المَرحَلَة الرابعَة: عَشْرُ مُعجَزات الفصل الثاني والثلاثون: شروط أتباع يسوع

    الفصل الثاني والثلاثون
شروط أتباع يسوع  8: 18- 22

نحن هنا في قلب نشاط يسوع الرساليّ، فهذا القسم الإخباريّ يكشف في العمق مهمّة يسوع التي تفرض على البشر أن يتّخذوا موقفاً بالنسبة إليها. وتظهر هذه المهمّة على أنها صراع ضدّ الشّر، ونداء رحيم يتوجّه إلى الخطأة، وجديد جذريّ يفرض على السامعين تبديلاً راديكالياً. ونبدأ بالمطلع (آ 18- 22) الذي يخلق المناخ لهذا القسم الإخباريّ الذي يبدأ في 8: 23 (حرب على قوى الشّر) وينتهي في 9: 13 مع الحديث عن رحمة يسوع نحو الخاطئين.
بعد أن ندرس النصّ دراسة حرفيّة، نتوقّف عند مفهوم الكتبة والتلاميذ في الانجيل، ومتّى يبدو ذاك الكاتب الماهر الذي يخرج من ذخائره أشياء جديدة وأشياء قديمة.

1- ابن الإنسان
هكذا يبدو ابن الإنسان تجاه الذين يحاولون أن يتبعوه. قال مر 4: 35 كلمة في هذا الموضوع: "وقال لهم في ذلك اليوم: لنجتز إلى العبر". ورافق لو 9: 57- 60 مت في هذا المقطع كله. كلاهما جعلا في هذا الموضع من الخبر، عبورَ يسوع وتلاميذه لبحيرة طبريّة. أما مر 4: 35 فيجعل هذا العبور يتمّ في ما بعد. ويتبع هذا العبور عند متا ولو (في ألفاظ جدّ مختلفة) أجوبة قاسية وجّهها يسوع إلى كاتب ثم إلى تلميذ (لا يعطي لو أي توضيح) يرغبان في اتباع يسوع.
يجب أن نقرّ بأن هذين الحوارين القصيرين يوافقان كل الموافقة هذا الموضع من الإخبار المتاوي. فالواقع الذي يقول لنا إن يسوع سيترك منطقة كفرناحوم، يفسّر عجلة محاوريه ويبرز بُعد أجوبتهما. وهكذا يبدو لنا متّى مرة أخرى أنه مثال المربيّ الذي يهتمّ بالمؤمنين في الكنيسة، لا بالدقّة الكرونولوجيّة.
"ولما رأى يسوع جمعاً حوله" (آ 18). آية بسيطة ولكنها تدلّ على أسلوب مت. أعطى يسوع أمراً (اكالوسن) كما تعوّد أن يفعل في ظروف أخرى. ويطبّق مت هذا الفعل على السلطة الملوكيّة. نقرأ في 14: 9: "حزن الملك، ولكنه أمر بإعطائها ما تريد". في 14: 19: "أمر يسوع الجموع أن يقعدوا على العشب". وفي آ 28 نقرأ طلب بطرس إلى يسوع: "مُرني أن أجيء إليك على الماء". وفي 18: 25: "فأمر سيّده أن يباع هو وامرأته". وفي 27: 58: "أمر بيلاطس أن يسلّموه إليه". وفي آ 64 يقول الرؤساء لبيلاطس: "أصدر أمرك بحراسة القبر".
احتجنا إلى سلطة آمرة، متجذّرة في وجدانٍ وعى العمل الخاصّ الذي يجب عليه أن يقوم به، لكي تنقطع الحبال مع كفرناحوم ساعة تراكضت الجموع من كل جهة. إن فعل "ذهب" (ابارختاي) يصوّر مراراً في مت كما في يو انقطاعات شخصيّة ترتبط بها نتائج هامّة. رج آ 19: "أتبعك إلى حيث تذهب، تمضي". هذا يعني أن التابع سوف ينسلخ عن الأهل ليتبع يسوع. وفي 19: 22 نعرف أن الشابّ "مضى حزيناً". كان هناك ألم عميق. وفي 21: 29، 30 مع مثل الابنين. رج يو 6: 66 (ذهب عنه في تلك الساعة كثير من تلاميذه)، 68 (إلى من نذهب، يا سيّد)؛ 16: 7 (من الخير لكم أن أذهب).
"ذهبوا إلى منطقة العبر". إلى الجهة المقابلة للبحيرة. أي الضفّة الشرقيّة. "بيران" الذي سيصبح بيريه عند المؤرخ يوسيفوس، حين يطبّق هذه اللفظة على الأردن. حين عبر يسوع وتلاميذه البحيرة، وصلوا إلى أرض غريبة هي تراخونيتس، أي تترارخية (ربع المملكة) فيلبّس (لو 3: 1). غير أن الحدود لم تكن واضحة كما في أيامنا، وخصوصاً في فلسطين.
"فتقدم كاتب وقال" (آ 19). أشار بولس أننا هنا أمام كاتب. ولم يقل إن جواب يسوع لم "يهدىء روعه" فجعله "ييأس" بعض الشيء. إن الكتبة يلعبون في مت دوراً مهماً لا يعرفونه عند مر ولو. هم ينضمّون مراراً إلى الفريسيين أو إلى الشيوخ، فيقودون المعارضة ضدّ يسوع. أما هنا، كما في 13: 52 (كل كاتب يتلمذ لملكوت السماوات) و23: 34 (أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة)، فلا نجد شيئاً من هذا الدور السلبيّ.
إن يسوع يُدعى في مت بشكل خاص ومرات كثيرة: المعلّم، رابي. إن الانجيل يعطي هذه الكلمة مدلولاً قد بلوره الفكر المسيحيّ الأول. فيسوع هو المعلّم الذي نال كل سلطان في الأزمنة الأخيرة. وهو يكشف المعنى الحقيقيّ للشريعة المعطاة للآباء (22: 16، 24، 36؛ رج يو 1: 38؛ 20: 16).
طلب هذا الكاتب أن "يتبع" يسوع. نحن هنا أمام عبارة ترد مراراً في مت 4: 20، 22: اتبعاني؛ 8: 10: قال لمتى: اتبعني. في 8: 23 نقرأ: وتبعه تلاميذه (رج 8: 10: قال للذين يتبعونه)؛ رج 12: 15؛ 14: 13؛ 19: 2؛ 20: 29...
إذا عدنا إلى العالم اليهودي في القرن الأول المسيحيّ، نرى أن فعل "تبع" يعني الاحترام والطاعة، ويدلّ على الخدمات التي يقدّمها التلميذ لمعلمه. حين طبّق مت هذه اللفظة على يسوع وعلى تلاميذه، حوّل معنى الفعل في نقاط عديدة. أولاً: ليس التلميذ هو الذي يختار معلّمه. فالنداء يأتي من يسوع، فيأتي الجواب بشكل طاعة سريعة (4: 22؛ 9: 9). ثانياً: تبع التلاميذ يسوع لا كسامعين وحسب، بل كمشاركين له في العمل، وكشهود لملكوت الله، وكعمّال في الحصاد (10: 1- 27). هذا هو الوضع عند الغيورين حيث التلاميذ لا يتعلّقون فقط بتعليم المعلّم، بل بشخصه أيضاً. ثالثاً: أشار مت إلى أن الجموع تبعت يسوع، فدلّ بذلك على أنها تبحث عنده من حيث لا تدري على معلّم لم تجده عند الرابانيين المفوّضين (والحاملي الألقاب الكبيرة) في المجامع (4: 25؛ 8: 1؛ 12: 15؛ 14: 13...). رابعاً: سيقوم يسوع في ما بعد بنظرة ناقدة إلى هذا الاتباع، فيدلّ على أنه يعني أكثر مما تخيّله التلاميذ أو الجموع: من تبع يسوع حمل صليبه (16: 24).
"فقال له يسوع: للثعالب أوجرة" (آ 20). قد تكون هذه العبارة قد طبّقت في الأصل على إنسان من الناس في عالم التشاؤم الشعبيّ. ولكنها في سياق مت تنطبق على السيرة الدراماتيكيّة لمسيح متألّم حتى الصليب.
إن عبارة "ابن الإنسان" (أو: ابن إنسان) قد تدلّ على إنسان من الناس، على إنسان خاص كما في العهد القديم (حزقيال مثلاً). ولكنها تنطبق أيضاً على يسوع في الأناجيل، فتشدّد على كرامته كالديّان السامي في نهاية الأزمنة (دا 7: 13؛ رج اخنوخ). إذا عدنا إلى النصّ الانجيلي، نرى أن المعنيين لا يتعارضان. وجواب يسوع إلى محاوره "المتعلّم" (المتبحّر في العلوم الكتابيّة)، يحمل الكثير من المخاطرة، لأن التلميذ يقاسم معلّمه حياته مقاسمة حميمة.
"وقال آخر من تلاميذه" (آ 21- 22). في العالم اليهوديّ، كانت التقوى البنويّة المؤسّسة على الوصية الخامسة تفرض فرضاً مطلقاً على الأبناء أن يؤمّنوا لوالديهم دفنة لائقة. قال التلميذ: "إئذن لي أولاً أن أمضي وأدفن أبي". أجابه يسوع: "اتبعني ودع الموتى يدفنون موتاهم". كلمة صعبة لا يستطيع أن يتقبّلها لا سامعو يسوع المباشرون، ولا اليهود المرتدّون في الكنيسة المتاويّة.
كانوا يدفنون الموتى حالاً بعد التأكّد من موتهم (أع 5: 6، 7؛ 8: 2؛ مت 9: 23). إن كلمة يسوع لا تعارض مبدأياً شرعيّة الاحتفالات الجنائزية التي كانت (ولا تزال) طويلة ومعقدة. بل هي تؤكّد فقط أن خضوع يسوع ونداءه هما متطلبة أكثر إلحاحاً حتى من واجباتنا تجاه والدينا المتوفين.
"دع الموتى". هم الذين لم يجدوا حياة الملكوت في يسوع المسيح (7: 13- 14، رج لو 15: 32؛ مت 22: 32؛ أف 2: 1؛ كو 2: 13). "يدفنون موتاهم". نحن هنا أمام الجثث التي تحتاج حقاً إلى من يدفنها (23: 27؛ لو 16: 30؛ 24: 5). نتذكّر على مستوى هذه الواجبات ما قاله يسوع أيضاً في 10: 37: "من أحبّ أباه أو أمه أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابنه أو ابنته أكثر مني طفلا يستحقني". هي طريقة بها نحمل الصليب ونتبع يسوع (آ 38).

2- الكتبة وتلاميذ يسوع
حين نقرأ التقاليد الانجيليّة، نفهم اللاتوافق بين يسوع ومعلّمي الشريعة. كما نفهم أن الذين انضموا إليه بشكل وثيق، لم يكونوا من عالم الرابانيين كما لم يكونوا من طبقة المسؤولين. ومع ذلك فنحن نجد إشارات إنجيليّة تحدّثنا عن محيط ذلك الذي أعلن نفسه مسيح الفقراء والشعب الأميّ (شعب الأرض)، وعن بعض الوجهاء الذين لم يكونوا خصوماً له. فقد ارتبط يسوع بعلاقات صداقة مع بعض الفريسيّين، كما تعلّق به يوسف الرامي، العضو الغني في السنهدرين (المجلس الأعلى)، ونيقوديمس الفرّيسي. ولكننا نودّ أن نتوقّف هنا عند علاقات يسوع مع الذين سمّتهم الأناجيل الإزائية: الكتبة (السفَرة). فقد وُجدوا في قلب مجموعة التلاميذ حتى خلال حياة يسوع على الأرض.
ونتوقف هنا عند ثلاثة نصوص: 23: 34- 36؛ 23: 8- 10؛ 28: 19.
أ- أنبياء وحكماء وكتبة (23: 34- 36= لو 11: 49- 51)
ينتمي هذا النصّ إلى سياق مماثل في مت ولو. هو سياق خطبة التويّلات (الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون) التي وجّهها يسوع ضد الكتبة والفريسيين. وضع مت الخطبة في الهيكل (23: 1). أما لو فحدّد موقعها خلال الصعود إلى أورشليم (11: 37- 53). ومن هم السامعون؟ في لو، تحدّث يسوع إلى المعنيّين في إطار غداء عند فرّيسي. أما السامعون عند مت فهم الجموع والتلاميذ. ويمزج التأليف المتاوي بين الكتبة والفريسيين، أما لو فيميّز بينهما. في مت، لام يسوع "الكتبة والفريسيين" على تكبّرهم وبحثهم عن الألقاب وأول المتكآت في العشاء، على خبثهم واهتمامهم الدقيق بالممارسات الخارجيّة. أما لو فميّز العيوب الخاصة بكل من الفئتين.
في هذا السياق نقرأ المقطع التالي: "ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة. فمنهم من تقتلون وتصلبون، ومنهم من تجلدون في مجامعكم، وتطاردون من مدينة إلى مدينة لكي ينزل عليكم كل دم زكيّ هُدر على الأرض، من دم هابيل الصدّيق إلى دم زكريا بن بركيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح. فالحقّ أقول لكم إن هذا كله سينزل بهذا الجيل". وبعد هذا يأتي النداء إلى أورشليم الذي يورده لو في 13: 34- 35. نتوقّف هنا عند المقدّمة، ثم عند لائحة المرسلين.
قال مت: "من أجل ذلك". ولو 11: 49 أ: "لهذا قالت الحكمة". ويبدو أن عبارة لو هي الأقدم. أما لائحة المرسلين فترتبط بالعهد القديم لا سيّما مع ذكر الأنبياء الذين أرسلهم الله ولكن عبثاً (إر 7: 25؛ 25: 4؛ 26: 5). ونصّ مت ولو يعود بنا إلى 2 أخ 24: 17- 22 الذي يتكلّم عن زكريا بن يوياداع الذي رُجم بأمر من الملك يوآش.
قد نكون هنا أمام إيراد أورد قديمه مت وزاد لو "الرسل". وهكذا نستطيع القول إنه وُجد كتبة بين تلاميذ يسوع. فهو يعلن أنه يرسل لليهود الذين يضطهدون مرسليه الأنبياء والحكماء والكتبة. على كل حال، تلك كانت اللائحة في العالم اليهوديّ في أيام المسيح. وهكذا فهمت الكنيسة القديمة الأمر، في منظار وحدة العهدين، فنما بشكل خاص مثال الكاتب المسيحيّ ونشاطه كما تحدّث عنه كما 13: 52: "كل كاتب يتلمذ في ملكوت السماوات...".
نحن هنا مع لائحة "أنبياء وحكماء وكتبة" أمام نظرة لاهوتيّة ورمزيّة. فيها رمزيّة يشدّد يسوع في كلامه على أن مرسليه الأخصّاء سينالون المصير الذي ناله مرسلو الله في العهد القديم الذين اصطدموا بلافَهْم معاصريهم واضطهاداتهم، ومارسوا وظيفة تتواصل في زمن التتمة (لما تمّ ملء الزمان)، هي وظيفة مجموعات المعلّمين الثلاث التي بعث بها الله إلى شعب العهد القديم.
ب- لا تُدعون "رابي" (23: 8- 10).
نحن في هذا المقطع داخل الخطبة الهجوميّة على الكتبة والفريسيين. وفي آ 8- 10، يتوجّه يسوع إلى تلاميذه لكي يحذّرهم من ألقاب الشرف: رابي، آب، مدبّر (أو رئيس). أما الانتقاد الراباني في هذه الآيات الثلاث فهو واضح. إنه يهاجم القوّاد الروحيّين في اسرائيل ويدعو الجماعات إلى الهرب من كبرياء تطلب الألقاب والاعتبارات. ويحدّد في الوقت عينه المثال الذي يفصل هذه الجماعات عن العالم اليهوديّ. وقد نستطيع أن نفترض أنه وُجد داخل المسيحيّة الأولى بعض الرابانيين الذين طالبوا ببعض الاعتبار الذي كان يحقّ لهم قبل اعتناق الانجيل: هكذا انطبقت عليهم هذه التعليمة لتحرّضهم على الطاعة والتواضع.
إن لقب "رابي" جُعل لعلماء الشريعة (بفضل السيامة) في نهاية القرن الأول المسيحيّ. وهذا ما نستنتجه من يو 3: 26 حيث نرى المتشيّعين للمعمدان يسمّون معلّمهم بهذا الاسم. وقد يكون اللقب الذي أعطي ليسوع، قد ارتبط بمظهر خارجيّ لا يميّزه تمييزاً واضحاً عن المعلّمين الرابانيين. إن لم يكن قد نال "الرسامة"، وإن حُسب في نظر "ملافنة" عصره أنه لا يعرف أن يقرأ ولا يكتب، وبالتالي لا يعرف الكتب المقدّسة لأنه لم يتعلّم (يو 7: 15)، فقد جمع حوله تلاميذ وقدّم لهم تعليماً دينياً بحيث اعتبره أخصاؤه "المعلّم" وسمّته الجموع "رابي". لهذا قالت الأناجيل: "ديدسكالوس" (معلّم).
ففي زمن يسوع، استُعمل هذا اللقب ليدل على المعلّم. ومنذ القرن الثاني ق م استعملت "رب" لتدلّ على المعلّم. وهكذا نفهم أن آ 8 تهاجم عالم الرابانيين. فتطلب من أخصاء يسوع التواضع لكي يتميّزوا عن نظام الرابانيين.
ونجد هجوماً مماثلاً للرابانيين في لفظة "أب" (أبّا في الأراميّة). فهناك معلّمون عديدون سقوا آباء. واللفظة الثالثة دلّت على "السيّد" (م ر ه)، على المعلّم (م ل ف). أو ارتبطت بفعل "ف ر ن س" دبّر. ولهذا ترجم بعضهم المدبّر والرئيس في الجماعة.
بهذه العبارة المثلّثة (رابي، أب، مدبّر) أراد يسوع أن يربيّ تلاميذه الذين ما زالوا يطالبوت بالكرامات والألقاب، التي تغذّي المزاحمات والآمال الفارغة، فتنسى مثال التواضع الذي بشّر به.
ج- إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم (28: 19)
نحن هنا أمام أمام أمر من المسيح القائم من الموت، به يبعث الرسل إلى الأمم، كما في لو 24: 34- 49. على الرسل أن "يتلمذوا". هل سيتصرّفون مثل معلّمي الشريعة فيدعون جماعات التلاميذ من الأمم. لا شكّ في أن التلاميذ علّموا خلال حياة يسوع على الأرض (5: 19؛ مر 6: 30). ولكن ما نلاحظه هو أن التلاميذ لا يعبّئون ولا يعلّمون أولئك الذين سيصيرون تلاميذ لهم، بل يكوّنون تلاميذ للمسيح. وهكذا انتقل معنى الفعل "تلمذ" من الذين اتصلوا اتصالاً شخصياً بيسوع إلى أولئك الذين جاؤوا إلى نور الانجيل بواسطة هؤلاء التلاميذ.

3- الكاتب التلميذ
هنا نتوقّف عند نصّين. الأول هو موضوع درسنا في هذا الفصل، جاء كاتب وقال له (8: 19). والثاني: كل كاتب صار تلميذاً في ملكوت السماوات. وبين الاثنين يقف سؤال أحد الكتبة حول الوصيّة العظمى (22: 34- 40= مر 12: 28- 34).
أ- قال كاتب: يا معلّم أتبعك (8: 19)
هذا الحدث الذي يرويه مت هو واحد من سلسلة باثنين في مت: قال كاتب، قال تلميذ (8: 18- 22). وبثلاثة في لو (9: 57- 60) موضوعها اتباع يسوع في الحال وفي معنى ملزم. نحن عند مت ولو في نصّين تدوينيّين. في الانجيل الأول، نجد نفوسنا في الشعبة الإخباريّة التي تفصل عظة الجبل من خطبة الرسالة، ولكننا لا نعلم لماذا وُضع هذان الحدثان في هذا المكان. في الانجيل الثالث، انتمت الحوارات الثلاثة إلى إطار الصعود إلى أورشليم مع عبارة: "وفي ما هم سائرون في الطريق" (آ 57 أ). أما آ 60 أ فتهيّىء لبعثة السبعين. هذا الإطار الذي يتميّز بطابعه اللاهوتيّ والأدبيّ، يلقي بضوئه على بُعد لو 9: 57- 60 في نظرة الانجيليّ: إن الحوارات الثلاثة تكتسب اتجاهاً مميَّزاً: ففي المسيرة الطويلة إلى مكان العذاب، على الذين دعاهم المعلّم لكي يتبعوه بشكل مباشر وبلا جدال، أن يقاسموه مصيره، ويبدأوا منذ الآن بالتألّم معه في حياة متنقلّة ينقصها كل رفاه.
قال مت: "كاتب" (غراماتوس). وقال لو: "واحد" (تيس، أحدهم، بعضهم، غير محدّد). نحن نفهم اهتمام هذا الكاتب الذي أعلن ليسوع: "يا معلم، أتبعك حيثما تذهب".
نجد أول نبع للمعلومات في جواب يسوع (8: 20= لو 9: 58). "الثعالب لها أوجرة، وطيور السماء لها أوكار. أما ابن الإنسان فليس له موضع يسند إليه رأسه".
تماهى يسوع هنا مع ابن الإنسان، فعرض طريقة حياته لمن يريد أن يتبعه: حياة لا هدوء فيها ولا طمأنينة. فيها الرواح والمجيء كما هو الواقع في الانجيل. فهل يستعدّ التلميذ ليلزم نفسه بهذه الحياة؟ ولكننا نبقى على جوعنا. لأننا نودّ أن نعرف نتيجة هذا الحوار. قد نكون هنا أمام حدث ناقص احتفظ بجواب يسوع وترك جانباً الموقف الأخير لشخص قد يكون صار تلميذاً. فالجملة تبقى صامتة في مضمونها الموجّه نحو يسوع أو نحو وضع التلميذ بشكل عام. ولكن يبقى السؤال: هل نحن في الأصل أمام "كاتب"؟ وهل صار هذا الكاتب "تلميذاً" في النهاية؟ هنا نقوم بالتفسير المقابل مع الأخذ بعين الاعتبار السياق الانجيلي البعيد والقريب.
ظنّ بعض الشّراح أن لفظة "غرماتوس" (كاتب) قد زيدت في ما بعد لتقدّم السبب الذي من أجله رفض يسوع هذا الطلب: مثل هذا الإنسان لا يستطيع أن يتبع يسوع. هنا نتوقّف عند العبارة الثانية في آ 21: "آخر من تلاميذه". ظنّ بعضهم أن لفظة آخر "هاتاروس" تفترض أن الأول كان أيضاً من مجموعة التلاميذ. ولكن يجب أن لا ننسى أن الجموع التي تحيط بيسوع يعتبرها التقليد الانجيليّ "تلاميذ" في المعنى الواسع (مر 2: 15). هذا لا يعني أننا نؤكد على أصالة الرباط بين الحدثين في 8: 19- 22. ولكننا نظن مستندين إلى ما تبقّى من ذكريات انجيليّة، أن مت حين حدّد موقع "الكاتب" وسط التلاميذ، ظلّ موافقاً لتقليد وصل إليه: فهؤلاء "التلاميذ" لم يكونوا بالضرورة جماعة محدودة من الحميمين، بل حلقة أوسع هي حلقة الجموع المصغية إلى تعليم يسوع والمتعطشة لحسناته.
واختلط بهذه الجموع بعضُ الكتبة. وقد يكون أحد الكتبة امتزج بمجموعة التلاميذ في المعنى الواسع، فطلب حميميّة أكبر مع المعلّم الذي يحسّ تجاهه بميل يقاسمه فيه المحيطون به. وهكذا لا يكون مت قد أدرج "الكاتب" هنا من ذاته، وهو الذي تعلّق بالربّ تعلّقاً لا رجوع عنه. فالانجيلي الأول لا يوفّر مثل هؤلاء الأشخاص الذين صاروا مع الفريسيّين خصوم يسوع، والذين أورد ضدّهم توبيخات يسوع القاسية.
وقد نفهم أيضاً أن ذكر الكاتب يمثل تحديداً تدوينياً، إذا استطعنا أن نبرهن أن الشخص تصرّف في الواقع على مثال الذين رفضوا متطلّبات يسوع أو دلّوا على عدم فهم له، أو على معارضة لتعليمه: وهكذا يكون قد ذهب كما فعل الغنيّ في مر 10: 22 وز. أو إذا كان من الممكن أن نثبت أن طلب الرجل اصطدم برفض. مثل هذا التذكّر كان بإمكانه أن يحرّك عند مت ردّة فعل تجعله يرى في هذا الرجل العدوّ المعروف، يرى فيه "الكاتب". ولكننا نكون هنا أمام إمكانيّة وحسب. فلا شيء في ولي النصّ يتيح لنا أن نفترض مثل هذا الموقف سواء كان الحديث عن ذاك المجهول أو عن يسوع والنصّ يسير في خط الكاتب المستعدّ لأن يسير وراء يسوع حيثما يذهب.
سبق لنا ولاحظنا أن كل الانتباه لا يشير إلى الإنسان بقدر ما يشير إلى مضمون الجواب الذي أورده مت 8: 20، أي الظروف المطلوبة لاتباع يسوع. في الواقع، لم يحتفظ لنا التقليد بشيء (ما عدا ما نقرأه في هذه القطعة الصغيرة). وقد نحاول أن نبرهن عمّا نجهل حين ننسب إلى مت زيادة سبّبتها السيكولوجيا أو سلوك الشخص. وبدل أن نتحدّث عن زيادة متاويّة، لماذا لا نقول بترتيب لوقاويّ، لأن الكاتب والقارىء يعتبران عبارتَي مت (كاتب، واحد من تلاميذه) غريبتين: أن يسمّى كاتب، وهو تحديداً خصم يسوع، تلميذ يسوع، فهذا أمر مستحيل. لهذا ألغاه لو بعد أن وجده في مت أو في المرجع الذي أخذ منه مت.
إذا عدنا إلى الأناجيل وفي الأخبار السابقة للآلام، يتّجه الفريسيون فيصيرون الخصوم الخصوم. وهكذا يحلّ (في مت ولو) محلّ مجموعة الرسل، الفريسيون وحدهم أو مع جماعة أخرى (قد يكونون الكتبة). وهذا ما يجعل مت ولو يأبيان أن يستعملا لفظة "كاتب" (الذي لا نجده في يو). وهكذا نفهم في أي اتجاه تطوّر التقليد. فإن كان مت قدّم هنا "كاتباً" يهودياً، فهذا يعني أنه تسلّم هذا التفصيل من تقليد سابق بل من تقليد قديم.
ولكن رغم قدم هذا التقليد، يبقى هذا الخبر القصير مختصراً حتى النقص. ولا نستطيع أن نستند إليه لنقول إن بعض تلاميذ يسوع كانوا من الكتبة: فنحن نجهل ما آل إليه طلب هذا الرجل. قد يكون قبل بأن يتبع يسوع. ولكنه ضاع في عالم وجهاء اليهود الذين عارضوا يسوع معارضة وصلت به إلى الموت.
ب- وسأله أحد الكتبة عن أولى الوصايا (مر 12: 28- 34= مت 22: 34- 40)
إن الحدث الذي يورده مر ومت يحتلّ المركز الثالث في سلسلة من أربع مجادلات جمعها مر (12: 13- 37) ومت (22: 15- 46). أما لو فنقل هذه القطعة إلى 10: 25- 28 بحيث لا تتضمّن السلسلة المشتركة عنده إلا ثلاث مجادلات: وقف عند موضوع عام، هو موضوع المجادلة، فجعل تجاه يسوع الفريسيّين (والهيرودسيين)، والصادوقيين، والكتبة. وفي القطعة الأخيرة انتقل يسوع إلى الهجوم ونجح حين تحدّث عن بنوّة يسوع الداوديّة.
تبدأ المجادلة الثالثة بسؤال طُرح على يسوع حول أعظم (أو أول) الوصايا في الشريعة. فأجاب الربّ جاعلاً على مستوى واحد محبّة الله ومحبّة القريب. حسب مر 12: 28، تأثّر "أحد الكتبة" بصوابيّة جواب المعلّم خلال الجدال السابق، فتقدّم وطرح السؤال: "ما هي أولى جميع الوصايا"؟ أورد يسوع في جوابه تث 6: 4- 5 أي وصيّة محبّة الله مع مقدمة "شماع" (إسمع يا اسرائيل). وأتبعه بنصّ لا 19: 18 ووصيّة محبّة القريب. أمّا الكاتب فـ "زايد" على هذا الكلام. لم يكتفِ بأن يستعيد الوصيتين، فأعلن أنهما أفضل من جميع المحرقات والذبائح. فنال لذلك تهاني يسوع بسبب جوابه المليء بالحكمة. "لستَ بعيداً عن ملكوت الله".
إذن، ها نحن أمام كاتب صاحب نوايا طيّبة يسأل يسوع، ويوافق على جوابه، فيعلن يسوع أن استعداداته وافية في منظار الدخول إلى ملكوت الله. وسيظهر هذا الرجل في وجه آخر في الإزائيين الآخرين (مت، لو).
في مت، هم الفريسيون الذين تقدّموا. "وواحد منهم"، عالم بالشريعة (نوميكوس) سأل يسوع "لكي يجرّبه" عن أعظم وصيّة في الناموس. أورد يسوع الوصيتين المتعلّقتين بمحبّة الله ومحبّة القريب دون ذكر "شماع"، وزاد أن بهاتين الوصيتين تتعلّق الشريعة والأنبياء. ويتوقّف الحوار فجأة. ولكن يبدو أننا أمام جدالا عدائي، لأن عالم الناموس ينتمي إلى الفريسيين وبالتالي إلى خصوم يسوع. ولكننا نلاحظ منذ الآن أن الحوار ينتهي (عكس ما كان في المجادلات الثلاث الأخرى) دون أن يكون يسوع قد انتصر على محاوره.
والمقطع الموازي في لو (10: 25- 28) يسبق حالاً مثل السامريّ الرحيم. نحن أمام عالم في الشريعة (نوميكوس)، وهدفه أيضاً أن يجرّب يسوع. غير أن سؤاله لا يشير إلى أعظم الوصايا: إنه يريد أن يعرف السبيل لكي ينال الحياة الأبديّة. ثم إن يسوع أجابه هنا بسؤال جديد: "ماذا كُتب في الشريعة؟ وماذا تقرأ"؟ فأورد العالمي في الشريعة وصيتَيْ المحبة. هنّأه يسوع على جوابه الصحيح. وزاد: "إصنع هذا فتحيا".
ما قيل لنا بوضوح في مر أن الكاتب صار تلميذاً، ولكن موقفه الموافق، وإعلان يسوع له أن جوابه مليء بالحكمة وأنه ليس ببعيد عن ملكوت الله، كل هذا يدلّ على أن الرجل يمتلك الاستعدادات الكافية. ونحن نستطيع أن نرى في نصّ مر نصاً قديماً وأصيلاً.
بعد ذلك الكاتب في مت 8: 19، ها هو كاتب آخر يرغب في امتلاك ملخص عن الشريعة من أجل سلوكه اليوميّ. هو يتقدّم بلطف من يسوع وينال منه وصيتَي المحبّة، وينال معهما تشجيعاً في النهاية: "لست بعيداً عن ملكوت الله". هل صار من أخصّاء يسوع؟ هذا ما لا يقوله النصّ. كل ما نستطيع أن نعرفه هو أن الرجل امتلك الاستعدادات الضروريّة. ولكن هل اتّخذ القرار المناسب؟
ج- كل كاتب تتلمذ لملكوت السماوات (13: 52)
بعد خطبة الأمثال (ف 13) وردت هذه المقابلة القصيرة في 13: 52: "كل كاتب تتلمذ (صار تلميذاً) لملكوت السماوات يشبه ربّ بيت يخرج من ذخائره كل جديد وقديم". نتوقّف عند المسألة الأدبيّة، عند السياق، عند البعد الجماعيّ، وعند مدلول هذا الكلام في فم يسوع.
إن مت 13 هو فصل تدوينيّ، بمعنى أننا لا نشكّ في عمل صاحب الانجيل. وإذا توقّفنا عند العناصر الأخيرة نتميّز خاتمتين لخطبة الأمثال، مع العلم أن الخاتمة الثانية جاءت وكأنها زيادة. تتكوّن الخاتمة الأولى من 13: 34- 35 بعرض يتوجّه إلى الجموع. بعد الآن سيترك يسوع هذه الجموع (آ 36) ليكرّس نفسه لتعليم تلاميذه وحدهم. وبعد شرح مثل الزؤان (آ 36- 43) تأتي أمثال الكنز واللؤلوّة والشبكة (آ 44- 50) التي لا ترتبط بتفسير مثل الزؤان، وتنضمّ إلى بعضها بواسطة الأداة "بالين" (أيضاً). إنها تقدّم فكرة جديدة عن قيمة الملكوت التي تتفوّق على الجواهر الثمينة.
وبعد هذه المجموعة المركّبة من عناصر عديدة، نجد الخاتمة الثانية (آ 51- 52). هي ترتبط ارتباطاً ثانوياً بسياق النصّ. أما ما يريد الانجيليّ أن يقوله: نحن أمام مثال عاشه هذا الكاتب بدون شكّ: هو مثال الكاتب "غراماتوس". وهكذا نستنتج أنه وُجد كتبة يهود ومثقّفون في قلب الجماعات الأولى.
نحن نعرف أن الانجيل الأول بحث في العهد القديم عن إعلانات حول مسيحانيّة يسوع، وهو موقف يقاسمه إياه لاهوت القرون المسيحيّة الأولى. وهذا المثال يرتبط بمسيح متّى وارتباطه بالشريعة. ويتيح لنا خصوصاً أن نقول بوجود معلّمين في قلب الجماعات الأولى، كانوا يحاولون قراءة الكتب المقدّسة في منظار مسيحيّ. وهذا الاستنتاج يرتكز على شهادات أخرى. فنحن نعلم من أع 6: 7 أن عدداً من الكهنة كانوا بين المرتدّين في أول أيام المسيحيّة. ومن الأكيد أن عدداً من الكهنة اليهود قد تربّوا في مدرسة الرابانيين، سواء كانوا من الاستوقراطية الكهنوتية أم الكهنة العاديين أم الخدام الأدنين كاللاويّنن والبوّابين.
ويحدّثنا سفر الأعمال أيضاً عن برنابا الذي كان لاوياً (4: 36) وانتمى في الوقت عينه إلى مجموعة الأنبياء والمعلّمين في أنطاكية مع "سمعان الملقّب بنيجر (الأسود). ولوكيوس القيريني، ومناين الذي تربّى مع هيرودس التترارخس، وشاول (أع 13: 1). لا شكّ في أن بولس كان أشهر المثقّفين اليهود الذين ارتدوا إلى الانجيل: أعلن أنه وُلد في طرسوس من أعمال كيليكية. وأعلن أنه تربّى في أورشليم عند قدمي جملائيل وتعلّم ممارسة الشريعة (أع 22: 3). وسوف نلتقي به فيما بعد حيث يعلن أنه فرّيسي (26: 5- 11).
نستطيع أن نستنتج أن مت الذي ذكر "الكاتب الذي صار تلميذاً في ملكوت السماوات"، كان صدى لاختبارات في الجماعة: ما كانوا يقرأون فقط التوراة ليروا فيها استعداداً للمسيح يسوع، بل كان بينهم معلمون من الرابانيين سوف يُغنون المسيحيّة بعلمهم الذي يضعونه في خدمة الإيمان الجديد. هكذا نفهم أن يكون الانجيليّ الأول قد أراد أن يختتم هذه الخطبة، الأمثاليّة بقول حول الكاتب التلميذ. وهكذا أراد "متّى" أن يقدّم نفسه بشكل خفر وخفيّ في نهاية مجموعة عملَ على تكوينها بدقّة وعناية.
وهكذا نصل في نهاية بحثنا في النصوص الكتابيّة إلى القول بأن "كتبةَ" يهوداً سمعوا يسوع بانتباه وتعاطف، وتوجّهوا إليه كقائد دينيّ فريد، وطلبوا أن يكونوا من أخصّائه، ونالوا نعمة الانتماء إلى مجموعة تلاميذه.

خاتمة
قرأنا هذا النصّ عن شروط اتباع يسوع، وتوقّفنا بشكل خاص عند بعض الكتبة اليهود الذين تبعوا يسوع وسيكون لهم الشرف، شأنهم شأن بولس الرسول، أن يكونوا من تلاميذه الأخصّاء.
في بداية الشعبة السابقة (4: 18- 22)، بدا المدعوّون وكأنهم يتبعون يسوع بكل طواعيّة وحريّة. أما هنا فنجد شخصاً أحسّ بالصعوبة أمام "النداء الثاني"، النداء الذي فيه نتّخذ قرارنا الأخير.
دمجت آ 18 حاشيتين لمرقس (4: 1، 35) فخلقت الإطار. انفصل يسوع عن الجمع وأمر تلاميذه بأن ينتقلوا إلى العبر، إلى الجهة المقابلة من البحيرة، أن ينتقلوا إلى الوثنيين في منطقة المدن العشر. وجاء الحوار (آ 19- 22) متردداً.
انطلق "المرشّح" الأول باتجاه يسوع، ولكنه لجم اندفاعه بسرعة. وتردّد الثاني فدفعه يسوع لكي يخطو الخطوة الحاسمة. كان الأول "كاتباً" من الكتبة اليهود، فوجد في يسوع "معلّماً" أين منه الرابانيون الذين التقاهم في حياته. فهذا "الكاتب" الذي هو المفسّر الرسميّ للتوراة قد اكتشف ولا شكّ في يسوع مفتاح الكتب المقدّسة: ولكن عليه أن ينتبه: فاتّباع يسوع بهذا الشكل قد يجعل هذا الكاتب يتحسّر على مركزه في المجمع.
وتوجّه "المرشّح" الثاني إلى يسوع كما إلى "الرب"، وأفهمه أنه لا يستطيع أن ينطلق معه الآن بسبب الواجبات العائلية المرتبطة بالوصيّة الرابعة: أكرم أباك وأمك... ولكن جاءه الجواب: نبدأ باتباع يسوع والباقي يأتي في وقته. نطلب أولاً ملكوت الله وبرّه (أيّ العيش بحسب مشيئة الله)، والباقي يزاد لنا. لماذا كل هذه الحسابات مع يسوع؟
تردّد الكاتب وقد يكون يملك المال مثل الشاب الغني. وتردّد التلميذ المتجلبب بالحداد على فقْد والده. ماذا كان جوابهما؟ هل أبحرا في السفينة مع سائر التلاميذ، هل دخلا إلى "الكنيسة" (السفينة ترمز إلى الكنيسة ويسوع هو فيها)؟ هنا يبقى السؤال مطروحاً في مت. وكل واحد منّا يقدّم له جواباً رغم الصعاب التي يعيش فيها. أما لو 9: 60 فيقول لكل واحد منا: "أما أنت فامضِ وبشّر بملكوت الله". لقد بدأ يسوع رسالته في الملكوت، فيبقى علينا أن نقطع كل ما يربطنا بذواتنا وعائلاتنا وممتلكاتنا لنتبع الربّ بثقة في الأحداث التي سيواجهها.
   

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM