المنبثق من الآب والمرسَل من الابن

الكلام عن الروح القدس يجد عمقه في الخطب التي قيلت بعد العشاء السرِّي. في الخطبة الأولى، وعدَ يسوع التلاميذ بمجيء الروح القدس: "سأطلب من الآب أن يعطيكم معزِّيًا آخر يبقى معكم إلى الأبد" (14: 15). في الخطبة الثانية، نعرف أنَّ يسوع يمضي فيأتي بعده الروح ويواصل عمله: "صدِّقوني، من الخير لكم أن أذهب فإن كنتُ لا أذهب لا يجيئكم المعزِّي. أمّا إذا ذهبتُ فأرسله لكم" (16: 7). الابن يرسل الروح، والآب يُرسل الروح بناء على طلب الابن: "ولكنَّ المعزِّي، الروح القدس، الذي يُرسله الآب باسمي، سيعلِّمكم كلَّ شيء ويجعلكم تتذكَّرون كلَّ ما قلتُه لكم" (14: 26). وأخيرًا، في قلب الصراع بين العالم ويسوع، وعد الربُّ فقال: "ومتى جاء المعزِّي الذي أُرسله (أنا) إليكم من الآب، روح الحقّ المنبثق من الآب فهو يشهد لي" (15: 26).

نلاحظ قولين: انبثق، خرج (في السريانيَّة: ن ف ق. وفي اليونانيَّة أيضًا). صار فعل "انبثق" مكرَّسًا وكأنَّه نازل من السماء، والويل لمن يمسُّه. وتركنا جانبًا فعل "أرسل". وهكذا اختلف الشرق والغرب: هل ينبثق الروح من الآب فقط، أم من الآب والابن؟ مسكينة كنيستنا باللاهوتيِّين والأساقفة والبطاركة. كيف تتمزَّق لأسباب وأسباب. ويريد كلُّ فريق أن يفرض نفسه على الآخرين لأنَّه يعتبر أنَّه وحده على حقّ. وهكذا نحسب أنَّ الآخر خارج الشركة. مع أنَّ بابا رومة والبطرك المسكونيّ رفعوا حرومات سنة 1054.

فالعلاقة في الأقانيم الثلاثة أعمق من تفكيرنا الضيِّق وكأنَّنا نبحث عن مواضع خلاف فيتميَّز الواحد عن الآخر. فمتى نبحث عن مواضع اللقاء والاتِّفاق ونترك الجدالات التي تفرِّق ولا تجمع، تهدم ولا تبني. أما رأينا كيف تفتَّتت كنائسنا الشرقيَّة ولا تزال تتفتَّت بسبب "العقيدة" كما يقولون، ثمَّ يعرفون بعد خمسة عشر قرنًا، أنَّ الخلاف كان على الألفاظ، بحثنا عن هذا الكاتب أو ذاك وأحرقنا كتبه. وفي النهاية عدنا إليها بسبب عمقها. وما يُؤسَف له هو أنَّ هذه الروح الآتية من إبليس ما زالت حاضرة بين الكنائس القبخلقيدونيَّة، حيث الواحدة تَحرم أختها وترفض الجلوس معها إلى طاولة واحدة. هكذا كان الفرِّيسيُّون مع "الخطأة والعشّارين". ونتساءل: أيُّ إنجيل يلهم حياتنا وتصرُّفاتنا؟


 

إنجيل يوحنّا 15: 22-27

لو أنا ما أتيتُ وتكلَّمتُ معهم، ما كانت لهم خطيئة، أمّا الآنَ فلا عذرَ لهم بسببِ خطيئتِهم. مَن هو مُبغضٌ لي هو مُبغضٌ لأبي أيضًا. ولو ما عملتُ على عيونِهم الأعمالَ التي ما صنعَ إنسان آخر، لما كانَ لهم خطيئة. أمّا الآن فرأوا وأبغضوني أيضًا (وأبغضوا) أيضًا أبي. لتتمَّ الكلمةُ المكتوبةُ في ناموسِهم: أبغضوني مجّانًا. ومتى أتى البرقليط ذاك الذي أنا مرسِلٌ لكم من عندِ أبي، روحُ الحقِّ ذاك الذي خارجٌ هو من عندِ أبي، فهو يشهدُ لي. وأنتم أيضًا شاهدون أنتم لأنَّكم أنتم من البدء معي.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM