كان عليه روح الربّ

ذاك ما قال سفر القضاة (3: 10) عن الذين اختارهم الربُّ ليقضوا بين الناس وليخلِّصوا شعبهم. خطئ العبرانيُّون وأحسُّوا بضعفهم "فصرخوا إلى الربّ"، فأقام الربُّ لهم مخلِّصًا فخلَّصهم..." (آ3). اسمه عتنيئيل. ارتبط اسمه مع "إيل"، الله في العالم السامي، ثمَّ "عناة" الإلاهة الكنعانيَّة. من أين جاءت قوَّة هذا الشخص المغمور لكي يخلِّص شعبه؟ قال الكتاب: "كان عليه روح الربّ". فالروح هو معطي الحياة. وكذلك فعل بشمشون ذاك الضائع بين شعبه وبين الفلسطيِّين: "حلَّ عليه روح الربّ" (14: 6). فعل فيه كما الطير الكاسر ينقضُّ على العصفور. فمن يستطيع عندئذٍ أن يُفلت من يده؟

وجدعون. كان يدرس القمح في "المعصرة"، في داخل المزرعة لا على البيدر، خوفًا من جماعة مديان، في البرِّيَّة. جاءه ملاك الربّ، وكأنَّه يُعدُّ الطريق للربِّ الآتي نحوه: "الربُّ معك أيُّها المحارب الجبّار!" (قض 6: 12). هذا المزارع صار محاربًا: والله يرسله، لكي يخلِّص قبيلته، شعبه: "اذهب بقوَّتك هذه وخلِّصْ بني إسرائيل من قبضة مديان" (آ14). أنا جبّار، أنا محارب. "قوَّتي". أنا الصغير في بيت أبي. وقبيلتي هي الصغيرة بين القبائل (آ15). قال له الربّ: "أنا معك" (آ16).

من هو الذي معه، ومن الذي حوَّل له حياته فصار إنسانًا آخر؟ يقول الكتاب: "وحلَّ روح الربِّ على جدعون" (قض 6: 34) حرفيًّا: ارتدى روح الربِّ جدعون. لبسَه، التصق به. ماذا يريد بعد ذلك؟ وهل يخاف بعد؟ مستحيل. بل هو فهمَ أنَّه لا يحتاج إلى كلِّ هذا الجيش لينتصر. فالقدرة الإلهيَّة من الروح كافية لتجعله ذاك "المخلِّص" الذي تنتظره قبيلة منسَّى، قبيلته، وسائر القبائل.

الروح في العهد القديم ليس بعدُ "شخصًا"، "أقنومًا" كما سنعرفه في العهد الجديد. هو قوَّة إلهيَّة تحوِّل الأشخاص فيصبحون قادرين على إتمام المهمَّة الموكلين بها. شاول الآتي ليبحث عن الأتن، صار القائد والملك. وكذلك داود، راعي الغنم، تغلَّب على جليات المدجَّج بالسلاح. روح الربِّ هو روح القوَّة، روح الانطلاق من أجل عمل الخلاص.


 

سفر القضاة 6: 12-16، 34-35

فتراءى له (لجدعون) ملاك الربِّ وقال له: "الربُّ معك أيُّها الجبّار!" فقال له جدعون: "ناشدتُك يا سيِّدي. إن كان الربُّ معنا، فلماذا أصابَنا ما أصابَنا، وأينَ جميعُ معجزاتِه التي حدَّثنا بها آباؤُنا وقالوا لنا إنَّه أخرجَنا من أرضِ مصر. والآنَ خذلَنا وجعلَنا في قبضةِ بني مديان." فالتفتَ إليه الربُّ وقال: "أنا الذي أُرسلُك، فاذهَبْ بقوَّتِكَ هذه وخلِّصْ بني إسرائيلَ من قبضة مديان." فقال له جدعون: "ناشدتُك يا سيِّدي. بماذا أُخلِّصُ بني إسرائيل فقيلتي أضعفُ قبيلةٍ في بني منسَّى، وأنا الأصغرُ في بيت أبي." فقالَ له الربّ: "أنا معكَ وستضربُ بني مديانَ كما لو كانوا رجلاً واحدًا."...

 وحلَّ روحُ الربِّ على جدعون، فنفخَ في البوق فخرجَ أهلُ أبيعزَر وتبعوه. وأرسلَ رسلاً إلى عشيرةِ منسَّى فاجتمعوا هم أيضًا وتبعوه. وأرسلَ رسلاً إلى عشائرِ أشير وزبولون ونفتالي فصعدوا جميعًا والتحقوا به.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM