إن لم يبن الربّ البيت

إن لم يبن الربّ البيت
المزمور المئة والسابع والعشرون

1. المزمور المئة والسابع والعشرون هو مزمور حكمة. انطلق المرتّل في تأليفه من حكمتين ترتبط الواحدة بالأخرى، بقدر ما الحكمة الثانية هي مثل يؤكّد ما تقوله الحكمة الاولى. نُسب هذا المزمور إلى سليمان، الملك الحكيم، باني الهيكل الذي سمِّي حبيب الله (2 صم 12: 25) والذي أعطاه الله الحكمة (1 مل 5: 1 ي). ثم دخل بين مزامير الحجّاج لأن فيه تعليمًا للناس الآتين للحج إلى أورشليم التي يبنيها الرب ويحرسها.

2. إن لم يبن الرب البيت فعبثًا يتعب البنَّاؤون.
آ 1- 2: لا فائدة لما يعمله الناس بدون الله، كل عملهم باطل.
آ 3- 5: سعادة البار العائش في حمى الله.
ماذا يفعل البنّاؤون بدون الله؟ وأي نفع للحارسين إن لم يحرس الرب! ما أتعس هؤلاء الذين يعتبرون أنهم إذا أكثروا من العمل وسهروا الليالي يستطيعون أن يثبتوا حياتهم ومستقبلهم ومستقبل بيتهم. إن الرب يمنح أحبّاءه كل شيء وهم نائمون لا يعملون شيئًا. فكل شيء عطية من الرب، وكذلك الولد الذي هو ثواب منه. وطوبى للرجل صاحب العيلة الكبيرة. فهو يملأ جعبته من هذه السهام التي هي الاولاد. فكثرة الاولاد علامة بركة من عند الرب.

3. يشدّد المزمور ثلاث مرات على أن مجهود البشر لا فائدة منه، ليفهمنا كلمات طالما سمعها شعب الله في سفر تثنية الاشتراع (17- 18): "لا تذهب إلى القول في قلبك: إن قوّتي وقدرة يدي هما أنشأتا لي هذا النجاح. بل تذكر الرب الهك فإنه هو الذي أعطاك قوّة لتكسب هذا الغنى". إن المهارة والعمل الجدي لا يؤمّنان وحدهما النجاح للانسان الذي لا يصل إلى شيء بدون مشاركة الله. والنوم هنا لا يعني التكاسل، بل تعاقب العمل والراحة والتسليم الكامل لله بكل مشروع نقوم به، وهو وحدة يستطيع أن يحقّقه. وهذا المبدأ العام يجد تحقيقًا له في الاولاد الذين هم ثمرة بركة الله.

4. نحن نفهم تعليم هذا المزمور على ضوء ما قاله لنا يسوع بالنسبة إلى الاهتمام الزائد بأمور الأرض: "لا يهمّكم لحياتكم ما تأكلون وما تشربون، ولا للجسد ما تلبسون. أنظروا طيور السماء كيف لا تزرع ولا تحصد ولا تخزن وأبركم السماوي يقوتها. تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو: لا تغزل وتتعب... فاطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه، فيزيدكم الله هذا كله" (مت 6: 25- 33). ولقد ردّد التلاميذ هذا التعليم عندما حدّثونا عن نعم الله، فقال القديس بولس (روم 8: 28): "إن الله يعمل كل شيء لخير الذي يحبّونه". هذه الأمور تعيشها الكنيسة مردّدة كلام المزمور: إن لم يبن الرب البيت، إن لم يحرس الرب المدينة. وتتذكر مثل الزارع الذي يرمي الزرع: إن نام في الليل أو قام في النهار، فالزرع ينبت وينمو وهو لا يعرف كيف كان ذلك (مر 4: 26- 28). هذه هي حال ملكوت الله في العالم.

5. بيت الله هو أيضًا مدينته. بيت الله هو شعب الله، لأن بيت الله هو هيكل الله. قال الرسول: "هيكل الله هو مقدس وهذا الهيكل هو أنتم" (1 كور 3: 17). يؤلف كل المؤمنين بيت الله، وليس الذين هم اليوم فقط، بل وأيضًا الذين عاشوا قبلنا ورقدوا، والذين سيأتون بعدنا والذين يولدون حتى نهاية العالم. يشكّل هؤلاء المؤمنون جماعة لا تعدّ، والرب وحده يقدر أن يحصيها: "يعرف الذين يخصّونه" (2 تم 2: 19).
كل هذه الحبّات تبكي على البيدر وسط القش. لن يكونوا إلاّ تلة واحدة حين نذريّ القمح على البيدر. سيموتون ويصيرون شبيهين بالملائكة ويجتمعون بهم وهم الذين لا يعرفون منفانا بل ينتظرون رجوعنا من المنفى. كلنا سنؤلّف بيت الله الواحد، ومدينة واحدة هي أورشليم. لها حرّاس ولها أناس يبنونها ويتعبون في العمل. لها حرّاس، وهذه وظيفتنا نحن الأساقفة. ولكننا نتعب بالسهر وسيكون عملنا باطلاً إذا كان الذي يقرأ في قلوبكم لا يحرسكم بذاته. يحرسكم حين تكونون مستيقظين ويحرسكم حين تكونون نائمين. نام مرة واحدة على الصليب، ولكنه استيقظ، وهو بعد ذلك الوقت لا ينام.
تعالوا أيها الاخوة وكونوا اسرائيل إذا أردنا أن نحتمي بجناحي الله. وظيفتنا أن نحميكم ولكننا نريد الحماية معكم. نحن رعاتكم ولكننا نعاس بيد الراعي الواحد. (أوغسطينس).

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM