الفصل التاسع عشر
وضع اليد في أعمال الرسل
الخوري بولس الفغالي
لعب وضع اليد دوراً كبيراً في المجال الليتورجي والآبائي، وعاد إلى الظهور في ممارسات عديدة. فبعد الرسامة الشماسية والكهنوتية والأسقفية، إمتدّت عادة وضع اليد بالنسبة إلى المرضى وأمور أخرى نجدها في التّجديد الكرسماتي (أو المواهبي).
أ- ملف القضية
1- شهادات عن وضع اليد
إذا عدنا إلى العهد الجديد، وجدنا أن أع يتضمّن أكثر أنواع الشهادات عن وضع اليد. وتُذكر هذه الممارسة ثلاث مرات عندما تتمّ معجزة: "رأى بولس رجلاً يدخل ويضع يديه عليه فيبصر" (9: 17). كان والد بوبليوس (حاكم جزيرة مالطة) مريضاً. "دخل بولس إلى غرفته وصلّى ووضع يديه عليه فشفاه" (28: 8). ونقرأ عن وضع اليد مرتين حين رسامة أشخاص في خدمة الكنيسة. إختارت الجماعةُ السبعةَ، فصلّى الرسل "ووضعوا عليهم الأيدي" (6: 6). واختارت كنيسة أنطاكية بولس وبرنابا من أجل الرسالة. "صاموا وصلّوا ووضعوا أيديهم عليهما" (13: 3). وتمّ وضع اليد من أجل عطية الروح المميّزة عن نعمة العماد. تعمّد السامريون باسم الرب يسوع، فجاء بطرس ويوحنا "ووضعا أيديهما عليهم، فنالوا الروح القدس" (8: 17). "ووضع بولس يديه على تلاميذ أفسس فنزل عليهم الروح القدس" (19: 5). في 9: 17، يرتبط وضع اليد بالشفاء، كما يرتبط بموهبة الروح القدس. وفي 8: 39 نجد اختلافة في النّص الغربي تتحدّث عن وضع اليد (في عدد من المخطوطات الجرارة، في السريانية الحرقلية، عند أفرام وكيرلس الأورشليمي وديديمس وإيرونيموس وأغوسطينوس: تبعت عطية الروح القدس العماد).
كلّ هذه الإيرادات لا تعود بنا إلى أمر الرب، كما في المعمودية (مت 28: 19: إذهبوا وعمّدوهم) أو في الإفخارستيا (1 كور 11: 23، 25؛ لو 22: 19). يذكر أع هذه الفعلة (وضع اليد) ذكراً واضحاً، ويشدّد من جهة ثانية على القدرة التي في يد الرسل. "وجرى على أيدي الرسل بين الشعب كثير من العجائب والآيات" (5: 12). "وكان الرب يشهد لكلام بولس وبرنابا بما أجرى على أيديهما من العجائب والآيات" (14: 3). "وكان الله يجري على يد بولس معجزات غريبة" (19: 11).
وبجانب هذه الإشارات القصيرة التي ترد بطريقة عابرة، نجد أقوالاً تبرز في وسط الخبر، وقد شكّك بعض الشراح بمعناها التقليدي وبتاريخيتها: 6: 1- 6؛ 8: 14- 17؛ 13: 1- 3؛ 19: 1- 7. يرتبط 13: 1- 3 بمرجع أنطاكي. ويقترب 6: 1- 6 من النّص السابق. فيدلّ على التقليد عينه الذي استقى منه لوقا. وماذا عن نص 19: 1-7؟ هناك آ 1 التي تدلّ على أثر اليوميّات التي استعملها لوقا. وفي آ 5-7 نجد مرجعاً آخر. أما آ 2- 4 فتدلّ على يد ذلك الذي كتب وأهدى كتابه إلى تيوفيلوس، أما 8: 14- 17، فهي جزء أعيد كتابته في التدوين النهائي.
نحن نستنتج أن وضع اليد هو فعلة طقسية مارستها كنيسة الرسل. هذا ما يقرّ به نقّاد مثل ألفرد لوازي الفرنسي وهانس كونزلمان الإلماني. ولكن الجدال يبدأ حين نعالج البعد الدقيق لهذه النّصوص، وتاريخية الوقائع، والظروف التي أحاطت بها.
هل تُلقي أسفار العهد الجديد ضوءا على معنى وبُعد هذا الطقس؟ بالنسبة إلى طقوس الشفاء هناك نصوص إنجيلية تُنسب إلى يسوع. وارتبط بوضع اليد كطقس تابع للمعمودية نصُ عب 6: 2 (وضع الأيدي مع المعمودية). وهناك ثلاثة مقاطع في الرسائل الرعائية تشير إلى طقس يولي المسؤولين أهمية قيادة الكنيسة المحلّية: 1 تم 4: 14 (نعمة نلتها حين وضع الشيوخ أيديهم عليك)؛ 5: 22 (لا تستعجل في وضع يديك على أحد، ولا تكن شريكاً في خطايا غيرك. قد تدل هذه الآية على طقس مصالحة وتوبة)؛ 2 تم 1: 6 (وضعت يدي عليك).
2- طقس الشفاء، طقس بعد العماد
لن نقول شيئاً عن أع 6: 6 و 13: 03 أما ذكر طقس الشفاء في 9: 12 والطقس التابع للعماد في 8: 17؛ 8: 18؛ 8: 39 ب؛ 19: 6، فهما موضوع اختلاف ملحوظ.
أولاً: بالنسبة إلى طقس الشفاء
نجد عدّة اختلافات طفيفة في 9: 12. الأولى: يرى رجلاً في الرؤيا (الإسكندراني، القبطى ويقبل بها بعض العلماء). الثانية: يرى في الرؤيا رجلاً (السريانية، الأرمنية اللاتينية العتيقة وبعض المخطوطات الجرارة). الثالثة: يرى رجلاً (تحذف كلمة في الرؤيا): بردية 74، السينائية، الشعبية اللاتينية، القبطية الصعيدية والبحيرية، الحبشية. الرابعة: في الرؤيا (تحذف كلمة "رجل"): جبل أتوس من القرن التاسع.
ماذا يقول النقد الخارجي؟ هناك انقسامات على مستوى الأسر النصوصية المختلفة: فالفاتيكاني يقدّم النّص الطويل والسينائي النصّ القصير. والترجمات السريانية واللاتينية منقسمة. يفضّل النقد الداخلي القراءة الثالثة ويعتبر أن عبارة "في رؤيا" زيدت لتوضح فعل "رأى". ولكن فضّلت القراءة الأولى: اعتُبرت أنها الأصعب لا سيّما وأن "في رؤيا" بعيدة عن الفعل (رج الشيء عينه في 14: 8).
وذكر "الأيدي" يقدّم اختلافات أيضاً. الأولى "خايراس": "أيدي" (بدون أل التعريف). الثانية: الأيدي (مع أل التعريف) "تاس خايراس" في الشعبية، القبطية، الحبشية، الأرمنية. ما الذي رآه النقد الخارجي؟ النصّ الإسكندراني يغفل أل التعريف، وهذا أمر غير عادي في المقاطع التي تذكر وضع الأيدي (ما عدا 19: 6). هذا ما يقوله النقد الداخلي. إذاً القراءة الأصعب هي التي تلغي أل التعريف. فالكاتب يزيد (أل التعريف) ولا ينقصها. ومهما تكن القراءة المختارة، فالخيار لا يؤثّر على المعنى. نشير هنا إلى أن مخطوطاً من مخطوطات اللاتينية العتيقة (يعود إلى القرن 5) أغفل آ 12 كلّها. نحن هنا، بلا شك، أمام خطأ من قبل الناسخ.
ثانيا: الطقس التابع للعماد
نلاحظ اختلافات في 8: 17؛ 8: 18؛ 8: 39 ب؛ 19: 6.
- في 8: 18. الروح (تو بنفما): القبطية الصعيدية. الروح القدس (تو بنفما تو أغيون): بردية 45؛ 74: يتردد النقد الخارجي أمام النصّ القصير (كما في مخطوطة الإسكندرية) والنصّ الطويل (في سائرَ الأُسَر). بما أن النصّ الإسكندراني هو أكثر أهمية، مال الشرّاح إلى النص القصير وقَبِل النقد الداخلي بهذا الإختيار. نحن نفهم أن الناسخ زاد (ولم يحذف) "تو أغيون" (القدس) ليكون نصّه متّفقاً مع النصوص التقليدية.
- في 8: 39 ب. نجد هنا اختلافة هامة. في النصّ الذي نقرأ نجد: روح الرب (بنفما كيريو) ولكن في كودكس بربينيان وعدة مخطوطات من اللاتينية الشعبية والسريانية والأرمنية وأفرام وايرونيموس واغوسطينوس، نجد "بنفما كيريو": أي نزل الروح القدس على الرجل. (خطف) ملاك الرب فيلبس. نلاحظ أن الناسخ صحّح المخطوط. ثمّ إن الشواهد الآبائية هي متأخرة (القرن 4، 5) ولا توافق ولا تورد الإختلافة بدقّة. كودكس بربينيان (القرن 13) هو مخطوط من مخطوطات اللاتينية العتيقة. جاء من جنوبي فرنسا فأفلت من تأثير الشعبية. قد يكون شاهداً مهمّاً من أجل النصّ الغربي، ولكن المقطوعة 8: 29- 10: 14 ناقصة.
ماذا يقول النقد الداخلي؟ هناك من يقبل بالنصّ الطويل ويقدّم البراهين. الأول: يتجنّب هذا النّصُ أن ينسب انتقال التدخّل إلى الروح، لأن مثل هذا التدخّل للروح لا يذكر في أي مكان في العهد الجديد. الثاني: يذكر النصُ عطيةَ الروح كما نتوقّعها في ف 1- 10. الثالث: أما البواعث لإغفال الزيادة فهي: أغفل الناسخ العطية التابعة للعماد، لأن خادم الله لم يكن رسولاً ولأن وضع الأيدي لم يُذكر. أو أغفل الناسخ النصّ بطريقة عرضية فانتقل من "بنفما" إلى "كيريو" لا سيّما إذا كان نصّه حسب السريانية الحرقلية "بنفما كيريو" لا "بنفما اغيون".
إختار معظم الشرّاح النصّ القصير متّبعين النقد الخارجي. إعتبروا هذا النصّ القراءة الأصعب. أما كيف دخلت الزيادة؟ أراد ناسخ أن يذكر موهبة الروح التي تلي (حسب 2: 38) قبول المعمودية. ثمّ أراد أن يدخل في آ 39 "ملاك الربّ" الذي كان حاضراً مع فيلبس كما نقرأ في 8: 26.
في 19: 6 نجد في السينائي والإسكندارني والفاتيكاني وغيرها: خايراس (أيدي). وفي البازي، والبسيطة والحبشيّة: خايرا (يد). وفي مخطوطات أخرى: "تاس خايراس" (مع أل التعريف). يجد النقد الخارجي نفسه أمام حالة أسهل مما في 9: 12. بما أن أقدم المخطوطات تغفل ذكر ال التعريف، فهذا الإغفال يفرض نفسه. وهذا ما لا يتعارض والنقد الداخلي الذي يعتبر أن التعريف زيد تحت تأثير اللغة الجارية.
ونجد زيادة هامّة في 19: 6ا في السريانية وافرام والسلسلات وكودكس بربينيان ومخطوطات عديدة للشعبية: وتكلّموا بلغات أخرى، وعرفوا معناها، وفسّروها بعضهم لبعض، وتنبأوا (الكلمات التي تحتها خط تنتمي أيضاً إلى النصّ القصير. في المخطوطات اليونانية). يلاحظ النقد الخارجي أننا أمام قراءة غربية. فنحن لا نجد هذه الزيادة في أي نصّ يوناني (الشواهد غير المباشرة التي نمتلكها قليلة جداً). نحن هنا أمام تحريف تأثّر بنصّ 1 كور 14: 15، 27. لا سيّما وأن التّكلّم بلغات يساعد الناسخ أو الشارح على هذه الزيادة. ونحن نجد زيادات طويلة أخرى في النصّ الغربي.
ب- وضع اليد هو طقس شفاء
إذا كان كاتب أع هو لوقا الذي كتب الإنجيل الثالث، فلن نعجب إن أورد طقس وضع الأيدي. لا شكّ في أن لوقا لا يتفوّق على الإزائيين في هذا الموضوع: مر 5: 23؛ 6: 5؛ 7: 32؛ 8: 23، 25؛ 10: 16 (كطقس مباركة): 16: 18؛ مت 9: 18؛ 19: 13، 15 (كطقس مباركة). أما لوقا: 4: 40؛ 13: 13.
إن مرقس هو الذي يتميّز عن الإزائيين. ولكن لوقا يمتلك نصاً ليس له ما يوازيه (13: 13): وضع يديه عليها، فانتصبت قائمة في الحال ومجّدت الله: إن يسوع وضع يديه على كل من المرضى فشفاهم (لو 4: 40).
نلاحظ أولا أن العبارة اليونانية تنقل شكلين ساميين: شيت (شيم) يد (أي وضع اليد على)، سمك. الشكل الأول يدلّ على لمس بسيط. في الشكل الثاني، يشذ الشخص على الشيء الذي يلمس. وحين يستعمل النّص "سمك" فهوْ يعني وضع اليدين. لهذا نجد الجمع (لم يعد من وجود للمثنى في اللغة اليونانية الشائعة: كويني) في أع ما عدا في 9: 12، 17 (نجد الجمع في الأناجيل. مر 6: 5؛ 8: 23، 25؛ 16: 18؛ لو 4: 40؛ 13: 13. نجد المفرد في حالتين، لا في اجتراح الشفاء بل في طلب شفاء يتوجّه إلى يسوع). ونلاحظ أن طقس المباركة غير موجود في أع بصورة واضحة. أما طقس الشفاء، فنجده في المعجزات لا في إجمالات نُسبت إلى المدوّن الأخير للعمل اللوقاوي. ولا تظهر نية لدى الكاتب بأن يبيّن أن وعد المخلّص المذكور في مر 16: 18 قد تمّ. فالكلمة "أروستوس" المذكورة في مر 6: 5؛ 6: 13؛ 16: 18 ومت 14: 14 غير موجودة في أع. ونلاحظ أيضاً (وذلك عكس الأناجيل) أن اللجوء إلى وضع الأيدي، ترافقه الصلاة (28: 8؛ في 9: 11، كان بولس، لا حنانيا، يصلي حين وضع حنانيا عليه الأيدي). ولكن هذا لا يفترض الإيمان كشرط سابق للحصول على الشفاء (أما في 14: 9 فنقرأ أن بولس رأى في كسيح لسترة من الإيمان ما يدعو إلى الشفاء). ونلاحظ أخيراً أن بولس وحنانيا وحدهما يلجأان إلى فعلة من أجل الشفاء. بولس: حين نجّى والد بوبليوس من الحمّى (28: 8، وضع عليه يديه). وحنانيا حين ردّ البصر إلى شاول (9: 12، 13، 17). ولكن لن نستنتج أن بطرس يسمو على بولس في عمله كمجترح معجزات، لأن الكتاب لا يذكر أعمالاً طقسية قام بها. إن بولس (13: 11؛ 14: 26؛ 16: 18؛ 19: 11. نلاحظ أن النصّ يحيلنا إلى يسوع بل إلى الله كالفاعل الأخير للمعجزة) وبطرس يشدّدان كلاهما على أن المعجزات تتمّ بيد الرب يسوع (3: 6: باسم يسوع المسيح الناصري: 9: 34: شفاك يسوع المسيح). وإن بطرس لا يختلف عن بولس (28: 8). فلا ينسى اللجوء إلى الصلاة قبل الإنتقال إلى الشفاء (9: 40: سجد وصلّى). ونشير إلى أننا نجد إجمالتين (5: 12، تشير إلى كل الرسل وتخصّص بطرس؛ 19: 11- 12 تشير إلى بولس) تجعل الرسولين متساويين على مستوى اجتراح المعجزات.
هل نجد ما يقابل طقس الشفاء ووضع الأيدي في العالم الديني الذي كتب فيه لوقا؟ هناك نصّان قمرانيان (ابوكريفون التكوين، في المغارة الأولى، 20: 21- 22، 28- 29) يؤكّدان أن أوساط الأسيانيين عرفوا ذلك الطقس واعتبروا أنه جاءهم من مصر في زمن الخروج على يد رجل اسمه حرقانس (بادر وطلب وضع الأيدي): يربطون هذا الطقس ربطاً وثيقاً بالصلاة، ويفسّرونه مع ممارسة طرد الأرواح، ويخضعون فاعليّته وفاعليّة الصلاة التي ترافقه لارتداد الشخص الذي سيستفيد منه.
أجل، عُرفت هذه الفعلة (وضعُ اليد من أجل الشفاء) في ابوكريفون التكوين. ولمّحت الأناجيل إلى أن هذه الفعلة عرفتها أوساط صنع فيها يسوع عجائب: طُلب إليه أن يضع الأيدي ففعل (مر 5: 23؛ 7: 32؛ 9: 18). ولكن ممارسة يسوع تتميّز عمّا اعتاد عليه أهل قمران وعمّا كان يفعله الرسل. لم يحتَج يسوع إلى الصلاة، بل فعلَ بفضل قوة (أكسوسيا، ديناميس) تخصّه وحده (لو 4: 36: سلطان، قوة؛ مر 5: 17: ديناميس يسوع هي ديناميس كيريو أي الرب). ثمّ إنه لا يسوع ولا تلاميذه يربطون هذا الطقس ربطاً أقلّه واضحاً بممارسة التقسيم (أو: طرد الأرواح). كل ما نجده هو أن لوقا يروي خبر شفاء حماة بطرس، فيجعل يسوع يأمر الحمى وكأنه يأمر روحاً شيطانياً (لو 4: 39: إنتهر الحمّى فتركتها). ونلاحظ أيضاً أن الخبر في لو 4: 39 ومر 1: 39 ومت 8: 5 4 لا يشير إلى وضع الأيدي. أما في ممارسة الرسل (نجدها في أع 27: 8؛ 10: 12، 18)، فيبدو وضع الأيدي كطقس من الطقوس ويعكس فعلة "سمك" أي شدّ اليدين على المريض. ونحسّ كأنه بتأثير هذه الممارسة الرسولية المذكورة في مر 16: 18، أعطى المدوّن الإنجيلي الوجهة نفسها لفعلة يسوع. ولكن الآثار الباقية تكفي لتبيّن أن الأمر لم يكن هكذا. فنلاحظ مرارا أن طلب وضع الأيدي يرافقه عند يسوع لمسة بسيطة أو فعلة بها يأخذ بيد المريض ليقيمه: في مر 5: 23= مت 9: 18، طُلب من يسوع أن يضع يديه، فردّ بلمسة بسيطة، مر 5: 41= مت 9: 25؛ رج مر 7: 32-33. وفي مر 8: 22 توسّلوا إلى يسوع أن يلمسه، فوضع عليه الأيدي. نستنتج أن فعلة وضع الأيدي لم تتّخذ شكل وبُعد طقس من الطقوس، حسب التقاليد الإنجيلية، ولكنها ستصبح طقساً في عمل الرسل حسب مر 16: 18.
وإليك سمة أخرى تميّز أشفية يسوع: يفرض الطقس القمراني على الخاطىء أن يرتد ويعود عن خطيئته. أما المخلّص فيطلب الإيمان (مر 2: 5= مت 9: 2= لو 5 :20؛ مر 5 :34= مت 22:9= لو 48:8؛ مر 52:10= لو 42:18).
تساءل الشرّاح: ما هو مضمون هذه الفعلة التي يقوم بها مجترح المعجزات؛ هل هي مباركة، هل هي نقل قوة تقدر أن تحمل الشفاء؟ إن معنى الفعلة يقف بين الاثنين، لا سيّما وأن الشفاء هو بركة أو عطية قريبة من البركة.
ج- وضع الأيدي كطقس رسامة
كان الشرّاح في الماضي يرون في أع 6: 1- 6 طقس رسامة الشمامسة. وفي 13: 1- 3 طقس رسامة الأساقفة. ولكن اللاهوتيين والمسؤولين المعاصرين بدوا أكثر تحفظاً. فقالت بيبليا أورشليم الفرنسية في طبعتها الثانية سنة 1974: لا يعطي لوقا اسم شمامسة للسبعة "المختارين" ولكنّه يتحدّث عن الخدمة (ديا كونيا). وتقوله: ليس للطقس المذكور في 13: 3 البعد عينه الذي نجده في 6: 6 حيث ينال السبعة تفويضاً من الرسل. أما الترجمة المسكونية الفرنسية فلا تحدّد الوضع الخدمي للسبعة. وتقول حول 13: 3: أنها فعلة (وضع الأيدي) تشير إلى بداية مهمّة محدّدة.
هناك جدال كبير حول معنى 13: 1-3. حسب أميو الفرنسي: إن وضع الأيدي هو مباركة بسيطة من أجل مهمة سيقوم بها الرسولان. وقال الأب دوبون: حسب 14: 26 (ترعاهما نعمة الله)، يبدو أن فعلة الجماعة (وضع الأيدي) توصي بالمرسلين الجدد (رج 15: 40: سلّمه الأخوة إلى نعمة الرب) الذين اختارهم (آ 2) وأرسلهم (آ 4) الروح القدس. فليس للرتبة إذن البعد الطقسي عينه الذي نجده في 6: آ: إن السبعة قبلوا من الرسل تفويضاً. أما برنابا وشاول، فنالا تفويضهم مباشرة من الروح القدس، لا من الجماعة.
ما هو المرجع الذي استقى منه لوقا ليدوّن 13: 1-3؟ قد يكون تقليد خاص. أو وثيقة مكتوبة وُجدت في كنيسة أنطاكية، ذلك المركز الديني الهام، ونقطة انطلاق الرحلات الرسولية عبر العالم اليوناني والروماني.
يجب أن نتساءل هنا: هل تضعنا هذه القطعة أمام مشهد أم مشهدين؟ المشهد الأول (آ 2) يشير إلى اختيار برنابا وبولس بإيحاء من الروح القدس، وصلَ إلى الجماعة خلال احتفال ليتورجي يتضمّن فيما يتضمّن الصوم. أما المشهد الثاني (آ 3)، فيُشير إلى انطلاق بولس وبرنابا في المهمّة التي أوكلهما الروح بها بصورة واضحة (آ 2: للعمل الذي دعوتهما إليه).
إن الإرسال في مهمّة هو الذي يتضمّن وضع الأيدي. ويتردّد الشرّاح في معرفة الأشخاص الذين مارسو هده الفعلة. هناك من يقوِل الجماعة كلّها. وآخرون: هم الأنبياء والمعلّمون الثلاثة المذكورون في 11 بجانب برنابا وبولس: شمعون، لوقيوس، منياين. إن قرينة النصّ تجعلنا نميل إلى الرأي الثاني مع أن الكودكس البازي يسند الرأي الأول.
يعطي شورمان الإلماني أهمية كبرى لحلقة الأنبياء والمعلّمين الذين يرئسون الجماعة المسيحية في أنطاكية. يعتبر أن كل سلطة خدمية في الكنيسة الرسولية تنبع في الرسل أولاً، وفي درجة ثانية من الأنبياء. في مرحلة أولى نتخيّل الخدم مؤلفة من الرسل الذين يرتبط بهم الأنبياء والمعلّمون. وفي مرحلة ثانية، حلّ "الرعاة" محلّ المعلمين. أما مارك لودس فبدا أكثر تحفظاً. هناك أربع لوائح عن الخدم في الزمن الرسولي: 1 كور 12: 8- 10؛ 12: 28، روم 12: 6- 8؛ أف 4: 11: الرسول (شليح)، النّبي، المعلّم (رابما)، الأسقف (فوقد)، الكاهن. نجد نصوصاً في العهد القديم تلقي الضوء على أصل هذه الخدم. رج خر 9: 6؛ عد 4: 16 (حسب السبعينية)؛ أش 61: 6.
إذا أردنا أن نحدّد معنى الطقس، نلاحظ أو، أن الصلاة ترافقه في أع هنا وفي 6: 6؛ 8: 15؛ 28: 8. لسنا فقط أمام مباركة أو توصية وطلب للعون الإلهي. فالليتورجيا الإحتفالية التي تحيط به تدعونا لنفهم هذه الفعلة كنقل تفويض، كطقس جلوس وكإرسال في مهمة شليح، أبوستولوس، أي رسول. وما يدفعنا إلى تأكيد هذا المعنى هو أن برنابا وبولس تسلّما غداة ليتورجية أنطاكية وللمرة الأولى، لقب "أبوستولوس"، رسول (14: 4، 24).
ودرس الشرّاح 6: 1- 6، وقدّموا محاولات تفسير جديدة. نتساءل أولاً: ما هي طبيعة المهمّة التي أوكلت إلى الذين يسمّيهم أع "السبعة". إن فعل "كاثيستيمي" يدل على إقامة في وظيفة. ظنّ ايريناوس أنها وظيفة الشمّاس كما عرفتها الكنيسة فيما بعد (ضد الهراطقة 1/ 26: 3؛ 3/ 12: 10؛ 4/ 15: 1). أما يوحنا فم الذهب فشكّ في هذه النسبة (عظة 14 في أعمال الرسل). نجد فعل "دياكوناين" (خدم) في عبارة "خدمة الموائد"، ولكننا لا نجد الإسم "دياكونوس" أي الشمّاس. تتحدّث البيبليا المسكونية الفرنسية عن الخدمة خلال الطعام ولا سيّما الإفخارستيا مع اهتمام بإدارة الخيرات الموضوعة في عرف الجماعة. ومن يصوّر أع اسطفانس وفيلبس (يعطينا أع بعض المعلومات عنهما وحدهما. وهناك حنانيا المسمّى "ماتيتس" أي تلميذ، في 9: 10. ليس هو أحد السبعة. وقد يكون تسلّم مهمته من الرب "في رؤيا") فهو ينسب إليهما خدمة تتعدّى المساعدة المادية أو عمل المحبّة. هل نجعل السبعة كالشيوخ الحاضرين حول الرسل في أورشليم؟ قد يكون تنظيم هؤلاء الشيوخ من أجل العبرانيين. وقد نكون أمام وظيفة جديدة لم يعد في الكنيسة حاجة إليها فألغيت.
مهما يكن من أمر، إن أع يشير في 6: 6 إلى وضع الأيدي كطقس يهيّىء من يتقبّله للدخول في خدمة جماعية. قد يكون لوقا رأى يوم دوّن أع (حوالي سنة 85) 6: 1-6، في تنظيم السبعة أساس ونموذج الشمامسة التي ستعرفها بعض الجماعات المسيحية. ثم إن هذه الخدمة، كما مُوريست، ساعدت على ولادة "الشمّاس الكنسي" وتنظيم عمله.
ولا نترك هاتين الإشارتين عن وضع الأيدي كطقس تفويض في خدمة الكنيسة المحلّية أو الرسالية، إلا بعد أن نضعهما في إطار المعطيات عن أصول البُنى الكنسية ونموّها. فبالنسبة إلى كاتب أع، ساعد عاملان رئيسيّان على خلق هذا النّظام ونموّه. أولاً، الروح القدس الذي لا يزال يتدخّل في المنعطفات الكبرى من نموّ الكنيسة. ثانياً، خدام عديدون يعملون بإمرة الروح (1: 2؛ 2: 42- 43): بطرس والرسل. يشهد أع على حضور "خدام" عديدين (دياكونون). "دوديكا" أو الاثنا عشر بحصر المعنى. بطرس والرسل (21: 37؛ 5: 29)، أو الرسل والشيوخ (15: 2، 4، 6) . الرسل والأخوة في اليهودية (11: 1). ثمّ هناك الرسل بالمعنى الأوسع (14: 4، 14: بولس وبرنابا) والشيوخ الأساقفة (11: 30؛ 14: 23؛ 16: 4، 2: 17؛ 21: 18) والسبعة (6: 3؛ 21: 8) والإنجيليون أو المبشّرون (21: 8. يسمّى فيليبس أحد السبعة: المبشّر)، والأنبياء، (11: 27؛ 13: 1؛ 15: 32؛ 21: 10) والمعلّمون (13: 1)، والمعاونون (19: 22، دياكونونيتس). قد يتدخّل الروح بطريقة مباشرة في اختيار وتنصيب هؤلاء الخدّام (13: 2، 4؛ 20: 28). ولكن تفويضهم للخدم الكنسية ينبع بشرياً من الحلقة الرسولية التي تخضع للروح الذي يدير الكنيسة.
وتساءل الشرّاح: إلى أي حدّ تخيّل كتّاب أع وسائر أسفار العهد الجديد الخدم الكنسية في عصرهم ووضع اليد كأنها قاعدة من أجل الكنيسة في المستقبل؟ لم يتطرّق أع إلى هذه المسألة. أما الرسائل الرعائية فيبدو أنها عالجتها. تحدّث شليار الإلماني عن حفظ الوديعة (1 تم 6: 20؛ 2 تم 1: 12، 14، باراثيكي) وعن التّعليم (ديدسكاليا، 1 تم 1: 10، 4: 76 13، 16؛ 5: 17؛ 6: 3) كوظيفتين ثابتتين في الكنيسة على مستوى الإنجيل والممارسة التي تنتج عنه. ولكن هناك الخدم المتنوّعة ووضع الأيدي وطقس الرسامة. كيف تنتقل الوديعة والتّعليم دون سلطة تكفلهما وتؤكّدهما؟ وهذه السلطة تفرض وجود علامة منظورة، مثل وضع اليد، لتكشف للكنيسة واقع هذه الخدم.
د- وضع اليد في الطقوس التابعة للعماد
إعتبر الشرّاح واللاهوتيون الكاثوليك أنهم وجدوا في 8: 14- 17 و19: 1-7 شهادة واضحة ومباشرة عن سر التثبيت. أما كلفين، فرأى في هذين النصّين فعلة لجأ إليها الرسل ليطلبوا للمعمّدين الجدد مواهب (كرسمات) الروح ولا سيّما موهبة النبوءة، لأن هذه الموهبة لم تظهر حالاً بعد قبول العماد.
ماذا يمكن أن يقال في مرحلة أولى؟ أولا: ليس من شك لا أن أع يشهد في زمن الرسل على عطية الروح للمعمّدين الجدد بعد قبول سر المعمودية. ثانياً: إن رسائل القدّيس بولس لا تنفي هذا الواقع بل تؤكّده. ثالثاً: إن هذه الموهبة تكمّل النعمة العمادية. رابعاً: عادة هناك طقس بعد عمادي، وضع الأيدي، يمنح هذه الموهبة. خامساً: في الحالتين الموجودتين في أع، يُحصر الطقس بالرسل دون غيرهم.
ولكن جاء رأي جديد يؤكّد أن العماد يمنح المعمّدين الجدد ملء الروح. إذن، لماذا ننسب إلى أع الإعتقاد بموهبة الروح تكمل موهبة المعمودية وتعطى بواسطة طقس بعد عمادي (أي يمارس بعد طقس العماد)؟
وقدّمت البراهين التي تعارض التّأويل التقليدي. إن خبر نزول الروح القدس يوم العنصرة لا يقدّم لنا الشكل الأول للتثبيت، ولكنّه يتوجّه إلى خطبة بطرس والدعوة لقبول العماد كطريق عادية للحصول على موعد الآب، أي موهبة الروح المرتبطة بالعنصرة. لا يعارض أع هذا الموقف، والنصّان المذكوران أعلاه (8: 14- 17؛ 19: 1- 7) يبيّنان الرباط الوثيق بين المعمودية وموهبة الروح، بحيث برزت مشكلة هامة حين غابت "هذه الموهبة" عن الرتبة العمادية (يقول بعض الشرّاح إن موهبة الروح لم تغب إلا غياباً ظاهراً: فالفرح في 8: 8 يدلّ على أن السامريين قبلوا الروح. ولكن هذا يعارض آ 16 ويخفّف من قيمة العماد). وهناك القول عن المعمودية في 1: 5: "يوحنّا عمّد بالماء، وأما أنتم فتتعمّدون (أو تعمَّدون في المجهول، وهذا يدلّ على حضور إلهي) بالروح القدس". إن موهبة الروح القدس ترتبط بالطقس العمادي. يميّز لوقا بين معمودية يوحنّا وطقس العماد المسيحي الذي يتميّز عن الأول في أنه يهب الروح القدس. وهو لا يريد أن يُدخل في التدبير الجديد عمادين مميّزين: عماد الماء باسم يسوع لغفران الخطايا، وعماد الروح الذي يمنح المؤمنين المقدّسين حضور الروح الإلهي. وأخيراً، إن تعليم أع هذا يلتقي والرسائل البولسية. فبالنسبة إلى رسول الأمم، العماد هو سر التنشئة المسيحية، وإذ يقبله المؤمنون يصبحون هياكل الروح القدس وينعمون بمواهب وكرسمات متعددة.
ولكن بقي في إطار هذه النظرة إلى المعمودية التي تمنح وحدها الروح، أن نجد مضموناً لمبادرة الرسل الواردة في 8: 14- 17، 19: 1- 7 واللاجئة إلى وضع الأيدي. فاعتبر شرّاح منهم هامان وكونزلمان وكازمان أن وضع الأيدي المنسوب في المرة الأولى إلى بطرس ويوحنا، وفي المرة الثانية إلى بولس، هو طقس يضمّ المؤمنين إلى الكنيسة الأمّ: جاؤوا من انشقاق سامري أو من مجموعة يوحناوية. ولولا تدخّل الرسل، لظلوا مؤمنين هامشيين أو منشقّين.
غير أن هذا المجهود لنفي نعمة وطقس بَعد عمادي لم يصل إلى نتيجة. أن يكون أع قد رأى علاقة وثيقة بين المعمودية وموهبة الروح (2: 38؛ 8: 20؛ 10: 45؛ 11: 17) أو وعد الآب (1: 4؛ 2: 23؛ 2: 39) فإن 2: 38، بل مسيرة الكتاب كلّه بما فيه 8: 14-17 أو 19: 1-7 تبيّن هذا بوضوح.
نشير إلى أن النصوص لا تنسب إلى العماد مباشرة موهبة الروح (ينسب أع إلى العماد غفران الخطايا، 2: 38؛ 22: 16)، وأنها تدلّ على وجود طقس بَعد عمادي يُمارس من أجل هذه الموهبة. فإن أخذنا بما قاله خاصة هامان واماغو، فهو لا ينطبق على أع 19: 1-7 حيث لا يبدو بولس وكأنه ممثل الكنيسة الأم في أورشليم. ثم إننا نُدخل نظرة لا نجدها في أع، وهي أن الروح لا يُعطى إلا بواسطة رسل الكنيسة الأم. مقابل هذا، نفهم أن الكنيسة تعرّفت تدريجياً إلى الروح بطريقة شخصيّة، فتركت فكرة انتقال الروح بطريقة مادية واتخذت فكرة "أبيكلاسيس" أي دعوة الروح حين وضع الأيدي.
ونشير هنا إلى اختلافة 8: 39 التي تورد نزول الروح على وزير ملكة الحبشة. نجد في هذه الآية شهادة كنيسة محلّية ظلّت تحافظ على التمييز بين غفران الخطايا الذي هو نتيجة المعمودية وبين موهبة الروح.
واستندت هذه النظرة الجديدة إلى اللاهوت البولسي لترفض طقساً بعد عمادياً. لا شكّ في أن الرسول ينسب إلى المعمودية هبة الروح. نقرأ في 1 كور 12: 13: "تعمّدنا بروح واحد لنكون جسداً واحداً، وارتوينا من روح واحد". وفي 1 كور 6: 11: "إغتسلتم، تقدّستم، تبرّرتم باسم ربنا يسوع المسيح وبروح الهنا". رج 2 تس 2: 13- 14. إن الروح القدس هو في هذه المقاطع، لا موهبة من مواهب المعمودية، بل العامل في المعمودية. إنه ومن يغسل (1 كور 6: 11) ويبرّر (1 كور 6: 11) ويقدّس (1 كور 6: 11؛ 2 تس: 13- 14) ويختم (أف 1: 13؛ 6: 30) ويجدّد (تي 3: 5-6) المؤمنين. ثمّ إنه ليس من السهل أن ننسب إلى الغسل العمادي مقاطع يبدو فيها الروح شخصاً يُرسل (غل 4: 6) أو يُقبل (1 كور 2: 12؛ غل 3: 2، روم 8: 15) أو يقيم في المسيحي (1 كور 3: 16؛ 6: 19؛ روم 8: 9، 11؛ 2 تم 1: 14). وخلاصة الكلام، يبدو من الصعب أن نقول إن التّعليم البولسي رفض الإعتقاد بعطية الروح لا ترتبط إرتباطاً مباشراً بالغسل العمادي. كما يبدو من الصعب أيضاً أن نبيّن أن بولس ربط هذه العطيّة بطقس بعد عمادي مميّز.
ونعود إلى المقولة (لوغيون) عن عماد الروح: إنها تشكل البرهان الرئيسي الذي يستند إليه الشرّاح ليربطوا موهبة الروح بغسل العماد المسيحي. إن التقاليد الإنجيلية تربط هذه المقولة بيوحنا المعمدان (مر 1: 8؛ مت 3: 11؛ لو 3: 16؛ يو 1: 26، 33). أما مدوّن أع فينسبها إلى يسوع (أع 1: 5؛ 11: 6). وبما أن الإختلافات عديدة، بحثَ النقاد عن القراءة الأصلية. إنطلق فان إمسكوت من القول بأن كرازة المعمدان دلت على حدث الزمن الإسكاتولوجي، فاستنتج أن الشكل الأساسي للمقولة قدم معطيين أساسيين للانتظار النهائي: قدّم للأبرار المدعوّين إلى الخلاص، خيرات موهبة الروح القدس، وللأشرار المعدّين للهلاك، الدينونةَ والعقاب بالنار. هذا هو معنى المقولة في متى ولوقا اللذين يذكران الروح القدس والنار. أما مرقس ويوحنا فذكرا فقط فيض الروح، ثم ربط يوحنّا هذه الموهبة بالمعمودية.
ولكن ظلّت محاولة فان إمسكوت لاكتشاف القراءة الأصلية ناقصة. فما يهمّ المعمدان هو إعلان الدينونة القريبة في الأزمنة الأخيرة. وهو يعتبر هذه الدينونة كعمل يسوع الذي رأى فيه المسيح والقاضي المسيحاني. ويتصوّر هذا المسيح في صورة ثانية يرسمها عن الدينونة (مت 3: 12؛ لو 3: 17): ذلك المذرّي الذي ينظّف البيدر، فيجمع القمح في الأهراء ويحُرق التبن والقش. لن ننتظر في إطار تلك الصورة أن يُذكر الروح، بل أن تُذكر النسمة، أن تُذكر الريح التي يحتاج إليها المذرّي ليفصل الحب عن القشّ كما يفصل الأبرار عن الأشرار.
وحين وضعت القراءات المتاوية واللوقاوية "النسمة" أو "بنفما" على أنه "مقدّس"، أو "قدس"، أحلّت في هذه المقولة (لوغيون) أحد عناصر الدينونة الإسكاتولوجية التي هي النسمة والريح والروح القدس. وهكذا، أدخلت في المقولة تلميحاً مباشراً إلى فيض الروح الإلهي المنتظر في الأيام الأخيرة. وخطا مرقس وأع خطوة أخرى: لم يحتفظا إلا بذكر الروح. بالإضافة إلى ذلك، نسب أع 1: 5 و 11 : 6 هذا القول، لا إلى المعمدان، بل إلى يسوع، وكأن يسوع استعاد كلمة المعمدان وأعطاها معنى جديداً. من الواضح أن عماد الروح في أع 1: 5؛ 11: 6 وربما في مت 3: 13؛ لو 3: 17 يشير إلى عطيّة الروح كما نالها الرسل يوم العنصرة وكما نالها كورنيليوس الضابط (الروح الذي ناله كورنيليوس هو ذلك الذي ناله الرسل، 10: 47)، وهي عطيّة يميّزها 2: 38 عن نعمة العماد. وبكلام آخر، حين تتحدّث النصوص عن الغسل العمادي، فهي لا تشير إلى عماد الروح الذي يعني موهبة متميّزة تميّزاً واضحاً عن نعمة العماد.
ثمّ، إن التمييز الذي نجده في أع بين نعمة العماد وموهبة الروح، والفرق بين هذه النظرة والتعليم البولسي الذي يميل إلى جمع الإثنين، يُتيحان لنا أن نفهم التوسّع اللاحق في طقوس التنشئة في الكنيسة القديمة. إستوحت الكنيسة اللاتينية (ولا سيّما كنيسة أفريقيا) ممارستها من معطيات أع. أما الشرق المسيحي فعاد إلى وحدة طقوس التنشئة واستلهم الرسائل البولسية إلى درجة كاد يخسر فيها التمييز الواضح بين سّري العماد والتثبيت.
إذا كانت موهبة الروح متميّزة عن الغسل العمادي حسب أع، فبمَ تقوم هذه الموهبة؟ نحن نعلم حسب 2: 39 و10: 47 أننا أمام الموهبة التي نالها الرسل بعد العنصرة. وسنجد ضوءا إضافياً في ثلاثة مراجع: كلمة نُسبت إلى القائم من الموت (أع 1: 5، 8)، كلمة قالها بطرس (2: 5، 18)، مقاطع إخبارية في أع (2: 3- 4، 11؛ 10: 46؛ 19: 6). إن المقولة المنسوبة إلى يسوع تعلن للرسل عطيّة قوة (ديناميس)، قوة كبيرة (ديناميس ميغالي، 4: 33) تجعلهم جديرين بأن يتمّوا مهمّتهم وهي أن يكونوا شهوداً للمخلّص (1: 8؛ 4: 33؛ 8: 25) وأن يكرزوا بكلمة الله (أع 8: 25). وتحدّد كرازة بطرس أننا أمام تتميم نبوءة يوئيل 21: 16-18)، أمام موهبة نبوية (2: 17-18) ورؤى (2: 17 ب). وقد شدّد كاتب أع على موهبة النبوءة هذه (19: 6) وقرّبها من موهبة الألسنة (10: 46؛ 19: 6؛ رج 3:2- 4: لغة غير لغتهم). لقد توسّعت السريانية الحرقلية في هذه التحديدات: كانوا يفهمونها ويفسرونها. فهل نستنتج مع زان الإلماني أن كاتب أع حصر عطيّة الروح بالنبوءة والتكلّم بالألسنة (حصرها بعطية المواهب، الكارسمات)؟ نعرف أولاً أن أع يجعل النبوءة تتفوّق على التّكلم بالألسنة (تذكر النبوءة 3 مرات في أع: 2: 17، 18؛ 19: 06 أما أختلافة 10: 46 فهي تشدّد على سمو النبوءة في خط 1 كور 12: 28؛ 14: 1- 20). ثمّ إن الظواهر الكرسمية (أو المواهبية) تدلّ على حضور الموهبة، ولكنّها لا تصوّر مضمونها. ولكن يبقى أن أع الذي يسمّي المسيحيين "قدّيسين" (9: 13، 32، 41؛ 26: 10) أو "مقدّسين" (20: 32؛ 26: 18) ويعلن تبريرهم (13: 38، 39)، لا يقول إن الروح يقدّس المؤمنين ويبرّرهم.
وهكذا نستنتج أن النعمة الخاصة بموهبة الروح بعد العماد، ليست التقدّيس بل القوة (1: 8، 4: 33). ونلاحظ أن هذه القوة ترافق مسحة الروح (10: 38). إن هذه القوة (ديناميس، كما يتابع 10: 38) تؤمّن ليسوع حضور الله وتساعده على تتميم رسالته في عمل الخير والشفاء. إن المواهب ليست غائبة عن موهبة الروح، ولكنها لا تستنفدها (إن لفيض الروح بُعداً أعمق). نحن إذاً أمام موهبة تهيّىء المؤمنين للرسالة (في 4: 31 هي جرأة، باريسيا، رج 2: 29؛ 4: 13، 29؛ 28: 31)، بل لحياة مسيحية نموذجية (13: 52، كانوا ممتلئين من الفرح والروح القدس). وتكوّن شهادة ليسوع، في حياة تحقّقت غداة العماد (21: 42)، بعد قبول العماد (2: 41) وموهبة الروح (21: 38).
هـ- أصول هذا الطقس
أعلنت التقاليد الإنجيلية ارتباط المعمودية والإفخارستيا بأمر واضح من يسوع، ولكنها لا تقول إن ممارسة وضع اليد (وهي ممارسة رسولية) حتى كطقس شفاء، لا تعود إلى تأسيس من الرب. ونصّ مر 16: 18 لا يتضمّن أمراً بل إعلان امتياز سينعم به التلاميذ. لهذا نقول إن هذا الطقس يعود إلى مبادرة من قِبَل الرسل. فإن كان الأمر هكذا، بدا من الطبيعي أن نعود إلى العهد القديم كمرجع لهذه المبادرة. فكنيسة الرسل تأمّلت في التقاليد التوراتية، فرأت فيها صوراً مسبقة ونماذج لنظُمها الخاصة.
وفي الواقع، نرى ممارسة وضع الأيدي في العهد القديم، ولا سيّما في الطبقة الكهنوتية، حيث يتّخذ فعل "سمك" معنى تقنياً. غير أنه يجب أن نميّز طقسين لوضع اليد أو الأيدي يختلفان بشكلهما مضمونهما.
هناك طقس أول يسيطر فيه وضع يد واحدة وهو ينحصر في تقدمة الذبائح: خر 29: 10: يضع هارون يده وكذلك يفعل كل من أبنائه؛ خر 29: 15، 19؛ لا 1: 4، 10 (حسب السبعينية)؛ 3: 2، 8، 13؛ 4: 4، 15، 24، 29، 39؛ 8: 14، 18، 22؛ عد 8: 22؛ 2 أخ 29: 23: وضعوا أيديهم (الجمع يعني أن كل واحد وضع يده). تعبّر فعلة وضع اليد، لا عن فكرة نقل وانتقاله (أي نقل ملكية الذبيحة من الإنسان إلى الله) كما قال ورم ونوت ورودلف وفون راد، بل عن تماثل الرجل الذي يقدّم الذبيحة والحيوان الذي يقدّم كذبيحة (يضحّي الإنسان بالذبيحة فتعود إلى الله ويعود هو معها). وفي الطقس الثاني تُوضع اليدان ويتخذ فعل "سمك" معنى تقنياً فيتضمّن فكرة الإنتقال: إنتقال الخطيئة في لا 16: 21- 22: "يضع هارون يديه على رأس التيس الحيّ ويعترف عليه بجميع ذنوب بني إسرائيل ومعاصيهم وخطاياهم ويضعها على رأس التيس ثمّ يرسله إلى البرية، فيحمل التيس جميع ذنوبهم". إنتقال مسؤولية نتخلّص منها في لا 24: 14 (تعلن الجماعة أنها ليست مسؤولة عن خطيئة فرد من أفرادها)؛ دا 13: 34. إنتقال وظيفة وقوة ترتبط بها. نقرأ في عد 27: 18: "قال الرب لموسى: "خذ يشوع بن نون وضع يدك عليه" (وهكذا تنتقل سلطتك والروح الذي كان فيك إليه، أو ينتقل مجدك)؛ 27: 23؛ تث 34: 9. أما بالنسبة إلى عد 8: 10 (يضع بنو إسرائيل أيديهم على اللاويين)، فاللاويون هم ذبيحة (لأنهم باكورة الشعب. كانت البواكير تُذبح) تُقدّم للرب، لهذا يضع بنو إسرائيل أيديهم عليها، وهذا ما تقوله آ 11: إن اللاويين يقدَّمون بطريقة سّرية ذبيحةً للرب.
إن هذه النظرة السريعة إلى العهد القديم تبق لنا أننا لم نجد نموذجاً عن وضع الأيدي كطقس شفاء. ولكن نرى في بعض الأوساط اليهودية هذه الممارسة التي ينسبها ابوكريفون التكوين إلى إبراهيم. ولكننا لا نجاه تماثلاً بين طقس تمارسه جماعة قمران وطقس مسيحي علّمه الرب لتلاميذه كما يقول مر 18:16.
أما بالنسبة إلى وضع الأيدي كطقس تسليم وظيفة كنسيّة، فقد نجد نموذجاً له في "سميكة" الرابانيين، وهي طقس يجعل من التلميذ "معلّمي" أي "رابي" في الجماعة. ولكن العودة إلى العهد القديم هي التي أسّست هذا الطقس: تنتقل وظيفة موسى ومجده وروحه إلى يشوع (عد 27: 20؛ تث 34: 9). وهكذا تنتقل المهمة الرسولية، ويُعطى الروح من أجل هذه المهمة.
وهناك وضع الأيدي اللاحق للعماد. نستطيع أن نعود إلى لو 34: 50 (رفع يديه وباركهم). هنا نقابل بين نهاية لو (24: 49- 53) وبداية أع. يسوع هو الذي يرسل الروح (لو 24: 49؛ أع 1: 4 ،8). تُسمى موهبة الروح موعد الآب (لو 24: 49؛ أع 1: 4). وثمرة هذه الموهبة ستكون قوة (لو 24: 49؛ أع 1: 8) وقوة علوية نازلة من السماء (لو 24: 49؛ أع 1: 8). ورسالة المسيح القائم من الموت والصاعد إلى السماء هي مباركة (لو 24: 50- 51؛ لو 3: 26: أرسله بركة). إذا كانت عطيّة الروح بركة والخير الأسمى الذي يقدّمه المخلّص القائم من الموت، وإذا كان وضع الأيدي فعلة مباركة وطقس مباركة، أما يحقّ لنا أن نستنتج أن لوقا رأى في مباركة يسوع لتلاميذه وهو صاعد إلى السماء دعوة إلى الرسل لكي يستعملوا الفعلة عينها ليمنحوا باسم معلّمهم الموهبة الموعود بها في هذا الوقت الإحتفالي؟ ونتذكّر أخيراً أن لو 24: 50- 51 تحدّث عن مباركة يسوع لتلاميذه بعبارة يستعملها الكاهن الأعظم ليبارك شعبه. هكذا سبّق لوقا على يوحنّا وصاحب الرسالة إلى العبرانيين فحدّثنا عن يسوع كرئيس كهنة يمارس "الأسرار" بيده ويسلّمها إلى تلاميذه فيواصلون حضوره في العالم كلّه حتى انقضاء الدهر.