به كان كلُّ شيء

هذا يعني أنَّ الابن خالق كما الآب. والله وحده هو الخالق. من لا شيء صنع كلَّ شيء. نقول في اللغة الفلسفيَّة: خلق كلَّ شيء من العدم. منذ العهد القديم، قرأ آباء الكنيسة سفر الأمثال: "وُجدتُ وما كان غمرٌ. ولا مياه في قلب الينابيع. قبل أن تُخلق الجبال وقبل التلال وُجدتُ..." (أم 8: 24- 25). ويتواصل الكلام: "وكنتُ حين حوصر البحر فلا تعبر المياه حدوده، وحين أرسى أساسات الأرض" (آ29).

وقرأ آباء الكنيسة أيضًا بداية سفر التكوين. الله خلق. بكلمته خلق، بالابن. والروح حلَّ على المياه فأخرج منها حياة. كما قرأوا الفصول الأخيرة من سفر أيُّوب مع حضور الله في الخليقة.

والرسول يُعلن: بالمسيح خُلق كلُّ ما في السماوات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى (كو 1: 16). أي الملائكة بالإضافة إلى البشر وسائر الخلائق الأرضيَّة. ويفصِّل الملائكة بدرجاتهم: "أصحاب عرشٍ كانوا أم سيادة أم رئاسة أم سلطان." وأنهى كلامه: "كان قبل كلِّ شيء (إذًا في الأزل) وفيه يتكوَّن كلُّ شيء"، نلاحظ "كلّ". لا شيءَ إلاَّ وخُلق بيد الابن. وهكذا ينطبق عليه أوَّل تعبير في الكتاب: "في البدء خلق." وهو كان موجودًا حين بدأ العالم يوجد، يُخلق. هو كان حاضرًا ساعة الخلق. وفي أيِّ حال يقول عن نفسه: "أبي يعمل دائمًا وأنا أعمل." فالخلق لا يتوقَّف عند نقطة محدَّدة، عند البينغ بانغ. فالله يخلق اليوم وكلَّ يوم. وهذا ما ندعوه: يحفظنا في الوجود. وهكذا لم ينحصر عمل يسوع على الأرض خلال حياته العلنيَّة. فهو القائم عن يمين الآب ويواصل عمله إلى أن نصل إلى الأرض الجديدة والسماء الجديدة.


 

حين أُعلن "النؤمن" في القسطنطينيَّة سنة 381، جُعل قسمٌ خاصٌّ بالابن في لاهوته، ثمَّ قسمٌ آخر في ناسوته. من حيث هو إله، ومن حيث هو إنسان. ونحن لا نزال في تأمُّلاتنا على مستوى اللاهوت، فنقول عن الابن: به كان كلُّ شيء. هذه العبارة دخلت إلى النؤمن من إنجيل يوحنَّا: به كان كلُّ شيء، وبدونه ما كان شيءٌ ممَّا كان.

 


 

سفر الأمثال 8: 22-35

الربُّ اقتناني أوَّلَ ما خلق من قديم أعماله في الزمان. من الأزل صنعني، من البدء. من قبلِ أن كانتِ الأرض، وُجدتُ وما كان غمرٌ، ولا مياه في قلب الينابيع. قبل أن تُخلَق الجبال وقبل التلال وُجدتُ، حين لم تكن أرضٌ ولا مياه، ولا حفنةٌ من تراب الكون وكنتُ حين كوَّن السماوات وحوَّق حول وجهِ الغمر، وثبَّت الغيوم في العلاء وفجَّر ينابيع المياه. وكنتُ حين حوَّط البحر فلا تعبر المياه حدوده، وحين أرسى أساساتِ الأض. وكنتُ حيالَه بأمان، وفي بهجة يومًا بعد يوم، ضاحًكا أمامه كلَّ حين، ضاحكًا في أرضه الآهلة، ومبتهجًا مع بني البشر. اسمعوا لي أيُّها الآبناء، فهنئًا لمن يتبع طرقي. اسمعوا المشورة وكونوا حكماء، ولا تنبذوا ما أقوله لكم. هنيئًا لمن يستمع إليَّ ساهرًا عند بابي كلَّ يوم ناطرًا بجانب مدخل داري. من وجدني وجد الحياة ونال رضى من الربّ. من أخطأني أضرَّ نفسه، ومن أبغضني أحبَّ الموت.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM