روح الربِّ يحلُّ ويستقرّ

حلَّ الروح على جدعون. وما إن انتهت مهمَّته حتَّى عاد إنسانًا عاديًّا. وكذا نقول عن القضاة الاثني عشر وآخرهم شمشون الذي خان الروح وأفشى السرَّ فصار أعمى يجرُّ الرحى ويطحن في السجن (قض 16: 21). وبالنسبة إلى شاول، تركه روح الربِّ وأتى روح آخر. وداود نفسه لن يبقى بحسب قلب الربّ حتَّى النهاية. فتطلَّع الله إلى أبعد من أشخاص ينتهون سريعًا. ينقضُّ عليهم الروح فجأة ويقومون بعمل خلاص موقَّت.

فلا بدَّ إذًا من داود جديد "يحلُّ عليه روح الربِّ ويستقرّ" (إش 11: 2). يدوم طويلاً، بل يظلُّ معه نهائيًّا. ويعطيه ستَّ مواهب نجدها في الحكمة المشخصنة في أم 8: 12-14: المشورة، الفطنة، الجبروت. فيجمع في شخصه الحكمة والفهم مثل سليمان، والمشورة والجبروت مثل داود، وأخيرًا المعرفة ومخافة الله. هذا مثال النفوس الكبيرة في أرض الربّ. وهذا ما يتيح لهذا "الملك الممسوح بالزيت" مسحة روحيَّة لا تُرى، بحيث يتطلَّع الناس إليه على أنَّه المسيح المنتظر، أن يمارس المُلك، كما في أم 8: 15-20. قالت الحكمة: "بي الملوك يملكون والحكّام يحكمون بالعدل. بي الرؤساء يرأسون والوجهاء يكونون قضاة عادلين". كلُّ هذا عمل الروح.

ما ينتظره الشعب من هذا "المسيح" الذي استقرَّ عليه روح الربّ، هو العدالة والبرّ. وهكذا ينفتح أمامهم عصرٌ من السعادة والقداسة، عصر من السلام يعمُّ الكون كلَّه: لا شرَّ بعد اليوم ولا دمار على كلِّ الجبل المقدَّس، المميَّز عن سائر الجبال. هذا الجبل مقدَّس لأنَّ الهيكل مبنيٌّ عليه. عندئذٍ "تمتلئ الأرض من معرفة الله".

كلُّ هذا ينشده المزمور: "اللهم، سلِّم أحكامك للملك، وعدلك لابن هذا الملك" (72: 1). الملك هو الله. وابنه "المسيح" يواصل عمله "فيحكم شعبك (يا الله) بالعدل ووضعاءك بالإنصاف... يدوم ما دامت الشمس، وما دام القمر جيلاً بعد جيل" (آ5).

ذاك ما يفعله الروح في ذاك الذي تطلَّع فيه اليهود على أنَّه المسيح المنتظر، ورأينا فيه نحن المسيحيِّين "ذاك الذي يملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه انقضاء" (لو 1: 38).


 

سفر الأمثال 8: 12-25

 

قالت الحكمة: "أنا مع رجاحةِ العقل، ولي المعرفةُ وحُسنُ التدبير. من يحبُّ الربَّ يُبغضُ الشرَّ. ويبغضُ الجاهَ والزهوَ وطريقَ الرعاع وكلامَ الكذب. لي المشورةُ وحسنُ الرأي. أنا الفطنةُ والجبروتُ لي. بي الملوكُ يملكون، والحكَّامُ يحكمونَ بالعدل. بي الرؤساءُ يرأسون والأمراءُ يقضونَ في الأرض. أحبُّ الذين يحبُّونني، ومن بكَّرَ في طلبي وجدَني. الغنى والكرامةُ معي ودوامُ الثروةِ والرخاء. ثمري خيرٌ من الذهبِ الإبريزِ وغلَّتي خيرٌ من الفضَّة النقيَّة. أسيرُ في طريقِ الحقِّ وأجتازُ مسالِكَ الإنصاف، فأُورِّثُ من يحبُّونَني وأملاُ خزائنَهم كنوزًا. الربُّ اقتناني أوَّلَ ما خلقَ من قديم أعمالِه في الزمان. من الأزلِ صنعني، من البدء، من قبلِ أن كانتِ الأرض، وُجدتُ وما كان عمرٌ، ولا مياهٌ في قلب الينابيع. قبل أن تُخلَقِ الجبالُ وقبلَ التلالِ وُجدتُ...".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM