يوم الاثنين (لو 13: 31-35)

31وفي ذلك اليوم عينِهِ، اقتربَ أناسٌ من الفرّيسيّين وقالوا له: “أُخرُجْ، اذْهَبْ أنتَ من هنا لأنَّ هيرودسَ مُريدٌ قتلَكَ.” 32فقال لهم يسوع: “اذهَبُوا، قولوا لهذا الثعلَب: ها أنا مُخرِجٌ الشياطينَ والشفاءاتِ صانعٌ أنا اليومَ وغدًا، وفي اليومِ الثالث مُكمَّلٌ أنا. 33إنَّما ينبغي لي أنْ أعملَ اليومَ وغدًا وفي اليومِ الآخَرِ أذهَبُ، لأنَّه لا يُمكنُ أنْ يَهلكَ نبيٌّ في الخارِج من أورشليم. 34يا أورشليمُ، يا أورشليمُ، يا قاتلةَ الأنبياء وراجمةَ المرسلين لدَيْها، كم مرَّةً أردتُ أنْ أجمَعَ بنيك مِثْلَ الدجاجةِ التي تَجمَعُ فراخَها تَحْتَ جناحيها، فما أردتُم. 35ها هو بيتُكم مَتروكٌ لكم خرابًا، لكن أنا قائلٌ لكم: لا تَرونَني حتّى تَقولوا: مُباركٌ هو الآتي باسمِ الربّ.”

*  *  *

هيرودس يهدّد يسوع بحيث يبعده عن "مملكته"، فتبتعد عنه القلاقل ويرتاح من تدخُّل الرومان. ولكنَّ يسوع لا يخاف من حيلة هذا "الثعلب". فمشروعه مشروع الله ولا شيء يوقفه. ويسوع يعلن أكثر من مرَّة أنَّ ساعته لم تأتِ بعد. لهذا، أعلن أنَّه يواصل عمله كالمعتاد. سنة، سنتين، وفي السنة الثالثة يكون وصل إلى الهدف، إلى الصليب فالموت والقيامة.

أجل، يسوع لا يتوقَّف. فالطريق مفتوحة أمامه من لدن الآب، وهو يعرف انطلاقًا من الأنبياء أنَّ المسيح يموت في أورشليم، لا في الجليل ولا في السامرة. وانطلاقًا من لفظ "أورشليم"، بدأ يبكي على أورشليم وينبّهها إلى الخطيئة التي تستعدُّ أن تقترفها. مرَّتين ناداها. وهذا يعني الخطورة في هذا الكلام وما فيه من تهديد لهذه المدينة المقدَّسة ولهيكلها الذي يرى فيه المؤمنون رمزًا إلى حضور الله وسط شعبه.

قرأ لوقا هذا الكلام القاسي سنة 85 ب.م.، وتذكَّر أنَّ أورشليم رجمت إسطفانس. وأنَّها قتلت بالسيف يعقوب أخا الربّ (62ب.م.)، وأنَّها اضطهدت الكنيسة الأولى. كلُّ هذا نذير العقاب الذي ينتظرها سنة 70ب.م. وهو حدث أشارت إليه الأناجيل وبشكل خاصّ الإنجيل الثالث.

أراد يسوع أن يجمع أبناء شعبه. رفضوا أن يؤمنوا. ولكنَّ الدينونة آتية وقت عودته. عندئذٍ تراه أورشليم في عودته المجيدة.

*  *  *

"يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء"

توجَّه المخلّص إلى مدينة أورشليم ذاتها بهدف تعليم المستمعين إليه: "أورشليم، أورشليم." تكرار عبَّر عن كامل رحمته وحبّه... أنبأ بدمار هذه المدينة وبالآلام التي سوف يسبّبها لها الرومان، كما تذكَّر في الوقت عينه، دماء الشهداء التي سُفكت والتي سوف تُسفَك فيما بعد. لذا، أضاف قائلاً: "يا قاتلةَ الأنبياء وراجمة المرسلين إليك..." كيف يمكنك أن تخلصي يومًا، ما دمتِ لا تسمحين لأيِّ طبيب بالوصول إليك؟... وهو لم يقل لها: "أنت التي قتلتِ أو أنت التي رجمتِ" بل "أنت يا قاتلة ويا راجمة". أي إنَّك بطبيعتك قاتلة وراجمة للقدّيسين. في الواقع، لقد عاملت الرسل كما عاملت الأنبياء سابقًا.

بعد أن توجَّه إلى تلك المدينة القاتلة وبعد أن كشف لها عن شناعة الجرائم التي ارتكبتها، أضاف المخلّص قائلاً كمن يعتذر: "كم مرَّة أردتُ أن أجمعَ أبناءك!" وكأنَّه كان يقول: "أنتِ لم تفلحي بإطفاء شعلة حبّي لك من خلال ارتكاب تلك الجرائم كلّها، بل أردت أن أضمَّك إليَّ بطريقة حميمة. ليس لمرَّة أو لمرَّتين، لكن بمناسبات عدّة. وليعبِّر لها عن عظمة حنانه، لم يتردَّد في تشبيه نفسه بالدجاجة.

ثمَّ تنبَّأ لها بالعقاب الذي لطالما كانوا يخشونه، دمار الهيكل والمدينة. "هوذا بيتكم يُترك لكم قفرًا." كما أنَّ الجسد يبرد وينتن ويتحلَّل، بعد انفصاله عن النفس، هكذا الأمر بالنسبة إلى هيكلنا الداخليّ الذي ستعمّه الاضطرابات والعصيان حتَّى دماره الكامل بعد انفصاله عن الروح القدس.

القدّيس يوحنّا فم الذهب

 

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM