الفصل الحادي والثلاثون
المعابد الباقية من عهد الرسل
الأب يوحنا الحبيب صادر الأنطوني
موضوع حديثي، المعابدُ المسيحية المذكورة في كتاب "أعمال الرسل" وفي تقليد الجماعات المسيحية الأولى، وهي التي انتشرت في الشرق والغرب على خطى الرسل الرسولية. حديثي يتركّز على قسمين: الأول، يتناول البيوت- الكنائس- Maisons - Eglises التي كانت تصلّي فيها الجماعات المسيحية الأولى وتصغي إلى تعاليم الرسل وتكسر الخبز؛ ذلك، لإظهار هويتها وفرادتها أمام التحدّي اليهودي الذي كان عنيفاً جدّاً في تلك المرحلة الحاسمة من تاريخ الخلاص. فما هي مميزات هذه البيوت؟ وأين وجدت؟ إنها في الحقيقة مذكورة في الكتابات المسيحية الأولى، ولو كان القسم الأكبر منها قد اندثر نهائياً. أما القسم الثاني من الحديث فيتناول دراسة المعابد المسيحية التي كانت في عهد الرسل والتي استمرت العبادة فيها حتى يومنا ويؤمها الزّوار والمصلّون.
1- إن الجماعة المسيحية في أورشليم كانت تمضي كل يوم إلى الهيكل، كانت تكسر الخبز في البيوت وتتناول الطعام بفرح وبساطة قلب (أعمال 2: 46). إن كتاب "أعمال الرسل" لا يعني عندما يصف مواقف الجماعة المسيحية هذه، أن كل واحد كان يتناوله الطعامَ في منزله الخاص بل يعني أن الجماعة كانت تكسر الخبز في البيوت الخاصة متميّزة هكذا عن عمل التجمعات داخل الهيكل. فكسر الخبز بالنسبة إلى الجماعة المسيحية الأولى في أعمال الرسل كان طقساً يميّزها نهائياً عن اليهودية ولم يكن ممكناً أن يجريَ في اليهكل. أما التعليم فكان جزءاً من هذه التجمعات في البيوت الخاصة (5: 42) ويحتوي على "تعليم الرسل" (2: 42) الذي يتضمّن تعاليم يسوع وأعماله والتي كانت تَهمّ هذه الجماعات. فالبيوت الخاصة هذه كانت أيضاً أماكن صلاة (4: 23- 30؛ 12: 5 و12). فهذه العناصر الثلاثة تعليم الرسل والصلاة وكسر الخبز كانت تمارس معاً في جميع التجمعات الليتورجية المسيحية التي كانت تجري أيضاً خارج أورشليم وخارج فلسطين.
في أورشليم، كان يوجد على الأرجح عددٌ من البيوت تجتمع فيها الجماعات المسيحية أعداداً صغيرة محدودة. وكان يفرض هذا التدبيرَ عددُ المؤمنين المتزايد (2: 47؛ 4؛ 4؛ 5: 14؛ 6: 7) الذين كانوا على التأكيد يقدّمون منازلهم لهذه الغاية. نحن نعرف بيتاً من هذه البيوت، عنيتُ بيت مريَم أمّ يوحنا الملقّب بمرقس (12: 12). والظاهر أنه كان مركز لقاءٍ معروف عند المسيحيين في أورشليم (12: 12). والبيتُ الذي فيه صنع ربّنا العشاء السري مع تلاميذه؛ وفيه ظهر لهم بعد قيامته من الموت (لوقا 24: 33؛ يوحنا 20: 19- 26)، وفيه أيضاً كان الرسل والتلاميذ وأم يسوع مجتمعين يوم العنصرة. يحدّد التقليد موقع هذا البيت على جبل صهيون حيث شيّدت بعد ذلك البازليك المدعوّة Sancta Sion Mater Scclesiarum "أي صهيون المقدّسة أم الكنائس" (1: 13؛ 2: 1).
أما خارج أورشليم، فالجماعات المسيحية الأولى كانت تقيم أيضاً في البيوت الخاصة، من بينها بيت سمعان الدبّاغ في يافا (9: 43؛ 10: 9) وبيت حنانيا في دمشق (9: 10-19) وبيت آخر في أنطاكية كان الأنبياء والعلماء يحتفلون فيه بعبادة الربّ ويصومون (13: 1). أما بيت ليديا بائعة الأرجوان في فيليبي فكان على الأرجح المكان الذي فيه التقى القديس بولس بالإخوة المسيحيين ووعظهم (16: 15- 40). إن بيت ياسون في تسالونيكي كان في خدمة جماعات هذه المدينة (17: 5- 9؛ روم 16: 21) أما أقيلا وبرسكلة فكانا قد وهبا دارهما في أفسس للجماعات المسيحية، فبولس يذكر الكنيسة التي في دارهما (1 كور 11: 17-33) حيث يجتمع المؤمنون وحدهم، والجماعة الثانية كانت جماعة عامة للصلاة والأناشيد والوعظ. ومواهب الروح كانت تظهر بطريقة خاصة في هذه الجماعة (1 كور 14: 22- 25) ولسنا ندري ما كانت العلاقة بين هاتين الجماعتين على الصعيد الليتورجي.
هذه الكنائس البيوت التي ذكرها أعمال الرسل ورسائل بولس قد زالت معالم الأكثرية منها فلم يبقَ ذكرها إلاّ في التاريخ. ولكن بقيت كنائس بدأت فيها العبادات الليتورجية في عهد الرسل وما زالت مستمرّة منذ ذلك العهد حتى اليوم. لقد ذكرنا أعلاه بيت مريم أم مرقس في أورشليم؛ وعلى الأرجح انها كانت كاتدرائية يعقوب مرسل أول أسقف على أورشليم.
عام 1986 وفي كفرناحوم مدينة سمعان بطرس، تحت رَصَف Pavement بيت مكرّس للرسول منذ القرن الخامس عثر علماء العاديات على بيت بطرس بطريقة أكيدة لا تقبل الجدل. إنه بيت فقير وبسيط كجميع البيوت المحدقة به؛ ما عدا تفصيل واحد وهو أنّ جدرانه مدبّجة بتصاوير جدرانية Fresques وبرسوم، وبكتابات باليونانية والسريانية والعبرية واللاتينية تتضمّن طلبات موجّهة إلى بطرس طالبة حمايته. إنه من المؤكّد أنّ هذا البيت قد تحوّل إلى معبد مقدّس منذ القرن الأول. فهو إذاً أقدم كنيسة مسيحية معروفة ويشهد على أنه قبل سنة المئة أعني قبل أن يركّز التقليد تماماً في مستندات نهائية وليس فقط كانت عبادة يسوع في ازدهار بل كان مؤكّداً أيضاً إكرام تلاميذه المعتبرين من المؤمنين كقدّيسين. V. MESSARI, Hypothéses sur Jésus, 1978, p. 147.
توجد كنيسة أخرى في قيصرية فيليبس، في حيّ يدعى اليوم حيّ البنات نسبة لأنقاض مسرح روماني صغير. هذا المكان كان فيه السجن الذي سجن فبه بولس. وكان المسيحيون يصلّون فيه. ولقد بنى قسطنطين بازيليك من حجارة ضخمة وأعمدة على هذا السجن.
في دمشق كنيستان، الأولى الكنيسة التي كانت في الأصل البيت الذي فيه زار حنانيا بولس الذي أصيب بالعمى على طريق دمشق وفيه قبل العماد. تحوّل هذا البيت إلى كنيسة في عهد حنانيا وإليه التجأ المسيحيون المضطهدون في أورشليم بعد استشهاد اسطفانوس. ثم بيت حنانيا الذي مات شهيداً بعد لقائه ببولس بزمن، تحوّل إلى كنيسة، شيّد على أنقاضها في القرن الخامس كنيسة بيزنطية كبيرة وواسعة يؤمّها المسيحيون والمسلمون. رمّمها الرهبان الفرنسيسكان عام 1820، ولكنها هدمت في مجزرة 1860. فأُعيد بناؤها عام 1867. في هذه الكنيسة محفوظة عظام شهداء المجزرة المذكورة. فيها أيضاً قتل الإخوة المسابكيون.
- مغارة مار بطرس
أمّا في تركيا فأشهر الكنائس وأقدمها المغارة المعروفة في أنطاكية بمغارة القديس بطرس وفيها كان يجتمع مسيحيّو الجماعة الأولى حول بطرس وبولس وبرنابا ولوقا، ويصلّون. ثم ان بولس وبرنابا عندما كانا يبشّران في أنطاكية في شارع Singon قرب البنتيون في حيّ يُدعى ابيفانيا كانا يأويان إليها. وهذا تقليد وصلنا بناء على شهادة يوحنا الأنطاكي الذي عاش في القرن السادس. إنّ الصليبيين بعد أن تحققوا من هوية هذا المكان بنوا على أنقاض كنيسة بيزنطية قديمة كنيسة صخرية. وتبدو اليوم أمام الزائر الواجهة التي رممّت مؤخراً. كانت هذه الكنيسة باستلام الفرنسيسكان الذين وضعوا على مدخلها درابزيناً وبنوا في مؤخّرتها مذبحاً تصعد إليه على ثلاث درجات. فمسيحيّو أنطاكية وعددٌ كبير من المسلمين يؤمّون هذا المعبد ليشربوا من ماء البئر المجمّعة من الجبل في وسط المغارة ويعتقدون أنّ المياه عجائبية، شافية. ويظهر ان هذا الإعتقاد يعود إلى الأزمنة الغابرة عندما كانت القداسة مرتبطة بالمغارة.
- كنيسة أياتقلا AYATEKLA
على تلّة MARMALIK في تركيا أيضاً يمكن المشاهد أن يرى أنقاض بازيليك قديمة وضخمة للقديسة تقلا من العهد البيزنطي. واللافت للنظر أنقاض صهريج صخري تحت الأرض فيه أعمادة ودارات كان "كريبت" للمسيحيّين الأول. أما البازيليك فقد بناها زينون الإمبراطور في القرن الخامس نزولاً عند إلحاح زوّار قبر القديسة تقلا فوق المغارة التي تقول التقاليد بأنّ بولس صلّى فيها مع المؤمنين.
- كنيسة يوحنا الرسول
في أفسس أنقاض بازيليك على إسم يوحنا الرسول تستحق الإهتمام لوجود قبر الرسول تحت مذبحها. فهذه الكنيسة التي زرناها عام 1972 لم يبقَ منها سوى Abside ضخم. لكن علماء العاديات يقولون بان حجمها كان كبيراً جداً وبشكل صليب طولها 110×40 متراً وبناها يوستينيانوس فوق قبر القديس يوحنا.
- كنيسة القديس فيليبس
في مدينة Hierapolis وتُسمّى اليوم PAMMUKKALE يوجد "مارتيريوم" على اسم القديس فيليبس الرسول. وهو بازيليك مثمّن الأضلع مشيّد منذ القرن الخامس على أنقاض مزار قديم جداً ينقل التقليد ان فيليبس الرسول استشهد فيه.
- كنيسة القديس بولس في بافوس (قبرص)
وبالحصر في مدينة بافوس، كنيسة صليبية مبنيّة على أنقاض كنيسة بيزنطية من القرن السادس وهذه بدورها بُنيت على أنقاض مزار وسط هيكل روماني متهدّم. أمام الكنيسة رممّت مديرية العاديات ساحة الهيكل القديم فبرزت أعمدة الهيكل الضخمة. ينقل التقليد المحليّ ان بولس الرسول جلد على إحدى هذه الأعمدة ولهذا السبب بُنيت الكنيسة على اسمه. لكن هذه القصة غير واردة في كتاب "أعمال الرسل".
في مدينة فيليبي بقايا بازيليك بيزنطية، وكانت سابقاً كنيسة يونانية مكرّسة على اسم القديس بولس. وقد شيّدت إمّا على أنقاض السجن الذي وُضع فيه بولس، وإمّا على أنقاض بيت ليديا حين كان الرسول يصليّ مع المؤمنين. قياسات هذه الكنيسة وروعة هندستها تدلّ على أنها كانت ذات أهمية كبيرة.
أما في روما فكنائس عديدة تخلّد ذكرى مرور بطرس وبولس واستشهادهما. وأشهر هذه المعابد الدياميس. فالحديث عنها طويل وعددها وافر وقد اشتهرت فنّياً بالجدرانيات العديدة التي تعتبر أقدم الفنون الأيقونوغرافية المسيحية؛ ثم الكتابات التي تذكر الموتى المدفونين في طاقات الجدران. وهذه الكتابات المحفورة على قطع من الرخام مزيّنة برموز مسيحية. وهذه الدياميس مطبوعة بذكرى مرور بطرس وبولس فيها.
ففي الدياميس إذاً كتابات منقوشة على شواهد أو بلاطات تختم الطاقات والنواويس. في بادىء الأمر، هذه النقوش بسيطة: "في الربّ" In Deo، "في السلام" In Pase، "في الراحة" In Refrigerio، "مع القديسين" Cum Sanctis، ثم تزداد هذه الكتابات فيما بعد. نركّز هنا على النقوش الأثرية (غرافيتي) أي كتابات محفورة على الجدران وُجدت في مدفن القديس سبستيانوس. هناك تقليد يقول إن القديس بطرس قد استراح هنا قبل دخوله المدينة، والزوّار يتحدّثون عن كاتدراسية الرسل. حالياً توجد كنيسة "ستيل باروك" أنجزت فيها تنقيبات أثرية بين 1915 و1933 كي يجد العلماء آثار القديم بطرس. فعلى مستوى طبقة القرن الثالث، وجدوا "تذكار الرسل" وهي غرفة طعام (12 م. × 7 م.) تُطلّ على دار. على جدران الغرفة اكتشفت أكثر من مئتين وخمسين كتابة منقوشة (غرافيتي) باللغة اللاتينية وثلاثين باللغة اليونانية. وجميعها دعاء للقديسين بطرس وبولس وطلب حمايتهما، ثم اسم الطالب. المشكلة هي في تأريخ هذه الكتابات. فالمدافن الأخيرة الواقعة تماماً فوق غرفة الطعام هذه يرقى عهدها إلى عام 244.
يوجد كذلك نصّ يعود إلى عام 354 عنوانه "إيداع الشهداء" “Déposition des martyrs” يشير إلى الإحتفال ببطرس وبولس عام 258 في الدياميس. نستنتج من هذا انه عام 258 كرّست عبادة للرسولين. هذه هي المعطيات.
إنطلاقاً من هذه المعطيات، بدأت تتكاثر الآراء الغير المثبتة علمياً. يقول البعض بأن جسدي الرسولين وبنوع خاص جسد بطرس، كان موضوعاً في بازيليك القديس بطرس في الدياميس. لأنه في عهد اضطهاد الإمبراطورين فاليري وغاليان عام 258 أراد المسيحيون أن يضعوا جسدَي الرسولين في مأمن. ويقدّمون البرهان التالي: كان البابا دماسيوس (القرن الرابع) قد نظم أشعاراً ووضعها في كتابة منقوشة في هذا المكان. يبدأ النصّ بهذه الكلمات Hic Habitasse "هنا سكن"، والبيت الثاني يبدأ بهذه الكلمات Nomina Petri et Pauli. فكلمة “Nomina” ليست واضحة، يمكنها أن تعني أو تذكاراً أو إسماً، وكلمة “Habitasse” تعني أنّ بطرس بوصوله إلى هنا، استراح، باعتبار ان طريق آبيا كانت مُلتقى الشرق والغرب هل هذا يعني مسكناً أم مدفناً؟
- قبر مار بطرس في الفاتيكان
عام 1950 كانت للبابا بيوس الثاني عشر الجرأة على فتح ورشة عمل تحت مذبح كنيسة مار بطرس في روما، وألف لجنة من أشهر علماء الآثار للتفتيش عن ذخائر القديس بطرس والتأكّد من كونها موجودة هناك أم هي باقية في الدياميس. والمنطلقات التاريخية كانت التالية: قدم بطرس إلى روما لينشر كلمة المسيح فصلب فيها في عهد نيرون (54-68). والشهادات على موته قديمة وعديدة، وأغلبها يعود إلى القرن الأول. أمّا مكان الإستشهاد فالأخبار مختلفة في شأنه. فتاسيت Tacite في "حوليّاته" يعلمنا بأنه أثناء إضطهادات نيرون، كان المسيحيون يعانون الإستشهاد في حدائق الإمبراطور وبنوع خاص في الملعب الشعبي. وهناك قصة قديمة مجهول إسم صاحبها عن استشهاد بطرس، كُتبت في روما ولا يمكن أن يرتقي عهدها إلى ما قبل القرن الرابع تشهد أنّ الرسول صُلب "بجانب مسلّة صوب الهضبة". وفي القرن الرابع يشهد القديس إيرونيموس أنّ صلب بطرس جرى في الفاتيكان. واخيراً الكتاب البابوي Liber Pontificalis الذي يرقى إلى القرن السادس يذكر بأن الرسول دفن في موضع غير بعيد عن مكان استشهاده، قرب ملعب نيرون في الفاتيكان.
في جوار الفاتيكان وجدت كذلك مدافن. أمّا التنقيبات الحديثة فقد كشفت تحت بازيليك مار بطرس الحالية مقبرة كبيرة تحتوي على مدافن غنية، ترقى جميعها إلى ما بعد عام 130.
"كتاب الإحتفالات البابوية" يؤكّد أن مكان دفن بطرس قريبٌ من مكان الإستشهاد. وهناك شهادات أخرى تؤيّد ذلك. ويظهر ان التنقيبات لم تترك أي داعٍ للشكّ. فلقد ساعدت على اكتشاف بناء صغير للموتى ذات طاقات، محشور في إحدى جدران المقبرة الكبيرة (نيكروبول) ويعود إلى القرنين الثاني والثالث؛ عليه تاريخ 160، ممّا يدلّ على كونه قبل بناء بازيليك الإمبراطور قسطنطين. ويظهر ان هذا البناء الصغير كان دوماً موضوع اهتمام وترميم، ويقع تماماً تحت مذبح البازيليك الكبير، إلى أن قرّر قسطنطين تشييد "مارتيريوم" بعد عام 315، أعني بناءً إكراماً للرسول، ثم بازيليك. ومن الواضح أنّ قسطنطين ما كان قدم على هذا العمل المكلّف جداً لو لا يكن قد كشف مسبّقاً عن الذخائر وتأكّد من هويتها. في الواقع، لقد وُجدت تحت البناء فجوة للدفن قديمة. وعلى جانب البناء الصغير الذي نحن بصدد الحديث عنه حُفرت كتابة باللاتينية ترقى إلى حوالي عام 160 تقول "بطرس هنا" Hic Petrus.
أمّا بولس فقد قطع رأسه في منطقة خارج المدينة تُسمّى Aquae Salviae. يقول مؤرّخون من العصور القديمة انه عندما قطع رأس بولس قفز ثلاث قفزات وجرت مكانها ينابيع ثلاثة Tre Fonte وسُمّي المكان باسمها. فبنيت ثلاث كنائس على اسم القديس بولس. ثم أُنشىء دير للترابيست وحالياً يوجد البيت المركزي لإخوة يسوع الصغيرات. يوجد إلى جانب هذه الكنائس مغارة يقول التقليد بأن بولس تحضّر فيها للموت، وعامودٌ يُقال بأنه ربط عليه قبل أن يقطع رأسه.
لقد أخفت جماعة روما المسيحية منذ البدء جِسمَيْ الرسولين خوفاً من أن تنقلهما الجماعات المسيحية الشرقية إلى أورشَليم. فقسطنطين بعد عام 315 اهتمّ بوضع بقايا بولس في ناووس من حديد وأقام له معبداً خارج الأسوار وقد تحوّل هذا المعبد اليوم إلى بازيليك جبارة. على هذا الناووس توجد كتابة باللاتينية... Paulo Apostolo Mart.
توجد في روما أيضاً كنيسة مهمة لعلاقتها بصديقين حميمين لبولس هما كويلا وبريسكيلا هي كنيسة القديسة Prisca على Aventina. ففي عام 1776 اكتشف معبد تحت الأرض قرب كنيسة Prisca؛ جدرانه مدبّجة بصور من القرن الرابع. ممّا لا شكّ فيه ان هذا المعبد كان المكان الأصلي لبيت أكويلا وبريسكيلا.
ثم هناك السجن قرب قوس سافيروس الذي فيه سُجن بطرس وبولس، تحوّل إلى كنيسة تُسمّى كنيسة مار يوسف الفاليغنامي San Giuseppe dei Falegnami.
ثمّ كنيسة القديسة Pudenziana التي ينقل التقليد بأنها مشيّدة على كريبت كان منزلاً لروماني مسيحي اسمه Pudens والمذكور في الرسالة الثانية إلى تيموتاوس. وهو اهتمّ في بيته بالقديسين بطرس وبولس.
أمّا بخصوص لبنان والكنائس التي بُنيت على الأمكنة التي حلّ فيها بطرس وبولس والرسل أثناء مرورهم على الساحل الفينيقي إلى أنطاكية، فلا تذكر أبداً في تاريخنا، مع أنّ إكليمنضوس الروماني في مواعظه وفي ذكرياته يخبر انه رافق بطرس، وكانا يقيمان عدّة أشهر في صور وصيدا وبيروت وجبيل وطرابلس، يبشّر بطرس في مجامع اليهود المغتربين بأنّ يسوع هو المسيح وبنى فيها كنائس. وفي طرابلس أقام أسقفاً اسمه Maro أي مارون بعد أن أقام ثمانية أشهر في المدينة وعمّد فيها إكليمنضوس على نبع قرب الميناء. هذا موضوع يستحقّ أن نكرّس له دراسة أوسع.