الفصل الحادي عشر :تحريض على السهر

الفصل الحادي عشر

تحريض على السهر
24: 37-44

بما أنكم تجهلون ذلك اليوم، فاسهروا. ذاك هو معنى النصّ الذي يحثُّنا فيه يسوع على السهر. وهو نصّ أخذ من آخر خطبة من خطب يسوع التي نقرأها في انجيل متّى. فبعد عظة الجبل (ف5-7) والحديث عن برّ الملكوت، وبعد العظة الرسوليّة (ف 10) التي فيها يعلن يسوع الملكوت ويرسل الاثني عشر. وبعد خطبة الأمثال (ف 13) التي تفتحنا على سرّ الملكوت. وبعد الخطبة الكنسيّة (ف 18) الي تعلّمنا كيف يعيش أبناء الملكوت، نصل في ف 24-25 إلى ظهور الملكوت كما سينكشف عبر أحداث خارقة وأزمة كونيّة تربطنا بنهاية العالم. وقدّم النصّ الذي نقرأ تعليمًا عمليًا حول هذا الوحي الذي أعلنه يسوع قبل ذهابه إلى الموت الذي هو بداية النهاية.

1 - الخطبة الاسكاتولوجيّة (24-25)
إذا أردنا أن نبحث عن سياق تاريخيّ لهذه المجموعة المبنيّة بناء محكمًا (ف 24-25)، نتذكّر على مستوى التاريخ حياة يسوع العلنيّة كما صوّرها مت، ونتذكّر بشكل خاصّ أن الصراع بين يسوع ورؤساء الشعب أخذ يزداد خطرًا بشكل تدريجيّ حتى ف 23 وسلسلة الويلات التي أصابت الكتبة والفريسيين. وقد رأى الانجيليّ الأول رباطًا بين رذل الرؤساء ليسوع (حكموا عليه. صلبوه) والكارثة الكبرى التي تعلن عن نفسها منذ الآن والتي ستتحقّق يوم دمار أورشليم سنة 70 ب م.
أما على مستوى تاريخ الجماعة المسيحيّة التي إليها يتوجّه الانجيل، فأجوبة يسوع على أسئلة التلاميذ تتيح لنا أن نستشفّ جماعة تجتاحها حمّى جليانيّة (تظلم الشمس، يحبس القمر ضوءه، 24: 29). هي تنتظر نهاية قريبة ومجيء يسوع القريب، بينما يبدو الثباتُ جوهرَ تعليم يسوع. أو نرى جماعة بدأ بعض أعضائها ينامون بعد أن نسوا أهميّة السهر. هذا ما نكتشفه في التعليم الامثاليّ.

أ - فصل رؤيويّ في الأناجيل الازائيّة (24: 1-36)
إن هذا النصّ المتّاويّ (24: 1-36) يتبع مر 13: 1-32 عن قرب، ويبرز في الوقت عينه أقوالاً تحريضيّة. أعاد مت صياغة مر ولوّن بعض الأمور، فأعطى التقليد وجهًا جديدًا هو أبعد مما يكون عن مجموعة من الأقوال المتفرّقة. أما المواضيع الجليانيّة التي تتوزّع هذه المتتالية (آ 1-36) فلا تتيح لنا أن نميّز بين ما ألّفه الانجيليّ، وبين ما أخذه من مراجع تعود بنا إلى يسوع نفسه. نحن أمام نصّ رؤيوي تتداخل فيه التقاليد اليهوديّة والمسيحيّة تداخلاً وثيقًا. ولن نحاول أن ((نحكم)) على أقوال وردت في فم يسوع بالنظر إلى التاريخ اللاحق (ولا سيّما دمار أورشلبم والهيكل)، فنعتبرها تنبؤأ صحيحًا أو معقولاً.
ثم إننا لا نستطيع أن نميّز في هذا النصّ ما يدلّ على دمار هيكل أورشليم وما يدلّ على نهاية العالم. ففي هذه اللوحة الواسعة، يهتمّ مت أول ما يهتمّ بنهاية العالم. أما سقوط أورشليم الذي هو حدث من الماضي وقد سبق تدوينَ انجيل متّى، فهو يُصوَّر بشكل علامة تسبق تقلّبات نهاية الزمن وتحاول أن توضحها.

ب - التعليم الامثاليّ (24: 37-25: 46)
إن ما يتميّز به متّى في هذا القسم من انجيله هو أنه توسّع كعادته بشكل كبير جدًا، في التطبيقات الارشاديّة (ماذا يجب أن يعمل المؤمن). فالآيات القليلة التي يحضّ فيها مرقس المؤمنين على السهر (13: 33-37؛ ق لو 21: 34-36)، قد توسّع فيها مت بسلسلة أمثال تكوّن القسم الثاني من الخطبة الاسكاتولوجيّة (ف 24-25)، وتشكّل تعليمًا يبدو في شكله مبنيًا بناء محكمًا. لا شكّ في أننا نجد هنا ميل مت إلى الناحية الأخلاقيّة. ولكننا نكتشف أيضًا إحدى الاهتمامات المستمرّة في الفقاهة المسيحيّة: فعلى المسيحي الذي يعيش انتظار مجيء يسوع أن يكون موقفُه موقفَ السهر، أن يبقى أمينًا للمهمّة التي كلّف بها.
أما تصميم هذا الجزء الثاني من الخطبة الاسكاتولوجيّة، فيبدو كما يلي:
- 24: 37-44: لا يعرف المؤمن متى يعود الرب: لذلك عليه أن يسهر.
- 24: 45-51: مثل الوكيل الذي أقامه سيّده على أهل بيته: كيف يتصرّف الآن بعد أن تأخّر السيّد.
- 25: 1-13: مثل العذارى العشر: ماذا فعلت الجاهلات بعد أن تأخّر العريس؟
- 25: 14-30: مثل الوزنات: المهمّة الملقاة على الخدم، وعودة السيّد بعد غياب طويل.
- 25: 31-46: الدينونة الأخيرة: لسنا فقط أمام مثل من الأمثال، بل أمام لوحة رهيبة ترينا ابن الانسان في وظيفته كديّان. تلك هي ذروة هذين الفصلين وخاتمتهما.
إن الفن الأدبيّ الامثالي الذي عرفه العالم اليهوديّ، قد استُعمل في الأدب الجليانيّ، في أمثال الملكوت، في أقوال قدّمت معناها في مثل. مثلاً في سفر أخنوخ وفي سفر عزرا الرابع يُعطى مثل ويأتي ملاك فيفسّر معناه. وكذا فعل يسوع. قدّم مثل الزارع ثم فسّره. قدّم مثل الزؤان ثم طبّقه على وضع الكنيسة في هذا العالم حيث تتجاور الحنطة والزؤان.
لقد دلّ النقد الأدبيّ على أن الأمثال الني نقلتها إلينا الأناجيل، تتمتّع بأساس تاريخيّ متين جدًا. هي تعود إلى يسوع، هذا ما لا شكّ فيه، وإن أعادت الكنيسة التأمّل فيها، وحاول كل انجيليّ أن يعبّر عنها بطريقته. وقد يكون يسوع استقى الخبر أو بعض صور الخبر، ولكن المعنى سيكون جديدًا كل الجدّة. فالبرّ الذي تنادي به الشريعة والعالم اليهوديّ يختلف كل الاختلاف عن البرّ الذي ينادي به يسوع. لقد استعمل يسوع صورًا تنطبع في الذاكرة، فابتعد عن الأفكار المجرّدة. وحمل التقليدُ هذه الأخبار الامثاليّة فجعلنا في حضور يسوع لنسمع التعليم من فمه.

2 - لا تعلمون اليوم ولا الساعة (24: 36)
((أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلمهما أحد، ولا ملائكة السماوات ولا الابن إلاّ الآب وحده)). إن آ 36 هذه تُعتبر خاتمة ((الرؤيا الازائيّة)). أو بالأحرى جوابًا على سؤال طُرح في 24: 3: ((قل لنا متى يكون هذا، وما تكون علامة مجيئك ومنتهى العالم))؟ فما نقرأ في آ 14 (عندئذ يأتي المنتهى) ليس جوابًا على سؤال آ 3، بل حجر انتظار يشير إلى العلامات. هذه العلامات تدلّ على أن النهاية قريبة. على أنها هنا. غير أن آ 14 لا تتيح لنا أن نقول منذ الآن متى تحصل هذه الأحداث.
حين نقرأ آ 36 هذه، نلاحظ بادئ ذي بدء وسط الفئات المختلفة التي تستطيع أن تعرف، المكانة المميّزة لابن الانسان. هو فوق الملائكة. وحالاً بعد الآب. فلفظة ((الابن)) التي تُستعمل هنا بشكل مطلق (لا يقال مثلاً: ابن الله، ابن الانسان، ابن داود) ترد مرارًا في الانجيل الرابع. أما في الأناجيل الازائيّة فلا نجدها إلاّ هنا (رج مر 13: 52) وفي مت 11: 27 (رج لو 10: 22): ((لقد دفع إليَّ أبي كل شيء. وليس أحد يعرف الابن إلاّ الآب، ولا أحد يعرف الآب إلاّ الابن ومن يريد الابن أن يكشف له)). إذا كان الشّراح قد شدّدوا على المناخ اليوحناويّ في استعمال لفظة ((الابن)) بشكل مطلق، فلا ينتج عن هذا أن مثل هذه الآيات هي ((نيازك)) سقطت من سماء يوحنا على أرض الأناجيل الازائيّة (كما قال بعض الشّراح). هناك اتفاق لا شكّ فيه على القول بأن الاستعمال المطلق للفظة ((ابن)) للدلالة على المسيح، قد لا ينتمي بشكل مباشر إلى لغة يسوع. فالكنيسة اكتشفت ذلك. بعبارة أخرى، لم يقل يسوع في الأناجيل الازائيّة: أنا الابن. ولكن تصرّفه جعل الكنيسة تكتشف هذه الحقيقة. والعبارة التي أوردناها في 11: 27 تبقى قديمة جدًا، وقد تكون أحد الأناشيد الليتورجيّة التي تبدو بشكل فعل إيمان تتلوه الكنيسة في إحدى حفلاتها.
أما التأكيد الذي قرأناه في فم يسوع (آ 36) فلا يمكن أن يفسَّر خارج سياقه، الذي فيه نجد تعارضًا يبدو كبيرًا مع آ 34: ((الحقّ أقول لكم: إن هذا الجيل لا يزول إلى أن يتمّ هذا كلّه)). لا نستطيع أن نتهرّب من المشكلة التي تطرحها العلاقات بين آ 34و آ 36 ببراهين خفيفة. مثلاً، من أجل هذا الجيل، ولكن لا نعرف ((الوقت)) بالضبط داخل هذه الحقبة المحدّدة. أو: إن آ 34 تتعلّق بدمار أورشليم. أما آ 36 فتشير إلى نهاية العالم. نترك هذين التفسيرين، ونلاحظ أن المنظارين (دمار أورشليم ونهاية العالم) متداخلان في الرؤيا الإزائيّة (أي لا نستطيع أن نستخلص خبرين مستقلين). ثم إن متّى وضع آ 34 و36 في إطار مجيء ابن الانسان (آ 30-31، 37-44). وهناك من اعتبر أن ((الجيل)) يدلّ على ((الشعب))، يدلّ هنا على الشعب اليهوديّ الذي لم يؤمن. عند ذاك يأخذ قول يسوع معنى معارضًا كل المعارضة لما يريد أن يقوله يسوع: يدلّ على أن شعب اسرائيل سيدوم حتى نهاية الأزمنة!
ولا يمكن أن نلغي إحدى هاتين الآيتين. فإن آ 34 ترد في أكثر من موضع في التقليد الازائي (رج مت 10: 23؛ 16: 28وز). ولا نستطيع أن نقول إن الجماعة المسيحيّة الأولى قد ((اخترعت)) آ 36، حين رأت أن ما قيل في آ 34 لم يتحقّق، فأرادت أن ((تصحّح)) الانجيل فيما بعد! كيف نتخيّل مسيحيين يضعون في فم يسوع اعلانًا يدلّ على حدود معرفته، ويحطّم الوحدة القائمة بين الآب والابن حول مسألة لا يمكن أن تكون ثانويّة؟ هناك من استشفّ الصعوبة في ذلك الوقت. فلوقا مثلاً لم يورد هذا القول حول جهل الابن كما وجده في مرقس. وهناك مخطوطات ألغت لفظة ((الابن)) من النصّ فقالت: ((ولا الملائكة، إلاّ الآب وحده)). هذه التردّدات تدلّ على أن آ 36 خلقت مشكلة للكنيسة الأولى. والمعروف أن الانسان لا يخلق مشكلة جديدة ليحلّ مشكلة قديمة. إذن، آ 36 هي بلا شكّ جزء من التقليد القديم الذي يعود إلى المسيح، ولا نستطيع أن نلغيها وكأنها لم توجد.
هنا نتذكّر أمرين اثنين.
الأول: في ذلك الوقت عاشت الأوساط اليهوديّة في انتظار النهاية،وهو انتظار وجد عنه تعبيرًا أدبيًا في أسفار الرؤى. فقد اعتقد كلُّ جيل أنه الجيل الأخير، وأن النهاية ستكون في أيامه (تلك هي الحالة اليوم مع الشيع التي تدّعي أنها مسيحيّة وليست بمسيحيّة). وقد تحدّثت كتب قمران عن انتظار للدينونة يتمّ بعد 40 سنة، أي بعد ((جيل)). ((بعد أربعين سنة يزول الكافرون ولا نعود نجد على الأرض كافرًا واحدًا)) (تفسير مز 37: 2: 7-8). ولم يشذّ يسوع عن هذه القاعدة، فأكّد حقًا أن النهاية قريبة. وهذا ما نكتشفه في عدد من أمثاله. في هذا المعنى نقرأ آ 34 (لا يزول هذا الجيل إلى أن يتمّ هذا كله): نحن أمام مهلة قصيرة جدًا.
الثاني: إن تحديد تاريخ النهاية هو في نظر العهد الجديد وفي نظر العالم الجليانيّ، امتياز من امتيازات الله. ((قال الله لحبقوق بأن يكتب ما سيحصل في الجيل الأخير، ولكنه لم يعرّفه بنهاية الزمن... إن كل أزمنة الله تأتي في أوانها. بحسب ما قرّر بشأنها في أسرار حكمته... ويكون الزمن الأخير طويلاً ويتجاوز كل ما قاله الأنبياء: ((لأن أسرار الله عجيبة)) (تفسير حبقوق 7: 1-8).
ذاك كان التفسير الاسياني. وجاء كلام عزرا الرابع صدى لهذا الكلام. يقول الرائي للملاك: ((ها قد عرّفتني يا ربّ عددًا كبيرًا من الآيات التي ستحدث في نهاية الأزمنة، ولكنك لم تعلمني في أي وقت تحدث)) (8: 63). فلا أحد يعرف هذا إلاّ الله. وليس لأحد سلطان بأن يتكلّم باسمه (رج أع 1: 7). وموقف يسوع في هذا المجال لم يتميّز عن موقف معاصريه.
إذن، بدا التقليد الانجيليّ وكأنه أورد بشكل دقيق جدًا إعلاني يسوع في المعنى والمبنى حتى ولو صدما قارئي الانجيل. والبرهان على ذلك هو أن ما قاله يسوع وإن بدا متناقضًا في نظرنا لم يكن حاجزًا أمام الجيل الرسولي والتقليد المسيحيّ الأول، لا يمكن تجاوزه.
فإن استطاعوا أن يتجاوزوه، فلأن يسوع نفسه قد أكدّ أن الملكوت هو هنا. هو حاضر في شخصه. وأعلن أيضًا بذات القوّة أن الملكوت سوف يأتي. وقال التقليد الاولاني بعد قيامة المسيح، القول عينه، متأملاً في كلام يسوع: كل شيء قد تنفّذ في شخص يسوع وفي عمله، ولكن كل شيء لم ينته بعد. ومسألة المهلة القائمة بين الحاضر والنهاية والتي تعتبر قريبة، صارت أمرًا ثانويًا. فحياة يسوع وموته وقيامته هي في العهد الجديد الأحداث الرئيسيّة في التاريخ وتتمّة الانتظار. بعد ذلك، صار الزمان مختلفًا عمّا كان. وإن كان هناك من انتظار جديد، فهو ذاك الذي يرتكز على التاريخ الماضي لكي يرجو النصر النهائيّ بحماس واندفاع. وإن لم يكن الأمر هكذا، فهذا يعني أن إيمان التلاميذ قد غرق في البحر. وما كان باستطاعة بولس أن يعظ ويقول: ((نعلن لكم بناء على قول الرب أننا نحن الأحياء... نكون مع الرب على الدوام)) (1تس 4: 15ي؛ رج 2كور 15: 1-8؛ غل 1: 23). وما كنا نستطيع أن نكون مسيحيّين على عتبة الألف الثالث ب م.
إذن، يجب أن نقرّ أن يسوع والمسيحيين الأولين تكلّموا عن المهلة في لغة الأنبياء، ((فأخطأوا)) في حساباتهم. ولكن هذا الخطأ لا يهمّ، والله ليس عبدًا لنظريّاتنا وتوقّعاتنا. عرف يسوع أنه يعيش في ((الزمن الأخير))، ولكنه ما أراد أن يعلن المستقبل باسم الله، بل احتفظ للآب بالمعرفة والقرار. لهذا، اهتمت الرؤيا الازائيّة بأن تتوقّف عند هذا القول من أقوال يسوع مهما كان صعبًا، ومهما اجتذب النظريات المتشعّبة.

3 - كما في أيام نوح (24: 37-41)

أ - مقابلة إزائيّة
كان مت قد تبع مر حتى الآن بشكل أمين في الرؤيا الازائية. أما الآن فتركه، وتبع مرجعًا مشتركًا مع لو 17: 26-35 نسمّيه ((المعين)) (كويلي في الالمانية). غير أن لو وضع أقوال يسوع في سياق آخر. أدرجها في القاطعة الكبرى الخاصة به (9: 51-18: 14)، في الصعود إلى أورشليم، حيث جمع معلومات مختلفة أراد أن يحتفظ بها. وقد ضمّ بشكل خاص في ف 17 مقاطع نقلها التقليد الشفهيّ دون أن يجعلها في إطار محدّد. في 17: 20-36، أورد لوقا عددًا من هذه الأقوال المتعلّقة بمجيء الملكوت، ورتّبها في خطّ إنجيله. أما مت فجمع في هذه الخطبة الخامسة (ف 24-25) كل ما يتعلّق بظهور الملكوت.
جاء نصّ مت موسّعًا أكثر من نصّ لو. فإن آ 26-27، 34-35 (من لو) وحدها توازي حقًا مت 24: 37-41. لقد أعطانا لو نسخة طويلة فوضع مع مثل نوح والطوفان مثل لوط ومطر النار (17: 28-29). أما بالنسبة إلى الآيات الموازية، فنلاحظ كالعادة إيجازات عند لو بعد أن أغفل العبارة: ((ولم يعلموا)) التي نقرأها في مت 24: 39 وهي تشدّد على مرمى المقابلة.

ب - مجيء ابن الانسان (آ 37-39)
حتى الآن، شدّدت الرؤيا الازائيّة على واقع يقول إن مجيء ابن الانسان أكيد، وأنه بشكل خاص سيكون ظاهرًا. ورغم المسحاء الكذبة والأنبياء الكذبة (آ 24-26) الذين يجب أن يحذرهم المؤمنون، لا سبيل إلى الخطأ: ((فكما أن البرق ينبثق من المشرق ويلمع حتى المغرب، كذلك يكون مجيء ابن الانسان)) (آ 27). وسار مثَل التينة في الخط عينه (آ 32-34): فالبلبلة السابقة لا تفيد شيئًا. لأن علامات سابقة تنبّهم، تنذرهم.
مع آ 37-41 ننتقل إلى فكرة أخرى ليست امتدادًا للسابقة. إذا بدا أن مجيء ابن الانسان سيكون ظاهرًا بوضوح للجميع، فسيكون أيضًا مفاجئًا لا يتوقّعه أحد. والمقابلة مع حدث الطوفان في أيام نوح تبرّر خطر الوضع في ذلك الوقت.
سبق وقلنا إنه يصعب علينا أن نميّز في النصوص ما يتعلّق بدمار أورشليم وما يتعلّق بأحداث النهاية. ففي هذه الآيات كما في غيرها نخطئ إن رأينا فقط صورة تذكّرنا بأنه يوم سقوط أورشليم سيفلت البعض القليل من الكارثة الوطنيّة وسيموت العدد الكبير. إن مجيء ابن الانسان هو حدث أوسع بكثير من هذا الحدث التاريخيّ. فطابعه مسكونيّ وسيدلّ على الدينونة.
إذ أراد متّى أن يتكلّم عن هذا الحدث، تفرّد بين الانجيليين فاستعمل لفظة ((باروسيا)) (24: 3، 27، 37، 39، مجيء). في الأصل تدلّ هذه الكلمة على المجيء، الحضور. وقد استُعملت في العالم الهلنستيّ لتدلّ على وصول الملك إلى مدينة، على دخوله الاحتفالي إليها وزيارته الرسميّة لها. وفي المسيحيّة الأولى، استُعملت الكلمة باكرًا لتتحدّث عن عودة المسيح المنتصر في نهاية الأزمنة (1تس 2: 19؛ 4: 15؛ 2تس 2: 1، 8، 9؛ 1كور 15: 23). في ذلك اليوم يجب أن يكون المؤمن بلا لوم (1تس 3: 16؛ 6: 23)، لأن فكرة الدينونة ارتبطت سريعًا بفكرة المجيء. وهذا ما يدلّ عليه النصّ الذي ندرس.
اكتفى يسوع مرارًا بأن يستعمل في أمثاله استعارات مأخوذة من العهد القديم يفهمها سامعوه بسهولة (الكرمة كصورة عن اسرائيل. الأب، القاضي أو الديّان، ربّ البيت كصورة عن الله. الحصاد كصورة عن الدينونة...). أما هنا فخلق يسوع استعارة جديدة وأعطاها معنى جديدًا. لا شكّ في أن أش 54: 9 قد تحدّث عن أيام نوح وكذلك نصوص يهوديّة عديدة شدّدت على الدمار الذي يحلّ بالأرض والشعب. أما يسوع فشدّد على خطيئة جيل نوح وشرّه.
شبّه يسوع مجيء ابن الانسان في النهاية بطوفان جديد. واختيار الكلمة يدلّ بما فيه الكفاية على ما تعبّر عنه: ستكون النهاية كارثة مفاجئة لا يستطيع أحد أن يعمل حيالها شيئًا. لسنا هنا أمام تعارض مع ما سبق حيث تأتي قبل الحدث علاماتٌ سابقة تتيح لنا أن نرى ونعلم. بل نحن في منظار آخر مع هذه الآيات: موقف البشر. لم يكن معاصرو نوح يعلمون، بل كانوا يعيشون حياتهم العادية، يأكلون ويشربون ويتزوّجون. غير أن في هذا الجهل خطرًا كبيرًا: ماتوا لأنهم لم يعلموا، لأنهم لم يتميّزوا علامة واحدة من العلامات. هكذا يكون الحال في اليوم الأخير. تكون الكارثة مسلطة فوق رأس العالم وتفاجئ الناس بين الحين والآخر: فعلينا الآن أن نفتح عيوننا.
نجد هنا وجهة من وجهتين تميّزت بهما كرازة يسوع: من جهة، اعلان الخلاص. ومن جهة ثانية اعلان دمار قريب يدلّ على خطورة الساعة الحاضرة. والنداء إلى التوبة واعلان الانجيل هما التنبيهان الأخيران اللذان يرسلهما الله إلى شعبه. إن كلمات يسوع التي يجب أن نفهمها في هذا المعنى هي عديدة. هي تتوجّه إلى رؤساء الشعب (مر 12: 1-11). إلى الفرّيسيين (يو 9: 40). إلى سكّان أورشليم (مت 23: 37). أو إلى الشعب بشكل عام (لو 13: 6-9). يجب على الجيل الحاضر أن يعي أخيرًا أنها الساعة الأخيرة. أنه يجب عليه أن يقرّر. فمثَل لعازر والغنيّ لم يتوخّ في الأصل أن يعطي درسًا في الغنى والفقر. بل أراد أن يجتذب الانتباه بشكل خاص إلى الغنيّ وإخوته الخمسة. واحد تنعّم بالحياة بشكل أنانيّ، والآخرون ظلوا يعملون كما من قبل دون أن يسمعوا التنبيه. كفرُهم عظيم بحيث إن معجزة القيامة لا تستطيع أن تنيرهم. إنهم من هؤلاء الذين لا يعلمون، على مثال جيل الطوفان.

ج - دينونة سريعة (آ 40-41)
لن يكون للناس وقت يستعدّون فيه للدينونة بل هم يُعدمون الوسائل. حيث لا يستطيع البشر أن يجدوا فرقًا، هناك يكون الفرز العظيم. في ذلك الوقت تُميّز العذارى الحكيمات من العذارى الجاهلات، يُميّز العبد الأمين من العبد الشرّير (25: 1-30). وإذ أرادت هاتان الآيتان أن تعبّرا عن هذه الفكرة، لجأتا إلى صور مأخوذة من الحياة اليوميّة: رجلان في الحقل. امرأتان أمام الرحى. في نص لوقا الموازي (17: 34-35)، قدّم الانجيلي صورة أخرى: رجلان في سرير واحد.
نحن هنا بلا شكّ أمام مجموعة أمثلة تشكّل أقوالاً شعبيّة يوردها يسوع أمام تلاميذه. ففي نصّ يهوديّ حُفظ في اللغة القبطيّة، هو رؤيا صفنيا (1: 8-16)، نجد ثلاث رؤى لا تُشرح وكأن القارئ يفهم مثل هذه الصور. وهي تقابل بشكل غريب ما نقرأ في مت ولو. ((حينئذ رأيت رجلين يسيران معًا في طريق واحد. رأيتهما يتحادثان. ورأيت أيضًا امرأتين تطحنان بالرحى وأنا رأيتهما تتحادثان. ورأيت شخصين في فراش وهما يرتاحان)). هذا التكرار المثلّث العزيز على قلب الرابينيين، يجعلنا نفكّر بقول مأثور عادت إليه الأناجيل وهذه الرؤيا اليهوديّة.
مهما يكن من أمر، فهذه الأمثلة الشعبيّة هي واضحة. يكون الواحد مع الآخر في العمل. يقومان بالمهمّة عينها (أو يستفيدان من الفراش الواحد من أجل الراحة كما في لو). لا شيء يميّزهما. ومشهد المرأتين اللتين تطحنان معًا على الرحى صورة معبّرة لم نعد نراها بعد أن حلّت الآلة محلَّ هذين الحجرين الكبيرين المستديرين اللذين يُوضع الحبّ بينهما. يحتاج مثل هذا الطحن إلى امرأتين تعملان معًا في تنسيق تام. شدّد لوقا على هذا العمل المشترك فقال: ((امرأتان تطحنان معًا)) (17: 35). نراهما تعملان فلا نجد فرقًا بينهما. ومع ذلك ((تُوخذ الواحدة وتُترك الأخرى)).
إن خطًا يمرّ في تلك الساعة بين هؤلاء الناس المتشابهين ظاهريًا. عند ذاك فقط نرى التعارض الرهيب بين واحد وآخر: واحد ينجو وآخر يهلك. ما كنا نعلم أن واحدًا كان في النور وآخر في الظلمة. والوقت يدهمنا بحيث لا نستطيع أن نستعدّ، أن نتوب، أن يتدخّل أحد من أجلنا. لا نستطيع العودة إلى الوراء وتبديل الأمور. لقد تأثّر العالم الجليانيّ اليهوديّ بهذه الشريعة القاسية فقال لنا في سفر عزرا الرابع:
((قلت: إذا كنت وجدت حظوة في عينيك، فبيّن أيضًا لعبدك إن كان الأبرار يقدرون في يوم الدينونة أن يعذروا الأشرار أو يصلّوا إلى العليّ من أجلهم. إن كان يقدر الوالدان من أجل أولادهم، والأولاد من أجل والديهم، الإخوة من أجل إخوتهم، والمتصاهرون من أجل أقاربهم، والأصدقاء من أجل أصدقائهم الأعزّاء. فأجابني: بما أنك وجدت حظوة في عينيّ، سأبيّن لك هذا أيضًا. يوم الدينونة هو يوم حاسم يدلّ الجميع على ختم الحقيقة. فكما أن الأب لا يرسل الآن ابنه، ولا الابن أباه، ولا السيّد عبده، ولا الصديق صديقه العزيز إلى المرض والنوم والأكل والشفاء، هكذا لا يستطيع أحد أن يشفع من أجل آخر أو يعطيه حمله. ففي ذلك اليوم، يحمل كل واحد أعماله البارة والآثمة)) (7: 102-105).
وإذ تذكّر الرائي أشخاصًا من العهد القديم تشفّعوا من أجل الآخرين (ابراهيم، يشوع، صموئيل، داود...)، أجابه الملاك: ((العالم الحاضر ليس النهاية، وفيه لا يقيم المجد الالهي بشكل متواصل: لهذا صلّى الأقوياء من أجل الضعفاء. أما يوم الدينونة فيكون نهاية هذا الزمن وبداية الزمن الأبديّ)) (7: 112-113).
وفي وقت مجيء ابن الانسان، ستكون الدينونة مباشرة، سريعة. وبعد أن تكون مرت المهلات الأخيرة دون أن نستفيد منها، يُستنفد صبر السيّد ولن يعود من دواء للوضع الذي نكون فيه. فالذين يقرعون باب قاعة العرس يسمعون الجواب التالي: ((لا أعرفكن)) (مت 25: 12؛ لو 13: 27).

4 - كونوا ساهرين (24: 42-44)

أ - موضوع السهر
تجاه النهاية التي هي قريبة، التي تفاجئ الناس كما الطوفان، يجب على المؤمن أن يعيش دومًا حالة السهر. لا تقول لنا آ 42 و44 بما يقوم هذا السهر. فبما أن التلاميذ قد بُهتوا، فعليهم أن يكونوا مستعدّين. أن يكونوا ساهرين: ((اسهروا)). إن صيغة الأمر هذه (رج مر 13: 33، 35، 37) تختتم المقابلة مع الطوفان وتبدأ في الوقت عينه توسّعًا جديدًا. فموضوع السهر الناشط يعود ويستنير بأمثال تدلّ على النتائج العمليّة لانتظار عودة المسيح. فالسهر لا ينحصر في حالة نفسيّة غامضة أو في موقف سلبيّ (لا ننام، لا نفعل شيئًا. نكتف أيدينا وننتظر كما يجلس أنسان قرب مريض). وليس السهر انتظارًا محمومًا يجعل صاحبه يضيع في أعمال متضاربة. السهر هو الأمانة لمهمّة تسلمناها (مثل الوكيل أو قيّم البيت، آ 45ي). هو الاستعداد لعودة الرب يرافقنا الزيت مثل العذارى الحكيمات. هو القيام بمسؤولياتنا بأمانة كما في مثل الوزنات. هو واجب يدعونا لكي نساعد إخوتنا الصغار في المسيح كما في مثل الدينونة الأخيرة (25: 31، 46). ونحن عالمون أن ما نعمله من أجل إخوتنا إنما نعمله للمسيح (آ 40).
هذا الموضوع الفقاهي الذي شدّد عليه مت، موضوع السهر، ليس من استنباط الجماعة التي رأت أن الرب يتأخّر (كما ظنّ البعض). فإذا كانت الكنيسة توقّفت طويلاً عند هذا الموضوع، وهذا ما تدلّ عليه الرسائل البولسيّة، فلأنها فهمت دورها في جمع التقليد الشفهيّ والخطيّ الذي يعود إلى المسيح، ولأنها رأت أن هذا يتجذّر تجذّرًا عميقًا في كرازة يسوع.

ب - مثل السارق
معنى هذا الخبر الصغير واضح (آ 43). ولكن تبقى مسألة تطبيقه في الأصل. فالزيارات الليليّة مخيفة في عالم الشرق القديم. وقد درست الشريعة وضع السارق الذي يقتله صاحب البيت في الليل (خر 22: 2). لهذا، بدلاً من أن نبحث عن أصل موضوع السارق هذا في تلميحات توراتيّة غامضة (إر 49: 4؛ أي 24: 14)، نفكّر بالأحرى (وهذا ما تدعونا إليه الأفعالُ في صيغة الماضي: لو سهر، لما ترك بيته يسرق) بسرقة عُرفت في أحدى المدن وتناقلها الناس. قد يكون يسوع استعمل هذا الحدث لينبّه مرة أخرى سامعيه إلى الأزمة التي تقترب: كونوا على حذر لئلاّ يفاجئكم الحدث كما فاجأ ذلك الرجل. هو ما كان باستطاعته أن يتوقّع. أما أنتم فلا يحقّ لكم أن تقولوا: يا ليتنا عرفنا. فإذا كنتم تجهلون الساعة، فأنتم تعلمون أن الكارثة آتية وقد نبّهتكم. وهكذا يكون المعنى الأصليّ لهذا المثل هو معنى مثل نوح أو مثل سدوم (لو 17: 28-32). رأى يسوع وصول الأزمة الأخيرة التي قد بدأت في أعماله. وأعلن أن الملكوت حاضر منذ الآن وهو يظهر في معجزات يسوع (مت 12: 28). فمنذ الآن تُمارس الدينونة سواء قبلنا المسيح أو رفضناه (يو 3: 18، 16). غير أن الناس الذين يحيطون به يعيشون وكأن ليس من مشكلة. مثل هذا الرجل الذي سُرق بيته. مثل معاصري نوح. رغب يسوع أن يُخرج الناس من نومهم الثقيل: الزمان قريب وإن لم يكن متوقّعًا. فاستعدوا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة.
إذن، توجّه يسوع إلى الجمع. ولكن مت ولو بيّنا أن الكنيسة الأولى اعتبرت أن هذا المثل توجّه إلى المسيحيين أولاً. وهذا ما نفهمه عندما نعلم أن مجيء ابن الانسان يدلّ على الدينونة المباشرة. بل يذهب لوقا إلى القول بأن هذا المثل لا يعني إلاّ الرسل، إلاّ رؤساء الجماعة (لو 12: 22، 41). والمثل الذي يلي (لو 12: 42-46)، يبرهن على أن مثل السارق صار تحريضًا يلحّ علينا بأن لا ننام رغم تأخّر عودة المعلّم.
هذا الواقع، يفسّر سمة قد تحيّرنا: المقابلة بين مجيء السارق ومجيء ابن الانسان. فمرمى الخبر لا يدلّ على هذه المقابلة، بل على الطابع غير المتوقّع للحدث. لقد حصل شيء ما كنّا ننتظره. إذن، يجب أن ننتظر وإن جهلنا الزمن. كما يجب أن نلاحظ أن يوم عودة المعلّم ينبغي أن يكون للمسيحيين يوم فرح لا إشارة إلى كارثة.
يبدو هنا أن التقليد الاولاني مارس قراءة استعاريّة (كرستولوجيّة) لهذا المثل. ونحن نجد في مكان آخر أثرًا لهذا العبور من المثل إلى الاستعارة، حين نقابل بين مر 13: 25 الذي يقول ((لا تعرفون متى يعود (يأتي) ربّ البيت)) وبين مت 24: 42 الذي يقول ((لا تعرفون في أي يوم يأتي معلّمكم)). فالجماعة المسيحيّة قد طبّقت على نفسها مثلاً ذات بُعد عام. ففي الوضع الذي كانت فيه، وأمام تأخّر المجيء، بدّلت مرمى المثل فجعلت السارق صورة عن ابن الانسان. كان يسوع قد شدّد على اجتياح مفاجئ لزمن الدينونة. وفكّر المسيحيّون الأولون بشكل خاص بذلك الذي يحمل الدينونة في نهاية الأزمنة. إنهم متيقّنون أن المعلم يأتي، يعود. ولكنه يعود فجأة. إذن، يجب أن نكون دومًا ساهرين.
كلّنا يعلم أن صورة السارق هذه قد استعيدت مرارًا في العهد الجديد. نجدها في هذا المثل ولا نجدها في النصوص اليهوديّة المتعلّقة بالآخرة. في 1تس 5: 24 وفي 2بط 3: 10، هو اليوم، يوم الربّ، كما يتحدّث عنه العهد القديم (عا 5: 18)، أي اليوم الأخير، يوم الدينونة الذي يشبّه بالسارق. هذا اليوم يفاجئ جميع البشر. مؤمنين كانوا أو لا مؤمنين. والمستعدون وحدهم لا يُفاجأون. إذن، فُهم المثل في المعنى الذي أراده يسوع. ولكن إن قرأنا رؤ 3: 3؛ 16: 15، نرى أن المسيح نفسه يأتي كالسارق، وتنبيهُه يتوجّه إلى المسيحيّين وحدهم. وهكذا نجد مرة ثانية المعنى الذي اكتشفته الكنيسة في هذا المثل.

خاتمة
إن تأكيد يسوع بأننا لا نستطيع أن نعرف اليوم ولا الساعة، يحفظنا من كل الحسابات حول تاريخ مجيئه. ورجاء عودته لا يكون انتظارًا محمومًا بل يقينا يقول لنا إن ذاك الذي جاء والذي يجيء لكي يعيش وسط أخصّائه، سيعطي حياتنا البشرية وعالمنا معناهما الحقيقيّ، لكي يكون الله كلاً في الكلّ (1كور 15: 24-28).
وإذ يتخلّص المؤمن من ((متى وكيف))، يبقى متنبّهًا لكي يعيش وكأن ذاك اليوم هو هنا. في هذا المعنى تدعونا آ 37-44 لا أن نرفع أنظارنا إلى السماء (مثل الرسل بعد الصعود). بل أن نهتمّ بأمور الأرض كما يدعونا المعلّم. والسهر يبقى ملحًا بقدر ما زلنا جاهلين الساعة التي تدقّ النهاية. استعدوا. اسهروا. هذا ما يجب أن يدويّ في قلب من يتوقّع اللقاء العظيم لا همًا يتعلّق بخلاصه الشخصيّ بل متطلبة أمانة للرسالة التي سلّمنا إياها المعلّم.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM