يوم الخميس (لو 16: 9-13) مال الظلم ومال الحقّ

9وأيضًا أنا قائلٌ لكم: اصنعوا لكم أصدقاءَ مِن مامونِ الظلمِ هذا، حتّى إذا انتهى يَقبلونَكم في مَظالِّهم الأبديَّة. 10مَن في القليل هو أمينٌ، هو أمينٌ أيضًا في الكثير. ومَن في القليلِ ظالمٌ، هو ظالمٌ أيضًا في الكثير. 11وإذا هكذا بمامونِ الظلمِ ما كنتُم أمناء، فمَن هو مؤتَمِنُكم (بمامون) الحقّ؟ 12وإذا بما لا يَخصُّكم ما وُجدتُم أمناء، فمَنْ يُعطيكُم مَا يَخصُّكم؟ 13ليسَ عبدٌ قادرًا أن يَخدُمَ سيِّدَين اثنين. أو يُبغِضُ الواحدَ والآخرَ يُحبُّ، أو يُوقِّرُ الواحدَ والآخَرَ يَحتقِرُ. فأنتم غيرُ قادرين أن تَخدُموا اللهَ ومامون.”

*  *  *

فهم آباء الكنيسة هذا الكلام منذ القرن الرابع وقبل ذلك الوقت، قال القدّيس باسيل: الثوب الذي في خزانتك ليس لك، فهو لمن لا ثوب له. وقال الذهبيّ الفم: "كلُّ مال كثير إنَّما هو سرقة أو وراثة عن سرقة. وهذا المال الذي دُعيَ بأسماء عديدة، مال الظلم، يصبح مال الحقّ حين نعطيه ولا نكدّسه فنكون مثل ذاك الغنيّ الجاهل الذي وسَّع أهراءه ولكنَّه مات قبل أن يستفيد ممَّا كدَّسه "لسنين عديدة".

وهو مال "غشَّاش" نحسب نفوسنا أغنياء وفي الواقع نحن فقراء. نظنُّ نفوسنا في سعادة ولكنَّها سعادة برَّاقة تمضي سريعًا كالطلاء على الجدار. المال في يدك. والربُّ يدعوك لكي تكون "أمينًا". وكيف يكون ذلك؟ حين تكون خادمًا فتوزّع لإخوتك وأخواتك الطعام في حينه. والويل لك إن أردت أن تتسلَّط على الآخرين "فتأكل وتشرب مع الفجَّار والسكارى". هذا المال هو "للغير" كما يقول الربّ. وإن لبث لك يكون لك صنمًا تعبده. ولا يكون خادمًا لك ولإخوتك وأخواتك.

المال سيّد! يا لتعاستنا! نجعله تجاه الله الذي نعبده كالسيّد – كيريوس. نضع المال في كفّة ميزان والله في الكفَّة الأخرى. ومرَّات عديدة ترجح كفَّة المال. هو ملموس مثل صنم. ننظر إليه بلون الذهب أو الفضَّة. هو "مامون"، كما قال الأراميُّون، يعطينا الأمان من أجل المستقبل. نقف أمامه ونقول: آمين. نحن موافقون، ونضع فيك كامل ثقتنا.

*  *  *

ما من خادم يستطيع أن يعمل لسيّدين

 

إذا وضع المرء آماله وثقته بالخيرات الموقَّتة، يكون كمن يريد أن يبني الأساسات وسط المياه الجارية. فكلُّ شيء يعبر ويفنى، لكنَّ الله يبقى. فالتعلُّق بما هو موقَّت يعني الابتعاد عمَّا هو دائم. فمن يمكنه أن يبقى ثابتًا في مكانه إذا تقاذفته التيَّارات الهائجة في خضمّ صخبها؟ فإن كنَّا نرفض أن يجرفنا التيَّار، لا بدَّ من الهروب من كلِّ ما يجري، وإلاَّ سيجبرنا هدف حبّنا على الوصول إلى ما كنَّا نتفاداه تحديدًا. ذاك الذي يتعلَّق بالخيرات الموقَّتة سينجرُّ حتمًا إلى حيث تنجرف هذه الأشياء التي يتعلَّق بها.

الأمر الأوَّل الذي علينا القيام به هو التنبُّه إلى عدم محبَّة الخيرات المادّيَّة؛ الأمر الثاني هو عدم وضع ثقتنا كلِّها بالخيرات التي وُهبت لنا لنستفيد منها، وليس لنستمتع بها. فالنفس المتعلّقة بالخيرات العابرة تفقد سريعًا ثباتها. إنَّ تيَّار الحياة الحاليَّة يجرف ذاك الذي يحمله معه، وإنَّها لفكرة مجنونة بالنسبة إلى ذاك الذي يجرفه هذا التيَّار أن يحاول الوقوف وسطه.

البابا غريغوريوس الكبير (540-604)


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM