الفصل السابع والعشرون: خطبة اسطفانس

الفصل السابع والعشرون
خطبة اسطفانس
6: 8- 8: 1
الاب ريمون هاشم الانطوني

2- 4 قصة ابراهيم الأساس الذي بُني عليه إيمان الآباء
الكلام موجّه بشكل مباشر للسامعين (الأرض التي تقيمون أنتم الآن فيها)
5- 7 وعد الله ابراهيم بالأرض
وعد سلالة ابراهيم بتملّك الأرض
وتعبدني السلالة في هذا المكان (دون تحديد هيكل معين)
8 عهد ختانة (الشريعة أعطيت أولاً لإبراهيم)
9-16 قصة يوسف
رفضه الآباء/ كان الله معه/
أنقذ يوسف الآباء
دخل يعقوب أرضاً تملّكها ابراهيم (شكيم) (بعد موته)
17-37 قصة موسى
الله كان معه (أنقذه الذين رفضوه) (بعد موته)
17- 34 رفضه أخوته
كشف الله له ذاته
أُرسل لإنقاذ شعبه
35- 37 إعادة قصة موسى والتشديد عليها
أنكرتموه
أرسله الله فادياً
- أخرج الشعب بالعجائب
- هو الذي قال: سيقيم الله من بينكم نبياً مثلي
38-43 (الشريعة) تلقّى كلمة حيّة ليعطيناها
رفضه آباؤنا
وعبدوا آلهة غريبة
فانقلب الله عليهم
44- 50 دخلوا أرض الأمم وتملّكوها (تحقّق الوعد بالأرض)
دخلوا بالخيمة (العبادة) وضعوا الهيكل للرب
رفض الرب الهيكل وفضّل المكان الذي هو من صنعه (الأرض)
51-53 الكلام موجّه مباشرة للسامعين
فلأنتم مثل آبائكم/ استلمتم/ أصبحتم

المقدمة
كان اسطفانس أحد الشمامسة السبعة الذين اختيروا من أجل خدمة الأرامل الهلينيين والمحافظة على الوحدة داخل الجماعة المسيحية الواحدة لأنّ الهدف من اختيارهم كان لاستدراك الخلافات الداخلية والإحاطة بها. ولكن، مع قراءتنا للنصوص التي ستلي هذا التعيين، سنلاحظ بأنّ الشمّاسين اسطفانس وفيلبس سيمارسان خدمة التبشير وليس تأمين الخبز. وخدمة الكلمة التي مارساها تحمل القيمة نفسها التي يتحلّى بها الرسل. وتبرز قيمة هذا الرسالة وقانونيّتها من خلال الخضوع الذي أدّاه الشمامسة للرسل الإثني عشر.

1- تحديد النصّ
تقع خطبة اسطفانس بين نصّين: الأول يتحدّث عن محاكمة اسطفانس والإتهامات التي وُجّهت ضدّه: جدّف على موسى والله وعلى الهيكل والتوراة: "يسوع الناصري سيهدم الهيكل ويبدّل العادات التي أعطانا إياها موسى (6: 8- 15). والثاني يتضمّن إجراء المحاكمة ورجم اسطفانس الذي رأى ابن الإنسان عن يمين الله والذي بعد أن أسلم روحه لربّه يسوع طلب منه ألاّ يُمسك عليهم هذه الخطيئة. بالإضافة إلى ظهور رجل جديد لم يُذكر في النصّ الأول كان من دفع الشهود إلى الشهادة زوراً (54:7-1:8).
أمّا بالنسبة للخطبة فهي نوع من دفاع عن النفس قام به اسطفانس أمام المجلس وهي تشكّل محور القسم (6: 8-8: 1). إذ إن القسم يوزع على الشكل التالي:
أ- المحاكمة 6: 8- 15 شهود زور ضدّ اسطفانس
ب- اسطفانس يدافع عن نفسه 7: 1-53
أ- إجراء الحكم 7: 54- 8: 1 الشهور يخلعون ثيابهم أمام شاول (7: 1- 35) يشكّل وحدة أدبيّة مستقلّة نوعاً ما عن النصوص التي سبقتها والتي وردت بعدها.

2- بنيان النصّ
يُقسم النصّ إلى ثمانية أجزاء موزّعة بطريقة محورية.
الأطراف تتوازى مع بعضها البعض ليس بالمضمون ولكن بواسطة الضمير المخاطب (أنتم).
يوجّه اسطفانس الكلام مباشرة إلى السامعين في الآية 4: "الأرض التي تقيمون أنتم الآن فيها" ويختفي بعد ذلك ضمير المخاطب ليعود ويظهر في الطرف الأخير من النصّ. فلأنتم كآبائكم (آ 51 د) (أيّ نبيّ ما اضطهده آباؤكم آ 52).
وتتوازى الآيات (5- 7) مع الآيات (44- 55) من ناحية المفردات خاصة والمضمون عامة. من ناحية المفردات: الفعل "ملك" يتكرّر ثلاث مرّات في الخطبة (آ 5 مرتين) (وآ 45). أمّا بالنسبة لمفعول هذا الفعل وهو المفرد "أرض" وهو يتكرّر مرّات عديدة في الخطبة ولكنّه يتبع ثلاث مرات فقط لهذا الفعل (آ 5 و45). من ناحية المضمون فالعبادة المذكورة في الآية (7 ج) يعاود الإشارة إليها في الآيات (48- 50) حيث يحدّد البشر هيكلاً يُبنى في مكان معيّن للعبادة: "الأرض موطىء قدميَّ" (آ 49) "وتعبدني في هذا المكان" (آ 7 ج). والأرض الموعود بها في الآيات (5- 7) تملّكها نسل إبراهيم في الآيات (44- 50).
والتطابق الملحوظ بين الآية (8 و 38- 43) يقوم على عهد الختان المُعطى لابراهيم ونسله في الآية 8 وهو يُعدّ بداية للدخول في الشريعة التي تكتمل مع موسى الذي تلقّاها من الملاك. والمفردات التي تخلق هذا التوازي تظهر في الفعل "أعطى" الذي يتكرّر مرّتين فقط في الخطبة: "ثمّ أعطى الله لإبراهيم" (آ 8) "وتلقّى كلمات حيّة ليعطيناها" (آ 38 ج).
أمّا الأجزاء التي يتمحور حولها النصّ فهي الآيات (9- 16) و(17-37). الآية 9-16 تتضمّن قصَّة يوسف الذي رفضه الآباء (آ 9) وأنقذه الله (آ 10) وعاد وأنقد إخوته من المجاعة (آ 12- 15). والآيات (17-37) تتكلّم عن موسِى الذي أنقذه الذين رفضوه، إبنة فرعون (17- 20) ورفضه إخوته (آ 25 و 27) وكشف الله له ذاته (آ 32) وأرسله لإنقاذ شعبه (آ 34). والتوازي القائم بين هذين الجزئين يقوم على تسلسل الأحداث المرتبطة ببطلين أساسيَّين: يوسف وموسى اللذَين رفضهما شعبهما ولكنّ الله أحاطهما بعنايته وأعاد إليهما القدرة كي ينقذا هذا الشعب من شدائده.
ولكنّ الملاحظ في هذا الأمر هو أنّ قصّة موسى أُعطيت كثيراً من ريشة الكاتب وأُعيد ذكرها ثانية في الآيات 35-37 للتشديد على أهميّتها وأهميّة الأحداث التي جرت على يد موسى وخاصة القول الذي تلّفظ به موسى: "سيقيم الله من إخوتك نبياً مثلي".

3- شرح النصّ
بشرحنا هذا سنبدأ بالنصوص المحورية أيّ المركزية نظراً لأهمية البطلَين يوسف وموسى في خلاص الشعب الإسرائيلي.
يوسف 9-16
الخبر يبدأ بكلمتين أساسيتين وهما "الحسد" و"الآباء"؛ "الحسد" وهو عامل نفسي في داخل الإنسان قد يدفعه إلى تدمير الآخر للحصول على مركزه، وكلمة "الآباء" أزالت مفرد "الإخوة" الذي ذكره الإنجيلي في بدء خطابه، "أيها الإخوة (آ 1). وقطع الرابط بين الآباء ويوسف الذي بيع إلى مصر وانتقل من أرض الآباء إلى أرض غريبة سيكون سبباً لاضطهاد سلالة يعقوب بعد موت فرعون الذي يعرفه يوسف. يوسف لم يبقَ لمفرده لأنّ الله انتقل معه وكسر الحواجز التي خلقها الآباء بقولهم عنه "إلهنا". فأنقذه من كلّ شدائده وكانت الحظوة والحكمة إلى جانبه وأصبح وكيل فرعون على مملكته. أرض كنعان إذاً لم تعد المكان الذي ينبغي أن نكون فيه حتى نلتقي بالله.
إنتقل الله مع يوسف وضرب الضيق الشديد مصر وكنعان وأصابت المجاعة (آباءنا). كلمة "آباءنا" شملت اسطفانس والسامعين لأنّه أراد القول آبائي هم آباؤكم. واضطرّ يعقوب أن يُرسل الآباء إلى مصر للمرّة الأولى. أمّا في المرّة الثانية، فتعرّف يوسف إلى إخوته وكُشفت هويّته لفرعون فكانت النتيجة أن استقدم يوسف الآباء إلى مصر وعرض فرعون على آل يعقوب أن يبقوا على هذه الأرض.
يوسف نُفي وعُزل عن أرض الآباء المسمّاة بأرض الميعاد ولكن انتقال الله معه نبذ قيمة الختانة التي لم تعد كافية حتى يُطلق على الآباء إسم أبناء الوعد. هذا الإنقسام جعل من مصر أرض الميعاد والإعتراف بالله من خلال التعرّف على عبده. بالإضافة إلى ذلك يمكننا التأكد من أنّ نبذ اليهود للأمم لم يبدأ منذ عهد الآباء. وموت يعقوب جمعه بابراهيم، والإثنان معاً دُفنا في مدفن إشتراه ابراهيم بماله الخاص ولم يحصل عليه بالوعد.

موسى: 17- 37
ليست قصّة يوسف سوى تحضير لقصّة موسى الذي تعرّض للمأساة نفسها التي تعرّض لها يوسف من قبل المصريين. نمت سلالة ابراهيم فخاف فرعون من كبر العدد فأجبر الناس على قتل أطفالهم. وكان موسى لا يزال طفلاً عديم القوى فطرحه أهله ولكنّ الله كان معه (آ 2) وأنقذه على يد ابنة فرعون التي انتشلته وربّته كابن لها.
بعد اختفاء الفرعون الذي كان يعرف يوسف، فُقدت العلاقة والجيرة بين المصريين والآباء فلذلك ينبغي وجود شخصٍ آخر "قادر" على القيام بمهمّة توازي مهمّة يوسف من أجل خلاص شعبه.
وها إنّ التوازي بدأ يظهر واضحاً: طُرح موسى فاعتنى به المصريون كما هي الحال عند يوسف وتثقّف على يد المصريين وكان قديراً في أقواله وأفعاله وبدأ بالدفاع عن المظلومين حتى ولو كان المعتدي من المصريين. ولكن أخوته لم يعوا ما سيأتيهم الله من خلاص على يده. جَهل إخوة موسى يوازي جهل إخوة يوسف. نبذ أحد اليهود موسى برفضه لوساطته (آ 27) فرمز بذلك إلى الرفض الذي سيحدث فيما بعد من قبل الشعب كله! "من أقامك علينا رئيساً وقاضياً؟". هرب موسى إلى مديان حيث ولد ابنين. وبذلك ابتعد موسى عن الأرض التي لم تعد مكاناً يلتقي فيه بالله. مديان أصبحت المكان الذي نمت فيه سلالة موسى وظهرت بركة الرب عليه. مديان ليست أرض الميعاد ولكنّها أرض ظهر الله عليها لموسى وكشف له ذاته. فتعرّف موسى على إله آبائه ابراهيم واسحق ويعقوب وارتبط بهم من خلال إيمانه بإلههم الذي أصبح إلهه. تكلّم الربُّ مع موسى وأعلن له أنّ المكان الذي يطأه هو أرض مقدّسة وهذه الأرض موجودة في صحراء جبل سيناء وليست في كنعان أرض الميعاد. إذاً الرب هو الذي يحدّد المكان المقدّس وليس العكس. اختار الرب موسى وأرسله لينقذ شعبه من مصر التي أصبحت أرضاً لا تعرف الله (33- 34).
يعيد الإنجيلي ذكر ما حدث مع موسى ويشدّد على أنّ الذي أنكرتموه هو الذي اختاره الله رئيساً "وفادياً" يعضده الملاك، وهو الذي أخرج شعبه من مصر بما أتى في أرضها من أعاجيب وفي البحر الأحمر وفي الصحراء طيلة أربعين سنة (35- 36) وهو الذي قال أيضاً "سيقيم الله من إخوتك نبياً مثلي". في آية كهذه يلفت نظرنا الفعل "أقام" الذي يعني باليونانية أنإستامي ومصدر هذا الفعل هو القيامة. وبقوله هذا أراد التلميح إلى نبيّ آخر سيظهر من بين إخوته الإسرائيليين وستوازي قوّته قوَّة موسى فلا تعودون إلى نكرانه. سنعيد التكلّم عن هذه الآية في خاتمة المقال.
عمل موسى كفادٍ ومحررٍ لشعبه ولكنّه الوحيد الذي التقى بالله وتعرّف عليه من خلال ملاكه.

8 و 38- 43: الشريعة
أعطى الله ابراهيم عهد ختانة وربط بينه وبين سلالة ابراهيم. والعهد لا يكتمل دون شريعة. فعلى الفريقين أن يلتزما بشروط على أساسها يتمّ الإخلاص والوفاء لهذا الرابط بينهما.
تمّ العهد في الآية 8 وأصبحت الختانة علامة تعلن عن انتماء الشخص إلى شعب الله المتحدّر من ابراهيم. والشريعة التي تكمّل هذا العهد أُعطيت لموسى بواسطة الملاك وليس مباشرة من الله (آ 37). بواسطة موسى أُعطيت لآبائنا وهذه الشريعة ما هي إلا كلمات حيّة (آ 38) رفضها آباؤنا وعصوها وبذلك نقضوا عهدهم مع الله. فنبذوا موسى كما سبق وفعلوا في مصر وطلبوا من هارون أن يصنع لهم آلهة تسير أمامهم من أجل حمايتهم، وعبدو الأوثان. وبذلك تلفتت قلوبهم إلى مصر، الأرض التي أخرجهم الله منها. أصبحت إذاً الشريعة كلمة حيّة تحرّر من عبودية المكان وتقتل الأوثان في داخل قلب الإنسان. ورفض الآباء لها هو رفض لمشروع الله الخلاصي من أجلهم (39- 41).


(5-7) و (44- 50) الهيكل
وعد الله ابراهيم بالأرض ووعده بأن تملكها سلالته بعده. ولكن سلالته ستمرّ في مأساة كما سبق وذكرنا لأنهّا ستُستعبد مدة أربعمائة سنة والله سيخرجها ويدين الأمّة التي استعبدتها (6- 7). خروج سلالة ابراهيم من مصر وحلولها في أرض الميعاد كان مربوطاً بشرط أساسي هو عبادة الله على هذه الأرض: "وتعبدني في هذا المكان" (7). الخيمة التي صنعها موسى طلبها الله ذاته وما هي إلاّ دلالة علي الإيمان والعهد اللذين يربطان الشعب بإلهه. جاءت من موسى وتسلّمها آباؤنا بقيادة يشوع الذي على أساس هذا الرباط دخل بها إلى أرض الأمم بمساعدة الله. وها إنّ الوعد الذي وُعد به إبراهيم يتحقّق (آ 5). ظلّت الخيمة إلى عهد داود الذي لقي حظوة عند الله وأراد أن يشيد مسكناً لبني يعقوب فلم يستطع فشيّد سليمان المسكن.
ها إنّ ثلاث شخصيات مهمّة وجديرة تمرّ في هذه الخطبة: يشوع وداود وسليمان وهي مرتبطة بالآباء وتُعبرّ عن استمرارية العلاقة بين الله وشعبه. رضي الله على داود فلذلك استطاع هذا الأخير أن يفهم أهميّة عدم حبس الله في مسكن من صنع البشر، ولكن سليمان الذي أشاد الهيكل لقي معارضة من قبل النبيّ الذي أعلن الله على لسانه مدى أهمية مسكنٍ الله غير المشاد بأيدي البشر والمنتشر في السماء وعلى الأرض بمجملها. إذاً فالمبادىء الإسرائيلة التي تقوم على الحدّ من صلاحية الخالق أصبحت تشكّل خطراً على شمولية إنتماء العالم إليه. إذا كانت السماء عرشه والأرض موطىء قدميه فعلى جميع البشر إذاً أن يتعرّفوا على إلههم ويخضعوا له ؤآية 49).
2- 4 و51- 53 اسطفانس والأخوة والآباء
بدأ اسطفانس كلامه بالعبارة "إسمعوا أيها الإخوة" وهي عبارة خاصّة بسِفر تثنية الإشتراع خاصة الفصل السادس منه "إسمع يا إسرائيل". والهدف من هذا الكتاب هو تأوين ما قيل على لسان موسى أي عيش الحاضر على ضوء خبرة آبائنا الماضية مع الله.
وكلمة "الإخوة" التي تربط بين اسطفانس والسامعين لا تُذكر سوى في الآية 2 من الخطبة.
أمّا كلمة "آباءنا" فقد ظلّت تتكرّر في النصّ كلّه (آ 44، 45، 38 الخ...) إلى أن استُبدلت بكلمة "آباؤكم" حيث يفقد الرابط بين المتكلّم والمخاطب. وسبب فقدان هذا الجامع يمكننا أن نقرأه على ضوء رسالة موسى حيث لم يع ينو إسرائيل إخوته لما سيأتيهم الله من عون وخلاص على يد موسى فرفضوا وجوده بينهم (23- 25).
ظهر إله المجد لإبراهيم في أرض غير مقدّسة، بلاد ما بين النهرين (2) وأطلق على ابراهيم صفة "أبينا" لأنّه جمعنا بإيمانه؛ وخرج ابراهيم بطواعّية من أرضه مع عشيرته وأقام في حران وبقي الله معه حتى بعد موته، إذ إنّه نقله من حران إلى الأرض التي تقيمون فيها الآن أي أرض الميعاد التي وعده بها ووعده بأن يمِّلكها لسلالته. بذلك لم يعد وجود الله محدّداً بأرض معيّنة أو بهيكل معيّن لأنّه كان ينتقل مع الذين يؤمنون به ويتواجد في أراضٍ عديدة نظراً لشمولية ألوهيته.
أمّا بالنسبة لإسطفانس الذي تكلّم أخيراً عن ذاته (51-53) فقد ألغى كلّ جامع بينه وبين سامعيه "فلأنتم كآبائكم، أيّ نبي ما اضطهده آباؤكم". قتلُ الأنبيا هو قتل كلمة الله واضطهادها والسبب هو "قساوة رقابهم" (51) نظراً لعدم طواعيتهم "وغلف قلوبهم" (51) الذي أفقدهم قيمة عهد الختانة الذي أعطاه الله لإبراهيم (8). يبقون غلف قلوبهم وينزعون غلف أجسادهم ويدّعون انتماءهم إلى أبوّة إبراهيم. وهنا نلمس مدى تحوّل الشريعة التي تسلّمها موسى "كلمات حيّة" (38 و 53) إلى كلمات ماتت بجمودها وبمظاهرها بسبب منعها من دخول أحشائنا.
فالجامع بينكم وبين آبائكم هو قتل الأنبياء ورفض الشريعة والإرادة بتحديد مكان تضعون فيه الذي تدّعون بأنّه إلهكم. بذلك أصبح اسطفانس الجامع بين الماضي والحاضر، بين الآباء والأبناء لأنّه اضطُهد على أيديهم كما اضطُهد الذي يبشرون بالبار على أيدي آبائهم (52).
لأنّ إيمان المبشّرين يوحّدهم بالمبشّر به بواسطة الروح القدس الذي كان يقاوم أبداً من قبل مضطهديهم.
التشابه أصبح إذاً واضحاً بين يوسف وموسى واسطفانس وكلّ من يبشّر بمجيء البار.
وما عدم تحديد اسم البار المذكور في الآية (52 ب) إلاّ ليربطنا بالنبي الذي تنبّأ به موسى عندما قال "سيقيم الله من إخوتك نبياً مثلي" (آ 37 وتث 18: 15 و18-19). عندما يقرأ المسيحي نبوءة كهذه لن يرى في النبي المشابه لموسى سوى المسيح الذي هو أعظم من موسى كما صوّره يوحنا الإنجيلي (يو 6: 14 و7: 40). تردّدت هذه الآية مرَّتين في أعمال الرسل: مرّة في (7: 37) ومرّة أخرى في خطبة بطرس (3: 22) من أجل الإعلان عن قيامة المسيح وتعليلها بالكتب المقدسة. نصّ تثنية الإشتراع لا يلمّح إلى آلام المسيح ولا إلى قيام الملكوت الإسخاتولوجي ولكنّ قراءته أفادت لوقا في شرح قيامة المسيح وتأكيدها. فالفعل اليوناني أنإستامي قد يترجم "بقام أو نهض" و"بقام من بين الأموات". وبطرس عندما يستعمل هذه الآية "نبياً مثلي سيقيم لكم الرب" يعود ويقول بعد بضعة شروحات في خاتمة خطبته: "من أجلكم أولاً أقام الله عبده من بين الأموات" (3: 36). الفعل اليوناني المستعمل في الآية 23 هو نفسه يتردّد في الآية 36 فلذلك نستطيع أن نلحظ العلاقة الواضحة بين النبيّ الذي تكلّم عنه موسى وبين النبيّ الذي أقامه الله من بين الأموات.
إلى ذلك يضيف سفر تثنية الإشتراع عبارة: "له اسمعوا" التي استعملها اسطفانس في بداية خطبته واتّهم السامعين بغلق القلوب في نهاية الخطبة. برهن بذلك أنهّم لا يسمعون ولا ينفّذون أقوال موسى التي تشير إلى البار الذي ينبغي أن يسمعوه.

4- النصّ في إطاره
يبدو لنا من خلال الخطبة أنّ اسطفانس أراد إعادة النظر مع سامعيه بالشريعة وأهدافها فحاول تفسيرها على ضوء إيمانه الجديد بيسوع المسيح. بذلك برزت فكرة عدم الوفاء والإخلاص لوعد الله المنتظر منذ أيام يوسف إلى يوم مجيء البار والتبشير به. ردّ اسطفانس في خطبته على الإتهامات الموجّهة ضدّه جدّف على موسى والله حمل على هذا المكان المقدّس أي الهيكل وعلى التوراة وأعلن بأنّ يسوع الناصري سوف يدّمر هذا الهيكل ويبدّل ما نقل الناموس من عادات.
لقد اعتمد اسطفانس على تلخيص ما ورد في التوراة إذ إنّه أظهر أعمال الآباء التي قامت على رفض أولياء الله واضطهادهم "يوسف وموسى" (9-37). رفض المرسل هو رفض الله بذاته لذلك فالتجديف على موسى والله عاشه آباء السامعين والمتكلّم معاً. أمّا بالنسبة للهيكل المقدّس الذي أشادته أيدي البشر، فقد رفضه الله وأعلن عن رغبته في إبقاء مسكنه شمولياً يطال كلّ البشر: "السماء عرشه والأرض موطىء قدميه" (44- 50)
وتسلّم موسى التوراة ليعطيها لآبائنا ولكنّهم رفضوها (38- 39) كما ترفضونها أنتم اليوم (53). أمّا يسوع الناصري النبي الذي أعلن عنه موسى (37) فقاومتموه بقتلكم المبشرين به. وبقتلكم يسوع الناصري نقضتم كلام موسى وبدّلتم ما نُقل إليكم من عادات ورفضتم من يستطيع أن يكمّل ما ورد في الناموس.
وعندما سمعوا كلام اسطفانس قادوه إلى خارج أسوار المدينة كما جرى ليوسِف عندما بيع إلى مصر ولموسى عندما هرب إلى صحراء سيناء والإثنان معاً إلتقيا بالله في المكان الذي انتقلا إليه. قبل ذلك رأى اسطفانسِ "يسوع واقفاً عن يمين الله" (55) أي إنّ يسوع أصبح بذلك مشاركاً لله مجده وألوهيّته. وما السموات المنفتحة إلاّ إعلان عن المجال الذي فُتح أمام كلّ إنسان أراد خلاص نفسه بالإيمان بابن الإنسان الجالس عن يمين عرش الله الذي اختار السموات هيكلاً له لأنّه ليس محدوداً بشعب معيّن ولكنّه شمولّي (56).
وبذلك فإن إخراج اسطفانس إلى خارج المدينة لم يعد يؤثّر على لقائه بابن الإنسان الذي تبعه وتلقّى منه روحه (59). وموقف اسطفانس في النهاية كان مشابهاً لموقف المسيح الذي غفر للذين اضطهدوه وصلبوه. كل ذلك كان ممكناً لأنّه كان مملوءا من الروح القدس (55).
والمكان الذي قُتل فيه اسطفانس ليس المكان الذي يموت فيه الآباء ولكنّه المكان الذي يُعطي الآباء فيه الموت.
في هذا المكان بالذات ظهر ولأول مرّة شاول الذي سيتسلّم المشعل منٍ اسطفانس. مات اسطفانس فعاشت روح اسطفانس في إنسان كان سائراً على خطى الآباء في عدم فهمه لأهداف شريعته، إسمه شاول.

الخاتمة
في النهاية أعلن اسطفانس عن شيئين أساسيين وهما:
- لا وجود لأيّ مكان أو هيكل مقدّس تُحصر به العبادة لله. ووجود اليهكل ليس علامة رضى أرادها الله لتحقيق وعده.
- والختانة الجسدية لا تُعطي أيَّ ضمانة من أجل الوفاء والإخلاص لعهد الله أو الإنضمام إليه. واسطفانس يشهد وكأنه المفسّر الحقيقي لشريعة الله.
هذه النقاط التي عالجها اسطفانس في خطبته ستعود وتظهر في الفصل 15 حيث تبرز مشكلة الختانة وعدم الختانة للمؤمنين غير اليهود في إطار وفائهم وإخلاصهم لوعد الله.
إنّ موت اسطفانس قد أحدث اضطهاداً بخروج أبناء أورشليم إلى أنحاء اليهودية والسامرة (8: 1) وبانفصال بني اليهود وتبّاع الشريعة.
وهذا التشتّت كان عاملاً أساسياً في التبشير بالكلمة ونشرها بدءاً من السامرة مع فيليبس ومروراً بأبناء الأمم مع الحبشي (8: 26) إلى أقاصي الأرض.
وبهذا يمثّل اسطفانس دوراً بارزاً لأنّه كان الدافع الأساسي في التحوّل الذي حدث في كنسة أورشليم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM