رموز المعموديّة: اغتسال نعمان السريانيّ

قراءة من سفر الملوك الثاني (5: 1-18)

 

1وَنُعمانُ قائِدُ جَيشِ مَلِكِ أرامَ، كانَ رَجُلاً عَظيمًا أمامَ سيِّدِه وَمَجيدَ الوَجْهِ، لأنَّ الربَّ صَنَعَ بهِ خَلاصًا لأرامَ. وَالرَّجُلُ نُعمانُ كانَ جبَّارًا، قَوِيًّا، وكانَ أَبرَصَ. 2وَخَرَجَ الأراميُّون في غَزَواتِهم، وَسَبَوا مِن أَرْضِ إسرائيلَ صَبيَّةً صَغيرةً، فكانَتْ أمامَ (أو: في خِدمَةِ) امْرأةِ نُعمانَ. 3فقالَتْ لِسَيِّدَتِها: "طُوباهُ سيِّدي إذا مَضى لَدى النَّبيِّ الذي هو في السَّامِرَة. فهو في الحالِ يَشفيهِ مِنْ بَرَصِهِ." 4فَدَخَلُوا وَأَخبَروا سَيِّدَها وَقالُوا لَهُ: "هَكذا وَهَكذا قالَتِ الصبيَّةُ التي مِنْ أَرْضِ إسرائيلَ." 5فَقالَ لَهُ (= لِنُعمانَ) مَلِكُ أرامَ: "تعالَ، امْضِ، وأنا أَبْعَثُ رِسالَةً إلى مَلِكِ إسرائيلَ." فَمَضى وَأَخَذَ بِيَدَيهِ عَشْرَ وَزَناتِ فِضَّةٍ وَسِتَّةَ آلافٍ ذَهبيَّةً وَعَشْرَةَ أزواجٍ مِنَ الثِّياب. 6وَأَتى بِالرسالَةِ لَدى مَلِكِ إسرائيلَ. وهكذا كُتِبَ فيها: "في السَّاعةِ عَينِها التي تَصِلُ لَدَيكَ الرِّسالةُ هذه، بَعَثْتُ إليكَ نُعمانَ عبدي، فاشْفِهِ مِنْ بَرَصِه." 7وَإذْ قَرَأَ مَلِكُ إسرائيلَ الرسالةَ، مَزَّقَ ثِيابَهُ وقالَ: "هل أنا الله لِكَي أَميتَ وَأُحيِيَ؟ فهَذا بَعثَ لي (وقالَ): "اشْفِ الرَّجُلَ مِن بَرَصِه. فالآنَ اعْرَفوا وَانْظُروا أنَّهُ تَعرُّضًا يَتَعرَّضُ لي."

8وإذْ سَمِعَ إليشَعُ، نَبيُّ الله، أنَّ المَلِكَ مَزَّقَ ثيابَه، أَرسلَ إلى المَلِكِ وقالَ لَهُ: "لماذا مَزَّقْتَ ثِيابَك؟ ليأتِ إليَّ ويَعرِفْ أنَّ في إسرائيلَ نَبيًّا." 9فَأتى نُعمانُ بِخَيلِهِ ومَركَباتِه، وَوَقَفَ في بابِ بَيتِ إليشَعَ النَّبيّ. 10فَبَعَثَ لَهُ إليشَعُ بِواسطةِ رسولٍ: "امْضِ، اغْتَسِلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ في الأردُنِّ، فَيَعودَ لَحمُكَ عَلَيكَ وَتَطهُرَ."

11فَغَضِبَ نُعمانُ وَمَضى. وقالَ: "أنا قلتُ (في نفسي) إنَّه خُروجًا يَخرُجُ لَدَيَّ وَيَقِفُ ويَدعو بِاسمِ الربِّ إلهِه، وَيَرفَعُ يدَهُ على المَوضِعِ (المَريضِ) فأُشفى مِنَ البَرَص. 12أمَا نَهرا أَبانَةُ وَفَرفَرُ أَفضَلَ مِنْ كُلِّ مياهِ إسرائيلَ، فأَمْضي وأَغتَسِلُ فيهما فَأَطهُرُ." وَالتَفَتَ وَمَضى ساخِطًا. 13فاقتَرَبَ عَبيدُه وقالُوا لَهُ: "يا سيِّدَنا لو أنَّ النبيَّ قالَ لَكَ أمرًا كبيرًا أَمَا كُنْتَ تَعمَلُهُ؟ لَكِنَّ النبيَّ قالَ لكَ الآنَ أمرًا صغيرًا، فامضِ واغْتَسِلْ وَاطهُرْ." 14فَمَضى وَاغتَسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ في الأردُنِّ، بِحَسَبِ كلامِ نبيِّ الله، فعادَ لَحمُهُ مِثْلَ لَحْمِ طِفلٍ صَغيرٍ وَطَهُرَ. 15فعادَ لَدى نَبيِّ الله، هو وَجَيشُه كلُّه، وَوَقَفَ أمامَهُ وَقالَ لَهُ: "الآنَ عَرَفْتُ أنَّ ما مِنْ إلهٍ في الأرضِ كلِّها إلاَّ في إسرائيلَ. والآنَ، خُذْ هذه البَرَكةَ (أو: الهَدِيَّةَ) مِنْ عَبدِكَ." 16فَقالَ إليشَعُ: "حَيٌّ الربُّ الذي أنا واقِفٌ أمامَه: لا آخذُ (شيئًا)." وَطَلَبَ مِنْهُ (أَيْضًا) أنْ يَأخُذَ فما شاءَ. 17وقالَ لَهُ نُعمانُ: "وَبِما أنَّه لا، لِيُوهَبَ لِعَبدِكَ تُرابٌ حِمْلَ بَغلَينِ. فَبَعْدَ الآنَ لا يَصنَعُ عبدُكَ مُحرقاتٍ وَذَبائحَ لإلهٍ آخرَ سِوى لِلرَّبِّ وَحدَه. 18وعلى الأمرِ هذا يَغفِرُ الربُّ لِعَبدِكَ حينَ يَكونُ سيِّدي (المَلِكُ) داخلاً إلى بَيتِ رَمونَ لِلسجُودِ هناكَ وهو مُستَنِدٌ إلى يديَّ، فأَسجُدُ في بَيتِ رمون، ومتى سَجَدْتُ في بَيتِ رمون، يَغفِرُ الربُّ لِعَبدِكَ على الأمرِ هذا." 19فقالَ لَهُ: "امْضِ بِسَلام."

*  *  *

"إنّي وإن كنتُ مغطّى كلّي بالبرص الذي كان على نعمان السرياني، وفريسة هذا المرض الذي لا شفاء له، تعود به نصيحة النبيّ إليشع من اليأس إلى الرجاء: اذهب واغتسل سبع مرّات في الأردنّ فيعود لحمك نقيًّا..."

ما معنى "سبع مرّات"؟ وأيَّه هذا الأردنّ؟ الأردنّ يعني النزول، الورود. ومن ينزل؟ أولئك الذين يتَّضعون ويتوبون، أولئك الذين يغطسون في الأعماق ويغتسلون بكلّيتهم في حوض الأردنّ الروحيّ... قيل: "نزل نعمان إلى الأردنّ... فتعافى لحمه وصار كلحم طفل".

هذا ما يعود بنا إلى خبر نعمان قائد الجيش الآراميّ. مريض بالبرص. قالت له مسبيّة: لو حضر سيّدي لدى إليشع، لشفاه من مرضه (2 مل 5: 3). وهكذا مضى إلى إليشع الذي أرسله لكي يغتسل في الأردنّ. فترك مرضه في النهر وخرج معافًى. ذاك هو معنى الاغتسال في المعموديّة. نترك في الماء خطايانا ونصعد أنقياء. هذا ما حصل "للجيون" أي جيش الوثنيّين الذين تعلّق بهم "الشياطين". خرج "لجيون" من الماء، ولبث هناك الشياطين الذين دخلوا في الخنازير. كان مجنونًا فشُفي. كان يطلب الموت فإذا هو حيّ. كان يعيش وحده فصار في رفقة يسوع. قال عنه يسوع: "كان جالسًا". أما هكذا يكون التلميذ عند قدمَي المعلّم؟ وقيل: "كان لابسًا". وهذا ما يذكّرنا بقول الرسول: أنتم الذين اعتمدتم بالمسيح، لبستم المسيح". وأخيرًا صار صحيحَ العقل. وهذا يعني أنَّه تحوَّل تمامًا.

 

إذا اعتبرنا أنَّ البرص يدلُّ على الخطيئة، نفهم انتقال نعمان إلى النعمة التي نالها، والتي رمَزَ إليها جسمُه الذي صار طاهرًا، معافًى، مثل جسم طفل. وانتقل هذا المعافى إلى عبادة الله الواحد. هو بحكم وظيفته يرافق ملكه أمام الإله "رمون"، ولكنّه سوف يعبد الربّ الإله. ماذا فعل؟ أخذ بعض التراب (آ17). فبعد أن أعلن إيمانه "الآن علمتُ أنَّ لا إله في الأرض كلِّها إلاّ هنا" (16)، ها هو يمارس العبادة الجديدة "لن أقدّم محرقة ولا ذبيحة بعد الآن إلاّ للربّ" (آ17). وهكذا استطاع أن يسمع كلام النبيّ: "اذهبْ بسلام". عندئذٍ مضى نعمان حاملاً بركة الله: الصحّة على مستوى الجسد، والإيمان بالله الواحد على مستوى الروح. فعاد إلى بلاده والفرح يملأ قلبه.

تردَّد نعمان في البداية، فقيل: "أنتم أيُّها الأغنياء (البرص) أنتم المفتخرون والخطأة، لماذا ترفضون الاغتسال في الأردنّ... ما أجمل مثل هذه الفريضة التي يرافقها الوعد بالخلاص". واقتنع نعمان بنصيحة مرافقيه. اغتسل سبع مرّات فتمَّت كلمة النبيّ. فماذا لا يعمل لنا يسوع حين نغطس في مياه المعموديّة؟

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM