الفصل الثامن والعشرون: دفن يسوع والحرس على قبره

الفصل الثامن والعشرون

دفن يسوع والحرس على قبره
27: 57-66

نتوقّف في هذا الفصل عند مقطعين متكاملين. في الأول نقرأ عن دفن يسوع بواسطة رجل من الرامة اسمه يوسف (آ 57 -61). في الثاني (آ 62 - 66)، نعلم أن رؤساء الكهنة طلبوا حرسًا من بيلاطس لئلاّ يسرق التلاميذُ الجسد ويقولوا إن يسوع قام. وهكذا يكون الدفن دلالة ساطعة على موته، ووجود الحرس على أن يسوع يتحدّى قوى الكون (دحرج الحجر) والبشر (الجنود) ليقوم في اليوم الثالث كما قال.

1 - دفن يسوع (27: 57-61)
أعاد مت صياغة خبر دفن يسوع، فعرّاه من كل ما اعتبره نافلاً، وقام بلمسات طبعت المقطوعة بطابعه الخاص. وهكذا برزت نظرتان. من جهة، شدّد مت على أن يسوع دُفن دفنة كريمة. ومن جهة ثانية، دلّ على أن هذا الدفن هو دفن حقيقيّ. هذه النظرة الثانية تهيّئ الحدث المكمّل الذي يلي والذي به ينهي متّى خبر الحاش في إنجيله.
ينقسم الحدث قسمين متميّزين. يتحدّد القسم الأول (آ 57-60) بوجود فعل ((أقبل)) (التان) و((مضى)) (ابيلتان) مع يوسف كفاعل لهما. أقبل يوسف... وبعد أن دحرج الحجر مضى. ويوسف هو فاعل الأفعال. أما بيلاطس فيلعب دورًا ثانويًا. أما القسم الثاني (آ 61) فهو مُلحق يرينا النسوة الجالسات تجاه القبر. التقينا بهنّ في 27: ،57 وسوف نجدهنّ في 28: 1. بواسطتهنّ يرتبط خبر موت يسوع بخبر دفنه وظهوره الظافر في صباح القيامة.
إن الرباط الذي يجمع هذا المقطع إلى السياق اللاحق يتثبّت حين نعرف أن كل شيء يجري حول قبر يسوع. فالمجموعة التي تبدأ في 27: 57 وتنتهي في 28: 15 تصبح هكذا دائرة متكاملة. فإن يكن حدثُ الدفن الوْلي الطبيعي للحاش، إلاّ أنه يتميّز عنه بالمناخ الذي يتداخله، بالزمان والمكان اللذين فيهما تجري الأحداث التي يرويها.
هناك إشارة كرونولوجيّة: ((ولما كان المساء)) (اوبسياس غانومانس). نجدها أيضًا في 4: 15 (ق مر 6: 35)؛ 14: 23ب (ق مر 6: 47)... هذه الاشارة تحيط بخبر الأحداث منذ اجتماع المجلس في الصباح: كل شيء يجري في يوم واحد، دلّ متّى على بدايته في ألفاظ تشبه تلك التي هي هنا (بروياس غانومانيس، 27: 1). خفّف مت هنا عبارة مر 15: 42، ولكنه سيستعمل موادها في 27: 62. ثم صحّحها. فهو اليهودي يعرف أن مجيء المساء لا يدلّ على التهيئة، بل على أن الفصح قد بدأ (يبدأ اليوم في مساء اليوم السابق). لم يلمّح مت إلى السبت هنا. سيذكره في 28: 1 ليدلّ على أنه ولّى ومضى. ففي المتتالية 27: 57 - 28: 15، لا يهتمّ مت إلاّ قليلاً بيوم السبت وممارسته. فهو ينظر إلى الأمام، إلى ((اليوم الثالث)) يوم القيامة.
حين أراد مت أن يقدّم لنا شخص يوسف (أقبل، مضى)، شدّد على وصوله ثم انصرافه. فيوسف هذا ((رجل غني)). نلاحظ هنا اختلاف مت عن لو. فالطبقة الاجتماعية والاقتصادية لا تؤثّر على التعليم. المهمّ نقاوة القلب في طلب الملكوت أولاً وأخيرًا. وحين نقرأ الانجيل الأول، نفهم أن جماعة متى تألّفت من أشخاص أغنياء، عكس جماعة لوقا التي عرفت الفقر وجعلت الفقراء في المقام الأول.
قال مر 15: 43 إن يوسف هذا هو((مشير في المجلس)). هو مستشار رفيع المقام. أما مت فشدّد على غناه، ليدلّ على أنه كان له مدفن هيّأه لنفسه. وإذ لم يجعله من أهل المجلس، ولا أحد القضاة الذين حكموا على يسوع بالموت، أراد أن لا يكون تضارب بين موقفه هذا واعتنائه الدقيق بتأمين هذه الدفنة اللائقة. وأخيرًا، تذكّر متى نصًا كتابيًا ينطبق على هذا الوضع. فشدّد عليه: ((جُعل قبره مع الاشرار ومدفنه مع الأغنياء)) (أش 53: 9).
قال مر إن هذا الرجل كان ينتظر ملكوت الله. فبدا بعض الالتباس في وجهه. أما مت فكان واضحًا: ((هو تلميذ يسوع)).
إنه يزاد على لائحة التلاميذ الذين جنّدهم يسوع خلال حياته على الأرض (هوس كاي اوتوس: كان هو أيضًا). هي مجموعة غير محدّده لا تتماهى (في مت) مع الاثني عشر. إن الوضع الاجتماعي ليسوع في مر يجعلنا نفهم كيف استطاع أن يدخل بسهولة على بيلاطس. أما في مت، فإبراز صفة التلميذ ترافق التكريم التقويّ الذي به أحاط دفن يسوع وجعله معارضًا لرؤساء اليهود الذين كانوا سبب موته. ولكن إشارة أيضًا إلى قول يتوخّى بناء القرّاء المسيحيين: إذا كان جميع التلاميذ قد هربوا منذ البداية، إن كان واحد منهم قد أنكر المعلّم، فقد وُجد تلميذ اسمه يوسف رافق يسوع حتى دفنه، ونحن نستطيع أن نقتدي به.
إن المحاولة التي قام بها هذا التلميذ لدى بيلاطس هي موجزة بالنسبة إلى ما في مر 15: 43 ج-44. فمتّى لا يهتم بالاسلوب الدفاعي الذي نجده في مر والذي يحاول الردّ على القول بأن يسوع مات في الظاهر، لا في الحقيقة. أما مت فأراد أن يدافع عن نقطة أخرى: تبرئة التلاميذ من اتهامهم بأنهم سرقوا جسد يسوع (27: 64؛ 28: 13-15ب). أما الآن، فتكفيه بضعُ كلمات ليقول لنا إن يوسف مضى إلى بيلاطس ليطلب منه جسد يسوع، وهذا ما ناله بسهولة. شدّد مر على الخطوة (15: 45، دورايستاي) أما مت فاكتفى بالقول إن بيلاطس أعطى الأوامر لكي يسلّم جسد يسوع.
نقلنا مر حالاً من ((هبة)) بيلاطس إلى ما يحيط بالدفن. أما مت (آ 59)، فصوّر العمل الذي به ((أخذ)) يوسف أو ((اقتبل)) جسدَ يسوع. قالت سائر الأناجيل (مر 15: 46؛ لو 23: 53؛ يو 19: 38) إن يوسف نفسه أنزل الجسد عن الصليب. عفاه متى من هذا العمل القاسي، وجعله يقوم بعمل يهيّئ ولْي الخبر: فعلة مليئة بالحب والاكرام، لدى تلميذ يتقبّل جسد معلّمه الذي مات.
لم يتحدّث مت عن شراء الكفن (هي حاشية جانبيّة)، ولكنه شدّد على أنه ((كفن نقي)). إن لفظة ((كاتارا)) لا تعني أن الكفن لم يكن ((وسخًا)). لا حاجة إلى مثل هذه الصفة في سياق الخبر. ولا تعني طهارة ((حسب الشريعة))، أي توافقًا مع القاعدة المتبعة حول المزيج المختلف العناصر (لا 19: 19؛ تث 22: 11). هي وجهة غريبة كل الغربة عن اهتمامات الانجيلي (15: 17-20؛ 23: 25-26). بل نحن بالأحرى أمام لون القماش. فالصفة ((كاتاروس)) ترتبط مرارًا باللون الأبيض. وقد استعمل يوسف كفنًا أبيض ناصع البياض ليكفّن جسد يسوع.
والقبر الذي وضعه يوسف فيه يدلّ على تكريم ذاك الذي يقتبله. هناك اشارتان الاولى: القبر ((جديد)). إنه ذلك الذي نحته يوسف في الصخر لأجله. والثانية مهمة من أجل ولْْي الخبر، من أجل معجزة صباح القيامة: الحجر الذي دحرجه يوسف على مدخل القبر كان كبيرًا (مر 16: 4. هذا ما لم يقله مت). لهذا نحتاج إلى هزة أرضيّة (28: 2) لكي نزيله من هناك. ولكن يوسف مضى (ابالتن) الآن، بعد أن أتمّ هذه الواجبات الأخيرة. لقد انتهت القضيّة. وها هو يوسف يعود إلى اهتماماته اليومية. إنه لا ينتظر شيئًا آخر.
ومشهد النسوة (27: 61) هو امتداد لهذا الشعور. حين أعاد مت صياغة حاشية مر 15: 47، كتب ((كان هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى))، فكان سريعًا في ذكر الأسماء وهذا ما سيفعله في 28: 1 فيهمل ((أم يوسى)) ويحتفظ بمريم الأخرى التي هي ((أم يعقوب)) كما سُمّيت في 27: 56. يكفيه وجود شخصين لكي تكون الشهادة صحيحة. هكذا فعل لو في خبر تلميذي عماوس: كلاوبا ورفيقه.
في مر، لا نعرف أين نضع هؤلاء النسوة. أما مت فقال: ((كانا هناك جالستين تجاه القبر)). فالعبارة التي أشرنا إلى وجهتها في البناء وهدفها الدفاعي، توسّعت في خطّ كتابي له معناه. فهي تشير إلى المشهد الذي فيه يصوّر حز 8: 14 النسوة جالسات في هيكل أورشليم وهن يبكين تموز (أو أدونيس عند الفينيقيين واليونان): ((ثم جاء إلى باب مدخل الهيكل فإذا هناك نساء جالسات يبكين على تموز)). إن نصّ السبعينيّة يبدو قريبًا من مت 27: 61. لا شكّ في أن الهوة سحيقة بين بكاء وثني، وانتظار قيامة يسوع. فالتقارب يبقى على مستوى المبنى.
ونلاحظ أيضًا غياب النواح والندب، فهذا لا يتوافق مع الانباءات المتكرّرة عن القيامة. ولكن يبقى أن المشهد مشهد حزن وحداد. فالجلوس هو الوضع المناسب لمثل هذه الحالة. وزاد مت ((تافوس)) القبر هنا وفي آ 64، 66، فتذكّر اعتراف الايمان الفصحي كما أورده بولس في 1كور 15: 3-7 مع فعل ((إتافي)) (آ 4) ليتحدّث عن الدفن. هاتان المرأتان الشاهدتان تسهران مع الميت في موضع دفنه، يجعلنا مت نشعر أننا أمام نهاية. وما يثبته هو اغلاق جميع المخارج.في الواقع، إنه يهيّئ ما سوف يعرفه القارئ قريبًا.
2 - الحرس على قبر يسوع (27: 62-66)
إن خبر وجود الحرس عند قبر يسوع لا يجد ما يقابله في سائر الأناجيل. وهو يؤلّف وحدة مع حدث الرشوة التي نالها هؤلاء الحرس ليقولوا إن الجسد سُرق. فالخبران (27: 62-66؛ 28: 11-15) يحيطان بخبر اكتشاف القبر الفارغ (28: 1-10).وهناك تفصيل داخل هذه المقطوعة الأخيرة (28: 4: ارتعد الحرّاس من الذعر، وغدوا كالأموات) يربط بين لوحتيْ خبر الحرّاس.
يبقى أن الخبر الأول (27: 62-66) له وظيفة مستقلّة: إنه يضعُ حدًا لخبر الحاش في امتداد الدفن. فمع الدفن برزت صورة القبر المختوم والمحروس لتدلّ على عمل الله المقبل، العمل العجيب الذي لا يُوقفه حاجزٌ بشري (28: 2-3).
أما على المستوى الادبي، فالحدث الذي نقرأه مع الحدث التالي، هو قريب من أخبار نجاة غريبة قدّم عنها أع عدة عيّنات (5: 17-25؛ 12: 1-11؛ 16: 23-25). مع العلم أنه يجب أن نلاحظ أن فتح القبر بيد الملاك في صباح الفصح، ليس سبب قيامة يسوع. مع هذا ((الفتح)) نحن بعيدون عن رفع المغاليق بقوّة فائقة الطبيعة.
يتضمّن المقطع الذي ندرس حوارًا بين السلطات اليهودية وبيلاطس. تسبقه مقدمة (آ 62) وتليه حاشية تتحدّث عن تنفيذ الأمر الذي أعطاه الوالي (آ 66).
وتثبّتت الوقائع: ((في الغد (ابوريون، لا نقرأه إلاّ في مت) الذي يلي التهيئة)). طريقة غريبة للاشارة إلى السبت. ولكن يبدو أن مت يستلهم الاشارة الكرونولوجيّة في مر 15: 42 التي أغفلها في 27: 57. إذن، في ذلك اليوم ((إجتمعت)) السلطات الهيودية، ففعلت كما فعلت مرارًا في خبر الحاش. أما الآن فقد تمّ اجتماعهم ((عند بيلاطس)) كما كان في الماضي ((عند قيافا، عظيم الكهنة)) (26: 57). أما عبارة ((عظماء الكهنة والفريسيين)) فلا نجدها إلاّ هنا وفي 21: 45، ساعة أبانت هاتان المجموعتان ردّة فعلهما على مثَل الكرّامين القتلة. إذا وضعنا هذا المقطع جانبًا، نرى أن الفريسيين غابوا كليًا عن خبر الحاش. أما حضورهم هنا مع سائر الأحزاب اليهودية، فيجسّد معارضة وبرنامجًا معاكسًا ما زال يسوع يواجههما.
توجّه عظماء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس. بدأوا حوارًا امتد من آ 53 إلى آ 56. أعطوه لقب ((كيريي)) (كيريوس)، أي سيّد. هذا أمر لافت في انجيل يحتفظ بهذا اللقب ليسوع الرب (7: 21، 22؛ 8: 2، 6، 8، 21، 25...). هنا نرى بعض التهكّم: إن الخصوم يقرّون، بهذه التسمية، أن الوالي الروماني الذي يبغضونه هو ((سيّدهم)) (كيريوس لهم)، ساعة رفضوا أن يكون يسوع المسيح هو ((السيّد)) لهم.
ويتواصل تدخّلهم في اعلان يطرح سؤالاً: ((تذكّرنا أن ذاك المضلّ قال، وهو بعد حيّ: بعد ثلاثة أيام أقوم)). فأين هو المقطع الذي فيه نرى خصوم يسوع ((يسمعونه)) ينبئ بقيامته؟ فالتلاميذ وحدهم تلقّوا هذا الانباء (16: 21؛ 17: ،9 23؛ 20: 19؛ 26: 32). وهناك من عاد إلى شهادة الشهود حول أقوال يسوع بأنه يدمّر الهيكل ويعيد بناءه في ثلاثة أيام (26: 61). لا نستطيع أن نقول إن كلام يسوع هذا في مت لمّح إلى القيامة كما هو الأمربالنسبة إلى يو 2: 21. أما مت فلا يهتمّ بمنطق نعتبره ضروريًا. فليفترض القارئ ما يشاء حول معلومات الرؤساء اليهود. المهم أنهم أعلنوا القيامة من حيث لا يدرون.
سُمّي يسوع هنا ((المضلّ)) (((بلانوس)). وسنجد ((بلاني)) في آ 64: الضلالة). ترد الصفة في 2كور 6: 8؛ 1تم 4: 1؛ 2يو 7 مرتين. والاسم في روم 1: 27؛ أف 4: 14؛ 1تس 2: 3؛ 2تس 2: 11؛ يع 5: 20؛ 2بط 2: 18؛ 3: 17؛ 1يو 4: 6؛ يهو 11. أما الفعل ((بلانان)) (والمزيد: ابوبلانان) فيدلّ في السبعينيّة على الضلال على مستوى عبادة الأوثان (هو 8: 6؛ عا 2: 4؛ حك 15: 4-6؛ 2مل 21: 9؛ 2أخ 33: 9. في وصية نفتالي نحن أمام الضلال على المستوى الأخلاقي، لا على مستوى عبادة الأصنام). كما يدلّ أيضًا على الأقوال الغاشّة التي يُطلقها الأنبياء الكذبة (تث 13: 6؛ إر 23: 13، 32؛ رج أش 30: 20-21؛ 41: 29). إذن يسوع هو في نظر خصومه واحد من هؤلاء الأنبياء الكذبة الذين قادوا الشعب في طريق الشرّ والكفر (هذا ما يقوله التلمود على أساس تث 13: 2-12).
قالوا لبيلاطس متكلّمين عن يسوع: ((وهو بعد حيّ)) (إتي زون): هذا ما يقوله يهودٌ مات يسوع بالنسبة إليهم وصار إلى القبر، ضدّ مسيحيين يعلنون قيامته. أن يكون يسوع قد أعلن ذلك، نستشفّه من ((الانجيل)) الذي عرفه عظماء الكهنة والفريسيون.
وهدفُ مسعاهم الحصولُ على أمر من بيلاطس: ((مُر إذن بحراسة (بضبط) القبر إلى اليوم الثالث)) (آ 64). الفعل ((اسفاليزاين)) يعني: حرس، ضبط، أمّن الحراسة. بل سجن (يرد فقط في أع 16: 24). يرد ثلاث مرات في هذا المقطع: آ 64، 65، 66. ونتساءل : لماذا طُلب من بيلاطس أن يتدخّل في هذه الحال؟ بعد أن سمح بانزال الجسد عن الصليب ودفنه، لم يبقَ له أن يفعل شيئًا فيما بعد. فلا شيء يمنع السلطات اليهودية من أن تضع حرسًا على قبر يسوع كما أرسلت شرطًا يمسكونه في بستان جتسيماني.
وينضمّ إلى هذا السؤال سؤال آخر في هذا النصّ المليء بالأسئلة. في 28: 11 جاء الحرس يقدّمون تقريرهم عن الأحداث إلى رؤساء اليهود. هذا يعني أنهم يرتبطون بالسلطات اليهوديّة. ولكن هؤلاء الحرّاس سُمّوا ((جنودًا)) (ستراتيوتاي، 28: 12). إنهم ((جنود الوالي))المذكورين في 27: 27 (في انجيل بطرس، أعطى بيلاطس للرؤساء اليهود بترونيوس قائد المئة مع جنود. إذن هم في إمرته). ومنه يخافون إن هو علم أنهم ناموا (28: 13) ولم يحرسوا القبر (28: 14: نحن نرضيه). أيكون هؤلاء حرّاسًا من اليهود أم جنودًا رومانيين؟ فعبارة بيلاطس ((دونكم حرسًا)) (27: 65) تُفهم في صيغة الأمر: ها هم الحرس. خذوا منهم من تشاؤون. وتُفهم في صيغة الحاضر: ((عندكم حرس. أرسلوهم)). في الحالة الأولى يكون الحرس من الرومان. وفي الحالة الثانية من اليهود.
نصّ متماسك جدًا. ما هو هدفه؟ نستشفّ هدفه في الخطبة الصغيرة التي تُوجّهها السلطاتُ إلى بيلاطس. يجب أن نعمل اللازم ((لئلاّ يسرقه)) التلاميذ (زادت بعض الشهود: ((ليلاً))، نكتوي، بتأثير من 28: 13). يعني: قد يحمل التلاميذ جثته. يا للخسارة الكبرى للشعب اليهودي. سيُهزأ به مرة أخرى ويُغشّ (خايرون، 64، شرًا من). ممّن؟ من ذاك الذي سمّاه أعداؤه المضلّ! بعد الإنباء بالقيامة جاء البرهان على القيامة. إن عبارة ((قام من الأموات))، هي تعبير الكرازة المسيحية كما نسمعها من الملائكة على القبر (28: 7). وها نحن نجدها هنا في أفواه السلطات اليهوديّة.
عرف مت أن اليهود يتّهمون المسيحيين بأنهم أخفوا جسد يسوع ليجعلوا الناس يعتقدون أنه قام (نجد أثرًا لهذا الاتهام في لو 14: 12؛ يو 20: 6 مع صورة اللفائف). وإذ أراد أن يعارض مثل هذا القول روى خبرًا يقول: كان القبر محروسًا، فلم يستطع تلميذ أن يقترب منه ويأخذ الجسد. على كل حال، هناك ((تلميذ)) اسمه يوسف الرامي وضع الجسد في القبر، فلماذا يأخذه تلميذ آخر.
طلب الرؤساء اليهود. فأجابهم بيلاطس بلا تردّد: ((دونكم حرسًا)). أو ((عندكم حرس))، ((فاذهبوا واحتاطوا للأمر كما تعلمون، كما تريدون)) (آ 65). موقف بيلاطس هو موقفه في نهاية المحاكمة: يتهرّب من كل مسؤولية تجاه يسوع، ويترك الأمور لليهود (27: 24). أما هم فتحمّلوا مسؤولياتهم في مقتل يسوع، وسيتابعون عملهم. بل زادوا على ما طلبوه من الوالي: لم يكتفوا بحراسة القبر، بل ختموا الحجر الذي يُغلق القبر. كفالتان أكيدتان تدلاّن على حقارة التصرّفات البشريّة في هؤلاء الرؤساء اليهود. فهذا القبر الذي أغلق اغلاقًا محكمًا وحُرس حراسة مشدّدة، سينفتح بعد وقت قليل بقدرة الله من أجل قيامة ابنه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM