خاتمة عامة

خاتمة عامة
وهكذا انتهت مسيرتنا في رفقة القديس متّى، في أربعة أجزاء، من بدايات الملكوت، إلى سرّ الملكوت، إلى الجماعة وملكوت الله، إلى تجلّي الملكوت. إنجيل غنيّ جدًا حاولنا أن نكتشف بعض غناه، وهو الذي كُتب أساسًا في مناخ يهودي، ثم توجّه إلى الأمم بعد أن تمّت القطيعة بين الكنيسة المسيحية والمجمع اليهودي. فالمحيط الذي دوّنه الانجيل الأول هو فلسطين وشرقي لبنان وسورية، حيث تواجدت جماعات مسيحية ويهودية. وضاع الناس. فمنهم من كان يمضي إلى المجمع كما إلى الكنيسة فلا يميّز المسيحية من الشيع والتيّارات اليهوديّة. لهذا عمد متّى إلى وضع حدّ لهذا الالتباس. فبيّن من هو يسوع. هو الوديع والمتواضع القلب. هو الذي جاء ليخدم لا ليُخدم. جاء ليبذل حياته عن الآخرين. أما العالم اليهودي فأجمله في شخص الكتبة والفريسيين الذين يقولون ولا يفعلون، الذين يحمّلون الناس أحمالاً ثقيلة، الذين يأكلون بيوت الأرامل...أجل، لا بدّ من الخيار. فمن ليس مع يسوع هو ضدّ يسوع. ومن لا يجمع مع يسوع، يفرّق. من لا يكون في جماعته، صار من الخارج، صار من أولئك الذين أغلقت عليهم أسرار الملكوت.
هذا الانجيل يتوجّه إلينا اليوم. سُمّي انجيل الكنيسة، انجيل الجماعة التي تلتئم باسم يسوع، بشكل خاص في يوم الأحد. وهو ما زال يطلب منا القرار الحاسم بالنسبة إلى المسيح. قيل لكم، أما أنا فأقول لكم. أصوات عديدة تحاول أن تغطّي صوت المسيح. فإلى أي صوت نصغي؟ نظريات عديدة تقدّم لنا. ولكن للمسيحي نظرته إلى العالم. إلى الإنسان، حيث أصغر الصغار هو صورة عن يسوع المسيح. وهناك طرق حياة نطلب فيها السلطان والمال واللذة، وننسى الذين هم حولنا، ننسى الإخوة الذين اعتمدنا مثلهم باسم الآب والابن والروح القدس. ولكن للمسيحي طريقًا واحدة هي طريق المسيح. ومنها تتفرّع سائر الطرق. تنطلق مواقفنا من كلام الربّ، وبنوره نسير في كل مجالات حياتنا. السعداء في انجيل متّى هم المساكين بالروح والودعاء، ومحبّو السلام والاتقياء القلوب. ذاك هو المثال الذي يقدّمه لنا الانجيل الأول. فهل لنا مثال آخر نقابله بهذا المثال الساميّ؟
انتهت مسيرتنا مع انجيل متّى. بل هي تبدأ الآن. فيا ليتنا نغوص في النص الانجيلي برفقة هذا التفسير أو غيره فنشابه ذاك الكاتب الحكيم الذي يُخرج من هذه الذخائر الانجيليّة كل قديم وجديد. يا ليتنا نطلب الدرّة الثمينة فنبيع كل شيء للحصول عليها! يا ليتنا نعرف انجيلنا كما نعرف أمورًا عديدة في العالم! يا ليتنا نجلس عند قدمي المعلّم، مثل التلاميذ الأولين، فنسمع منه كلمة الحياة! فهو ما زال يقول لنا ما قاله للتلاميذ: طوبى لعيونكم لأنها أبصرت، وطوبى لآذانكم لأنها سمعت كلمة الحياة. فهل نعرف سعادتنا؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM