أصل كلمة "السرّ"

فصل من رسالة القدِّيس بولس الرسول إلى أهل أفسس (3: 1-13)

 

1من أجلِ هذا، أنا بولسُ أسيرَ يسوعَ المسيحِ من أجلِكم أيُّها الشعوبِ. 2إذ سمعتُم تدبيرَ نعمةِ الله التي وُهبَت لي بكم. 3بحيثُ عُرفَ لي بجلاءٍ السرُّ كما كتبتُ إليكم بإيجاز، 4كما أنتم قادرون إذ أنتم قارئون، فتفهمونَ معرفتي لسرِّ المسيح. 5ذاك الذي ما عُرف في الأجيالِ الأخرى للبشر كما تجلّى الآنَ بالروح لرسلِه القدّيسينَ ولأنبيائِه. 6بحيثُ يكونُ الشعوبُ أبناءَ ميراثِه وشركاءَ جسدِه، والموعدِ الذي وُهبَ فيه بيدِ الإنجيل، 7ذاك الذي صرتُ أنا خادمَه بحسبِ موهبةِ نعمةِ الله التي وُهبَتْ لي من صُنعِ قدرتِه. 8لي أنا أصغرَ القدّيسينَ كلِّهم وُهبتْ هذه النعمةُ لأبشِّرَ في الشعوبِ غنى نعمتِه اللامُستقصى، 9ولأنيرَ كلَّ الناسِ في ما هو تدبيرُ السرِّ الذي كان خفيًّا من العوالمِ في الله الذي خلَقَ كلَّ شيء. 10وهكذا تُعرَفُ بيدِ الكنيسةِ حكمةُ اللهِ المليئةُ بالتمييزِ للرؤساءِ وللسلاطينِ الذين في السماء. 11تلك التي كان أعدَّها في العوالمِ وصنعَها بيسوعَ المسيحِ ربِّنا 12ذاك الذي لنا به الدالَّةُ والتقرُّبُ في اتِّكالِ الإيمانِ به. 13لأجلِ هذا أنا سائلٌ ألاَّ أسأمَ في شدائدي التي هي من أجلِكم، التي هي مجدُكم.

*  *  *

دُعيت المعموديّة، التثبيت... أسرارًا. من أين جاءت الكلمة ولماذا استُعملت؟ في العربيّة، السرّ هو ما يكتمه الإنسان في نفسه، ونضيف: في جماعته. فمنذ البداية، كان نظام "الإخفاء" arcane. أي لا يمارس السرّ بحضور لامؤمنين. وهذا يسري بشكلٍ خاصّ على الإفخارستيّا. ولهذا، كان يُطلب أن يخرج الذين لا يشاركون، وتُقفل الأبواب.

السرُّ هو للذين في الداخل. هم يعيشونه، يُسَرُّون به ويفرحون. أمّا أهل الخارج فيشبهون الابن الأكبر في لو 15: 28 (غضب ولم يُردْ أن يَدخل). وحتَّى أمثال يسوع لا يفهمها إلاّ التلاميذ: "أنتم أُعطيتم معرفة أسرار الملكوت." الآخرون: يبصرون ولا يرون، يسمعون ولا يفهمون" (مت 13: 11-13).

يعتبر البعض "السرّ" جدارًا نرتطم به ونتوقّف. هذا ما لا نفهمه. لا شكّ، بعقلنا لا نفهم كيف يتحوَّل الخبز إلى جسد المسيح والخمر إلى دم المسيح. لا نفهم أنّ "نعم" بين شابّ وفتاة، في حضرة الكاهن والشهود، يتسجَّل في السماء، بحيث قال المسيح: "ما جمعه الله، لا يفرّقه الإنسان" (مت 19: 6). عمل بشريّ يرتفع إلى مستوى الله بحيث لا يستطيع الإنسان أن يتصرَّف به. لا أستطيع أن أعيد ما صار جسدَ المسيح إلى البرشانة، إلى خبز القربان. وكذلك على مستوى سائر الأسرار.

عاد التقليد الشرقيّ إلى اليوناني "ميستِريون" مع فعل "موواين" أي أخفى، ستر. لهذا، خلال كلام التقديس، يُغلَق الستار في بعض الكنائس الشرقيّة. فالعين أحيانًا، تقتل الدخول في السرّ. والصمت هو أفضل موقف نقفه في هذه الحالة.

كما عاد إلى السرياني "رُزُا": السرّ، الأمر المكتوم، الخفيّ. جاءت الكلمة من الفارسيّة: سرّ المجلس الملكيّ الأعلى حيث تؤخذ أهمُّ القرارات. هنا نفهم النشيد: "لا أقول سرَّكَ لأحد". وإلاّ أُصبحُ مثل يهوذا (يوضاس). أكون خائنًا للربِّ يسوع الذي "أحبّني وضحّى بنفسه من أجلي" على ما قال الرسول (غل 2: 20).

هكذا يشارك المؤمن في الأسرار. في الصمت المليء بالاستماع، ليغوص ويغوص كما في بحرٍ عميق، فيمتلئ من نعمة الله وحضوره.

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM