الفصل السادس والعشرون: هزء الجنود

الفصل السادس والعشرون

هزء الجنود
27: 27-31

انطلق مت من مر 15: 16-20 وقدّم مشهدًا يتميّز بتناسقه وترتيبه المنطقيّ. بعد المقدمة (آ 27) نجد مشهد سخرية في شكل إكرام ملكي (آ 28-29). بعد هذا، تأتي المعاملات السيّئة (آ 30) من بصاق وضرب. ونحن أمام رسمة متدرّجة ومتصاعدة. وفي النهاية، أعادوا إلى يسوع ثيابه العادية واقتادوه ليُصلب (آ 31).
حين تحدّث مت عن تجمّع الفرقة (آ 27)، حدّد أن الجنود هم جنود الوالي (تو هيغومونوس)، وهكذا شدّد على الرباط بين هذا الحدث ومشهد المحاكمة الذي سبق. وفي طريقه وجّه لومًا غير مباشر إلى بيلاطس.
قال مت: ((وإذ أخذوا يسوع إلى دار الولاية)) (بارالابونتس، اسم الفاعل). تجنّب فعل((اقتاد)) (ابيغاغون) الذي يلعب دورًا هامًا في بنية مت. إن الحرس في جتسيماني اقتادوا يسوع إلى السنهدرين ليحكم عليه (26: 57). ثم اقتاد أعضاءُ هذا المجلس يسوعَ أمام بيلاطس (27: 2). وفي النهاية، اقتاد الجنود يسوع، بعد أن هزئوا منه، إلى الجلجلة، ثلاثة فصول. ثلاث نقلات، تدلّ على مراحل المحاكمة.
وهكذا احتفظ مت بفعل ((اقتاد)) إلى النهاية. ساعة يمضون بيسوع إلى الجلجلة ليصلب. ولفظة ((اب اوتون)) تعني ((عليه))، فتدلّ على مناخ العداء الذي يجري فيه هذا المشهد. ((جمعوا عليه)). كما في هجوم. هذا ما نجده أيضًا عند مر.
تتضمّن عملية ((الالباس)) (آ 28) أن يحلّ هندامٌ خاص محلّ ثياب يسوع العادية. نزعوا عنه ثيابه وألبسوه ((رداء قرمزيًا)). تحدّث مر عن الارجوان. ولكن الارجوان خاص بالملوك، فأين للجنود هذا اللباس؟ لهذا تحدّث مت عن ((خلاميس)) وهو المعطف الذي يرتديه المسافرون والجنود. صار المشهد معقولاً، ولكنه ما زال مليئًا بالهزء والسخرية.
ويتواصل المشهد مع ((اكليل الشوك)) (آ 29). تبع مت مر في هذا المجال. ولكنه اختلف عنه في الحديث عن القصبة التي وضعها الجنود في يد يسوع اليمنى. ستظهر القصبة فيما بعد في مر 15: 19، وتُستعمل لضرب يسوع على رأسه. أما مت، فأراد أن يكمل صورة الهزء، فجعل القصبة ((صولجانًا)) في يد يسوع. ثم تحدّث عن الجنود الذين سيضربونه بهذه القصبة على رأسه.
((ملك)) بالرداء الملوكي والشارات الملوكية. وها هم الجنود جاؤوا يقدّمون له التحيّة والاكرام. وأول فعلة قاموا بها: السجود. جثوا قدّامه. وقد يكون رافق هذا الركوع ما نقرأ في مر: ((سلام، يا ملك اليهود)). نحن بلا شكّ أمام هزء. ولكن هذا الهزء، يدلّ على معنى عميق. فكما اعترف أعضاء المجلس بيسوع حقًا، بأنه النبي والمسيح، وهذا من دون إرادتهم (26: 68)، هكذا كرّم الجنود الهازئون الاكرام الشرعي ذاك الذي هو حقًا ملك اليهود. في هذين المشهدين المتوازيين، حصلت السخرية على دفعات في خبر الحاش، فجعلت من ألدّ أعداء يسوع أناسًا معترفين بإيمان المسيحيين رغم إرادتهم.
وبعد الهزء جاء العنف فوصل بنا إلى قمة المشهد: البصاق والضرب (آ 30). بدأوا بالبصاق ثم تابعوا بالضرب (عكس مر 15: 19أ). هكذا بدا التدرّج. وتكيّفت الصورة مع ما سبقها. تحدّث مر عن ((قصبة)) لم يسبق له أن تحدّث عنها (من أين جاءت). أما مت فقال إن الجنود انتزعوا ((القصبة)) من يد يسوع وأخذوا يضربونه بها على رأسه.
وتستعيد الخاتمة (آ 31) حرفيًا نص مر 15: 20. يتحدّد المشهد في فعل ((امبايزاين)) مع رنّته الانجيليّة (20: 19 = مر 10: 34 = سخر، هزئ) والتوراتيّة. ونزعوا عنه الثياب ((المستعارة)) واقتادوا يسوع. استعمل مت ((إباغاغون)) في الماضي فدلّ على امتداد الخبر، وربطنا باستعمالين للفعل تحدّثنا عنهما (26: 57؛ 27: 2). كل هذا يتوزّع خبرَ المحاكمة في مت.
مضوا بيسوع ليُصلب. ما منحه لهم بيلاطس (27: 26ب)، ها هم ينفّذونه. أما مشهد الهزء فكان وقفة بين المحاكمة الرومانية والمقطع الخاص بالجلجلة.
لماذا أُدرج خبرُ الهزء في خبر الحاش؟ حين حيّى الجنود الرومان يسوع بلقب ملك اليهود، فقد كانوا صدى لاستجواب رئيسهم (بيلاطس) حول هذا الموضوع عينه (27: 11ب). وهكذا ارتبط هذا الحدث بالذي سبقه. وكل هذا يوازي مشهد السنهدرين (26: 57-66) والمعاملات السيّئة التي جاءت بعده (26: 67-68) حيث نجد لقب ((المسيح)) (26: 63ج، 68).
وهكذا تنتهي هذه المتتالية في 27: 31. بدأت في 26: 57 ودارت حول فعل ((اقتاد)) (ابيغاغون). وها نحن نستعدّ للمرحلة الأخيرة التي هي نتيجة الأحداث السابقة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM