مولود غير مخلوق

لو كنَّا نعرف المجادلات حول شخص يسوع منذ بدايات الكنيسة! ولو أنَّنا نلاحظ أنَّ ما قيل منذ ألفي سنة لا يزال يُقال حتَّى اليوم، بحيث كان ويكون هذا الطفل موضع خلاف (كما قال عنه سمعان الشيخ) حين جاء أهلُه يقدِّمونه إلى الهيكل: "هذا الطفل اختاره الله لسقوط كثير من الناس وقيام كثير منهم في إسرائيل، وهو علامة من الله يقاومونها" (لو 2: 34).

يسوع هو آية، علامة. لا يفرض نفسه بالقوَّة. بل يقدِّم نفسه في كلِّ ضعفه وفي كلِّ قدرته. رفضَه شعبُ إسرائيل بأكثريَّته، فكان لهم حجر عثرة. قال الرسول: "لأنَّهم سعَوا إلى هذا البرِّ (أي يقدِّسهم الله ليعيشوا بحسب مشيئته)، بالأعمال التي تفرضها الشريعة، لا الإيمان، فصدموا حجر العثرة" (رو 9: 32). الإيمان يجعلنا نرى. أمَّا الشريعة الخارجيَّة والممارسات التي يراها الناس، فتجعلنا عميانًا، وبالتالي نعثر، كما قال الكتاب: "ها أنا واضعٌ في صهيون حجر عثرة وصخرة سقوط. فمن آمن به لا يخيب" (آ33).

أضاع اليهود المناسبة، فبدَوا عميانًا، كما قال عنهم يسوع (يو 9: 40). وأضلُّوا الملايين غيرهم حين علَّموهم أنَّ معهم ملءَ الحقيقة، وأنَّ ممارسة الشريعة تكفي للخلاص. يصومون ليراهم الناس، ويتصدَّقون في العلن. أمَّا صلاتهم فهي تكرار وتكرار. إلاَّ فئة صغيرة تعلَّمت صلاة القلب.

والعالم اليونانيُّ أراد أن يفرض فلسفته على الإنجيل. فكانت النتيجة هرطقة خلف هرطقة خصوصًا مع الغنوصيِّين الذين يعتبرون أنَّهم يملكون المعرفة. أمّا آريوس، الراهب الليبيّ العائش في مصر، فاعتبر أنَّ الابن أدنى من الآب. وبالتالي هو مخلوق. رأى آريوس تراتبيّةً في الثالوث: الآب ثمَّ الابن ثمَّ الروح. الآب وحده هو الله. الابن والروح يترافقان مع الموجودات التي جاءت إلى الوجود بإرادة الله. فإن دُعي الابن ابنًا، فعن طريق الاستعارة. وكذا نقول عن الروح. ففي العمق هي نظريَّة أفلوطين، طبَّقها آريوس على الابن: يفيض الابن عن الآب...

كم نحن بعيدون عن الإنجيل. تحدَّث يوحنّا عن الكلمة "الذي به كان كلُّ شيء، وبغيره ما كان شيء ممّا كان" (1: 3). هو خلق الأشياء. هو أتى بالحياة إلى العالم. والقدِّيس بولس يُفهمنا أنَّ الابن هو "صورة الله الذي لا يُرى" (كو 1: 15). الصورة التامَّة، الكاملة. به خُلق كلُّ ما في السماوات وفي الأرض، ما يُرى وما لا يُرى، به وله خُلق كلُّ شيء... " (آ16). فمتى كان الخالق مخلوقًا؟ فالابنُ وُلد من الآب ولادة سرِّيَّة. وهو مُساوٍ له في كلِّ شيء. هذا هو إيماننا.


 

رسالة القدِّيس بولس إلى أهل كولوسّي 1: 12-20

تشكرونَ اللهَ الآبَ الذي أهَّلنا لحصَّةِ ميراثِ القدّيسين في النور، وخلَّصَنا من سلطانِ الظلمةِ وأتى بنا إلى ملكوتِ ابنِه الحبيب. ذاك الذي لنا به الخلاصُ وغفرانُ الخطايا، ذاك الذي هو شبهُ الله اللامنظور وبكرُ الخلائقِ كلِّها. وبه خُلقَ كلُّ شيء في السماء وفي الأرض، كلُّ ما هو منظور وكلُّ ما هو لا منظور، إن عروشٌ أو سيادات، إن رئاسات، إن سلاطين، كلُّ شيء هو بيدِه، وبه خُلِقَ. وهو الذي هو قدّامَ الكلّ، وبه كلُّ شيء قائمٌ هو.

 

وهو هو رأسُ جسدِ الكنيسة، الذي هو الرأسُ والبكرُ الذي من بينِ الأمواتِ ليكونَ الأوَّلَ في الكلِّ. الذي به أراد (اللهُ) الملءَ كلَّه لكي يسكنَ ولكي يصالحَ بيدِه لنفسِه كلَّ شيء. وأمَّنَ بدمِ صليبِه، بيديه، إن ما في الأرضِ وإن ما في السماء.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM