرب، وشارك في مائدة الرب (1 كور 10: 16- 21).
ويذكر سفرُ الرؤيا (6: 9) المذبح السماويّ الذي رأى تحته "نفوس المذبوحين في سبيل كلمة الله"، ومذبحَ الذهب الذي يتصاعد منه دخان البخور مع صلوات القديسين (روء 8: 3). هذا هو المذبح الوحيد للذبيحة الوحيدة التي يرضى بها الله، لأنّ يسوع "بقربان واحد جعل الذين قدّسهم كاملين الى الأبد" (عب 10: 9).

2- الذبيحة.
المذبح هو موضع الذبيحة، والذبيحة هي عمل العبادة الرئيسيّ. سنبحث عن محتوى الذبيحة في ديانة بني إسرائيل، منطلقين من تحديدٍ نقول فيه: الذبيحة هي كلّ تقدمة (حيوان أو غلّة أرض) تُتْلَف كليًّا أو جزئيًّا على المذبح إكرامًا لله. إنّ سفر اللاويّين (1-7) يقدّم لنا قانون الذبائح كما عرفها الهيكل الثاني.

أولاً: أنواع الذبائح
لقد ذكرنا في المقدّمة العامّة، وخلال تفسيرنا للآيات، أنواع الذبائح التي تقدّم لله: المحرقاتِ وذبيحةَ السلامة والذبائح التكفيريّة عن الخطيئة والإثم. هناك تقدمة الحنطة، وتقدمة البخور وخبز التقدمة (خبز الوجوه أو خبز الحضور) الذي هو عربون عهد الربّ مع الأسباط الاثني عشر (24: 5-9). تلك هي طقوس الذبائح التي كان يمارسها اليهود في الهيكل الثاني، بعد الرجوع من الجلاء. ولكنّ هذه الطقوس تطوّرت على مرّ العصور، فيجب ألاّ نتصوّرها قد بقيت على حالها منذ أسّسها موسى على جبل سيناء، بعد أنْ أخذت الكثيرَ من العالم الكنعانيّ الذي عاشت فيه، والطقوسِ المصريّة والبابليّة التي تعرّفت إليها.

ثانيًا: تاريخ الذبائح في شعب إسرائيل
نتعرّف الى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تصل إلى إصلاح يوشيّا (621 ق. م): لم يكن فيها التنظيم الذي يتحدّث عنه سفر اللاويّين. مثلاً يكفي أن تقام الذبيحة حسب الشريعة، أمكتوبةً كانت أم غيرَ مكتوبة، لتكون تقدمةً يقبلها الله. المرحلة الثانية هي مرحلةُ إصلاح يوشيّا (وكان الملك حزقيّا قد بدأ به) وهو الذي أمر بأن تقام كل الذبائح في هيكل أورشليم. بعد أن وحّد المشترع المعبد، وجعله في أورشليم، سعى إلى تنظيم العادات المختلفة والمعمولِ بها في المعابد المنتشرة في البلاد. المرحلة الثالثة هي مرحلة الجلاء وبعدَ الجلاء. فيها جمع الكهنة كلّ تراث الآباء والأجداد، فأعطوا الشعب القانون الكهنوتيّ الذي سيعمل به في أورشليم الى خراب الهيكل (70 ب. م). بعد ذلك الوقت لم يعد الشعب اليهوديّ يقدّم الذبائح، فصار الوسيطُ بينهم وبين الله الشريعةَ التي تحمل كلام الله، فتجعل الله حاضرًا فيهم.
منذ القديم عرف بنو إسرائيل المحرقة الدمويّة، وتقدمةَ الحنطة، وغيرَها من غلال الأرض. وهو أمر معروف في هذا الشرق. يذبحون الحيوان ويحرقونه جزئيًّا أو كلّيًا، كما يفعل البدوُ في حياتهم الصحراويّة. يقدّمون بعضا من غلال الأرض يَلُتّونه بالزيت، ويرفعونه وقيدةً للرب، كما يفعل الزارعون في أرض كنعان. ولكنّ هذه الأمور سوف تتبدّل وتتطور في نهاية العهد الملكيّ، وفي زمن الجلاء، عندما تطغى الذبيحةُ المحرقة على ذبائح السلامة، وعندما تُطبع كلّ الذبائح والتقادم بطابع التكفير. لا شكّ في أنّ اختبار نكبة السامرة (722 ق. م) ونكبةِ أورشليم (587 ق. م) كان لهما التأثيرُ الكبير على هذا التطوّر في العبادة.

ثالثًا: الذبائح في شعوب الشرق القديم
نحن ندرس الذبائح في بني إسرائيل. غير أنّ ما نقله إلينا هذا الشعبُ عبرَ كتبه المقدّسة، قد وصل إليه من الشعوب التي عاشت في هذا الشرق القديم.
نتعرّف إلى الذبيحة في بلاد الرافدَين، واسمُها "فقو" (راجع فقا في العبرانيّة والعربيّة والآراميّة)، وهي تدلّ على سَكيبِ الماء والخمر وكلّ نَقيع. واسمها "زبوح" أي ذبيحة، والذبيحة هي قبل كل شيء وليمةٌ للإله يكون المذبح مائدتَه، وعليها يوضع له كلُّ ما يأكله البشر: لحمُ الضأن والبقر والدجاج؛ السمكُ والأثمار المختلفة والحلويات والشراب والخبز. يقدّم له مثلاً: 12 رغيفا أو 24 أو 36 ، وكلُّها أعداد ترجع الى العدد 6 الذي يُبنى عليه نظامُ الطقوس. توضع الطاولة مرّتين في النهار. يرتّبها الكاهن، ويجعل قربَها موضعًا تحرق فيه الطيوبُ والخشب المعطّر. بعد الطوفان نقرأ هذا الكلام على لسان بطله الذي نجا من الموت فاستحقّ الخلود. جُعلت سبعًا وسبع مباخر نُشر فيها القصب وخشب الأرز والآس. شمّ الآلهةُ الرائحةَ الطيّبة، وتجمّعوا حول مقدّم الضحيّة.
في هذه الذبائح لا نلاحظ دور الدم ، كما نلاحظ أنّ الكاهن لا يحرق شيئًا من الضحيّة. أمّا ذبيحة التكفير كما نعرفها عند بني إسرائيل ، فتقابلها ذبيحةُ الاستعاضة أو الاستبدال: فهي تقود الى إبعاد غضب الآلهة أو شرّ الشياطين، علّةِ الشرّ الذي يصيب الإنسان، فيأخذون حيوانًا أو صورة مصنوعة من الطين، فتكون العِوض أو البديل، يتلفونها فتُحّول غضب الآلهة: يشفى المريض أو يزول الخطر.
أخذ بنو إسرائيل عن البابليّين عبارات منها: "تنوفه" أو "ترومة" اللتانِ تدلان على عمليّة رفع الذبيحة وتقديمها، فأسمَوا المذبح "طاولة" (حز 44: 26؛ ملا 1 :7، 12) وتحدّثوا عن خبز التقدمة على مثال تقدمات البابليّين لآلهتهم.
ونتعرّف الى الذبيحة في بلاد كنعان في ثلاثة مصادر: تلميحاتِ الكتاب المقدّس، الكتاباتِ الفينيقيّة، ونصوصِ رأس شَمْرا.
إنطلاقًا من مصادر الكتاب المقدّس، نجد أنّ ذبائح الكنعانيّين لا تختلف في شكلها عن ذبائح بني إسرائيل. ففي حرَم سليمان كانت النساءُ الموآبيّات والعمّونيّات والصيدونيّات يقدّمن لآلهتهنّ البخور والذبائح (1 مل 8:11). ونجد أنّ نعمان السُريانيّ قدّم محرقاتٍ (علة) وذبائحَ (ذبح) سلامة لآلهته (2 مل 17:5). وعندما نتوقّف عند مشهد جبل الكرمل (1 مل 18: 1 ي )، لن نجد فرقًا بين ما فعله إيليّا وما فعله أنبياء البعل لتقديم ذبائحهم. ولنا صورة عن ذبائح الكنعانيّين في خبر مكيدة ياهو، ملكِ إسرائيل (2 مل 10 : 18-28)، وفي كلمات سفر إرميا (9:7 ؛ 11 : 12-17).
وانطلاقًا من الكتابات الفينيقيّة، نكتشف تعريفات الذبائح في قرطاجة ومرسيلية، هاتين المستعمرتين الفينيقيّتين. في كل ذبيحة يَحُدّ القانونُ بالفضة حصّةَ الكاهن وحصّة سيِّد الذبيحة (أي الكاهن الرئيسيّ). هناك التقدمة (منحة)، وهنا في ما يقابل ذبيحة التكفير (قليل، وتسمّى كذلك لأنّ قليلاً من اللحم يعود الى الكاهن) وذبيحةَ السلامة (صوعات، راجع كلمة صاع) والمحرقة (شلم قليل). ونجد أيضا كلمة "علّة" (محرقة) مرتبطة بكلمة "منحة" (تقدمة)، ثم "أزر" أي النذر، والبخور (قطرت أي ما يُقَتر) "ولبنت" (أي اللبان).
أمّا اكتشافات رأس شمرا فقد حملت إلينا معلوماتٍ ترجع الى القرن الرابعَ عشر. ولقد نظّم العلماء لائحة بالمفردات الطقسيّة في أوغاريت: دبح (ذبح)، شلم (ذبائح سلامة) سرف (تقدمة تحرق راجع كلمة "سرافيم ")، اشم، (ذبيحة إثم)... وتصوّر لنا النصوص بعضَ الأعمال الطقسيّة: فقام فغسل يديه حتى الكوع، وأصابعَه حتى الكتف، ودخل داخل الخيمة، وأخذ بيده حمل المحرقة... سكب نبيذًا في كأس من الفضة، وعسلاً في كأس من الذهب مرصّعة الى قِمة البرج... رفع يديه الى السماء، وضحّى لإيل أبيه، ومجّد بعل بذبيحته، وابنَ التنّين بتقدمته...

رابعًا: قيمة الذبيحة الدينيّة
ونتساءل: ما قيمة الذبيحة في ديانة بني إسرائيل، وما هي مكانتها في نِظْرتهم إلى علاقات الانسان بالله ؟ فنجيب في ثماني ملاحظات:
الملاحظة الأولى: قالوا إنّ الذبيحة هي تقدِمة لإله نسترضيه ونُفيد من خيراته. حسب الإنسان الأوّل، وهو محاطٌ بقوى يجهلها، إنّه يستطيع أن يسترضي الإله كما يسترضي أحدًا من الناس، بواسطة هديّة يقدّمها إليه. وهكذا فأهداف الذبيحة الحصولُ على خير ماديّ أو روحيّ من الله. لا شكّ في ذلك، ولا شكّ في أنّ الخوف يمكن أن يكون دافعًا يجعل الإنسان يقدّم الذبيحة، ويتطلعّ الى الفائدة المرجوّة منها. ولكن يجب إلاّ ننسى العاطفة الدينيّة التي تدفع الانسان الى التقرّب من الله، ذلك الكائنِ السامي الحاضرِ في أعماقنا، والذي خلقنا وكوّننا.
الملاحظة الثانية: قالوا إنّ الذبيحة وسيلة، وبواسطتها نتّحد بالإله. نحن نتّحد به عندما نأكل ذبيحته، ونتّحد به بواسطة الذبيحة التي تمثّل مقدِّم الذبيحة. في الحالة الأولى يعتبر الإنسان أنّ هناك قرابةً بين إله القبيلة وأعضاء القبيلة، وأنّ حياة إله القبيلة تسري في الحيوان المقدَّم إليه. وعندما يأكل الفرد من هذا الحيوان المذبوح، فهو يشارك الإله في حياته. وفي الحالة الثانية تكون الضحيّة بديلَ مقدِّمها الذي يضع يده عليها فتصبح مماثلة له، تصبح هو. وعندما تقام الطقوس يتمّ الاتصال بين الله ومقدِّم الذبيحة عبرَ الذبيحة.
الملاحظة الثالثة: قالوا إنّ الذبيحة هي وليمة الإله مع عباده. فالذبيحة هي وليمة ندعو إليها الله، كما ندعو البشر. الله يحتاج الى الطعام، وهو يرتاح الى رائحة اللحوم. المذبح هو طاولة الله، وخبز التقدمة هو خبز الله. لذلك يهيّىء الكاهن الذبيحة كما يهيّىء الطعام، فيجعل عليها الملح والحلويات والنبيذ. هذا ما نجده أيضا، وقد ذكرناه، في بلاد الرافدَين وعند الكنعانيين، ونقرأه في أناشيد رأس شمرا، عن حاجة الإله الى الطعام.
الملاحظة الرابعة: إنّ الديانة الوديّة سعَت الى رَوحنة هذه الفكرة عن الذبيحة، فنظرت الى علاقات الله بشعبه، على مثال علاقات المحبّ بحبيبه، والزوجِ بزوجته (هو 2: 1 ي ). واعتبرت أنّ الذبيحة لا تفعل فعلَها بحدّ ذاتِها كأعمال السحر، بل هي جواب الله الحُرّ على صلاة المؤمن. قدّم قايينُ ذبيحة، ولكن الله لم يقبلها بمجرّد تقدمته لها. قدّم هابيل ذبيحة ولكن الله قبلها لأنّ الله ينظر الى القلب، وبذلك يختلف عن الإنسان الذي يكتفي بالنظر الى الوجه (1 صم 7:16). أمّا بالنسبة إلى الله الذي يأكل طعام البشر، فبجانب نصوص تَروي أنّ ضيوف إبراهيم أكلوا، وكان الله بينهم (تك 18: 1 ي )، هناك نصّان قيمّان نقرأهما في سفر القضاة، وهما يعارضان هذا القول. في النصّ الأوّل نرى النار تحرق ما هيّأه جدعون من لحم وفطير (6: 21). وفي النصّ الثاني يقول الملاك لمنوح: "إن أنت أبقيتَني لم آكل خبزك. أمّا إن صنعت محرقة فللربّ أصعدها" (16:13).
الملاحظة الخامسة: تحديد الذبيحة: هي فعل جوهريّ في عبادتنا الخارجيّة، هي صلاة وعمل. وهي فعل رمزيّ نكتشف من خلاله العواطف الداخليّة لمقدِّم الذبيحة، وجوابَ الربّ إلى نوايا قلب المؤمن بواسطة الطقوس الذبائحيّة. تُقبل عطيّتنا لله ويقوَى الاتّحاد به وتمَّحى خطايانا. ولكنّ فاعليّة الذبيحة ليست فاعليّة سحريّة، بل هي نتيجة لقاء المحبّة. تلتقي عواطف قلبنا محبّةَ قلب الله، فيمرّ التيّار بين الاثنين، وبغير ذلك لا تعود الذبيحة فعلاً من أفعال العبادة.
الملاحظة السادسة: الذبيحة هي عطاء، والله هو السيّد المطلق، وكل شيء هو له، وكل خير في الانسان وحولَه مصدرُه الله. قال داود للربّ: ولكن ما أنا وشعبي حتى نقدر أن نتبرّع لك بأيّ شيء؟ فكل شيء منك، وما أعطيتنا أعطيناك. الإنسان مَدينٌ للرب بكل شيء، ومن العدل أن يدفع له "جزية" كالمرؤوس لرئيسه، وكالشريك لصاحب الأرض. هذا هو معنى تقدمة البواكير من المواشي والغلال. ولكنّ الذبيحة هي أكثرُ من جزْية. هي عطاءٌ من نوع خاصّ: فما يقدّمه الانسان هو ما يحتاج إليه ليقوم بأَوَد حياته، وهو يَحرِم نفسه ليعطي الله. صفو يخسر، ولكنّه في النهاية يربح بركةَ الربّ، وهي تغنيه عن كلّ شيء.
الملاحظة السابعة: الذبيحة هي اتّحاد بالله. ليست الديانة تعبيرًا عن تبعيّتنا لله فحسب، بل هي أيضًا التماسُ الاتّحاد بالله. ولكنّنا لا نتّحد بالله بطريقة جسديّة، عندما نجعله يأكل ما نأكله من طعام، بل نتّحد به في مقاسمة حياتنا ومشاركة حياتنا. يقبل الله الضحيّة، وتكون حصّته على المذبح. ويأكل مقدّمو الذبيحة حصّتهم، فيشاركون في الذبيحة. وكما أنّ الوليمة المشتركة تشُدّ الرباط بين المتعاقدين، كذلك تثبّت الوليمة الذبائحيّة العهدَ بين الله والإنسان. هذه هي ذبيحة السلام (وذبيحة الفرح) التي تربط العطاءَ بالاتّحاد، هذا هو فعل التقدمة ونتيجته صداقة تدوم مع الله.
الملاحظة الثامنة: الذبيحة هي تكفير وطلب الغفران. الذبيحة هي عطيّة يَحْرِم فيها المؤمن نفسه من خير عندَه، ولأنّها تعيد العلاقةَ بين الله ومقدِّمها، فهي تستُر الخطايا وتغفرها. قال الكتاب مشدِّدًا على خطيئة عالي الكاهن: "لا ذبيحةَ ولا تقدمةَ تقدر أن تكفّر إثم بيت عالي" (1 صم 3: 14)! لقد خطىء الإنسان وهو يريد أن يعود إلى رضى الربّ، يريد إعادة العهد مع الله. هنا نفهم أهميّة ذبيحة الخطيئة وذبيحة الإثم. وعندما يعود العهد الى ما كان عليه سابقًا، يصبح اتّحاد المؤمن بربّه أمرًا ممكنًا.

خامسًا: الذبيحة في العهد الجديد
بين العهد الجديد والعهد القديم استمراريّة وتجاوز. فالاستمراريّة واضحة في جعل تعابير العهد القديم الذبائحيّة تطبَّق على موت المسيح. والتجاوز واضح إذ إنّ تقدمة يسوع تختلف اختلافًا جذريًّا عن كل التقادم التي سبقته. بذبيحة المسيح يدخل عنصر جديد ما كان للعالم أن يتصوّره، لو لم يتمّ في سرّ التجسد والفداء، في الابن الذي أخذ صورة عبدٍ وأطاع حتى الموت، موتِ الصليب (فل 7:2-8).
يسوع يقدّم نفسه ذبيحةً عنّا. جاء ليخدم وليفدِي بنفسه البشريّة (مر 45:10). ففي إطار العشاء السريّ ربط بين موته (مت 2:26؛ يو 11: 55 ي) وذبيحةِ الحمل الفصحيّ، وذكّرنا بما قاله موسى عن "دم العهد" (خر 8:24): "هذا هو دمي، دمُ العهد الذي يُراق من أجل جماعة كثيرة" (مر 14: 24). إنّ هذا التلميح إلى الحمل الذي ينجّي بدمه شعب اليهود، وإلى ذبائح سيناء التي تَختم العهد القديم، والى موت "عبد يهوه" التكفيريّ (رج اش 53: 10 ي) يدلّ بوضوح على طابع الذبيحة الذي تجلّى به موت يسوع. صوت يسوع يمنح الشعوب مغفرةَ خطاياهم، ويكرّس العهد النهائيّ، ويدشّن ولادة شعبٍ جديد، ويؤكّد ثمار الفداء.
ولقد فهمت الكنيسة ما عمله يسوع: صار فصحنا (1 كور 7:5) الحمل المذبوح (1 بط 1: 19) الذهب يدشّن بدمه العهدَ الجديد (1 كور 11: 22) ويَفدي القطيع (اع 20: 28) ويحقّق التكفير عن الخطايا (روم 3: 24 ي) والمصالحةَ بين الله والبشر (2 كور 5: 19 ي، كو 2: 14). يشدّد العهد الجديد على دور الدم (روم 5: 9؛ كو 1: 20، اف 1 :7)، ولكنّ هذا الدم سفكه الابن بناءً على طلب الآب. فالابن الحبيب (مر 12: 6) أسلم نفسه إلى الموت، والآبُ لم يوفّر ابنه (روم 8: 32) حبًّا للبشر. وهكذا يكشف لنا الصليب طبيعةَ الذبيحة الطيّبة الرائحة (اف 5: 2). أجل إنّ الذبيحة هي فعل حب .
كان اليهود يهيّئون في الهيكل طاولةً يوضع عليها خبز التقدمة، وللجماعات المسيحيّة مائدةُ الرب. ويقابل القديس بولس بين ولائم بني إسرائيل المقدّسة والإفخارستيا. ولكن شتانَ ما بينَ وليمة العهد القديم ووليمة العهد الجديد. فالمسيحيّون لا يشاركون فقط في أشياءَ مقدّسة، أو مقدّسةٍ كلَّ التقديس، بل يشاركون في جسد المسيح ودمه (1 كور 10: 16) ، فتكون لهم الحياة الأبدية (يو 6: 53-45). وهذه المشاركة تدلّ على اتّحاد المؤمنين بالربّ، وتحقّق وحدة المؤمنين في الجسد الواحد. وهكذا يتمّ ما وعد به النبي ملاخي (1: 11) فتحصل البشريّة على الذبيحة المثاليّة التي تلائم كل زمان ومكان

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM