من يزرع بالدموع يحصد بالترنيم

من يزرع بالدموع يحصد بالترنيم
المزمور المئة والسادس والعشرون

1. المزمور المئة والسادس والعشرون هو مزمور توسّل تنشده الجماعة لمجد صهيون التي يرمز بقاؤها إلى حماية الله لشعبه. أنشد في الاوقات الصعبة التي حلّت باسرائيل بعد النفي إلى بابل، كما قال النبي حجاي (1: 6): "زرعتم كثيرًا واستغللتم قليلاً، أكلتم ولم تشبعوا، شربتم ولم ترتووا، اكتسيتم ولم تستدفئوا". فبعد أن يذكر المرتّل خيرات الله السابقة، يتوسّل إليه في صلاة حارة، عارضًا الضيق الحاضر، منتظرًا أيام الفرح بعد الحزن والراحة بعد الشقاء، عندما يلتقي الحجاج وجه الرب في صهيون.

2. الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالترنيم.
آ 1- 2: فرحة الرجوع من الجلاء: كنا كالحالمين: أتكون انتهت الحالة المرّة، أو أن ما حصلنا عليه كان حلمًا؟
آ 2- 3: دهشة الأمم لما فعل الله لشعبه: عظّم الرب الصنيع.
آ 4: صلاة إلى الله حتى يتمِّم ما بدأبه.
آ 5- 6: ستعود الحياة إلى ما كانت عليه من قبل، فليثق الرب بشعبه. شبّه اسرائيل رجوعه من السبي سنة 537 بالرجوع من مصر إلى أرض الميعاد، وأعطاه بُعدًا اسكاتولوجيًا فرأى فيه بالرجاء ذلك الرجوع العظيم المنتظر. وهذا الانتظار سيبقى في قلب شعب الله الراجعين، الذين حلموا بأن ترجع الأمم كلها إلى الرب الواحد وتأتي إلى أورشليم ساجدة للرب. ولكن الحالة ستكون غير ذلك بسبب الصعوبات التي لاقاها الذين رجعوا: المجاعة، مقاومة جيران اسرائيل، عدد الذين رفضوا الرجوع. وهكذا سيفهم أتقياء يهوه أن ينظروا إلى المستقبل لا إلى الماضي.
شكر المرتّل الرب الذي أرجع شعبه من السبي، ولولا الله لبقي المسبيون في بابل. بدأ يعيد شعبه، وما بدأ به سوف يتمّمه. ولهذا كانت فرحة الشعب عظيمة بسبب خلاصهم من جهة، وبسبب ضرب الأعداء البابليين من جهة ثانية. ولكن هذا الخلاص لم يتمّ بعدُ، وكثيرون من شعب الله ما زالوا بعيدين عن أورشليم. وكما أن السيول في الجنوب (صحراء النقب) يمكنها أن تمتلئ فجأة وتجري بغزارة، كذلك يمكن الرب أن يعيد شعبه كله في وقت قصير. وكما أن الزارع يحمل حبَّه وهو لا يعرف ما تكون الغلة إلاّ أنه يرجو الوفرة من الرب فسينقلب حزنه فرحًا، كذلك ستتحوَّل دموع شعب الله إلى هتاف الفرح.

3. أنشد شعب الله (137: 1): "على أنهار بابل جلسنا وبكينا". ولكن هذا الحزن عند المسبيّين لن يدوم طويلاً إذ وعد الله شعبه (إر 31: 55) بأن يشدِّد النفس المتراخية التعبة، فيتبع البكاء فرح الشعب بوصوله إلى جبال صهيون، لأن بركة الله معه. رجع المفديّون ووصلوا إلى أورشليم بهتاف الترنيم، والفرح يعلو وجوههم (أش 51: 11)، فشاهدت الأمم عمل الله الخلاصي. ولكن بعد ذلك بدا وكأن مساعدة الله توقّفت، كما تجفّ السواقي بعد الشتاء. "ترقّب الشعب النور فإذا الظلمة، والضياء فإذا بنا سالكون في الديجور" (أش 59: 9). ولهذا تتوجَّه الجماعة بصلاة جديدة إلى الرب لتعبّر عن ثقتها بالرب وتنتظر منه عونًا جديدًا تامًا.

4. نستشفّ من خلال هذا المزمور إيمانًا حيًا وعاطفة عميقة. نستطيع نحن أبناء العهد الجديد أن نصلّي هذا المزمور بسبب المحن التي تنتابنا، وإن كنا نفرح بالعمل الخلاصي الذي أتمَّه الرب بالمسيح. فالصعوبات الخارجية والداخلية تؤثر في هذا الفرح وتجعلنا نحتاج إلى التعزية التي وعد بها الله المساكين والجياع والمضطهدين (لو 6: 20- 23). وننتظر يومًا يمسح الله كل دمعة من عيوننا، فلا يبقى موت ولا حزن ولا صراخ ولا وجع (رؤ 21: 4). عندئذ نستطيع أن نردِّد كلمات المزمور: الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالترنيم.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM