الفصَلُ السابع: الوُصُولُ إلى سِينَاء

الفصَلُ السابع
الوُصُولُ إلى سِينَاء
19 : 1 – 25

أ- مقدّمة
يعتبر الفصلُ التاسعَ عشرَ مقدِّمةً للفصول التي تحكي عن عهد سيناء، وهو يخبرنا كيف أنّ الشعب وصل الى سفح جبل سيناء، فوجّه إليه موسى تعليماتٍ دقيقة، وفرائضَ صارمةً ليستعدّ لتقبّل الوحي على الجبل.
يقسم الفصلُ إلى ثلاثة مقاطعَ: في المقطع الأوّل (آ 1-8) ينادي الربّ موسى؛ في المقطع الثاني (آ 9-15) ينقل موسى الى الشعب التعليماتِ الواجبَ اتّباعُها للاستعداد للحضور الى الجبل ؛ وفي المقطع الثالث (آ 16-25) يتراءى الله على الجبل.
هذا الفصل هو مزيج من التقاليد المختلفة. إطار الرؤيا يرجع إلى التقليد الكهنوتيّ (1-2)، أمّا جوهر الرؤيا فيرجع الى التقليد اليَهْوَهيّ المطعّم بالتقليد الاشتراعيّ. إنّ كلّ ما يتعلّق بعهد سيناء، قد احتلّ منذ القِدَم مركزًا مهمًّا في حياة الشعب، فكتب عنه التقليد اليَهْوَهيّ والإلوهيميّ. ولما جاء التقليد الكهنوتيّ اكتفى بإيراد ما قالته التقاليدُ القديمة، تم ربط بأحداث سيناء كلَّ التشريع الموسويّ، معتبرًا الشرائع المتعلقة بالعبادة (ف 25-40)، كوحي الله الى موسى على جبل سيناء.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
أولاً: الرب ينادي موسى (19: 1-8)

نجد هنا بعض المعطَيات التاريخيّة والجغرافيّة التي تعوّد التقليد الكهنوتيّ أن يُضيفها على النصوص القديمة. ونقرأ أيضًا نداءَ الربّ لموسى وحديثَه معه: تكونون لي مملكةَ كهنة وشعبًا مقدّسًا.
(آ 19: 1-2) نحن في الشهر الثالث بعد الخروج من أرض مصر. أمّا ذلك اليوم فهو عيد العنصرة، وكانوا يحتفلون به خمسين يومًا بعد الفصح، فيتذكّرون فيه كيف أعطاهم الله الشريعة على جبل سيناء. جبلُ سيناء هو ذاتُه جبلُ حوريب. إسمان لمسمىّ واحد.
(آ 3-4) يبدأ الله بالكلام فيعلن لموسى العهد الذي سيقيمه مع الشعب.
الجبل هو موضع إقامة الرب وإليه يصعد موسى عندما يناديه الله. سنرى في ما بعد أنّ السماء هي موضع إقامة الله، ومنها ينزل ليَظهر لبني إسرائيل على قِمّة الجبل (18:19-20).
يَذكر الرب للشعب كيف خلّصهم، ويشبّه ذاته بالنسر (تث 32: 11) الذي يطير عاليًا فلا يدركه عدوّ، والذي يهتمّ بصغاره، فيحميهم من كل خطر. هكذا حمل الله شعبه من مصر الى هذه البريّة ليقيم معهم عهدًا.
(آ 5-6) يعبّر الكاتب عن وعد الله لشعبه، إنْ هم حفِظوا وصاياه، بعبارات ثلاث، سوف تأخذ في ما بعدُ مدلولاً تاريخيًّا ولاهوتيًّا وعقائديًّا.
العبارة الأولى: "سجله " (راجع في العربيّة السجلّ وهو كتاب العهود) التي تعني الكنز والمُلك العزيز على قلب صاحبه، والشيء الخاصّ الذي يتعلّق به الإنسان (جا 8:2)0 الشعب كنز ثمين يخصّ الله (تث 6:7؛ 2:14؛ 18:26؛ مز 135: 4)، وهو يتميّز عن سائر الشعوب لأنّه مُلْك الله. هذا لا يعني أنّ الله، وهو سيد الأمم كلِّها، لا مُلكَ له إلاّ في إسرائيل، بل يعني أنّه اختار بني إسرائيل من أجل رسالة، فأحبّهم حبًّا خاصًّا وأقام معهم عهدًا. الله يقيم علاقاتٍ مع شعبه، ولكنّ هذه العلاقات لا تعني أنّ شعب إسرائيل ارتفع إلى مستوى الله! الرب يبادر فيقيم عهداً ، والإنسانُ يجيب الى مبادرة الله بالشكر والسجود والعبادة .

العبارة الثانية: مملكة كهنة (في العبريّة مملكة كهنيم) وهي تدلّ على خدّام المَلك وحاشيته (2صم 18:8؛ 26:20؛ 1مل 4: 5). وهكذا سيكون شعب إسرائيل أقربَ الشعوب الى الله وأسرعَهم الى خِدمته. هذا هو الشرح اليهوديّ التقليديّ لهذه الآية. أمّا المعنى المألوفُ لكلمة "كاهن " فهو من يعلّم الشريعة بعد أن يدرسها ويتعرّفَ إليها مستهديًا الله (تث 17: 9؛ 33: 10، راجع كلمة كاهن في العربيّة التي تدلّ أصلاً على من يعرف الغيب والاسرار). ومملكة كهنة تعني حينذاك مملكة يُمَارِس فيها الجميع الوظيفة الكهنوتيّة، لأنّهم كلَّهم يعرفون شريعة الله ويحفظونها ويعملون بها (ار 31: 34). والمعنى الثاني لكلمة "كاهن " هو من يقوم بوظيفة الاحتفال بالعبادة، وبإقامة العلاقات بين الله والبشر، كوسيط بين السماء والارض. وعندما نقول إنّ شعب إسرائيل هو مملكة كهنة، فنحن نفهم بذلك أنّه يلعب دور الوسيط بين الله وسائر الشعوب.
العبارة الثالثة: شعب مقدّس (جوي قدوش في العبريّة) أي مفصول عن سائر الشعوب، مخصّص ومكرّس كليًّا لله، على مثال الكاهن الذي يتوجّب عليه أن يتقدّس بالاغتسال وتقدمة الذبائح (29: 1-37؛ لا 16: 1- 10) قبل أن يقوم بمهمته. قياسًا على ذلك يُفرض على بني إسرائيل أمانة كهنوتيّة في حِفظ وصايا ربّهم وشرائِعه (اش 61: 6)
(آ 7-8) أوصل موسى كلام الله الى الشعب فأعلن الشعب موافقته عليها ووعد بتنفيذ أوامر الرب. فنقل موسى جواب الشعب إلى الرب.

ثانيًا: إستعداد الشعب (19: 9- 15)
إستعدّ الشعب على مدى ثلاثة أيام قبل أن يحتفل بلقائه بالرب. ويكون الاستعداد أو التقديس بغسل الثياب وكلّ وسخ خارجيّ يمسّ نقاوة الإنسان، فيمنعه من الاتّصال بالله في معبده.
هذا الاستعداد يفرضه طابعُ الجبل المقدّس الذي سيتراءى الله عليه. فمن اقترب من الجبل مات. هل يموت بمجرّد اقترابه من الجبل كمن يقترب من النار، أم يموت لأنّ الجماعة تقتله، رجْمًا بالحجارة او رميًا بالسهام من بعيد؟
فرغم العهد الجامع بين الله وشعبه، تبقى المسافة بعيدةً بين الله والإنسان. وإن أراد الله أن يسمح لبعض المحظوظين أن يَقربوا الجبلَ (24: 1-2) عند النفخ في البوق (13:19)، فيكون ذلك مِنّةً منه تعالى ونداءً لهم من أجل رسالة يُرسلهم فيها.

ثالثًا: الله يتراءى على الجبل (16:19- 25)
(آ 16-20) يصوِّر الكاتبُ هذا الحدَث بألوان ظاهرة وصور حيّة. فيرينا من جهة الجبلَ المدخّن، والربّ ينزل وسط النار، وسطَ هزّة أرضيّة (آ 18). فكأنّنا أمام بركان هائج يدلّ على مجيء الرب ليكلّم موسى (آ20). ويرينا من جهة ثانية البروق والرعود والسحاب الكثيف (آ 16) الذي يدلّ على عاصفة شديدة. إقترب موسى والشعب (آ 17) من أسفل الجبل، كما يقترب الإنسان من معبد قديم، والتقاليد تعتبر جبل سيناء معبد الله ومقامًا له (قض 5: 5؛ 1 مل 20 :23؛ مز 8:68-9 ؛ حب 3:3).
(آ 21-25) تردّد هذه الآيات ما قرأناه في (آ 12-13). يُمنع الشعب والكهنة معهم من الاقتراب الى الجبل، ويعطى دورٌ خاصّ لهارون مع موسى.
إنّ الفصل التاسعَ عشرَ من سفر الخروج يجعلنا في إطار شبيه بإطار الهيكل. يقف الشعب عند أسفل الجبل كالمؤمنين عند باب الهيكل. فالمكان المقدّس له حدوده التي لا يتعدّاها الشعب، وإنْ تقدّس وتطهّر بحسب متطلّبات الشريعة. أمّا لقاءُ الله بموسى فيتمّ وسْط ظهور عجيب ومُريع، ويشاهده الشعب من بعيد وهم يرتعدون. وهدف اللقاء كلمةٌ يلقيها الرب على موسى، فينقلها موسى إلى الشعب. ويلمّح سفر التثنية (12: 18-25) الى أن الرب تراءى على سيناء، ولا هدف له إلاّ أن يوصل الى الشعب كلامه. ولقد قالت الرسالة إلى العبرانيين (18:12-25) في هذا الصدد: "ما اقتربتم أنتم من جبل ملموس، من نار ملتهبة وظلام وضباب وزوبعة، وهتاف بوق وصوت كلام طلب سامعوه ألاّ يزادوا منه... بل أنتم اقتربتم من جبل صهيون، من مدينة الله الحيّ، من أورشليم السماويّة... فاحذروا أن تُعرِضوا عن سماع ذلك الذي يكلّمكم... "

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM