المولود من الآب

هذا ما نعلن في النؤمن عن الابن. "مولود من الآب". ما هذا الكلام الذي يُدهش العقول ويُذهل الأفكار؟ هي عقول غير مؤمنة. أمّا نحن فإنَّا نعرف أنَّ الله هو أبو ربِّنا يسوع المسيح، لن نتعجَّب إن تكلَّمنا عن "الولادة" منذ الأزل.

تنشد الرسالة إلى أفسس: "مبارك الله أبو ربِّنا يسوع المسيح الذي باركنا بكلِّ بركة روحيَّة في المسيح" (1: 3). هذه العبارة المأخوذة من بداية الرسالة الثانية إلى كورنتوس، تعود في هذه الرسالة عينها كأنَّها أمر عاديّ. فيقول بولس مثلاً في معرض دفاعه: "والله أبو ربِّنا يسوع المسيح يعرف أنِّي لا أكذب" (11: 31).

في دفاع يسوع عن نفسه أمام بيلاطس الذي سأله إن هو ملك. فأجاب: "أنا وُلدتُ وجئتُ إلى العالم حتَّى أشهد للحقّ" (يو 18: 37). هي ولادة في السماء قبل الولادة على الأرض التي أشار إليها الرسول إلى أهل غلاطية: "ولمّا تمَّ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة" (4: 4). هو ابن الله صار "ابن مريم". فلا هو فقط "ابن مريم" بحيث يكون إنسانًا من الناس، ولا هو فقط ابن الله، بحيث شُبِّه لنا أنَّه تجسَّد وصُلب ومات من أجلنا. فالهرطقة تقول بشيء دون الآخر. وهي برزت منذ بداية الكنيسة. فأهل المعرفة الباطنيَّة اعتبروا أنَّ ابنَ الله لم ينزل إلى المادَّة، ولا هو انضمَّ إلى المادَّة. وإذا دخل في حشا مريم، فهو مرَّ كما الماء في الأنبوب، فما أخذ منها شيئًا.

وراح آخرون يعتبرون أنَّ الابن مولود كما نحن مولودون من الله. فلا فرقَ بيننا وبينه. قال يوحنَّا: "نحن من الله. فمن يعرف الله يسمع لنا" (1 يو 4: 6).وقال: "مَن يحبُّ، هو مولود من الله" (آ7). وفي 5: 18: "نعرف أنَّ كلَّ مَن وُلد من الله لا يخطأ. لأنَّ المولود من الله يصونه الله فلا يمسَّه الشرِّير." وهكذا يكون يسوع مثلَنا فقط!

إذا كنَّا ندعو الله "أبَّا، أيُّها الآب"، فلأنَّه سبق هو ودعاه. وإذا وُلدنا نحن من الله كما نقرأ في يو1: 13، فلأنَّنا صرنا أبناء (وبنات) بالتبنِّي. وهذا ما ننتظره كما قال الرسول (رو 8: 23). أمَّا يسوع، فهو بالطبيعة ابنُ الله وهو المولود من الآب في الأزل. فلا مسافة بين الآب والابن، كما قال بعض الضالِّين. كلُّ ما هو للآب هو للابن.


 

إنجيل يوحنّا 4: 9-19

وبهذه عُرِفَ حبُّ اللهِ نحوَنا أنَّه أرسلَ ابنَه الوحيدَ إلى العالمِ لكي يحيا بيدِه. في هذا، الحبُّ هو: ما أحببنا نحنُ الله، بل هو أحبَّنا وأرسلَ ابنَه غفرانًا من أجلِ خطايانا. يا أحبّائي، إذا اللهُ أحبَّنا هكذا، مستوجبٌ علينا نحنُ أيضًا أن يُحبَّ الواحدُ الواحدَ. فاللهُ ما رآهُ إنسانٌ أبدًا، أمّا إذا نحبُّ الواحدُ الواحد، كان الله باقيًا فينا، وحبُّه مكمَّلٌ فينا. وبهذه نحنُ عارفونَ أنَّنا فيه باقون أنَّه وهبَ لنا من روحِه. ونحن رأينا، وشاهدون نحنُ أنَّ الآبَ أرسلَ ابنَه مخلِّصًا للعالم.

فكلُّ مُعترفٍ بيسوعَ أنَّه ابنُ الله، كانَ اللهُ باقيًا فيه وهو باقيًا في الله. ونحنُ آمنّا وعرفنا الحبَّ الذي هو لله نحونا، لأنَّ اللهَ حبٌّ هو، وكلُّ باقٍ في الحبِّ في الله باق. وبهذه حبُّه مكمَّلٌ معنا أن يكونَ لنا جلاءُ الوجهِ في يومِ الدينونة، لأنَّه كما كان هو، هكذا نحن أيضًا موجودون في هذا العالم. ليس في الحبِّ من خوف، بل الحبُّ المكمَّلُ ملقٍ الخوفَ إلى الخارج، لأنَّ الخوفَ موجودٌ في الفزع، لأنَّ الخائفَ غيرُ مكمَّلٍ في الحبِّ. إذًا، نحنُ نحبُّ اللهَ لأنَّه هو تقدَّمَ فأحبَّنا.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM