الفصل التاسع والعشرون: القبر الفارغ والرب القائم

 

الفصل التاسع والعشرون

القبر الفارغ والرب القائم من الموت
28: 1-15

بعد السبت يأتي الأحد. وبعد الآلام المجد. وبعد الموت القيامة. والذي يربط بين الاثنين هو النسوة. نقرأ في 27: 55: ((وكان هناك بضع نساء ينظرن من بعيد)). وفي 28: 1: ((جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى، أم يعقوب ويوسي)) (27: 57). والذي يربط أيضًا هو الزلزال الذي حدث ساعة مات يسوع (27: 51)، وذاك الذي حدث في قيامته (28: 2). سيطر الخوف على التلاميذ بعد القبض على يسوع فهربوا وتركوا معلّمهم (26: 56). فجاء الملاك يقول: ((لا تخافوا)). وُضع يسوع في قبر ختمه عظماء الكهنة لئلاّ يفتحه أحد. ولكن يسوع ليس في القبر. يسوع قام، والقبرُ خال من الجثّة. فهل يستطيع الموت أن يسجن ربّ الحياة؟ وهل يستطيع الفساد أن يلامس ما ليس بفاسد؟
هذا هو النصّ الذي نقرأه فيقول لنا: لم يعد يسوع في القبر. حتى الجنود الذين حرسوه ذهبوا يخبرون. فلا يبقى على الرسل إلاّ الذهاب إلى الجليل. بعد نظرة عامة إلى النصّ، نتوقّف عند التفاصيل ونستخلص الفكرة اللاهوتيّة والروحيّة.

1 - نظرة عامة
نتوقّف أولاً عند القبر الفارغ (28: 1-10 = مر 16: 1-8 = لو 24: 1-12 = يو 20: 1-10). وثانيًا (آ 11-15) عند كذب عظماء الكهنة الذين رشوا الجنود ليقولوا إن التلاميذ سرقوا الجثة. في هذا المقطع الأخير، يبدو مت وحده، وهو الذي سبق وتحدّث عن حراسة القبر فجعل عظماء الكهنة يتكلّمون، من حيث لم يدروا، عن قيامة يسوع (27: 64).
أ - القبر الفارغ (28: 1-10)
لا نتوقّف في كلامنا عند كل المسائل التأويليّة والتاريخيّة والفلسفيّة واللاهوتيّة التي تُطرح على مستوى الايمان بقيامة يسوع في المسيحيّة الأولى. بل نحاول أن ندرس النصّ المتّاويّ ونفهمه. لهذا نطرح بشكل مقدّمة بعض الملاحظات القصيرة.
الملاحظة الأولى: سمّينا هذه المقطوعة ((القبر الفارغ)) لا ((قيامة يسوع)) لأن الأناجيل الأربعة لا تروي في المعنى الحصري القيامة. فاللفظة التي تدلّ على هذا ((الحدث)) هي هي في الأناجيل الازائيّة الثلاثة. يتلفّظ بها الملاك (كما في مت ومر ولكن بكلمات مختلفة) أو ملاكان (كما يقول لوقا). وتقدَّم القيامةُ وكأنها واقع ينتمي إلى الماضي (أقيم في الماضي. المجهول. أي الله أقامه، آ 7). ومهما قيل، فتحفّظ الأخبار الانجيليّة حول ((ما حدث)) في القيامة ظلّ هو هو، حتى جاءت الأناجيل المنحولة (انجيل بطرس 12: 5؛ 13: 57). ولكن نشير حالاً إلى اختلاف هنا بين الأناجيل الازائية وبين يو: حسب مت، مر، لو، أعلن الملائكة القيامة للشهود الأولين (آ 5 وز). فما كفى أن تنظر النسوة القبر الفارغ. فهذا ((الفراغ)) يجب أن يفسَّر لهنّ مع بعض العتاب (خصوصًا في لو 24: 5 ب). أما بحسب يو، فرؤية القبر الفارغ وحدها أقنعت ((التلميذ الآخر)): ((رأى وآمن)) (يو 20: 9).
الملاحظة الثانية: كما كان نص مت قريبًا من نص مر في خبر الآلام، كذلك سيكون في خبر القيامة، بعد أن يلغي عددًا من النقاط التي تميّز الانجيل الثاني: جعل النصّ مكثّفًا فاستغنى عن عناصر إخباريّة أو سيكولوجيّة (شراء الحنوط، ذكر الساعة الباكرة التي فيها جئن إلى القبر، القلق بالنسبة للحجر، صورة الملاك بشكل شاب). هذا من جهة. ومن جهة ثانية، جعل مت نصّ مر أكثر وضوحًا، فزاد عددًا من الأمور (آ 2-4 خاصة بمتّى). الزلزال، نزول ملاك الربّ، منظره المضيء كالبرق، خوف الحرس الذين صاروا كالأموات.
ثم إن آ 9-10 هما خاصتان بمتّى أيضًا: التقى يسوع مع المرأتين، أمرهما بأن تُعلنا قيامته للإخوة وأن تنطلقا إلى الجليل حيث تريانه. نستطيع أن نقابل هذا العنصر الأخير بالظهور لمريم المجدليّة في يو 10: 11-18. هذه الصفات الخاصة تذكّرنا بمجمل نقاط الانجيل وتجعلنا نفهم أن هذه الآيات تنتمي إلى ذات المستوى التدوينيّ في مت.
الملاحظة الثالثة: نتوقّف بشكل خاص عند ((حضور الملائكة)) في هذه الآيات، ونقرأ في الخطّ عينه انجيل الطفولة في مت. نجد دومًا ذات العبارة: ملاك الربّ. وهذا الملاك يلعب في القيامة دورًا مماثلاً للدور الذي لعبه في ولادة يسوع: هو يهتمّ بشهود الحدث، فيشرح لهم مدلوله ويحمّلهم مهمّة محدّدة. فيطيعه الشهود للحال وكأنه الله (لا ننسى أن الملاك يدلّ على حضور الله). فنحن هنا كما في ف 1-2 بعيدين كل البعد عن ((الملائكية)) (دراسة عن الملائكة) في العالم الجلياني (كما في الرؤيا) اليهوديّ في ذلك العصر، سواء على مستوى أخنوخ أو الاسيانيين. ونحن بعيدون أيضًا عن الملائكة الذين يحيطون بابن الانسان في وظيفته كديّان آخر الأزمنة (25: 31ي). هذا ما يدلّ على أن قيامة يسوع في الفكر المتّاويّ، لا تنتمي إلى زمن ظهوره المجيد لجميع البشر، بل يتحدّد موقعها في خطّ الطفولة والحياة العلنيّة والآلام والموت. من هنا القبيل، يبدو خبر مت نموذجيًا: فالقيامة لا تعلَن (لا تبلّغ) إلاّ للإخوة. ولا يتراءى يسوع إلاّ لهم وحدهم. لا يتراءى في أورشليم، بل في الجليل (26: 32). وتظهر هنا أيضًا النظرةُ الكنسية كما نعرفها في مت (12: 49؛ 25: 40).
الملاحظة الرابعة: وطرح أحد الشرّاح سؤالاً: لماذا لم يتضمّن التقليد القديم خبر خروج يسوع من القبر؟ ليس هنا إلاّ سؤال واحد ممكن: في الأصل، وعندما كانوا ينظرون إلى القيامة، لم يكن مكان لخروج ماديّ ومنظور ليسوع من القبر. هذا ما نكتشفه حين نتفحّص الأخبار القديمة. وهكذا اعتُبرت القيامة ماديّة بمعنى أن جسد يسوع خرج حقًا من القبر، ولكنه خرج لا كحيّ كان مسجونًا هناك. إذا كان لم يعد هناك ساعة فُتح القبر، فلأنه انتقل مباشرة من القبر إلى السماء. تلك هي فكرة مت. فما يلفت النظر هو أن الزلزال وتدخّل الملاك في آ 2-4 لم يتوخيّا (في الخبر) الاتاحة ليسوع بأن يخرج من القبر، بل تركا المرأتين تدخلان إلى القبر لترياه فارغًا.
ونقدّم هنا فكرتين في خطّ الملاحظة الرابعة. الأولى: حين تحدّث مت عن القيامة، فكّر بالأحرى في تحوّل (أو: تمجيد) جسد يسوع، لا في ارتفاع جسده الأرضيّ إلى السماء. فالعبارة ((قيامة ماديّة)) تحتاج إلى نظرات أخرى أساسيّة. ثم إن مختلف أخبار العهد الجديد لا تتّفق على طبيعة جسد القائم من الموت (28: 9-10؛ لو 24: 13-53؛ مر 16: 19-20؛ يو 20: 11-18، 19-29؛ 21: 1-14؛ أع 1: 3-8). الثانية: قرأ بعضهم مت 28: 9-10 كآيتين ثانويتين. لهذا فكّروا في عبور مباشر ((إلى السماء)) للقائم من الموت. ولكن الصعوبة لا تزال حاضرة. فقلب الخبر (28: 1-10) ليس ارتفاع القائم (من الموت) في المجد، بل نشاط جديد للمسيح، لا يقف في وجهه عائق. وهذا النشاط يقوم في جمع إخوته (آ 10) وإرسالهم إلى الوثنيين (آ 16-20)، وهذا ما يوافق مجمل الفكر المتّاويّ.
ونعود إلى الفكرة الأولى. ونقابلها مع ما يقوله العالم الجليانيّ اليهودي في القرن الأول ب م حول أجساد القائمين من الموت. هذا ما يقوله 2 با (نهاية القرن الأول): ((وأطلب منك أيضًا: أي وجه يكون لهؤلاء الذين يحيون في ذلك اليوم؟ أو كيف يدوم مجد الذين يكونون بعد ذلك؟ هل يأخذون في ذلك الوقت هذا الوجه ويرتدون هذه الأعضاء المقيّدة التي هي الآن في الشرور والتي هي ممتلئة شرورًا؟ أو ربّما تحوِّل (أنت) الذين كانوا في العالم مثل العالم نفسه؟ اسمع واحفظ: عند ذاك تُعيد الأرضُ الموتى الذي تقبّلتهم الآن لتحفظهم، ولكن دون أن تبدّل شيئًا في وجههم. فكما تقبّلتْهم هكذا تردّهم، وكما سلمْتها إياهم، هكذا الذين مضوا يعودون. ويكون حين يتعرّف كل واحد إلى أولئك الذين عرفهم، أن الدينونة تأتي، وتحصل هذه الأشياء التي أنبأتُ بها)) (2 با 49: 1-50).

ب - كذب رؤساء الشعب (28: 11-15)
بعد الخبر المتعلّق بالقبر الفارغ، قدّمت الأناجيل الإزائيّة الثلاثة مقطوعات نستطيع أن نسمّيها ((ملحقات)). هناك مت 29: 11-15، 16-20؛ ومر 16: 9-20 الذي هو نصّ متأخّر أو زيد فيما بعد على الانجيل الثاني. وهناك لو 24: 13-25، 36-49، 50-53. إذا تركنا جانبًا مر 16: 9-20، يجب أن نلاحظ أن الملحقات المتّاويّة واللوقاويّة تميّز الفن الأدبي لكل انجيليّ واهتماماته. توسّعَ لو في هذه الملحقات، فشدّد على ما يوحّد المسيح القائم من الموت مع أسفار العهد القديم (24: 13-35)، ومع جماعة أورشليم التي تنتظر عطيّة الروح القدس (24: 31-35). وجماعة أورشليم هذه ستكون قلب وأصل الرسالة في العالم الوثني (لو 24: 47).
أما الملحق المتّاويّ فيخضع لاهتمامات أخرى. أولاً، يعود إلى موقف رؤساء الشعب اليهوديّ، هذا الموقف المؤسف جدًا (آ 11-15). نحن هنا أمام موضوع مستمرّ في انجيل متّى. إن هذه الآيات الخمس (28: 11-15) تؤكّد الفرضيّة التي تقول إن تدوين الانجيل الأول قد تمّ في محيط مسيحيّ ما زال في جدال حارّ مع ممثّلي العالم اليهودي الرسمي، وهذا بعد سقوط أورشليم بعشر سنوات أو خمس عشرة سنة. أما آ 16-20 (مهما كان الزمان الذي فيه دوّنت) فهي في عمقها متّاويّة: فالمسيح القائم من الموت حصر حواره مع تلاميذه في بعض تعليمات موجزة حول العمل الرسوليّ وسط الوثنين. في آ 16-20 تبرز المواضيع الاساسية الثلاثة التي تميّز الانجيل الأول: ارتدى المسيح السلطة السامية. إن الأحد عشر يمثّلون الكنيسة المتّاويّة الخاضعة لتعليمات معلّمها على المستوى الاخلاقي والرساليّ. وهناك أخيرًا النظرة الاسكاتولوجيّة الشاملة التي تسير بنا إلى نهاية العالم.
ونستطيع أن نشير في النهاية إلى آ 11-15: هذه الآيات، شأنها شأن مقطوعتين خاصتين بمتّى في خبر الآلام (27: 3-10، 62-66)، تعالج الأحداث من وجهة أورشليمية محضة. لهذا نفهم أن يكون مر ولو قد أهملاها، هذا إذا عرفاها. ولكن هذه الآيات تقع في خطّ مت الذي سمع ولا شكّ بأقاويل اليهود حول قيامة يسوع. لهذا أراد أن يبيّن أكاذيبهم، فجعل هذه المقطوعة (28: 11-15) ملحقًا لخبر القبر الفارغ ومقدّمة لرسالة الكنيسة بين الأمم. ما استطاعت أن تقنع اليهود بقيامة المسيح وهم يرفضون الإيمان عمدًا (على ما يقول يو). فلا يبقى لها إلاّ أن تتوجّه إلى الوثنيين: تتلمذهم، تعمّدهم، تعلّمهم.

2 - دراسة تفصيليّة

أ - البنية والمراجع
نجد هنا ثلاث وحدات: الأولى (آ 1-8) تروي الأحداث حول القبر. الثانية (آ 9-10)، ظهور المسيح القائم من الموت. والوحدة الثالثة، كيف عالج اللامؤمنون هذه الوقائع (آ 11-15). هناك عبارة ((كاي ايدو)) (وإذا) في بداية كل واحدة. آ 2: ((وإذا زلزال)). آ 9: ((وإذا يسوع)). آ 11: ((وإذ كنّ)). ونقرأ فعل((بشّر)) (أبانغالو، أنجل) في كل وحدة. في آ 8: ((هرعن إلى التلاميذ ليبشِّرنهم)). في آ 10: ((إمضين وبشرّن إخوتي)). في آ 11: ((أخبروا رؤساء الكهنة)). وهناك كلمات تتعلّق بالنظر. آ 1: ((ليروا القبر)). آ 2: ((وها إن، إذا))؛ آ 6: ((أنظرن الموضع)). آ 7: ((هناك ترونه. ها هوذا قد قلت لكم)). آ 9: ((ها هو))؛ آ 10: ((وهناك يرونني)). ويوحّد المقطع تشابهات بين أقوال الملاك وأقوال يسوع.
آ 5-7: لا تخفن
أسرعن وقلن لتلاميذه
هو يسبقكم إلى الجليل
وهناك ترونه.
آ 10: لا تخفن
امضين وبشرنّ إخوتي
ليذهبوا إلى الجليل
وهناك يروني
هذا التكرار يُبرز الموضوع. وهناك مقابلة أدبيّة بين النسوة والحرّاس توحّد النصّ أيضًا.
اجتمع الحرس والنسوة عند قبر يسوع (آ 1، 4). كلاهما رأيا الملاك (آ 2-5). كلاهما شعرا بالخوف (آ ،4 8). كلاهما تركا القبر ليقولا للآخرين ما حدث (آ 8 مع ابانغالو، رج آ ،10 ثم آ 11 مع ذات الفعل). ولكليهما قيل ما يجب أن يفعلا (آ 7، 10، 13-14). أما الفرق فهو أن النسوة قلنا الحقيقة للتلاميذ. أما الحرّاس فقالا كذبًا عن التلاميذ.
كما أن التقليد الخاص بمتّى يروي أن الرؤساء اليهود طلبوا جنودًا ليحرسوا قبر يسوع ونالوا ما طلبوا (27: 62-66). جاء ملاك من السماء ودحرج الحجر عن القبر (28: 2-4)، فعاد الحرس إلى أورشليم وتآمروا مع رؤساء اليهود لكي يُخفوا حقيقة ما حدث (28: 11-15). مزج مت هذا التقليد مع خبر مر عن القبر الخالي (مت 28: 1، 5-8؛ رج مر 16: 1، 6-8). أما في ما يخصّ آ 9-11 التي تجد ما يوازيها في يو 10: 11-18 فهي تأتي إمّا من تقليد شفهيّ وإمّا من نهاية مر التي ضاعت.

ب - التأويل
نورد هنا الاختلافات مع مر 16: 1-8. (1) ثلاث نسوة في مر، اثنان في مت (لا نجد صالومة في مت). (2) الاشارتان الكرونولوجيتان في مر 16: 1 (ولما انقضى السبت)، 2 (باكرًا في اليوم الأول من الأسبوع) اللتان تعودان إلى شيئين مختلفين (شراء الحنوط والزيارة إلى القبر) قد جُمعتا في مت الذي تحدّث فقط عن الزيارة إلى القبر. (3) ترك مت شراء الحنوط. (4) أهمل مت سؤال النسوة حول دحرجة الحجر. (5) في مر فقط دخلت النسوة إلى القبر. (6) ظهور شاب في لباس أبيض (في مر) صار في مت ظهور ملاك مجيد مع تفاصيل جليانيّة (مت 28: 2-4). (7) يسوع هو((الناصري)) في مر 16: 6 - مت 28: 5. (8) كلام الملاك في مت لا يُجعل مع النبوءة حول الجليل (كما في مر 16: 7)، بل مع الإنباء بالقيامة (28: 6). (9) كتب مر 16: 7: ((قلن لبطرس والتلاميذ)). أما مت 28: 7 فاكتفى فقط بـ ((قلن للتلاميذ)). (10) إن خاتمة مر التي فيها لم تقل النسوة شيئًا لخوفهنّ، قد حلّت محلها الطاعة: أسرعن وقلن للتلاميذ. (11) ظهور يسوع القائم من الموت (مت 28: 9-10)، ليس له ما يوازيه في مر. (12) ونقول الشيء عينه عن خبر الحرّاس (28: 11-15).

ج - التفسير
أولاً: قبر مفتوح وفارغ (28: 1-8)
الخبر هو ظهور ملاك، وعناصره نراها في ظهورات أخرى للملائكة، وهي تبدو كما يلي:
دا مت رؤيا ابراهيم 2 أخنوخ
ادخال متقبّل
الظهور (آ 1) 10: 2-4 1: 18-20 10: 1-4 1: 3
ظهور الملاك (آ2-3) 10: 5-7 1: 20 10: 4 1: 4
خوف المتقبّل (آ 4، 8) 10: 7-10 - - 1: 7
كلام تعزية
وتشجيع (آ 5) 10: 11-12 1: 20 10: 5-7 1: 8
كلام وحي (آ 5-6أ) 10: 13-14 1: 20 10: 8-14 1: 8
الأمر الذي ينفّذ (آ 6ب 7) - 1: 21 10: 15-17 1: 9
جواب الطاعة (آ 8) - 1: 24-25 12: 1؛ 13: 1 1: 10
وهكذا بدا مت 28: 1-8 نموذجًا إخباريًا عن ظهور الملائكة في نقاط عديدة.
إن أخبار القبر الخالي هي في شكلها الحاضر اعلان مسيحي. ولكن هذا خبر لا يليق به، كما قال هذا بعضُ الشرّاح، وقدّموا البراهين التالية. (1) دُفن يسوع كما يُدفن الأشقياء،فما عُرف أين وُضع جسده. وهكذا يكون خبر القبر الخالي ((حكاية دفاعيّة)) خُلقت ساعة استخلص الشعب من التعليم أن المصلوب قام، ولهذا كان قبر يسوع خاليًا. (2) إن 1كور 15: 3ي لا تذكر اكتشاف قبر يسوع الخالي. (3) الطبيعة المقولبة لما في مر 16: 1-8 وز لا تجعلنا نثق بالخبر. (4) وجاء من يقول إن حضور النساء غير المتوقَّع ليس مؤاتيًا للخبر. أولاً: إن هرب التلاميذ (الذكور) أمر أكيد. ثانيًَا، بسبب الارتباط بين الموت والقيامة في الكرازة المسيحيّة، وُلدت حاجة تروي كيف سمعت النسوة بقيامة يسوع. ثالثًا: ليست هناك نظرة قديمة شاملة تقول إن شهادة النسوة لا تصحّ (أن لا يُسمح للمرأة أن تدلي بشهادتها هو وضع معروف في العالم اليهودي القديم فقط). (5)أخيرًا هناك نصوص موازية تعتبر غير تاريخيّة: صعود إيليا إلى السماء (2 مل 11: 12-15-18). عبث البحر عن بقايا أبناء أيوب (وصيّة أيوب 38: 1-40: 6). فشل محاولات البحث عن جسد يوحنا المعمدان (انجيل يعقوب 24: 3). اختفاء جسد اللصّ الذي طلب من يسوع أن يذكره في ملكوته (خبر يوسف 4: 1). القول بأنه لا يقدر أحد أن يجد بقايا يوحنا الحبيب. وأخيرًا صعود مريم وانتقالها. ونترك جانبًا الامثلة من العالم اليوناني والروماني (عظام هرقل، جسد اينياس، اختفاء رومولوس مؤسِّس رومة).
فما هو جوابنا على كل هذا؟ (1) تاريخيّة دفن يسوع بيد يوسف الرامي. (2) ما لم يقله بولس هو برهان سلبي. فقد يكون ترك خبرًا تقليديًا حول اكتشاف القبر الفارغ لدى النسوة لأنه يريد أن يصل بسرعة إلى الشهود المقبولين. (3) حين نعبّر عن رؤية ملائكة، نحتاج إلى لغة بشرية. (4) بالنسبة إلى أولاً: برهان غير مقنع. فيوحنا بيّن أن التقليد المسيحي لا يحتاج أن يفسّر هرب التلاميذ كخروج مباشر من أورشليم ليستبعد مشاركتهم في اكتشاف القبر الفارغ. ثم لماذا فضّلت الحكاية المسيحية أن تخلق خبر وجود مريم المجدليّة عند القبر بدلاً من خبر يكون فيه التلاميذ (وإن ذهبوا إلى الجليل) قد عادوا إلى أورشليم لكي يجدوا القبر الفارغ. وإلى ثانيًا: هذا مجرّد افتراض. وإلى ثالثًا يصحّ إذا كان خبر القبر الفارغ وُلد خارج الحلقات اليهوديّة، وهذا لم يبرهن عنه. (5) هذه النصوص الموازية هي أقوى برهان ضد التاريخيّة، ولكن كثيرًا من هذه الأخبار (اللص اليمين، صعود مريم،) ارتكزت على خبر قيامة يسوع (وهناك أخبار وثنيّة تأثّرت بالمسيحيّة). وهناك أخبار تختلف كل الاختلاف عن الخبر الانجيلي (أبناء أيوب، يوحنا الحبيب). ولا نتوقّف عند الأساطير.
وبعد أن رأينا أن البراهين ضد التاريخيّة ليست مقنعة، نظنّ أن ربط مريم المجدليّة بقبر يسوع ليست مجرّد اختراع. فشهادة النساء في العالم اليهوديّ القديم ليست مقبولة (يوسيفوس، العاديات 4: 319: ((ليس من يقين عند النساء، بسبب خفتهنّ وتهورهنّ))). وقد اعتبر التقليدُ اللاحق أن التلاميذ جاؤوا في النهاية ليؤكدّوا شهادة النسوة (لو 24: 12، 24؛ يو 20: 2-3). وأنهم كانوا حاضرين في أورشليم في يوم الفصح (نقابل لو ويو مع مت ويو 21).
((ولما انقضى السبت)) (آ 1).سمّى النصّ الأشخاص. ذكر الزمان والمكان. وهكذا تركّز المشهد. ذكر النصّ السبت الذي مضى وأخذ معه الظلام، والنور الذي يأتي مع اليوم الأول. حافظت النسوة على السبت من مساء الجمعة حتى مساء السبت (بعد غياب الشمس). يوم الأحد هو اليوم الأول في الخلق. ونحن هنا أمام خلق جديد. ((ذهبت مريم المجدلية)). عاد مت إلى 27: 25 حيث كانت النسوة ينظرن. في مر 16: 21 نجد مريم المجدلية، مريم أم يعقوب، صالومة (أم يعقوب ويوحنا وأخت مريم العذراء). في مت صارت مريم ومريم الشاهدتين لقيامة يسوع كما كانتا (مع غيرهما) الشاهدتين لموته ودفنه.
قال مت: ((لتنظرا القبر)) (رج 27: 55؛ مر 15: 47). أما مر فقال: لتمسحن يسوع. ولكن في مت،مُسح يسوع قبل موته (26: 12) ولم يُذكر عمل يوسف الرامي.
كل عناصر آ 2-4 تورد العلامات التي ترافق مجيء الربّ في نهاية العالم وهجمة ملكوت الله. ((وإذا زلزال)) (آ 12). ق 8: 24؛ 21: 10. الزلزال العظـيم أزاح الحجر العظيم (27: 60). إن 24: 7 تنبّأ عن زلزال اسكاتولوجيّ (هذا أمر متواتر في الرؤى). و27: 51-53 يذكر الزلزال الذي رافق موت يسوع تتميمًا لما في زك 14: 4-5 (تهربون كما هربتم من الزلزال. هكذا هرب الحرس. وقد قرّب آباء الكنيسة 27: 51 من 28: 2). أما الزلزال المذكور هنا فله مدلول اسكاتولوجيّ. فالعلاقة بين القيامة والزلزال أمر معروف (لكي تُفتح القبور).
((لأن ملاك الرب)). ق مر 16: 3؛ تك 29: 3 (حسب السبعينيّة)؛ صعود أشعيا 3: 16؛ انجيل بطرس 9: 36. أوضح خبر مت وحده كيف دُحرج الحجر عن القبر. هو الملاك الذي ظهر على يوسف (1: 20). وهكذا يكون الملاك قد ظهر في بداية مت وفي نهايته. وفي الحالتين قال: لا تخف (يا يوسف). لا تخفن انتن (أيتها النساء). جلس الملاك على الحجر (انجيل بطرس 13: 55). هذا يدلّ على الانتصار. الحجر الذي دحرجه يوسف وختمه الجنود، قد دُحرج الآن بيد الرسول الالهيّ. لا يُقال لماذا دُحرج الحجر. ليُخرج يسوع أم لكي ترى النسوة ما في داخل القبر؟ ولكن يسوع قام قبل أن تصل النسوة. ثم، متى كان الحجر حاجزًا أمام مرور يسوع الذي دخل إلى العلّية والأبواب مقفلة.
لا يذكر مر 16: 5 لفظة ((ملاك)) بل يقول: ((شاب)). ولكن العادة سرت بأن يسمّى الملاك ((شابًا)). رج 2مك 3: 26؛ 33؛ أع 1: 10؛ 10: 30؛ يوسيفوس، العاديات 5: 277؛ انجيل بطرس 9: 36؛ 13: 55؛ 2أخنوخ 1: 4-7. في أي حال، ليس من شكّ في سلطة المتكلّم: هو من السماء. ونتساءل في أساس هذا الخبر عن الاعتقاد الذي يقول بأن الملائكة تُوجّه الأبرار إلى السماء. (وصيّة ابراهيم 20: 10-12؛ وصيّة أيوب 52: 1-11؛ رؤيا موسى 37: 1-6؛ يوسيفوس، العاديات 5: 277). لا شكّ في ذلك. فالتقليد الذي نجده في انجيل بطرس (9: 35-10: 42) وفي مر 6: 3 يتحدّث عن فرَق الملائكة التي ترافق يسوع إلى السماء.
إن ظهور الملاك يذكّرنا بظهور يسوع المتجلّي (17: 2). ((كان منظره كالبرق)) (آ 3). أما مر 16: 5 فقال: ((لابس ثوبًا أبيض)). هذه الصورة تعود إلى دا 7: 9؛ 10: 6 (ينبوع صورة وجه الملاك). وجاء الزلزال (سائسموس) فألقى الذعر في قلب الحرّاس. ليس يسوع هو الميت، بل هم بدوا كالأموات. يل للسخرية! هنا نقابل بين زلزال أول (27: 54) وتصرّف الحرس حينذاك: ((وخافوا وقالوا: في الحقيقة كان هذا ابن الله)). وفي الزلزال الثاني (8: 2-4)، خاف الحرّاس ولكنهم لم يسيروا مسيرة الايمان.
((ارتعد الحرّاس من الذعر)) (آ 4). ق 14: 26؛ 27: 54؛ دا 10: 7. أول عبارة هي ((الخوف والرعدة)) (9: 2؛ 1كور 2: 3). الخوف هو شعور الانسان في حضرة الله. هذا هو وضع الحرس في الرؤى. هم لا ينفعون شيئًا. رج دا 3: 19-23؛ أع 5: 17-26؛ 12: 6-11؛ 16: 35-34.
وأعلن الملاك البلاغ المسيحيّ في لغة تذكّرنا باعتراف الايمان في الكنيسة الاولى (1كور 15: 3-5): يسوع الذي صُلب ودُفن قد قام من بين الأموات. قال الملاك: ((أنتنّ لا تخفن)) (آ 5). ((أنتنّ)) تقابل الحرس. عادة، الجنود لا يخافون، والمرأة تخاف. أما هنا، فالعكس هوالواقع بسبب حضور الله. ((تطلبن يسوع المصلوب)) (قال مر 16: 6: ((تطلبن يسوع الناصري الذي صُلب))). رج انجيل بطرس 13: 56: ((من تطلبن؟ هذا الذي صُلب))؟
وفسّر الملاك القبر الفارغ (قام) وقدّم البرهان (أنظرن الموضع). إن يسوع في لغة 22: 3 (ردّ على الصادوقيين ) قد دخل في القيامة وصار مثل الملائكة. لقد اختبر نهاية التاريخ. ((ليس هنا. قام كما قال)) (آ 6). ق مر 16: 6: ((إنه قام)). حرفيًا: أقيم، أي الله أقامه. ((أنظرن الموضع)) (ق مر 16: 6؛ انجيل بطرس 13: 56). دعاهنّ الملاك لكي ينظرن فيتأكّدن من كلامه. ((ثم أسرعن)) (آ 7). قلن لبطرس وللتلاميذ (كما في مر). أما مت فاعتبر بطرس أحد التلاميذ، فلم يذكره وحده. ((قام من بين الأموات)) فصار ((بكر الراقدين)) (1كور 15: 20). هذا هو الاعتراف الايماني. هو يسبقكم إلى الجليل. ما قيل في 26: 32 قد تحقّق في 28: 16 (التقى التلاميذ بيسوع في الجليل). بعيدًا عن نساء أورشليم كما قال الذهبيّ الفمّ (عظات في مت 89: 2)، بعيدًا عن الاضطراب والخطر. يسوع ينتظرهم في الجليل وإليه يذهبون.
خافت النسوة بعد أن اختبرن ما اختبرن. وفرحن حين تسلّمن البلاغ الالهي (آ 8). ق 2: 10 (فرح عظيم للمجوس)؛ 8: 33. في مر 16: 8: خافت النسوة وما قلن لأحد شيئًا (رج انجيل بطرس 13: 57). أما في مت، فقد عاشت النسوة فرحًا عظيمًا، وأطعن أمر الملاك فأخبرن التلاميذ.
ثانيًا: الظهور الأول (28: 9-10)
ظهور قصير للمسيح وجواب على هذا الظهور في السجود والعبادة (سجدن له). وبما أن كلمات يسوع حول الجليل تعيد كلمات الملاك، نفهم أن ذروة المشهد هو اللقاء مع يسوع. وهذا ما يكون في 28: 16-20.
هناك تقارب بين هذا الحدث ويو 20: 11-18. نحن هنا أمام خبر قصير قد توسّع فيه يو. أما التشابهات فهي: (1) يذكر الحدثان الظهور الأول بعد القيامة. (2) في مت، ظهور لمريم المجدلية ومريم الأخرى (شاهدتان). في يو لمريم المجدليّة (هي نموذج لسائر النسوة). (3) في النسختين يجتمع الظهور مع اكتشاف القبر الفارغ. (4) في مت أخذت النسوة بقدمي يسوع، علامة السجود. في يو، قال يسوع: لا تمسكيني. لم تعد العلاقة هي هي كما كانت قبل القيامة. هناك علاقة من نوع آخر. (5) في يو 20: 17: ((إذهبي إلى إخوتي وقولي لهم)). في مت 28: 10: ((إذهبا وقولا لإخوتي)). أما الاختلافات فتُفهم في إطار مت ويو.
رأت النسوة يسوع. سمعنه يكلمهنّ. عرفنه حالاً (عكس لو 24: 16؛ يو 20: 14). وسجدن له (لا يُذكر الشكّ كما في 28: 17). ((وإذا يسوع يلاقينهنّ)) (آ 9). ق وصيّة ابراهيم 2: 3 (الملاك يقول: سلام). ((فدنون منه وسجدن)) (ق آ 17، سجدوا). أمسكن بقدميه. هي أيضًا علامة التوسّل. ثم إن التلميذ يجلس عند قدمي المعلّم.
صار يسوع بعد الملاك الشاهد الثاني للقيامة. وهكذا نكون أمام شاهدين (تث 19: 15). كما لا ننسى أن الملاك يدلّ على حضور الله. على مجيئه فيما بعد. هكذا في خبر العلّيقة الملتهبة، بدأ ملاك الرب ثم تبعه الربّ (خر 3: 1ي). ((لا تخفن (آ 10). رج آ 8. وهي كلمة تشجيع تذكّرنا بما في آ 5.
ثالثًا: رشوة الحرس (28: 11-15)
هذا الحدث الذي لا يجد ما يقابله في الأسفار القانونيّة، يعود إلى 27: 62-66 (طلب الرؤساء حرسًا على القبر) وإلى 28: 2-4 (وجود الحرّاس على القبر)، ويرتبط بالمرجع عينه بعد أن طبعه متّى بأسلوبه. أما هدفه فهو دفاعيّ (كانت حكاية لدى اليهود تقول إن الرسل سرقوه). ما أسند كذبَ الحرس هو المال. لقد عرفت جماعة مت ما كان يقال ((في الشارع)) عن قيامة يسوع.
وفعلَ الحرسُ كما فعلت النسوة. ذهبوا وأخبروا الآخرين (رؤساء الكهنة لا التلاميذ) بقيامة يسوع. هم أول المبشّرين من دون أن يدروا. ((وفيما كنّ في الطريق)) (آ 11). يشير هذا إلى النسوة اللواتي ذهبن، ساعة ذهب الحرّاس هم أيضًا. ((أخبروا بكل ما جرى)). ق 27: 53: جاء القديسيون الذين قاموا وشهدوا ليسوع ((في المدينة)). وجاء الحرّاس ((إلى المدينة))، وقد صاروا كالأموات ليخبروا بما جرى. ق 28: 8، 10؛ انجيل بطرس 11: 45-49 (أخبر الحرّاس بيلاطس. رج مت 27: 65 الذي جعل مت الحرّاسَ يقدّمون تقريرًا إلى عظماء الكهنة). أعلن الجنود عند الصليب أن يسوع هو ابن الله. والذين عند القبر غشّوا الناس فدلّوا على عدم إيمانهم وبالتالي على عدم إيمان الشعب اليهودي الذي لم يرَ أمرًا علويًا في ما حدث على القبر.
حمل الجنود الخبر إلى بيلاطس، مع أن رؤساء الكهنة هم الذين أشاروا إلى الخطر (27: 64). ما استطاعوا أن ((يوقفوا)) القيامة، فعملوا لكي تصبح غير مقبولة لدى الناس. ليس الرسل هم الذين سرقوا الجسد ليكذبوا على الناس، بل الحرس ومعهم عظماء الكهنة، هم الذين كذبوا. قال يسوع والملاك للنسوة أن يعلنّ الحقيقة. أمّا الحرس فصاروا عبيدًا لمامون، للمال، فسمعوا صوت الفضّة وأطاعوا عظماء الكهنة والشيوخ لكي يبشّروا بالكذب. ((قولوا: إن تلاميذه جاؤوا ليلاً وسرقوه)). ق إنجيل بطرس 11: 47-49 حيث يأمر بيلاطس الحرس بأن لا يقولوا شيئًا. إذا كان الحرس نيامًا، فكيف عرفوا أن الرسل سرقوه؟ وإذا كانوا ساهرين، فلماذا لم يمنعوا الرسل من السرقة؟ هنا نتذكّر الذهبي الفم: ((بسبب وضوح الحقيقة،ما استطاعوا أن يجعلوها كذبًا)).
ووعد رؤساء اليهود بأن يحاموا عن شهود الزور. ((نحن نُرضي الوالي)) (آ 14). لقد خاف رؤساء اليهود أن ((تكون الضلالة الأخيرة شرًا من الأولى)) (27: 64). ولكن القارئ يعرف أن من يعمل الضلال هم رؤساء اليهود في تفسيرهم الكاذب لقيامة يسوع. أضلّوا الناس حين قتلوه. وها هم يضلّونهم إذا هم أرادوا أن يؤمنوا بقيامته. ((أخذ الجنود المال)) (آ 15)، وفعلوا مثل يهوذا. والمعطي هو رؤساء الكهنة. وهكذا يبان بوضوح ما بعده وضوح الفرق بين تعليم الرؤساء (وعملهم) وتعليم يسوع (آ 20). إن الكلمة التي أعطاها الرؤساء للحرس تعارض ((كلمة الملكوت)) (13: 19)، والاعلانَ الذي أوصى به يسوع في 28: 19-20. قالت آ 15: ((عند اليهود)) ولم تقل عند أهل يهوذا (أو يهودا، اليهوديّة، وهي المنطقة التي عاصمتها أورشليم). لم نعد هنا على مستوى حياة يسوع وموته وقيامته. بل على مستوى الزمان الذي فيه دُوّن انجيل متّى (80-90). لم نعد على مستوى سكان أورشليم سنة ،30 بل على مستوى كنيسة متّى العائشة في مناطق سورية وفلسطين والتي ما زالت في صراعها مع العالم اليهوديّ بعد سقوط أورشليم سنة 70 ومجمع يمنية.

3 - قراءة لاهوتيّة وروحيّة
بدأ كل شيء في مساء السبت. أي بداية يوم الأحد. وقد نكون في الساعات الأولى من الصباح. الشاهدتان هما مريم المجدلية ومريم الأخرى (أم يعقوب ويوسى التي كانت على الصليب مع مريم العذراء وصالومة أخت مريم العذراء). لماذا ذهبت النسوة إلى القبر؟ هذا ما لم يـُرد أن يقوله مت. ولكن السبب الأساسيّ والذي يرتبط بالموت والدفن هو فعل ((نظر)). هذا النظر هو الذي يقود إلى الايمان. فقد قال لهنّ الملاك: ((هلمّ وانظرن)) (آ 6). عندئذ ذهبن يخبرن التلاميذ.
ماذا نظرن؟ لسنا في آ 2-4 أمام تصوير لقيامة يسوع. فالقيامة تمّت حالاً بعد الموت والدفن، لأن يسوع لا يمكن أن يصل إليه الفساد. أما ما كان يوم الأحد، يوم الأول من الأسبوع، فهو ظهور يسوع للنسوة، للتلاميذ. أمّا ملاك الرب الذي هو هنا، فهو لا يتدخّل ليوقظ يسوع (في السريانيّة، الملاك هو الساهر، عيرا) ، ولا ليفتح باب القبر، بل ليستقبل النسوة، ويدلهنّ على القبر الفارغ، ويعطيهنّ تعليمات ((المعلّم)) الذي هو الربّ يسوع.
هذا الملاك هو الذي ((رأيناه)) في ف 1-2 (أخبار الطفولة). يرتدى شارات المجد الالهي أو المجد السماويّ (نزل من السماء. كاتاباس): اللون الأبيض هو لون المجد السماويّ (مت 17: 2؛ رؤ 3: 5؛ 19: 14) وانتصار يسوع على الموت والخطيئة والشرّ. وهو أيضًا لون الفرح (جا 9: 8)، ولون البرارة والبراءة (أش 1: 18). أما خوف الحرس فهو تعبير عن خوف وثنيّ وأعمى أمام ظهور يفوق الطبيعة البشريّة. ما استطاعوا أن ((يقاوموا)). ومن يريدون أن يقاوموا؟ وهل يستطيعون أن يقاوموا قدرة الله؟ وما إن عادوا إلى نفوسهم حتى هربوا وذهبوا إلى من أرسلهم. لم يهتمّ الملاك بهم، لم يحاول أن يسحقهم بالنور الالهيّ. فالقيامة ليست حدثًا ((نلمسه)) فيفرض ذاته علينا. لم يفهم الحرس شيئًا. أما النساء اللواتي رافقن يسوع من الجليل حتى موته ودفنه، فسيسمعن من الملاك المدلول الحقيقيّ لهذا القبر الفارغ. ليس يسوع هنا. إنه قام. لماذا نبحث عن الحيّ بين الأموات.
وشدّد مت (أكثر من مر ولو) على أن الملاك تكلّم فقال. أجل، إن التفسير الملائكي هو جزء لا يتجزّأ من حدث القيامة. فلولا كلمة الملاك، لظلّت النسوة منغلقة على مخافة دينية لا علاقة لها بالقيامة. والإخبار الانجيلي يرينا مرّات عديدة هذا المرور من الرعدة الدينيّة إلى الثقة والفرح اللذين يحملهما المسيح (14: 27؛ 17: 6؛ مر 5: 36؛ لو 5: 10...). ما نلاحظه هنا هو أن الشهود الأولين للقيامة هم النسوة. هنّ تلاميذ مثل سائر التلاميذ (رج لو 8: 1ي). وعملهنّ مهمّ جدًا لأنه يعيد تكوين الجماعة كما كانت حول يسوع في زمن رسالته على الأرض. وستتكوّن في الجليل.
دور النسوة أن يبشِّرن، أن يخبرن بالقيامة. من؟ الرسل، التلاميذ، بمن فيهم بطرس كما يقول مر، انجيل بطرس. فعلى بطرس أن يثبّت إخوته بعد أن يعود من نكرانه لربّه. خافت النسوة كما قال مر. ولكن الخوف رافقه الفرح. النسوة؟ ومن يصدّق امرأة في ذاك العالم اليهوديّ؟ أجل، الشهود الأولون للقيامة ليسوا الأقوياء، بل الضعفاء، ليسوا الرسل وفي طليعتهم بطرس، بل النسوة. ليسوا أناسًا متدرّجين في ((معرفة)) الأسرار على مثال الاسيانيين، وليسوا أشخاصًا ((غيورين)) ينشرون بين الناس أفكارًا عجيبة غريبة. بل هم أناس عاديون رافقوا يسوع في موته، فوصلت بهم هذه الرفقة إلى قيامته. والمهمّ ليس دعاية من أجل الأشخاص الذين تبعوا يسوع. بل ليس دعاية ليسوع نفسه. المهمّ هو إعادة تكوين إخوة (آ 10) القائم من الموت لينالوا تعليماته الجديدة.
وننتقل في آ 11 من النسوة إلى الحرس. هل كان الحرس شهود القيامة؟ كلا. بل ارتاعوا من حدث ما اعتادوا عليه، سوف يفسّره عظماء الكهنة، ولكنهم رفضوا أن يكونوا منطقيين مع نفوسهم. ورأى الحرس القبر فارغًا، ولكنهم توقّفوا هنا. فهذه الرعدة جعلتهم كالأموات،لا كالأحياء. وفراغ القبر الذي توقّفوا عنده وتعجّبوا، دلّ على فراغ آخر سوف يملأه رؤساء الكهنة بضلالهم. ((أخبروا بكل ما جرى)). قدّموا تقريرًا عمّا رأوا وسمعوا. مثلُ هذا التقرير لا يقود إلى الايمان بقيامة يسوع، بل يُبقي الانسان في الدهشة، ولا سيّما إذا لعب المالُ دوره، واستولى الضلال على عقول السذَّج.
واجتمع رؤساء الشعب مرّة أخرى. وتشاوروا (12: 14؛ 22: 15؛ 27: 1، 7). تشاوُرهم هو مؤامرة. في الماضي لكي يقتلوا يسوع. والآن، لكي يخفوا خبر قيامته. لكي ((يقتلوه)) مرّة أخرى. لا يورد مت ردّات فعل فرديّة لدى الرؤساء، كما فعل يو بالنسبة إلى نيقوديمس (يو 3: 1ي؛ 7: 50-51) وأع بالنسبة إلى غملائيل (5: 34ي) الذي حذّر الرؤساء من مقاومة الله. جعل مت أمامنا الموقف الرسميّ تجاه المسيح. ويكفي أن نقرأ المؤرّخ يوسيفوس لكي نعرف الدور الذي كانت هذه الاجتماعات تلعبه في فلسطين، في ذلك الزمان.
اجتمع الرؤساء، واجتمع معهم الجنود، وهم مرتزقة مستعدّون لأن يبيعوا كل شيء لقاء حفنة من المال. ظهر هؤلاء الرؤساء مهتمّين لا بحقيقة الحدث الذي تكلَّم عنه الحرّاس، بل بتأثير هذه الأخبار في الشعب. الشعب الذي كان في أيام يسوع، وذاك الذي كان في أيام متّى، سنة 80-90. لا يظنّ مت أن اليهود يُنكرون واقع القيامة. بل يريد أن يبيّن أنهم لا يستطيعون إطلاقًا أن يتخيّلوا لحظة واحدة إن ذاك الذي صُلب منذ يومين ودُفن، قد قام اليوم. لهذا، رفضوا كل بحث وبدأوا عمليّة الكذب: نحن نُقنع بيلاطس لئلاّ يعاقب الجنود الذين ((تركوا التلاميذ)) يسرقون يسوع. وسوف يعلّمون الجنود ما يقولون. وكأنهم يحتاجون إلى تعليم. المهمّ هو المال الذي نالوه. وتعليم الرؤساء يبدو مغايرًا للتعليم الذي تحمله الكنيسة (آ 20).
نلاحظ أن لفظة ((يهود)) لا تظهر في مت إلاّ هنا وفي 2: 2؛ 27: 11، 29، 37، مع أنها متواترة في الانجيل اليوحناويّ (اليهود يدلّون على اللاإيمان، على الرفض). هنا تلتقي بداية الانجيل بنهايته. رفض اليهود المسيح في ميلاده، ورفضوه في موته وقيامته. وذلك بفعل الرؤساء. هؤلاء اليهود كانوا ضحيّة الفريسيين ورؤساء الشعب (نحن هنا في خط أع ولا سيّما خطب بطرس، أع 4: 17...). وهكذا يدلّ متّى على حزنه على اليهود (رج لو 2: 34-35؛ روم 9-11)، لا على احتقاره لهم. لهذا، كتب إنجيله وهمّه أن يوصل كلام الرب إلى قلوبهم. ولكنهم حتى اليوم يرفضون القيامة، وبالتالي يرفضون خطأهم في موت يسوع، بل يرفضون حياته ورسالته. فلا يبقى على متّى إلاّ أن يحسبهم كالوثنيّ والعشّار، فيصلّي لأجلهم ويذهب إليهم في رسالة توصله إلى أقاصي الأرض.

خاتمة
1 - إن 28: 1 ي هو النهاية الضرورية لانجيل متّى. فلولا القيامة، لكانت كلمات يسوع فارغة وخصومه على حقّ. مع القيامة، انتصر يسوع، وتأكّدت قضيّته وسلطته، وسيطر الخجل على خصومه. فالقبر الفارغ هو بعض ((أسلوب)) الله، وهو يرمز إلى انتصار يسوع (= الله) على أعدائه. مارس كل قوّته ضدّهم حتّى موته. وهو الآن مع موته يذهب إلى حدود قوّتهم. حدود قوّته هي الموت. ولكنهم لا يستطيعون أن يصلوا إلى يسوع في القيامة ولو جعلوا الحرس على باب قبره.
2 - الزلزال والحركة من السماء إلى الأرض، والقيامة من القبر، كل هذا أمّن انتصار يسوع في الحدث الاسكاتولوجيّ، في نهاية الزمن. حين دخل المسيح إلى الألم والموت، ثم قام إلى الحياة الجديدة في وسط الآيات والمعجزات، قدّم السيناريو الاسكاتولوجيّ في حياته. ونهاية يسوع هي صورة مصغّرة عن نهاية العالم.
3 - القيامة التي هي ملء مدلول لما كان ظاهرًا في 28: 16-20، جعلت من يسوع نفسه صورة عن تعليمه. فهذا الذي اضطُهد بيد الأشرار بسبب أمانته لله، شأنه شأن الأنبياء، قد نال الجزاء الكبير في السماء. وجد حياته بعد أن خسرها. هو الخادم الذي صار الأعظم، والأخير الذي صار الأوّل.
4 - وهناك مقابلة بين ف 2 وف 28، وهما الفصلان اللذان يلعب فيهما الملاك دورًا ناشطًا في هذه الانجيل. في ف2، أخبر المجوس والوثنيون هيرودس ورؤساء اليهود (بمن فيهم عظماء الكهنة) في أورشليم، بأحداث تدور حول مجيء المسيح. وفي ف 28، جاء جنود وثنيّون فأعلنوا لعظماء الكهنة في أورشليم أحداثًا حول قيامة يسوع. في ف 2، قاوم الملك الطفل المسيح وحاول قتله. وفي ف 28، عارض الرؤساء اليهود القيامة حين جعلوا حرسًا على القبر وحين نشروا أخبارًا كاذبة. في ف 2، سجد المجوس المؤمنون ليسوع، وفرحوا فرحًا عظيمًا. وفي ف 28، سجدت النسوة ليسوع (لا الجنود) ورحن يحملن البشارة بفرح عظيم.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM