المَرحَلَة الرابعَة: عَشْرُ مُعجَزات الفصل الثالث والثلاثون: تهدئة العاصفة
 

الفصل الثالث والثلاثون
تهدئة العاصفة
8: 23- 27

إن حدث تسكين العاصفة الذي نجده أيضاً في مر ولو، قد استلهم خبر يونان الذي أرسل إلى الوثنيين فلاقى العاصفة. هو أيضاً نام مثل يسوع. وبفضله عاد الهدوء، فنجا البحّارون من الغرق، ومجّدوا الله. هذا التذكّر له معناه. فحين نبحر نحو عالم معادٍ لكي نشهد للملكوت، نواجه العواصف. ولكن حضور يسوع يعطينا الطمأنينة.
نلاحظ أن التوراة تجعل من البحر رمزاً إلى الشّر. تجعل منه مقرّ القوّات الشيطانيّة، الموضع الذي إليه نزل شياطين لجيون مع الخنازير. وفي العالم الجديد الذي يصوّره سفر الرؤيا، لن يعود من وجود للبحر (رؤ 21: 1). لن يعود من وجود للشّر.
أخذ مت خبر يونان، كما أخذ هذه التصوّرات، فأعطانا نظرة جديدة. لم تعد العاصفة عاصفة، بل هزة أرضية كتلك التي حدثت حين موت يسوع وقيامته. وصارت صرخة الرسل الخائفين صلاة ليتورجية تتلوها الكنيسة إلى ربّها. "يا ربّ خلّصنا". ثم إن يسوع لم يهدىء العاصفة إلاّ بعد أن حرّك الايمان عند تلاميذه القليليّ الايمان. كم سيحتاجون إلى إيمان ليرافقوه في موته وقيامته، لا في الرمز كما في السفينة (رقد يسوع ونام. ثم نهض وقام)، بل في الحقيقة، في ذلك اليوم، يوم الجمعة العظيمة ويوم الأحد، أحد الفصح والقيامة.

1- دراسة عامّة
حين نقرأ مت 8: 23- 27، نلاحظ أنه نصّ قصير، فنتساءل لماذا نقرأه حين نعرف أن هذا الحدث، حدث تسكين العاصفة، نقرأه أيضاً في مر 4: 35- 41 ولو 8: 22- 25. فنصّ مر أطول بكثير وهو مليء بالصور. أما نصّ مت فهو مجرّد جداً وبعيداً عن الزخرفة. في الواقع، قراءة مت للحدث قراءة هامة، وهي تشدّد بشكل خاص على التعليم اللاهوتيّ الذي أراده الإنجيل الأول لجماعته الكنسيّة.
حين نقرأ خبر تسكين العاصفة نجد أنه من فنّ أدبي متواتر في الأناجيل هو "خبر المعجزة". وهو عند مت، يقع في أطول سلسلة إنجيليّة من الأخبار التي تنتمي إلى هذا الفنّ الأدبيّ.
فبين عظة الجبل (ف 5- 7) وخطبة إرسال الاثني عشر (ف 10)، روى لنا متّى عشر معجزات: قدّم لنا مجموعة حقيقيّة، كما اعتاد أن يفعل، وقد كوّنها من معطيات وصلت إليه من مراجعه، التي قد تكون مرقس وغيره. وهكذا نلمس لمس اليد نهجه في العمل حين نلاحظ أنه في هذه السلسلة من المعجزات، عاد أولاً إلى مر 1: 4- 45 (مت 8: 1- 4)؛ 1: 29- 34 (مت 8: 14- 17). بعد هذه العودة إلى الوراء، قفز إلى مر 4: 35- 5: 20 (مت 8: 23- 24) قبل أن يعود مرّة أخرى إلى مر 2: 21- 22 (مت 9: 1- 17). وفي النهاية استعمل مر 5: 21- 43 (مت 9: 18- 26).
لماذا قام متّى بعمل التجميع هذا، فاستقى من مرجع شارك فيه لوقا (مت 8: 5- 13)؟ إن عرفنا السبب استطعنا أن نقرأ هذه المجموعة، وأن نفهم حدث تسكين العاصفة في منظار جاء إلى الإنجيليّ وحياً من العلاء.
لم تكن نيّة مت أن ينظّم ترتيباً تاريخياً للأحداث اعتبره غير مرضيّ في مراجعه. وما أراد فقط أن يجمع أخبار معجزات تكون له سلسلة كاملة من عشر معجزات: والبرهان هو أنه جعل في هذه الشعبة من إنجيله أحداثاً لا تمتّ إلى المعجزة بصلة (8: 18- 22؛ 9: 9- 17). إذن، لا بدّ أن يكون قد أراد أن يعطي لأحداث عجائبيّة وجدها في التقليد، بُعداً جديداً. والأمر واضح بالنسبة إلى شفاء عبد قائد المئة في كفرناحوم (8: 5- 13= لو 13: 28- 29): جعل مت من الحدث صورة مسبقة عن خلاص الوثنيين بالإيمان. إذن، لن ندهش إن كشف لنا خبر تهدئة العاصفة نهجاً مماثلاً.
ومعجزة تهدئة العاصفة هي من نمط خاصّ: معجزة في عالم الطبيعة، مع الريح والبحر والعاصفة. في هذه المعجزة يمارس يسوع قدرته لا في كائن بشريّ بل في العالم الماديّ. وهذا النوع من المعجزات الذي له ما يقابله في العهد القديم (خر 14: 15- 31؛ يش 3: 10)، نجده في الأناجيل مع عدة أحداث: تكثير الأرغفة (مت 14: 15- 21؛ 15: 32- 39 وز). السير على المياه (14: 28- 33 وز). تحويل الماء إلى خمر في قانا (يو 20: 1- 11). التينة التي يبست (21: 18- 22). الصيد العجيب (لو 5: 1- 11؛ يو 21: 4- 11). ونستطيع أن نضمّ إلى هذه اللائحة الدرهم الذي دفعه بطرس ضريبة في الهيكل (17: 24- 27)، شرط أن نلاحظ في هذه الحالة أن النص يعلن عن المعجزة ولا يرويها.
مرّات عديدة لا يشير الشرّاح إلى واقع يلفت النظر: فالتلاميذ هم وحدهم شهود هذه المعجزات في "الطبيعة"، وأول المستفيدين من الأنوار التي نستخلصها من هذه المعجزة. وذلك حتى لو كان لهذه المعجزات شهود آخرون، كما في تكثير الأرغفة (16: 8- 12: كيف لا تفهمون)، وتحويل الماء إلى خمر في قانا (يو 2: 11: "أظهر مجده فآمن به تلاميذه". ولا يتحدث النصّ عن الآخرين). من هذه الزاوية تنضمّ معجزات "الطبيعة" إلى معجزة شفاء الولد الممسوس: فهذا الشفاء تضمّن درساً للتلاميذ (17: 14- 21: لو كان لكم من الايمان مثل حبّة خردل). وهي تنضمّ أيضاً إلى سلسلة من الأحداث لا تحمل طابعاً عجيباً، وفيها عمل يسوع من أجل تكوين تلاميذه (13: 10- 13: أوتيتم أن تعرفوا أسرار الله، 16: 13- 28؛ 18: 1- 4: من وضع نفسه مثل هذا الولد). هي معجزات "طبيعة". هذا ما لا شكّ فيه. ولكنها بشكل أعمق معجزات من أجل التلاميذ. وحدثُ تسكين العاصفة هو من هذه الفئة.
تبدو رواية الأحداث عند مت مختصرة حقاً إلى الضروريّ الضروريّ. تلك هي عادته. نجد في مجمل أخباره الإيجاز عينه حتى النشاف. مثلاً، 8: 28- 34 (مجنونا الجدريين. لنقابله مع مر 5: 1 ي)؛ 9: 1- 7 (= مر 2: 1 ي) 9: 18- 26 (إحياء إبنة يائيرس، ق مر 5: 21- 43). وهذا الأسلوب المقتضب نلاحظه بشكل خاصّ حين نقابل مت مع مر بأسلوبه المحسوس والدراماتيكيّ. إن هذا "الاختصار" في ما يتعلّق بالأحداث لدى مت، يُبرز أقوال يسوع إبرازاً واضحاً. وفي خبر تسكين العاصفة الذي ندرس، تنحصر هذه الأقوال في ثلاثة. فنحن لا نجد في الخبر كلمة يسوع حول عبور البحيرة (مر 4: 35= لو 8: 22)، ولا أمره المهيب للعناصر الهائجة (مر 4: 39).
أما الأقوال الثلاثة فهي: صرخة التلاميذ نحو يسوع (آ 25: يا ربّ نجنا، لقد هلكنا). توبيخ يسوع للتلاميذ (آ 26: لم أنتم خائفون يا قليلي الايمان). كلام التلاميذ الذين يتساءلون عن هويّة يسوع الحقيقيّة (آ 27: من ترى هذا حتى تطيعه الرياح والبحر).
ماذا تمعنّا في النصّ، فهمنا أن الكلمتين الرئيسيتين في نظر مت (تشكّلان مرمى الخبر) هما توبيخ يسوع الذي إليه يتوجّه القسم الأول من الحدث (آ 23- 26 أ)، وكلام التلاميذ الذي يرد في نهاية القسم الثاني (آ 26 ب- 27). بدّل مت موضع المعجزة التي جعلها مر ولو (مع بعض المعقوليّة) قبل توبيخ يسوع. إذاً، برزت صرخة التلاميذ إلى يسوع بروزاً أضعف، فاندرجت في صعود الخبر نحو توبيخ الربّ لهم.

2- الخوف والإيمان (8: 23- 26 أ)
أ- على خطى يسوع
أولاً: ركب يسوع السفينة
إن السفينة في مر 4: 36 هي تلك التي منها تكلّم يسوع في مر 4: 1 وخطبة الأمثال. أما مت فجعل يسوع يركب السفينة دون أن يفكر أنه حين بدّل مكان حدث تسكين العاصفة، لم يتكلّم بعد عن السفينة. فنحن لا نرى هذه السفينة إلاّ في 13: 2: "صعد إلى سفينة وجلس".
لا يقول لنا مت هنا لماذا صعد يسوع إلى السفينة. كان قد تكلّم عن الموضوع في 8: 18 (رأى الجموع تكتنفه): لقد أراد يسوع أن "يذهب إلى العبرة، إلى الجهة الأخرى للبحيرة. إذن، فصل متّى بين معلومتين كان مر 4: 35 ولو 8: 22 قد جمعاهما. بل هو أدرج بينهما حدثين قصيرين (8: 19- 22) استقاهما من مرجع عرفه لو 9: 57- 60. وهكذا صار تسكين العاصفة عنده عنصراً ثالثاً في مجموعة مثلّثة. ما معنى هذه البنية في المعجزة التي ندرسها؟
لم يتبدّل الحدث الأول إلاّ في مقدّمته (8: 18- 20). ألغى مت الإشارة إلى "السير في الطريق" (لو 9: 57). فهو لا يحتاج إليها ويسوع هو على شاطىء البحيرة. أما جوهر الخبر فكما في لو: نحن أمام إنسان يريد أن يتبع يسوع إلى حيث يمضي. هذا الفعل برز بشكل خاص في مت 8: 18. أجابه يسوع مشدّداً على أنه ليس لابن الانسان موضع يسند إليه رأسه. حياة ابن الانسان ليست حياة الراحة والهدوء، بل التنقّل الدائم. وعند لو، يبدو الحدث الثاني خبر دعوة يبدأ بنداء يوجّهه يسوع إلى شخص لا نعرف اسمه: اتبعني (لو 9: 59). ويتواصل بمتطلّبة التجرّد. احتفظ مت بهذه المتطلّبة، ولكنه يدّل طابع الحدث: لم نعد أمام خبر "دعوة". فالشخص هو تلميذ يسوع منذ بداية الخبر. وكلمة "اتبعني" في نهاية الخبر تبدو كنداء إلى الأمانة.
ثانياً: وتبعه تلاميذه
ذكر مت التلاميذ كما ذكرهم لو 8: 22. ولكن مت تفرّد في الكلام حين تحدّث عن اتباع يسوع. نمتلك هنا الكلمة المفتاح في هذه الأحداث الثلاثة: لقد كوّن مت مجموعة حول موضوع المتطلّبات التي يتضمنها وضع التلميذ، يتضمنها واقع اتباع يسوع (8: 19، 722: 23). "حيثما تذهب" (8: 18، 19). فإذا أردنا أن نقوم بهذا العمل، يجب أن نترك الجموع التي جمعتها المعجزات (8: 16- 18)، نتركها تذهب (8: 21) حول اهتماماتها العالميّة، حتى الشرعيّة منها مثل دفن الوالد، لنركب السفينة مع يسوع. إن انفصال يسوع وتلاميذه عن الجموع، صار متواتراً في نهاية رسالة يسوع في الجليل. وهكذا نصل إلى قيصريّة فيلبّس حيث تعلّم التلاميذ أن من "يتبع يسوع" يقاسمه صليبه (16: 24- 26).
ب- اضطراب عظم
أولاً: وهبّت عاصفة شديدة
إن هجمات الريح القاسية معروفة على بحيرة طبرية. والعاصفة بدت عنيفة جداً بحيث إن "الأمواج غمرت السفينة". يذكّرنا الحدث بعدد من النصوص البيبليّة. نشير إلى ثلاثة سوف نعود إليها: تصوير العاصفة في مز 107: 23- 30: "أمرَ فثارت ريح عاصفة وهيّجت أمواج البحر، فكانت تعلو إلى السماء وتهبط بهم إلى الأعماق فترجّحت حياتهم في الخطر...". وخبر العاصفة في بداية سفر يونان: "فحرّك الربّ ريحاً شديدة، فثارت زوبعة عظيمة كادت تحطّم السفينة، فخاف الملاّحون وصرخوا..." (1: 4- 5). خبر العاصفة الذي نقرأه في أع 27: 9- 44: "ولكن ريحاً شرقيّة شمالية عاصفة... ثارت بعد قليل من جهة الجزيرة، وضربت السفينة. فلما تعذّر على السفينة أن تقاومها، اندفعت السفينة في مهبّ الريح... (آ 14- 15).
ونجد أخباراً من هذا النوع خارج الكتاب المقدّس: في الأدب الراباني. وفي العالم اليونانيّ والرومانيّ، فالأخبار عن العواصف تنتهي في نهاية حسنة بعد نداء إلى الإله أو إلى الآلهة. وهكذا نكون أمام "قطعة أدبيّة". أما خبر تهدئة العاصفة في الإنجيل، فليس رسماً أدبيا بدون واقع تاريخيّ. فالأناجيل الإزائية الثلاثة تجعلنا في هذا الإطار وإن اختلفت في التفاصيل، لأن كل إنجيليّ أراد أن يشدّد على ناحية لاهوتيّة خاصّة به.
والعبارة التي استعملها مت ليتحدّث عن العاصفة هي "سايسمودس ميغاس": هزة قويّة. هذه العبارة اليونانية هي نادرة في التوراة، ولا تعنى أبداً "عاصفة"، بل "زلزالاً" في وضع إسرائيل (إر 10: 22؛ حز 28: 19) أو هزة أرضية (28: 2؛ لو 21: 11؛ أع 16: 26؛ رؤ 6؛ 12؛ 11: 13؛ 16: 18). فكيف استعمل مت هذه اللفظة وحده، وكيف استعملها هنا؟
غير أننا نستطيع أن نلاحظ أن عبارة "سايسموس ميغاس" توجد دوماً في سياق يتحدّث عن نهاية الأزمنة، ويرتبط بالتالي باللغة الجليانيّة (لو 21: 11؛ رؤ 11: 13). وحين استعملها مت وحده هنا، وفي أخبار القيامة، أراد أن يشدّد على أن القيامة مع الصليب (تفرد متّ فروى موت يسوع في أسلوب جلياني: اهتزت الأرض. تشقّقت الصخور، قام الموتى، 27: 51- 53) يدشّنان نهاية الأزمنة. ووجود العبارة في الخبر الذي ندرس، يدلّ على أن مت يرى في العاصفة صورة مسبقة عن الصعوبات والمخاطر الاسكاتولوجيّة التي تواجهها كنيسةُ عصره.
ثانياً: أما هو فكان نائماً
ترك مت هنا التفاصيل التي "رآها" مر: كان في مؤخَّر السفينة على وسادة. بل اقتصر على جوهر الخبر: يسوع نائم. إنه غائب كلياً عن الحدث، مثل يونان في قعر سفينته (يون 1: 5). فهذا الرقاد الذي يدهشنا في مثل هذا الظرف، هل هو مظهر رقاد أم عمل رمزي دعا فيه يسوع تلاميذه إلى الهدوء؟ أم هل ترك يسوع تلاميذه يواجهون العاصفة وحدهم، كما سمح الله في مز 44: 23 أن يواجه شعبه الخطر وحده؟ أما اليوم، فيُفضّل القول مع مت، بأن يسوع كان نائماً حقاً لأنه كان تعباً. ولكن في الواقع، لا نعرف لماذا كان نائماً. ومهما يكن من أمر، فهذا النوم يتعارض مع اضطراب العناصر وبلبلة التلاميذ.
ج- الخوف واللجوء إلى يسوع
أولاً: لقد هلكنا
اتفق الانجيليون الثلاثة على هذه الصرخة التي هتف بها التلاميذ. فالعاصفة ولّدت عندهم (لا سيما أولئك الذين لم يكونوا صيّادين) خوفاً أمام الموت الذي يقترب منهم. هذا أمر عاديّ، وهو يدلّ على أننا بشر (يون 1: 7؛ أع 27: 13- 20). من اختبر مثل هذا الخطر يفهم شعور التلاميذ في تلك الساعة.
ثانياً: أيقظوه قائلين: يا رب نجّنا
موقف نموذجيّ وقد فسّره الوعّاظ مراراً. "اقترب" التلاميذ من يسوع، شأنهم شأن الأبرص (8: 2) وقائد المئة (8: 5) والنازفة (9: 20) وسواهم، ووضعوا بين يديه حالتهم الميؤوس منها، وطلبوا منه أن يخلّصهم. هذا المسعى يفترض أنه إن أراد أن يفعل فهو يستطيع ذلك (8: 2). إذن، موقفهم هو موقف يمتدحه يسوع في مكان آخر ويسمّيه "الإيمان" (8: 10، 13؛ 9: 22: 15: 28).
حسب متى، ومتى وحده، استعمل التلاميذ للتوجّه بكلامهم إلى يسوع لفظة "ربّ" (كيريوس). هذا ما يفعله أيضاً عند متى كل الذين يلجأون إلى يسوع، فيتّخذ نداؤهم طابعاً ليتورجياً (15: 22: يا ابن داود ارحمني؛ 17: 15: يا سيدي إرحم ابني؛ 20: 30: يا ابن داود إرحمنا). قد تعني لفظة "كيريوس" (السيّد) عبارة تهذيب. ولكنها كانت للمسيحيين تعبيراً عن إيمانهم بالقيامة وبالوهيّة يسوع (روم 10: 9؛ رج أع 2: 30)، وبداية صلاة تتوجّه إلى المسيح (أع 7: 59). إذن، انطلق مت من صرخة التلاميذ فجعل منها نموذجاً لنداء المسيحي إلى الرب في معاكسات الأزمنة الأخيرة.
حين نتأمّل في الخبر، نرى أن البُعد العميق لمسعى التلاميذ كبير جداً. فهو يفترض، كما قلنا، أن يسوع يستطيع أن يبدّل الواقع الذي نحن فيه، أن يفعل ما يريد في العناصر الهائجة. ففي نظر اليهودي، مثل هذه القدرة تخصّ الله وحده. نقرأ في مز 89: 10: "لك سلطان على هيجان البحر، فتهدّىء أمواجه عند ارتفاعها" (رج 65: 8؛ أي 38: 10- 11).
إذن، نلجأ إلى الربّ وإلى الربّ وحده في مثل هذه الظروف (يون 1: 9، 14؛ مز 107: 28- 30). لا لجوء في أخبار العالم الراباني ولا في أخبار العالم اليونانيّ والرومانيّ، إلى إنسان يستطيع أن يهدىء العاصفة. إذن، يفترض مسعى التلاميذ أنهم يؤمنون أقلّه بأن الله منح قدرته ليسوع. وبكلام أخرهم يؤمنون بالمسيح، بل بهذا الذي هو ابن الله وهو المساوي لله.
د- توبيخ يسوع لهم
قال لهم يسوع: لمَ أنتم خائفون، يا قليليّ الايمان؟
أولاً: المسألة
إن كلمة يسوع هذه هي توبيخ، ولكنها ليست بتوبيخ قاسٍ كما في لو ومر حيث نحن أمام غياب تام للإيمان. ولكن التوبيخ يبقى توبيخاً. وهذا ما يدهشنا. لأن لجوء التلاميذ إلى يسوع، وهو نموذج لنا، يجب أن يمتدح إيمانهم. هذا ما نجده في نهاية أخبار المعجزات (8: 10: أعجب يسوع؛ 9: 22: تشجّعي). لو قرأنا نصّ مر لما كانت الدهشة لدينا. فعنده لا نجد في فم التلاميذ ما يدل على صلاة واثقة، بل "تأنيب" ينقصه الكثير من الاحترام تجاه "غياب" يسوع: "يا معلّم، أما يهمك اننا نهلك" (مر 4: 38)؟ لا تدل هذه العبارة على "التقوى"، لهذا أراد مت ولو (8: 24) أن يجعلاها كلاماً مثالياً بالنسبة إلى المؤمنين، حتى لو فجرّا توبيخ يسوع الذي بدا كالرعد وسط سماء صافية (17: 5= لو 9: 38؛ ق مر 9: 17).
ثانياً: إيمان التلاميذ
إن لهذه الصدمة في الخبر فائدة أرادها مت أو لم يردها. هذا ما لا نستطيع أن نجزم فيه. فعند مر، نظنّ أن توبيخ يسوع يشير بشكل مباشر إلى موقف التلاميذ: ظلّوا منغلقين على خوفهم، بدل من أن يخرجوا منه بالإيمان بيسوع المخلّص. أما عند مت فكل شيء أوضح. لا يشير توبيخ يسوع إلى مسعى التلاميذ، لأن هذا المسعى يمتلك كل طابع الإيمان الذي يحصل على المعجزات. إذن، نحن أمام كلمة ليسوع، أمام إيمان "آخر". إيمان وجب أن يكون لدى التلاميذ حتى قبل العاصفة فيمنعهم من الخوف. فيسوع لا يوجّه أبداً توبيخاً للناس الذين في ضيقهم يلجأون إليه بإيمان. إذن، الإيمان الذي يلاحظ أنه قليل (مت) أو غائب (مر، لو) لدى تلاميذه، هو إيمان يجب أن يميّزهم على أنهم تلاميذه. بما أن "الإيمان" سيكفي في الواقع لكي يحدّد المسيحي، "المؤمن" (أع 4: 32؛ 5: 14؛ 1 تس 1: 7)، فمن الأهمية بمكان أن نفهم ما هو هذا الإيمان الذي (بحسب مت) طلبه يسوع من تلاميذه، "هؤلاء الصغار المؤمنين" (18: 6).
إن البُعد الحقيقيّ لتوبيخ يسوع في هذا الحدث يبقى صعب التحديد هل خطأ التلاميذ يقوم بأنهم اعتبروا هلاكهم ممكناً ومعقولاً، مع أن الأمر هو عكس ذلك؟ أو هل لامهم يسوع بكل بساطة لأنهم خافوا أمام الموت؟ فالإيمان الذي يتأسّف على ضعفه، هل هو فقط ثقة بالله أكيدة بشكل خاص؟ هل له علاقة بشخص يسوع مثل إيمان المعجزات؟ وغيابه لدى التلاميذ، هل ارتبط (وبأي شكل) بمعرفة هويّة يسوع الخفيّة التي يعبرّ عنها السؤال الأخير في الخبر (آ 27)؟ لا يتيح لنا النصّ أن نجيب عن كل هذه الأسئلة. ثم إننا نترك جانباً المسألة التاريخيّة، مع العلم أننا نظنّ لأسباب وجيهة أننا أمام صدى أمين لفكر يسوع، في ما نقرأ هنا من كلام متّى.
أما الطريق التي تنفتح أمامنا بعد كل هذه الاسئلة، فهي دراسة توبيخات مماثلة لذلك الذي قرأناه هنا. هناك أربعة نجد فيها الصفة "اوليغوبستوس" قليل الإيمان، أو الاسم "اوليغوبستيا" أي قلة الإيمان.
لا نجد اثراً لهذين اللفظتين في العالم اليوناني قبل الأناجيل الإزائية. فمع أن مت استعملهما مراراً (6: 30؛ 14، 31؛ 16: 8؛ 17: 20)، فهو لم يخلقهما. فإن لو أيضاً استعمل "اوليغوبستوس" في 12: 28 (رج مر 8: 17 حسب بعض المخطوطات).
ولكن يبدو أن اللفظة لم تُوجد في الأصل. لهذا يجب أن نعود إلى محيط مسيحيّ يستعمل لغتين، وحيث انتقل التقليد الإنجيليّ من الأرامي إلى اليوناني (وقد نكون في محيط يهودي يتكلّم اليونانيّة. هنا قد يكون لو أخذ اللفظة عن مت). اوليغوبستوس هي ما يقابل عبارة سامية نجدها في الأدب الراباني وهي تدلّ على قلّة الثقة بالله. وقد يكون يسوع استعمل هذه اللفظة في لغته فانتقلت إلى اليونانيّة بطريقة الكزّ.
* أولاً: في النصّ المعروف الذي فيه يرفع يسوع الصوت ضد اجتياح المستقبل في الحاضر، ضد اجتياح الهموم لحياة الإنسان (6: 25- 34= لو 12: 22- 31)، من الواضح أن عبارة "قليل الإيمان" (6: 30) تعني نقصاً في الثقة بالله. ولكن هذا لا يكفي. فهذا التحذير من الهموم لا يتوجّه إلى الجموع، بل إلى التلاميذ (5: 1؛ لو 12: 22). ويتبعه عند لو تحريضٌ للقطيع الصغير الذي لا يجب أن يخاف (12: 32: نخاف أن ينقصنا شيء من الأشياء).
إن مضمون هذه الآية (6: 30) يؤكّد أنها توجّهت إلى التلاميذ: هذا النداء إلى الثقة يعني كل الذين يطلبون ملكوت الله وبرّه. وبكلام آخر، لسنا أمام "أي" ثقة بالله، قد تميّز اليهوديّ الصالح، بل أمام اطمئنان يميّز أولئك الذين تقبّلوا بشارة الملكوت من فم يسوع (4: 17) فوجب عليهم أن يعيشوا بحسب تعاليمه.
* ثانياً: ونجد "قليل الإيمان" في حدث خمير الفريسيين والصادوقيين (16: 5- 12). إنشغل يسوع بالتفكير في رسالته وبالتالي بالملكوت، فنظر إلى الموقف الروحيّ الذي وجده لدى الفريسيين والصادوقيين: هم يطلبون آية ولا يحاولون أن يفسّروا آيات الأزمنة (16: 1- 4). وغرق التلاميذ في الاهتمامات اليوميّة، ففكّروا حالاً بالمؤونة التي نسوا أن يجلبوها معهم. فحين وصفهم يسوع بأنهم "قليلو الإيمان"، لم يوبّخهم فقط بسبب ثقتهم القليلة بالله، بل بعدم فهم هو في أصل هذه اللاثقة (16: 9- 10)، بل بغياب في التوافق بين فكرهم وفكره. وهذا ما برّره تكثير الأرغفة (16: 9- 10). لقد دلّت هذه المعجزات على عدم جدوى هذه الاهتمامات الماديّة لمن يتبع يسوع (14: 13) ويبقى بقربه (15: 32). فالتلاميذ ليسوا بعد مشغفين مثله بطلب الملكوت فقط.
في ثالثاً: ونستطيع أن نتساءل حول تكثير الأرغفة في فكر يسوع. أما كان يجب أن يتمّ بواسطة التلاميذ؟ قال لهم: "أعطوهم أنتم ليأكلوا" (14: 16؛ رج 15: 33). مهما يكن من أمر، نحن أمام معجزة حاول الرسل القيام بها ولكنهم "فشلوا" حين أرادوا أن يشفوا الولد الممسوس (سكنه الشيطان 17: 14- 18). نسب يسوع هذا الفشل إلى قلّة إيمانهم (نجد في بعض المخطوطات: غياب الإيمان، اللايمان، أبستيا). فلو كان هذا الايمان مثل حبّة الخردل لساعدهم على نقل الجبال (17: 19- 20). وفي النهاية، الإيمان هنا هو تأكد مطلق بفاعليّة كلام يسوع الذي نقل إلى التلاميذ قدرته الفائقة حين أرسلهم (10: 1).
* رابعاً: والحدث الأخير الذي فيه تظهر لفظة "اوليغوبستوس" يعيدنا إلى بحيرة طبرية، إلى سير بطرس على المياه (14: 28- 33). قال يسوع لبطرس: تعال. فأطاع بطرس. ولكن حين صار على المياه، رأى شدّة الريح فخاف وصرخ: "يا ربّ، نجني". حينئذٍ مدّ يسوع إليه يده ووبّخه لأنه كان قليل الإيمان. لقد تأثّر بطرس بما رأى، فارتاب بكلمة يسوع وما عاد يستند إليها. والتعارض بين الخوف والإيمان، واللجوء إلى يسوع الذي يتبعه توبيخ، كل هذا يجعلنا قريبين من حدث تهدئة العاصفة. ولكننا نلاحظ اختلافاً هاماً: فالإيمان الذي كان ناقصاً لدى التلاميذ تجاه العاصفة، يبدو مثل موقف وجب أن يكون قبل الحدث. أما إيمان بطرس فيتحدّد موقعه في حدود الحدث، أقله في النظرة الأولى، لأنه يعود إلى نداء يسوع: "تعال". في الواقع، لقد دلّ "فعل" الإيمان هذا على موقف "عاديّ" من الإيمان بقدرة يسوع (14: 28).
* خامساً: هذا البحث السريع يساعدنا على "تكوين" ما لم يعبرّ عنه في حدث تسكين العاصفة. ففي الحالات الأربع، وحتى حين تكون وجهة "الثقة بالله" هي في المستوى الأول، فإن إيمان التلاميذ يتضمّن علاقة بيسوع. وهذا الإيمان يرتبط بحكم "نصدره" عليه، على تعليمه، على رسالته، على قدرته. وهذا ما نستطيع أيضاً أن نقوله في وضع تسكين العاصفة.
وهناك نصّ متاويّ آخر يساعدنا على إلقاء بعض الضوء على هذا المقطع. لا نجد هنا ذكراً واضحاً للإيمان. ولكن يسوع يطلب من تلاميذه "ألاّ يخافوا" (هناك لفظتان مختلفتان. استعمل يسوع فعل "فوبايستاي" بدل "ديليوو" في تسكين العاصفة. ولكن اللفظتين مترادفتان). نحن أمام قسم من "خطبة الرسالة" (10: 17- 33) يتحدّث فيه يسوع عن عدم الاهتمام (10: 19)، وعدم الخوف (10: 26، 28، 31) في الاضطهادات التي يسبّبها نشاط التلاميذ الرسوليّ، في الوقت الحاضر أم في المستقبل.
هدف الرسالة هو أن نشهد ليسوع (10: 18)، أن نعترف بيسوع (10: 32). أي يجب أن نعبرّ بشكل علنيّ عن فكرنا. نقول إيماننا في ما يتعلّق بشخص يسوع ورسالته. والذي يثبت إلى المنتهى في هذا الموقف، لا يخاف شيئاً ولا أحداً، لا يخف الموت (10: 21، 28) لأنه يخلص (10: 22). والاستناد إلى يسوع (10: 32) يتيح للمرسل أن يتكل اتكالاً تاماً على الآب (10: 28- 31).
إذن، تؤكّد خطبة الرسالة نتائج بحثنا في أربعة أحداث لام فيها يسوع تلاميذه لقلّة إيمانهم. وقد بدا إيمان التلاميذ هنا، ثقة من نمط جديد بالنسبة إلى ذلك الذي عرفه العالم اليهوديّ، لأنه يرتكز في النهاية على "فهم" شخص يسوع وفكره ورسالته هذا من جهة، ومن جهة ثانية، يجب أن نلاحظ أن منظار خطبة الرسالة يتضمّن ما بعد الموت، وهذا ما لا نجد مثله في خبر تهدئة العاصفة. فإذا كان المسيح حذّر تلاميذه في خطبة الرسالة من الخوف أمام الموت الذي قد يكون ممكناً، يكون الأمر مختلفاً في حدث تسكين العاصفة. ما لامهم عليه يسوع ليس خوفهم من الموت، بل سبب هذا الخوف الذي هو نقص في الإيمان كان بإمكانه أن يستبعد حتى إمكانيّة الموت. ما كان يسوع يستطيع أن يموت قبل أن يتمّ رسالته. فإن كان التلاميذ قد فهموا فهماً واضحاً من هو وما الذي يعمله في العالم (السؤال الذي ينهي الحديث يدلّ على أنهم لم يفهموا)، لما كان عليهم أن يقلقوا من العاصفة (هذا هو الوضع في أع 27. تأكّد بولس أن ساعته لم تأتِ بعد لأن عليه بعدُ أن يشهد ليسوع في رومة).
هذه الدراسة حاولت أن تحلّ مشاكل يطرحها الخبر الإنجيلي (وقد لا يكون متّى أوردها كلها بوضوح). فلو كان تسكين العاصفة في نظر مت صورة عن حالات خطرة وجد فيها مسحيّو عصره نفوسهم فيها، لم يعد الموت منظاراً مستحيلاً، بل خطراً حقيقياً. ومهما يكن من أمر، فالعبرة الكبرى في الحدث تبقى هي هي. وإيمان كل وحد منا "أبحر" على خطى المسيح، يجب أن يكون من القوّة بحيث يتفتّح في ثقة مطلقة بذلك الذي ينفي منّا كل خوف، حتى أمام الموت، حين تقود إليه الأمانة المسيحيّة. وهذا الالتزام كان نقطة رئيسية في الفقاهة الأولى. فبولس منذ بداياته الرسوليّة شجّع المسيحيين على الثبات في الإيمان رغم المضايق (أع 14: 22؛ رج 1 تس 1: 6- 7؛ 2: 13- 16). وفي نهاية القرن الأول، ذكرنا يوحنا بأن إيمان التلميذ العائش في هذا العالم لا يقبل الخوف ولا القلق (14: 27). "فالجبناء (الذين يخافون، دايلوس كمالا تسكين العاصفة) والكفرة (الذين لا يؤمنون: ابستوس) يكون نصيبهم في البحيرة المتّقدة بالنار والكبريت" (رؤ 21: 8).

3- من هو هذا الرجل (8: 26 ب- 27)
أ- المعجزة
أولاً: نهض وزجر الرياح
في أخبار المعجزات، هناك دوماً وقت فيه يتدخل يسوع بكلمة أو بحركة، يتدخّل في وضع عُرض عليه أو سلّم إلى مشيئته. إن يسوع لا يصلّي قبل المعجزة كما كان يفعل الرابي ليحصل على المعجزة (ولكن المرة الوحيدة التي فيها صلّى هي إقامة لعازر؛ يو 11: 41- 42). فهو كليّ القدرة على مستوى المستحيل الذي يُطلب منه، ولكن لا مستحيل لدى الله، والمسيح هو الله.
ثانياً: فسادَ هدوء عظيم
تدخّلُ يسوع يفعل دوماً، وهو الذي بكلمته خلق الكون. لا، ليس هيجان العالم هو الذي يبتلع يسوع، بل هدوء يسوع هو الذي يمتدّ على العالم. استسلم التلاميذ في صعوبتهم إلى يسوع، لهذا ما كان عليهم أن يقلقوا أو يضطربوا. منذ لحظة تكلّم يسوع. وها هو يفعل الآن. ولكنه يتابع تكوين تلاميذه سواء بكلامه أو أفعاله.
ب- السؤال المطروح
أولاً: دهش اولئك الرجال
إذا كان يسوع على مستوى المستحيل، فشهود المعجزة ما زالوا بعيدين عنه، لا سيّما وأن هذا المستحيل يتمّ ببساطة تامة. ظلوا مدهوشين، مبهوتين (12: 23). ويعبرّون عن دهشتهم هذه بكلمات تدلّ على مضمونها الفكريّ. لقد لاحظوا الطابع الذي لا يصدّق للحدث. قالوا مثلاً في 9: 33: "لم يظهر قط مثل هذا في إسرائيل" (9: 33). وفي الخير الذي ندرس، اندمجت الملاحظة في سؤال التلاميذ الأخير: دلّ هذا الرجل على أنه سيّد العناصر (8: 19)، وسيّد العناصر في نظر اليهود هو الله وحده.
ثانيا: من هو هذا
طرحت المعجزات على الشهود سؤالاً: بما أنهم خرجوا من العاديّ، فهم يحتاجون إلى من يشرح لهم (كما في رؤيا يوحنا). نستطيع أن نتساءل عن أصل قدرة يسوع (13: 54؛ 21: 23) أو عن "هويّة" هذا الشخص الخفيّة التي لا يقابلها شيء. هذا ما فعله التلاميذ في هذا الخبر: "أي رجل هو هذا الرجل"؟
في بعض الحالات يتوجّه السؤال المطروح بعد المعجزات، نحو جواب قد يكون مجرّد فرضيّة. مثلاً: "أما هذا هو ابن داود" (12: 23. يعني: حقاً هو ابن داود)؟ ولكن اين إيمان التلاميذ من كل هذا؟ سألهم يسوع:"من أنا في رأيكم". ولكنهم ما استطاعوا بعد أن يجيبوا: أنت المسيح ابن الله الحيّ (16: 15). لقد ظلّ يسوع بالنسبة إليهم "مسألة مطروحة" (لم تحصل على جواب). لهذا أدهشتهم المعجزة. لو فهموا بُعد المعجزة، لكانوا فهموا نهاية المسيرة على المياه بدلاً من أن يندهشوا (مر 6: 51)، ولكانوا أعلنوا: "في الحقيقة أنت ابن الله" (14: 33). ونستطيع أن نقول أيضاً: لو فهموا من هو يسوع وما هي رسالته، لمنع عنهم إيمانهُم الخوف.
وقرّاء متّى بعد عشرات السنين، عرفوا بلا شك الجواب الذي يُعطى لسؤال التلاميذ. فخبر معجزة تسكين العاصفة جدّد إيمانهم بالربّ يسوع. فثباتهم وأمانتهم وسط "الضيقات" التي جاءتهم لأنهم تلاميذ المسيح، قد تقوّيا. ولو بدا لهم أن الرب "ينام"، فهم يستطيعون أن يتكّلوا على قدرته إن صرخوا إليه بإيمان يشبه إيمان التلاميذ.

خاتمة
سواء تحدّثنا عن المسيحيين كأفراد وسواء تحدّثنا عنهم كجماعات، أن يكون الواحد تلميذ يسوع، أن يمشي وراءه، أن "يُبحر" معه، كل هذا ليس بوضع مريح ولا سهل. ففي يوم من الأيام سننجرّ في العواصف الهوجاء حيث يهرب منا كل سند بشريّ ويطلّ الموت في الأفق. ولكن، حتى وإن تعرّض تلميذ يسوع الحقيقيّ للخطر، فهو يقف ما وراء الخوف، ويبقى ثابتاً في السلام والإيمان. وهذا الإيمان يجعله في حضرة الربّ يسوع وبين يديه: فهو الذي غلب العالم (يو 16: 33). وهو الذي يقود تاريخ الكون والبشر إلى نهايته. فالعواصف مهما كانت هائجة، والرياح مهما هدّدت، ستكون نداء إلينا لكي نجدّد ذواتنا في الإيمان بيسوع ربّ الكون والتاريخ. أجل، "فالغلبة التي بها نغلب العالم هي إيماننا" (1 يو 5: 4). فهل نكون قليلي الإيمان؟

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM