أحببت الربّ لأنه يستمع

 

أحببت الربّ لأنه يستمع
المزمور المئة السادس عشر

1. المزمور المئة والسادس عشر هو مزمور شكر يتلوه المرتّل قبل أن يقدّم في الهيكل ذبائحه ويفي بنذوره، فيذكر حالته حين كان قريبًا من الموت: نجّاه الله من الأخطار، ودعاه إلى لقائه في حفلة يشرب فيها كأس الرب ونخبه، كأس خلاصه، ويدعو فيها باسم الرب.

2. نشيد شكر للرب الذي ينجّي الضعفاء، وقد نجّى المرتّل من الموت.
آ 1- 2: مقدمة: فعل إيمان بالله الذي يسمع صلاة الإنسان: الرب يسمع صوت تضرّعي.
آ 3- 4: يصوّر المرتّل ألم المؤمن وضيقه الذي كاد يصل به إلى الموت.
آ 5- 11: يتذكّر المرتّل رحمة الرب ورأفته وانحناءه على المساكين، فينشد نشيد ثقة وعرفان جميل.
آ 12- 19: وتبدأ الليتورجيا في ذبيحة شكر وإعلان عن خلاص الله، وتشترك الجماعة في مديح الله وتمجيده.

3. هذا المزمور نشيد شكر يتلوه رجل كان قريبًا من الموت. كان ضحيّة الكذب، فحُكم عليه بالهلاك بعد أن قيّد في السجن. ولكن الله حلّ قيوده. دعا الله وجعل ثقته فيه رغم ضيقه وشقائه، لأنه عرف فيه ذلك المحامي عن "الصغار" والضعفاء، الذين لا حامي لهم إلاّ الله. الله يهتمّ بأحبّائه الذين يسيرون أمامه ويسلكون بحسب رسومه ووصاياه. نجّى الله حبيبه، فازداد إيمانه قوة ومحبته حرارة: أحببت لأن الرب يسمع. آمنت رغم ضيقي وشقائي. الرب رؤوف وصدّيق ورحمان.
ويأتي المرتّل إلى الهيكل فيسير أمام الرب وبحضرته، والرب يسكن في الهيكل. يقيم في ديار الرب، فيقدّم له الذبائح ويفي بنذوره. ولكن ما يستطيع الانسان أن يرد إلى الرب ويكافئه عن الخير الذي صنعه له؟ يستطيع أن يشهد بإيمانه ويعلن أعمال الله له. وإن وفى بنذوره، فهو لا يشتري الله بالمال، بل يستعمل هذه الوسيلة ليعبّر بها عن عرفانه بالجميل، ولا ينسى أنه بسبب خطاياه، كان أهلاً لأن يكون له كأس غضب الله (أش 75: 9؛ أش 51: 17، 22؛ إر 25: 15)، فكان له كأس الخلاص، كان أهلاً لأن يموت، ولكن الله لا يريد موت الخاطئ، بل أن يرجع عن طريقه ويحيا (حز 33: 11)، كما أنه يهتم خاصة بأحبّائه (72: 14؛ أش 43: 4) وحياتهم عزيزة في عينيه.

4. يذكر العهد الجديد ثلاثة مقاطع من هذا المزمور. العبارة: آمنت ولذلك تكلمت، نقرأها عند القديس بولس (1 كور 4: 13)، وكذلك العبارة "كل انسان كاذب" في الرسالة إلى الرومانيين (3: 4). أما عبارة كأس الخلاص (1 كور 10: 16) فقد دخلت في ليتورجيا القداس فصارت تعبيرًا عن شكرنا لله باسم المسيح، وعربونًا لرحمة الله وخلاصه الذي يدعونا إلى وليمته، فيجعلنا من ضيوفه والساكنين في دياره والمباركين ببركته.
نتطلع إلى المسيح يقدّم إلى الآب السماوي ذبيحة شكر وحمد وسط الكنيسة، وهو رأسها ورئيسها، كما يقدّم مع ذبيحته حياة وأعماله الذين جعلهم إخوته، فطلب منهم أن يفعلوا باسمه مهما يكن من قول أو فعل، وهم يقدّمون إلى الله الآب ذبائح الشكر والحمد (كو 3: 17).

5. تأمّل
يجعلنا هذا المزمور في قلب الليتورجيّا. جاء المؤمن يفي نذوره ويقدّم ذبيحة الشكر في رواق الهيكل. ما اكتفى بفئة من الشعب ترافقه ولا بجمهور كبير. أراد أن يكون شعب الله كله شاهدًا لشكره وحمده في قلب صهيون. ولكن الشعب مشتّت وأورشليم مدمّرة. من أجل هذا يتطلّع المرتّل إلى النهاية ساعة يُعاد بناء المدينة المقدسة ويعود الرب مع العائدين من شعبه.
ونكتشف في كل هذا ثقة المرتّل. يتذكّر المحنة التي مرّ فيها والعون الذي ناله. آمن بالرب فوجد لديه الأمان. فليستفد السامعون من خبرته وليفعلوا مثله. لا يصوّر المرتّل ما حصل له بتفصيل. بعض تلميحات قصيرة تكفي حتى يلتقي كل واحد منا مع الحالة النفسيّة التي يعيشها صاحب المزمور. لو أوضح وضعه السابق لما استطعنا أن نتماهى معه إلاّ في حالات نادرة. ولكنه قدّم الاطار بحيث نقدر أن ندخل فيه فنعبّر عن ثقتنا بالرب الحنون والعادل. بالرب الرحيم الذي يُعنى بالمساكين.
وصلاته ليست فقط ذكريات من الماضي. هي حاضرة الآن. وإذ يعلن المرتّل ما يعلن فهو لا يحاول أن يبني الجماعة بقدر ما يحاول أن يبني نفسه. أن يعلن ثقة ما زالت حيّة في أعماقه: "الرب استمع إلى صوت تضرعي. أمال أذنه إليّ حين صرخت". فماذا أنتظر بعد ذلك؟ لهذا جئت أذبح ذبيحة الحمد.

6. يقسم اليوناني المزمور مزمورين. أحببت لأن الرب يستجيب. قيل الأول في شخص الشعب في بابل. والثاني الذي بدايته "آمنت وتكلمت" قيل في شخص حزقيا. بينما يليق المزمور كله بحزقيا في العبرية، يبدو المزمور أيضًا قطعة واحدة.
آ 5- الكلمات: "أنت رحيم يا رب وعادل، أنت اله رحمان". يربط الكتاب في كل مكان بين رحمة الله وعدله ليعلمنا أن رحمته ليست بدون دينونة ودينونته ليست بدون رحمة. لأنه حتى التأديب الذي يصيب الخطيئة فهو كله رحمة. لا يتركهم يموتون في الهلاك الذي تستحقّه ذنوبهم، بل يريد لهم بكل الوسائل أن يتوبوا ويحيوا. وراقب أن كلمة "عادل" موجودة وسط الآية لتدلّ أن الله رحيم بالطبيعة ولكنه عادل بسببنا.
آ 6: "الرب يحفظ البسطاء. اتضعت فخلصني" قال: كما أن عنايته تحفظ البسطاء الذين يسيرون بين كلاب كلبة وأفاعي قاتلة وهم لا يتألمون من أي سوء، فكذلك أذلّني بضربة مرض أنا الذي اندفعت بكبرياء، لا عن شرّ أردته، بل عن بساطة جهل، ولكنه في النهاية خلّصني أيضًا من الموت.
آ 8 ي: قال اليوناني: "لأنه خلّص نفسي من الموت وعينيّ من الدموع ورجلي من الزلل، أسير أمام الرب في أرض الاحياء".
آ 10: "آمنت وتكلمت". يعني: لأني آمنت بأفكاري ورضيت بهذه الرغبات غير اللائقة، ذُللت بمرض ثقيل. قال المفسّر: لأنني آمنت أنني سأشفى حسب كلمة أشعيا. تجرّأت وتكلّمت فطلبت النجاة وأنزلت أفكاري من العلو الذي كنت فيه إلى أسفل بحيث ذرفت دموعًا غزيرة.
آ 13: ارفع كأس الخلاص يعني الخلاص من الاشوريين ومن المرض. (ايشوعداد المروزيّ).

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM