الفصل الثاني عشر: الخادم الأمين

الفصل الثاني عشر

الخادم الأمين
24: 45-51

بعد الكلام عن مجيء المسيح والحديث عن السهر، نصل إلى مثل الخادم الأمين الذس سيتبعه مثل العذارى العشر ومثل الوزنات. في كل هذه الأمثال، نحن تجاه الأمانة المطلوبة من المسيحيّ. وهذه الأمانة نعبّر عنها بالخدمة اليوميّة. أما الخادم الذي لا يتحلّى بالأمانة، فيتصرّف كالسيّد المستبدّ: يضرب رفاقه. يتصرّف كأن الله غير موجود بحسب المثل الذي يعتبر أن الله لا يجازي وأن الحياة تنتهي بالموت: ((لنأكل ونشرب فإنّا غدًا نموت)). نصيبُ الخادم الأمين ملكوت السماوات. ((يقيمه على جميع أمواله)). ونصيبُ الخادم الشرير هو نصيب المرائين، نصيب الكتبة والفريسيين، نصيب الأشرار: ((البكاء وصريف الأسنان)).

1 - نظرة عامة
هذا المثل الذي يُسمّى في موضع آخر ((مثل القيّم الأمين)) (القيّم على البيت)، يشير إلى خادم (أو عبد: دولوس) يتحدّث عنه لو 12: 42-46، ويميّزه عن مثل آخر نقرأه في لو 16: 1-9: ((كان لرجل ثري وكيل)). يسمَّى هذا المثل الأخير مثل الوكيل الخائن. لقد خان الشريعة التي تستند إلى المساواة بين ما نعطيه لله وما يعطينا الله. أما هذا الوكيل الخاص فقد بدّد أموال الله من أجل الخطأة كما فعل الأب مع الابن الضال فذبح له العجل المسمّن بعد أن بدّد أمواله مع البغايا (يو 15: 30).
نفسّر هذا المثل في سياقه المتّاوي، وهو يستعيد فكرة السهر التي بدأ الحديث عنها في 24: 42-44 (فاسهروا إذن لأنكم لا تعلمون). يستعيدها ويوسّعها ويحدّدها. في آ 42-44 ما كنا نرى ما يعنيه هذا السهر في شكل ملموس. وها نحن نراه الآن بشكل أوضح: نحن أمام سهر ناشط، فيه نتمّ بأمانة (بستوس) وفطنة وتعقّل (فرونيموس، رج 10: 16؛ 25: 2، 4، 8، 9) المهمّة التي تسلّمناها. نجد هنا أحد المواضيع التي تميّز الانجيل الأول: فهو على مختلف مستويات فقاهته، يحارب ديانة باطنيّة لا تعطي ثمرًا، تقول ولا تفعل. يحارب ديانة جليانيّة تعيش في الكسل منتظرة مجيء الرب ولا تفعل شيئًا. ويطالب بنشاط ملموس وأمين ومسؤول يقودنا إلى يوم مجيء الرب. هذا المنظار سيتحدّد ويبرز حتى نهاية ف 25، فيعلّمنا كيف نطعم الجائع ونسقي العطشان...
غير أن هذا المثل الذي يبدو غريبًا بعض الشيء يدعونا إلى أن نسوق الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى: إن الإطار الزمنيّ للخبر لا يعبّر عن نفسه في ذات الألفاظ التي وجدناها في بداية ف 24. فلفظة ((باروسيا)) (المجيء) تغيب فتحلّ محلّها عبارات غامضة بعض الشيء: ((يأتي سيّده)) (آ 46). أو: (( يأتي (اكساي) السيّد)) (آ 50). استند بعض الشّراح إلى هذا الواقع، ففسّروا المثل تفسيرًا فرديًا وكنسيًا: نحن هنا أمام خادم للمسيح كُلّف بوظائف في الكنيسة... عند ساعة موته، وحين يأتي المسيح ليطلبه، يُدان بحسب الطريقة التي قام فيها بمهمّته. هذا التفسير لا يتوافق كليًا مع السياق العام في 24-25 الذين يشرف عليهما انتظارُ الدينونة الأخيرة والشاملة في نهاية العالم. وما يبرهن على ذلك هو عبارة: ((يأتي في يوم لا ينتظره وساعة لا يعرفها)) (آ 50). هذه العبارة تقابل بدقّة ما قالت الآيات السابقة عن المجيء (آ 39، 42، 44). تلك نظرة. ولكن النظرة الأولى يُدافع عنها إذا عرفنا أن نهاية العالم بالنسبة إلى كل واحد منا هي ساعة الموت.
الملاحظة الثانية: في نص لو 12: 42-46 الموازي للنصّ الذي ندرس، نسمع بطرس يطرح السؤال التالي على المسيح: ((يا رب، ألنا تقول هذا المثل (مثل ربّ البيت، لو 12: 39-40) أو للجميع))؟ لن نقابل هنا بين مسؤوليّة خاصة في الكنيسة ونظرة عامة على مستوى نهاية الأزمنة. فالمعنيان معقولان.
الملاحظة الثالثة: يستند التفسير الفردي في إطار كنيسة نخدمها إلى ألفاظ مثل ((اويكاتايا)) (لا ترد إلاّ هنا في العهد الجديد) التي تعني: أهل البيت، الخدم المرتبطون ببيت من البيوت. و((سيندولوس)) (آ 49؛ رج 18: ،28 ،29 33) الذي يعني العبد (والخادم) الذي يعمل معي. نحن في إطار علم الأخلاق العام، مع كلمات لها مدلولها مثل خادم (جاء المسيح ليخدم) وقيّم (حسب لو)، وأهل البيت (مت: اويكاتايا، لو: تارابايا). وهكذا نكون على مستوى الخدم والمسـؤوليات في الكنيسة.
الملاحظة الرابعة: قرأ بعض الشّراح آ 42-44 وقابلوها مع آ 45-51 فاكتشفوا معنى مثل القيّم الأمين والأشخاص الذين وجِّه إليهم في الأصل: في الواقع، وجِّه هذا المثل إلى الكتبة (دولوي، ايكونوموي) ليدعوهم لكي يتمّوا مهمّتهم في قلب شعب اسرائىل. أخذت المسيحيّة الأولى هذا المثل (خصوصًا في لو) وجعلت منه تعليمًا للمسؤولين في الكنيسة. وربطت بالمسيح في مجيئه (الذي يمكن أن يكون كل ساعة في حياتنا) ما كان في نظر يسوع دينونة الله القريبة. وهكذا أعطت المسيحيّة بُعدًا كبيرًا لما يكون يسوع قد جعله في إطار محصور عن تنبيه الكتبة إلى واجباتهم على ما فعل يوحنا المعمدان مع الذين جاؤوا يسألونه ماذا يعملون (لو 3: -141).
الملاحظة الخامسة: هنا يرد للمرّة الأولى فعل ((خرونيزاين)) (تأخّر، 25: 5؛ لو 12: 45؛ عب 10: 37) فيعطي المثل بُعدَه الاسكاتولوجيّ. قد تكون التجربة نالت من هذا العبد فعرف اللاأمانة لربّه والعنف مع إخوته في الخدمة. وقد نكون أيضًا في إطار اسكاتولوجيّ: تأخّر مجيء السيّد، فأخذ الضجر من العبد كل مأخذ. ظنّ أن الوقت أمامه، وهو يستطيع أن يلهو. بل إن هذا التأخّر أعطاه بعض الشكوك: قد لا يأتي المعلّم، وهكذا ((استقلّ)) العبد عن سيِّده، وفي النهاية أنكر وجوده على مثال مز 53: 1: ((قال الجاهل في قلبه: الله غير موجود)). هو الايمان بالمسيح الرب (كيريوس، آ ،45 حسب المعنى المتّاوي، رج 7: 21؛ 8: 21، 25؛ 9: 28...) الذي شكّ فيه المؤمن لأنه ((تأخر)) مجيئه. لا نستخرج من هذا الواقع نتيجة تقول إن لا علاقة لهذا المثل يتعليم يسوع، وإنه يدلّ فقط على مسائل طُرحت على الجيل المسيحي الثاني. فهنا كما في كل العهد الجديد، هو الجيل الرسولي يكلّمنا، وهو جيل ما زال متأثّرًا بوقع كلمات يسوع.
الملاحظة السادسة: إن قساوة العقاب الذي حلّ بالعبد الرديء تلفت النظر حالاً (آ 51). هي تعلن عنف العقاب الذي سيصوِّره ف 25 (آ ،12 26- ،30 41-46). وما نستغربه هو أن هذا العبد ينال العقاب الذي ناله المراؤون (لو 12: 16) اللامؤمنون أي الفريسيون في الإخبار المتّاويّ (رج 6: 2، 5، 16؛ 15: 7؛ 22: 18).
هناك ألفاظ غريبة في آ 51 تجعلنا نفكّر بما في قاعدة قمران. ((يمزّقه)) (ديخوتوميساي). ((نصيب)) (ماروس). ((مع المرائين)) (هيبوكريتون). قد تكون لغة كنيسة متّى في سنة 80 قد تأثّرت بالنظم الاسيانيّة. فنحن نجد لاهوتًا عن ((النصيب)) (ماروس) الذي يُعطى لكل انسان في معنى ثنائيّ وحتميّ. ((... لكي يحبّوا كل أبناء النور، كلاً بحسب نصيبه، في مجلس الله ، ولكي يبغضوا كل أبناء الظلمة، كلا بحسب خطيئته في انتقام الله )) (نج 1: 10-11). وقد قال أحد الشّراح: ((الحظُّ أو مصير هذا أو ذاك قد حُدِّد منذ الأزل. الأولون معدّون كأناس في مجلس الله، والآخرون كأبناء انتقام الله)). أما في الفكر المتّاوي، فالنصيب يتحدّد حسب أمانة الانسان للمسيح أو لاأمانته.
وفي إطار مت 24: 51، نذكر هذه العبارة من نظام الجماعة: ((إن وُجد بينهم انسان يكذب في ما يتعلق بالمال، ويعرف ما يعمل، يُفصل من وسط نقاوة الكثيرين...)) (6: 24-25). ((إذا جدّف عن خوف أو تحت تأثير اليأس أو لأي سبب آخر كان، حين كان يقرأ الكتاب (المقدس) أو يتلو المباركات، يُفصل ولا يعود بعدُ إلى مجلس الجماعة)) (7: 1-2). ((والرجل الذي يفتري على قريبه يُفصل سنة من نقاوة الكثيرين)) (7: 16). ((كل الذين دخلوا في مجلس القداسة، أولئك الذين يسلكون في مجلس كمال الطريق بحسب ما فُرض، كل رجل منهم بتجاوز نقطة واحدة من شريعة موسى، عمدًا أو تراخيًا، يُطرد من مجلس الجماعة ولا يعود بعد)) (8: 21-23).
حين نقابل هذا التنظيم الاسياني مع فكر مت، نميّز ثلاث نقاط رئيسية: هو تنظيم لياقة يتوخّى المحافظة على حقوق وكرامة الجماعة وأعضائها ( ((القريبين)) ). أما مت فيشدّد على الأمانة للمسيح أي لربّ الجماعة. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، يُنفّذ التنظيمُ الاسياني حالاً. أما نص مت فهو تهديد من أجل زمن النهاية. أخيرًا، يتأسّس التنظيم الاسياني على قانون جزائي موسّع جدًا لا نجد ما يقابله حتى في مت 18. إن فعل ((ديخوتوماين)) (مزّق، فصل) لا يوجد إلاّ هنا وفي لو 12: 46، ولا يوجد في مكان آخر من العهد الجديد، وهذا وضعٌ له معناه.

2 - الدراسة التفصيليّة

أ - البنية والمراجع
يأتي مثل الخادم الأمين في متتالية عنوانها السهر من أجل نهاية الزمن. تبدأ مع مثل الخادم الأمين (آ 45-51) الذي ندرسه. ثم مثل العذارى الحكيمات والعذارى الجاهلات (25: 1-13). وأخيرًا، مثل الوزنات (25: 14-30). كل هذه الأمثال الثلاثة تتطرّق إلى تأخّر المجيء (باروسيا)، الاستعداد للآخرة، والجزاء. وفي كل خاتمة نجد عقابًا يقاسيه العبد الشرير (24: 50-51)، العذارى الجاهلات (25: 10 - 13)، العبد الذي نال وزنة واحدة ورفض أن يتاجر بها (25: 14-30). أما في ما يخصّ المراجع فنحن قريبون جدًا من لو، وهذا ما يجعلنا في إطار المعين.

ب - التأويل
لأن (( هذا الجيل)) مهدّد بدينونة الله التي يمكن أن تحلّ في أي وقت (آ 36)، تنبّهنا (آ 42) الحكمةُ دومًا. إن وحدة 24: 42-25: 30 تظهر من خلال التكرار.
24: 42: ((فاسهروا إذن لأنكم لا تعلمون في أي يوم يأتي سيّدكم)).
24: 44: ((فكونوا إذن، أنتم أيضًا مستعدّين، لأن ابن البشر يأتي في ساعة لا تظنّونها)) (لا تتوقّعونها).
24: 50: ((إن سيّد ذلك العبد يأتي في يوم لا يظنّه (لا يتوقّعه، لا ينتظره) وفي ساعة لا يعلمها)).
25: 13: (( فاسهروا إذن لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة)).
ونقدّم المفاتيح مع العلم أن لفظة عرف ترد في (( أويدا)) (آ 36، 42، 43) وفي (( غينوسكو)) (آ 39، 50،43).

24: 36 عرف اليوم الساعة
24: 37 الأيام ابن الانسان
24: 38 يوم، أيام
24: 39 عرف يأتي ابن الانسان
24: 42 عرف اليوم يأتي سهر
24: 43 عرف يأتي سهر
24: 44 الساعة يأتي ابن الانسان
24: 46 يأتي
24: 48 يأتي
24: 50 عرف اليوم الساعة
25: 10 يأتي
25: 13 عرف اليوم الساعة سهر
25: 19 يأتي
25: 27 يأتي

ج - تفسير الآيات
هذا المثل هو درس آخر حول الحاجة إلى السهر الدائم قبل حدث لا نعرف متى يحصل، وهو يُقسم شقّين. إن آ 45-47 تتكلّم عن العبد الأمين الحكيم الذي يقوم بواجباته في غياب سيّده فيجازيه سيّدُه خير مجازاة عندما يعود. أما آ 48-51 فتتحدّث عن عبد شرّير (وقد يكون هو نفسه. وهكذا نكون أمام تحذير. فقد يجرّب العبدُ الأمين فيصبح عبدًا شريرًا) يعصي أوامر سيّده فيعاقبه سيّده عندما يعود.
في الحدث الأول: سؤال بشكل مقدّمة (آ 45): من هو العبد الأمين؟
أعمال الخادم الحكيم (آ 46): وجده يفعل.
والنتيجة هي المجازاة الحسنة (آ 47): يقيمه على جميع أمواله.
في الحدث الثاني: أفكار العبد الشرير (آ 48): سيدي يتأخّر
أعمال العبد الشرير (آ 49): أخذ يضرب رفقاءه
والنتيجة هي العقاب (آ 50-51): يمزّقه، يفصله.
إن معنى هذا المثل يتوافق مع قول غير مكتوب (اغرافون) ليوستينوس نقرأه في حواره مع تريفون (47 = اكلمنضوس الاسكندراني، أي غني يخلص 40): ((في أي مكان أجدكم، أدينكم في تلك الارادة)). قد يكون مت أراد أن يطبّق هذا المثل على المسؤولين في الجماعة، ولكن ليس بشكل حصريّ. (1) فالعبد هو عبد مع رفاق يعطيهم الطعام في حينه (هنا نتذكّر خدمة الموائد في أع 6: 1ي). (2) إن 21: 28-32 وجِّه أيضًا إلى المسؤولين (وقال بعض الشّراح: في وقت أول إلى الكتبة اليهود). (3) إن العقاب في آ 51 يجعلنا نظنّ أننا في إطار قمراني مع علاقات مشتركة. (4) هذا التفسير هو مشترك بين الآباء والوعظ الشعبيّ (مثلاً، وعظة اكلمنضوس حول مز 3: 60).
أولاً: من تراه العبد الأمين (آ 45)
يبدأ المثل بسؤال. وهناك أمثال تبدأ مثله: 11: 16 (بمن أشبّه هذا الجيل)؛ 18: 12 (ماذا ترون)؛ 21: 28 (ماذا ترون؟ كان لرجل ابنان)؛ مر 4: 30 (- مت 13: 31)؛ لو 13: 20 (- مت 13: 33). ((من هو إذن العبد الأمين والحكيم)). ق 25: ،2 ،4 8-،9 21؛ رج 1كور 4: 1-2 (قد نكون هنا أمام أقوال يسوع، تذكّرها بولس بعد أن سمعها في الجماعة. يحسبنا كخدّام المسيح... يكون الخادم أمينًا). بعد ((أمين)) وضع لو ((اويكونوموس)) (الوكيل، القيّم) ففكّر بالمسؤولين في الجماعة (لو 12: 41، 47-48). وقد تكون اللفظة في المعين ((دولوس)) (العبد).
يسبق المثلَ في لو مقدّمة في 12: 41-42أ: ((قال بطرس: يا رب. ألنا تقول هذا المثل أم للجميع؟ فأجاب الرب)). قد تكون هاتان الآيتان في المعين. تركهما مت لأنهما غامضتان. ولكن على أساس الاسلوب تبدوان من تدوين لوقا.
((من)) (تيس). تجعل المثل أمرًا عاديًا. ((إذن)) (أرا) تحرّك السؤال أو تربطه بما سبق. وتأتي آ 46 وتحمل الجواب. ولكن قد يكون السؤال (من ترى) قد حلّ محلّ الشرط: ((إن كان هناك من خادم أمين... طوبى لذلك الخادم)). وهناك آخرون اعتبروا أن هذا السؤال ظلّ بلا جواب. ظلّ مفتوحًا (كل واحد منا يجيب عليه). كان دعوة إلى التلاميذ الذين يجيبون على هذا السؤال في سلوكهم.
((أقامه سيّده على أهل بيته ليعطيهم الطعام في حينه)). ق تك 39: 4-5 حيث سيّد يوسف يجعله وكيلاً على بيته؛ مز 104: 27؛ 145: 15. استعمل لو كلمات أخرى فصار بعيدًا عن مز 104 (في السبعينيّة 103: 27). أراد أن يلغي الضمير ((هم)) (اوتويس)، وجعل المفعول به في النهاية. أما ((سيتومتريون)) (القسمة من الحنطة) فقد تعود إلى المعين وهي لا ترد إلاّ مرّة واحدة في العهد الجديد. أما مت فجعل لفظة ((تروفي)) (الطعام، رج 3: 4؛ 10: 10) ليكون قريبًا من النصّ الكتابيّ: ((الربّ)) هو يسوع، ابن الانسان: حين ترتفع الرتبة تكبر المسؤوليّة وتظهر الخدمة. ونشير هنا إلى المعنى الرمزي للطعام: طعام الكلمة، طعام الافخارستيا (رج 2تم 2: 15).
ثانيًا: طوبى لذلك العبد (آ 46-48)
العبد الأمين الحكيم هو الذي يهتمّ بإخوته في الخدمة. يسهر وسهره يتضمّن خدمة الغير. ((طوبى لذلك العبد...)). ق لو 12: 37. نحن هنا أمام تطويبة ترتبط بعالم النهاية. ق مر 13: 36؛ لو 12: 37، 38. ما ينظر إليه النصّ ليس الموت بل المجيء (باروسيا).
أما المجازاة فمسؤوليّة أكبر (آ 47)، لا كما يظن العبد حريّة وتحرّر من العمل. هذا يعمل على مستوى موقت. أما ذاك فيبقى دومًا عبد (خادم) الرب. ((الحقّ أقول لكم)). ق 25: 21، 23؛ لو 12: 44 مع الظرف ((أليتوس)) (حقًا). يدل ((آمين)) (الحقّ) على نهاية القسم الأول من المثل. أما الجزاء فهو السلطة على كل أمواله (لسنا عبيدًا).
ويأتي القسم الثاني من المثل (آ 48) فيبدأ هنا وهو أطول من القسم الأوّل. يمرّ عبر ظروف أرضيّة (آ 51). ((فإن قال...)). رج 21: 41. هذا من تدوين مت الذي يحبّ ((بونيروس)) (شرير). قال في قلبه، أي فكّر. وتفكيره يقود إلى الضلال (لا يرد إلاّ هنا في مت. رج تث 8: 17؛ أش 47: 8-9؛ رؤ 18: 7؛ وصيّة ابراهيم أ 66). ((سيّدي مبطئ)) (يتأخّر). ق خر 32: 1. هنا وفي 25: 5 نحن أمام تأخّر المجيء (باروسيا).
هناك انزعاج من تأخّر بعض النبوءات في العهد القديم. رج حز 12: 22 (مرّت الأيام وما تحقّقت الرؤيا)؛ حب 2: 3 (الرؤيا مرهونة بوقتها مع استعمال ((خرونينزو)). تأخّر، أبطأ). وقد وُجدت هذه المسألة في جماعة قمران كما يقول تفسير حبقوق 7: 5 ي. أمّا المسيحيّون الأوّلون فقد تساءلوا حول تأخّر مجيء الرب (2بط 3: 4: وعد بالمجيء، فأين هو؟ آباؤنا ماتوا وبقي كل شيء منذ الخليقة على حاله). ولكن هذا لا يعني أننا نستطيع أن نتكلّم عن أزمة. ما يشغل بال مت ليس التأخّر في حد ذاته، بل تأخّر المجيء.
في حب 2: 3 يتبع حاشيةَ التأخير ذكرُ نوعين من البشر: الأبرار والنفوس الشريرة؛ رج مز 37: 7 (انتظر الرب واصبر له. لا تغر من الناجح في طريقه)، 12-13 (الرب يضحك على الشرير ويرى أن يومه آت)؛ تفسير حبقوق (7: 9-17) حيث يتصارع رجل الحقّ مع الذين لا يسيرون في الحق، ساعة تأتي النهاية. وهكذا نفهم أن موضوع التأخّر الالهي ترافَق في التقليد مع موضوع تجاوب الأبرار والأشرار مع هذا التأخّر.
ثالثًا: أخذ يضرب رفقاءه (آ 49-51)
قضى العبد الشرير وقته يفعل على مثال جيل نوح (آ 38). كان بلا اهتمام. بل هو أخذ مكان السيّد، لا مكان العبد، وأراد أن ((يعاقب)) إخوته. بل أخذ دور السيّد المستبدّ: يأكل، يشرب، يضرب رفقاءه (آ 49).((أخذ يضرب رفقاءه في الخدمة)). رج جا 8: 11؛ مت 18: 28؛ لو 21: 34؛ أحيقار 3: 2؛ 4: 15 (حيث الشرير ناتان يأكل ويشرب مع أهل الفلتان ويضرب عبيد احيقار وإماءه). هذا ما يعارض التنبيه ضدّ العنف في عظة الجبل. ((يأكل ويشرب مع السكيرين)) ق نش 5: 1 (حسب السبعينيّة)؛ لو 12: 45. يتحدّث 1كور 11: 21؛ 2بط 2: 13 عن السكيرين في الكنيسة.
وتكون اليقظة المرّة حين يأتي سيّد ذلك العبد (آ 50). ق 24: 36 (اليوم، الساعة)، 39، 42، 44؛ 25: 13؛ عب 10: 37. رج لو 12: 46 (يمزّقه).
وينتهي المثل في ((جهنم)).يصوَّر عقابُ العبد الشّرير بصورة قويّة لا نجدها في صورة العبد الأمين الحكيم.((ديخوتوميو)): قطع اثنين. قطعه إربًا.رج خر 29: 17 (حسب السبعينيّة)؛ يوسيفوس، العاديات 8: 31؛3 با 16: 3.ظنّ بعضهم أن هذا الفعل ليس في محلّّه. فقال بعضهم: عاقب. وهكذا ضعفت العبارة. وهناك من قال: ((قطعه من الجماعة))(رج 18: 17؛ يو9: 22؛رج مز 37: 9، 22، 34، 38 حيث يقطع البار من جماعة الأشرار). رج ما قلناه عن نظام الجماعة (2: 16-17).يُقطع من الجماعة أي يكون حظّه مع الملعونين.
هناك من قال ((قطع اثنين)) وترك قسمًا للمرائين! إن لو12: 47- 48(حافظ على المعين) يصوّر عقاب الشرير مع بعض التفاصيل. وفي أسوأ الحالات هو يُضرب ضربًا مبرحًا.قال يرامياس في الأمثال: الأصل أرامي: ف ل ج (قسم).كل هذا لأن عددًا من الشّراح وجدوا العقاب قاسيًا.وقابل بعضهم هذا الوضع مع موت يهوذا (يوضاس) في أع 1: 18.أما ما هو معقول فما نجده في خبر أحيقار: (( مزِّق. تفجّرت أمعاؤه فذهب إلى الجحيم)). قد يكون أسلوب أحيقار قد أثّر في نصّ لو.
((جعل نصيبه مع المرائين)). لو12: 46(بدل المرائين جعل اللامؤمنين).عامله كما يعامَل المراؤون. جعله شريك المرائين. المراؤون هم رؤساء اليهود.قد يكون تلاعب على الكلمات على مستوى هؤلاء المقسومين بين القول والفعل (يقولون ولا يعملون). ((هناك البكاء وصريف الأسنان)). هو قرار يدلّ على الدينونة الأخيرة (8: 12؛25: 30).
حين ننسب هذا المثل إلى يسوع،نفهم أنه أراد أن يهيّئ تلاميذه لمجيء الله القريب. وأعادت الكنيسة تفسير المثل على مستوى المجيء (عودة المسيح،باروسيا) وتأخّر هذا المجيء. وقال ((دود)) في أمثاله: نوَّه يسوع بالرؤساء الدينيين لدى اليهود لأنهم خدام غير أمناء لله . وقال شارح ثالث: عرف يسوع أنه سيؤخذ من تلاميذه، فألفّ هذا المثل ليدعوهم إلى الأمانة في غيابه.ولكن حين ينسب البعض هذا المثل إلى الكنيسة،فهم يرون أنها ((خلقت))(من أقوال يسوع) هذا المثل لتقدّم تشجيعًا لمن رأوا أن المجيء قد تأخّر.

خاتمة
مثَل يقدّم لنا وجهين. وجه العبد الأمين الحكيم الذي أخذ بحكمة المسيح. ووجه العبد الشرير الذي أخذ بطريق الجنون الذي يدلّ عليه السكر. فالمؤمن هو خادم وهو يدلّ على انتظار الرب من خلال خدمته لإخوته.أما العبد الشرير فلا يريد أن يكون الخادم بل السيّد،على مثال أسياد هذا العالم الذين لا يعرفون الرحمة. السيّد الذي يضرب رفقاءه،ويرفض أن يقدّم لهم الطعام في حينه. مثَل يتوجّّه إلى كل مسؤول في الكنيسة مهما كان مستوى مسؤوليّته.إن كان ذلك العبد أمينًا،نال كل أموال السيّد،نال الملكوت.وإلاّ كانت له جهنم. ((البكاء وصريف الأسنان)). لهذا يبقى السؤال الذي طُرح في البداية حاضرًا أمامنا: أي عبد نحن. وسلوكنا يدلّ علينا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM