نهر الأردنّ

قراءة من سِفر يشوع بن نون (3: 14-4: 1، 10-18)

        14وحينَ ارْتَحَلَ الشَّعبُ مِنْ مَساكِنِهم لِعُبورِ الأُردُنِّ، كانَ الكهَنَةُ الحامِلونَ تابوتَ عَهْدِ الرَّبِّ، ماضِينَ قُدَّامَ الشَّعْب. 15وإذْ بَلَغَ حامِلو التابوتِ حَتَّى الأُردُنِّ، انْغَمَسَتْ أَرجُلُ الكهَنَةِ حامِلي التابُوتِ، في ضِفَّتَي مِياهِ الأُردُنِّ، وكانَ الأُردُنُّ مَملوءًا مِن شِفةٍ إلى شِفةٍ، أيَّامَ الحَصادِ كلَّها. 16ووَقَفَتِ المياهُ التي كانَتْ نازلةً مِنْ فَوق، وَقفَتْ كما في زِقٍّ وَاحدٍ بِجانِبِ الآخَر. ابْتَعدَتْ جِدًّا مِن مَدينَةِ آدامَ التي هي إلى جانِبِ صَرتام. والمياهُ النازِلةُ إلى بَحرِ العَرَبة، بَحرِ الملحِ، انْقَسَمَت انْقِسامًا تامًّا. أمّا الشَّعبُ فعَبَروا قُدَّامَ أَريحا. 17ووَقَفَ الكهنَةُ حامِلو تابوتِ عَهْدِ الربِّ في اليابِسَة، في وَسَطِ الأردُنِّ، واسْتَعَدَّ بيتُ إسرائيلَ كلُّهم، (وكانوا) عابِرينَ في اليابِسةِ حتَّى أَكمَلَ الشَّعْبُ كلُّهُ العُبورَ في الأُردُنِّ.

4 1وإذْ انْتَهى الشَّعبُ كلُّهُ مِنْ عُبورِ الأُردُنِّ... 10والكهَنَةُ الذينَ كانُوا حامِلينَ التابُوتَ، كانُوا قائِمينَ في وَسَطِ الأُردُنِّ حتَّى تَمَّتْ كلُّ الأقوَالِ التي أمَرَ الربُّ يَشوعَ أنْ يَقولَها لِلشَّعبِ، كما أمَرَ يَشوع. وأَسرَعَ الشَّعبُ وعَبَروا. 11وإذ عبَرَ جَميعُ الشَّعبِ بِكامِلِه، عَبَرَ تابوتُ الربِّ والكهَنَةُ قُدَّامَ الشَّعب. 12وعَبَرَ بَنُو رُوبيلَ وبَنُو جادَ ونِصْفُ سِبْطِ مَنَسَّى، وهم مُسلَّحون، قُدَّامَ بَني إسرائيلَ، كما قالَ لهم مُوسى. 13أربعونَ ألفًا عَبَروا، وهم مُسلَّحونَ بِقُوَّة، قُدَّامَ الربِّ، مِن أجلِ الحَربِ في سَهْلِ أريحا. 14في هذا اليومِ عَينِه، عَظَّمَ الربُّ يَشوعَ في عُيونِ كلِّ إسرائيلَ، فَخافُوا مِنه كما كانوا خائِفينَ مِنْ مُوسى كلَّ أيَّامِ حَياتِه.

15وقالَ الربُّ لِيَشوعَ: 16"مُرِ الكهَنَةَ حامِلي تابوتِ الشَّهادَةِ بأنْ يَصعَدوا مِنْ وسَطِ الأردُنِّ." 17فأمَرَ يَشوعُ الكهنَةَ، وقالَ لهم: "اصْعَدُوا مِنْ وسَطِ الأردُنِّ." 18وإذْ صعِدَ الكهَنَةُ الحاملونَ تابوتَ عَهْدِ الربِّ مِنْ وسَطِ الأردُنِّ (بَعدَ) أنْ تمَسَّكَتْ أخامِصُ أَرجُلِ الكهَنَةِ باليابِسَة، عادَتْ مِياهُ الأردُنِّ إلى مَوضِعِها وسارَتْ، كما مِنْ قَبْلُ، على جَوانِبِ الأردُنِّ كُلِّها.

*  *  *

هو النهر، النهر المقدَّس، الذي يشكِّل حدود الأرض المقدَّسة، وإن أقامت قبيلتان ونصف قبيلة شرقيَّ هذا النهر. وعبوره يشكّل خطوة روحيّة ضروريّة. فلا مجال إلى ذلك دون الاستعداد. فرفاق يشوع استعدُّوا لمثل هذا العمل المقدَّس. قال لهم يشوع: أعدُّوا لكم زادًا لأنَّكم بعد ثلاثة أيَّام تعبرون الأردنَّ لتدخلوا الأرض التي يعطيكم الربّ..." (يش 1: 11). نلاحظ عبارة ثلاثة أيّام. هو استعداد للقاء الربّ. فإبراهيم الذاهب ليقدِّم ابنه، عرف المكان بعد ثلاثة أيّام. وموسى طلب من فرعون ثلاثة أيّام ليمضي المؤمنون ويذبحوا لله.

ومن أجل العبور، "بكّر يشوع في الصباح وجاء إلى الأردنّ هو وجميع بني إسرائيل وباتوا هناك قبل أن يعبروا" (يش 3: 1). وفي عبور البحر، كان موسى. والآن تابوت عهد الربّ يكون في المقدِّمة، محمولاً على أكتاف الكهنة. فهذا الصندوق الذي يحوي لوحي الوصايا وجرّة المنّ وعصا هرون، يرمز إلى حضور الله وسط شعبه. أمامه ينفتح النهر كما سبق وانفتح البحر، على مثال ما قال المزمور: "شققتَ البحرَ بقدرتكَ وكسرتَ رؤوس التنانين على المياه... أنتَ فجَّرتَ الينابيع والسيول وجفَّفتَ أنهارًا" (74: 12-15). وفي مز66: 5-6: "تعالوا انظروا أعمال الله، ما أرهب صنائعه للبشر! حوّل البحر إلى يبس، وبالأرجل عبر آباؤنا النهر". مرَّ الربُّ، فاستقبله النهر بالتصفيق، كما في مرور ملك من الملوك. "ليهدر البحر وكلّ ما فيه، والعالم والمقيمون فيه. لتصفّق الأنهر بالأيدي ولترنِّم الجبال جميعًا" (مز 98: 7-8).

"داست أقدام الكهنة المياه، والأردنّ طافح من جميع شطوطه... عندئذٍ توقَّف الماء المنحدر منه. وتجمَّع صفًّا واحدًا..." (يش 3: 16). الربُّ يمرُّ فتتوقَّف المياه احترامًا، وتظلُّ كذلك إلى أن يترك التابوت وسط النهر. وإيليّا وُلد في عبر الأردنّ. وبعد أن طهَّر الأرض المقدَّسة بأقواله وأعماله، عبَر النهر ليُخطَفَ لدى الله (2 مل 2: 6-13). قرب الأردنِّ كان يوحنّا يواصل العمل الذي قام به إيليّا "ليردّ قلوب الآباء إلى الأبناء، ويُرجع العُصاة إلى حكمة الأبرار ويهيِّئ للربِّ شعبًا مستعدًّا له" (لو 1: 17). مع يوحنّا، يبدو الآتي إلى المعموديَّة وكأنَّه خارج من المنفى، ولو كان ساكنًا في أرض الربّ. يتنقَّى من خطاياه حين يعبر من الضفَّة إلى الأخرى: فالحدود المادّيَّة هي حدود روحيَّة. وحين يأخذ يسوع الطريق عينها، يأخذ الحدث كلَّ بعده. وجاء من صحّح "بيت عنيا" حيث كان يسوع يعمِّد (يو4: 28) إلى "بيت عبار" أو "بيت العبور"، تذكّرًا لعماد يسوع. وفي مجيئه الأخير إلى اليهوديّة، عبَر الأردنّ (مر 10: 1)، وبعد ذلك تقبَّل معموديَّة الآلام واستعدَّ لأن يشرب الكأس، كأس الآلام (آ38-39).


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM