لوقا وآداب المائدة المسيحيَّة الأسبوع الثالث عشر بعد العنصرة  

يدعونا لوقا البشير إلى التمثُّل بيسوع، الذي هو الخادم على المائدة، لا السيّد الذي يطلب منَّا أن نخدمه، أخذ المكان الأخير، وفي النهاية، من اتَّضع ارتفع ومن ارتفع اتَّضع.

 

يوم الأحد (لو 8: 1-15)

1وحدثَ مِنْ بَعدِ هذه أنَّ يسوعَ كان متجوِّلاً في المدُنِ والقرى، وكارزًا كان ومُبشِّرًا بملكوتِ الله، والاثنا عشرَ معَهُ، 2والنساءُ تلك اللواتي شُفينَ من الأمراضِ ومن الأرواحِ الشرّيرةِ، مريمُ المدعوَّةُ المجدليَّة، تلك التي سبعةُ شياطينَ خَرجوا منها، 3وحنّةُ امرأةُ كوزا ربِّ بيتِ هيرَودُسَ، وسُوسَنُ، وأخرياتٌ كثيراتٌ اللواتي كُنَّ خادماتٍ لهم مِن مُقتنياتِهنَّ.

4ولمّا جمعٌ كبيرٌ اجتمَعَ، ومِنْ كلِّ المدنِ إليه كانوا آتين، قالَ بأمثال: 5“خرجَ الزارِعُ ليَزرعَ زرعَهُ، فوُجدَ ما سقطَ على جانبِ الطريق، فدِيسَ وأكلَهُ الطَّير. 6وآخرُ سقَطَ على الصخر، وفي ساعتِه نما، ولأنَّ ليسَ له رطوبةٌ يَبِسَ. 7وآخرُ سقَطَ بين الأشواك، فنمَتْ معه الأشواكُ وخنقَتْه. 8وآخرُ سقطَ في أرضٍ صالحةٍ وحسنَةٍ فنما وعمِلَ ثِمارًا، واحدٌ بمِئة. وإذ هو قائلٌ هذا كانَ صارخًا: من له أذنان ليَسمَعَ، يَسمعُ.”

9وسأله تلاميذه: “ما هو هذا المثل؟” 10فقالَ لهم: “لكم وُهبَتْ مَعرفَةُ سِرِّ ملكوتِ الله. أمّا لأولئكَ الباقين، فبتشابيهَ يُقالُ لهم، وإذ هم ناظرون لا يَنظرون، وإذ هم سامعون لا يَفهمون. 11فها هو المثل: الزرعُ هو كلمةُ الله. 12وأولئك الذين هم على جانبِ الطريقِ هم هؤلاء السامعون الكلمة، فيأتي الشرّيرُ ويحمِلُ الكلمةَ مِنْ قلبِهم فلا يُؤمنون فيَحيون. 13أمّا أولئك الذين على الصخْرِ فهم الذين حين سمِعوا كانوا بفرَحٍ قابلينَ الكلمة، وليسَ لهم جذور، إنَّما لزمنٍ هم يُؤمنون، وفي زمنِ التجربةِ مُتعثِّرون. 14وأمّا ذاك الذي سقطَ بين الأشواك، فهم هؤلاء السامعون الكلمةَ فيَختَنقون بالهمِّ والغنى وبملذّاتِ العالم، وثِمارًا غيرُ واهبين. 15أمّا ذاك الذي في أرضٍ صالحة، فهم هؤلاء السامعون الكلمةَ بقلبٍ صافٍ وصالح، والآخذون والواهبون ثمارًا، بالصبر.

*  *  *

راح يسوع يجول: يبشِّر، يُجري المعجزات. وهذا في الجليل. رافقه الاثنا عشر وشهدوا لأعماله وأقواله. والنسوة هنَّ هنا. ويَلعبن دورًا مماثلاً لدور الرسل. ثلاثة أسماء. وفي لو 6: 12-16 أورد لوقا أسماء الاثني عشر. هؤلاء النسوة سوف نراهنَّ وقت الآلام ووقت القيامة. كما نشاهدهنَّ في العلّيَّة مع الرسل يوم العنصرة (أع 1: 14).

ماذا فعل يسوع خلال تجواله في الجليل؟ زرع الكلمة. ولاحظ الأراضي التي وقع فيها الحَبّ. أربع فئات. حقل هو طريق يمرُّ فيه العابرون. وحقل لا تراب فيه يكفي لكي ينبت الحَبّ. وحقل امتلأ بالشوك. أو قلب مملوء بهموم الحياة ومشاغلها بحيث لا يبقى له وقت ليرفع نظره إلى الله. والغنى يسيطر على هذا الإنسان فيصبح قاسيًا ولا يدخل فيه الماء لينبت الحَبّ وإن نبت اختنقَ، لأنَّ الشوك، لأنَّ البحث عن الملذّات يأخذ كلَّ الماويَّة.

والحقل الرابع هو قلب مريم العذراء. الحبَّة عندها أثمرت مئة حبَّة. هي والذين مثلها "سمعوا (وأطاعوا) كلمة الله وعملوا بها" (لو 8: 21). قلبٌ طيّب. ونقول أيضًا: أرض طيّبة. هنيئًا للذين يكونون من هذه الفئة الرابعة. هم القدّيسون مع سلطانتهم مريم العذراء. بسرعة يصلون إلى حيث الربُّ يريدهم.

*  *  *

خرج الزارع ليزرع

إذا سألتموني، يا إخوتي، اليومَ من مقصدِ يسوع المسيح في هذا الزارع الذي خرج في الصباح الباكر لينثر البذور في حقله، لقلتُ لكم إنَّ الزارعَ هو الله نفسه الذي أخذ يعملُ من أجلِ خلاصنا منذ بدء العالم، فأرسلَ الأنبياء قبل مجيء المسيح ليبلّغنا بسبلِ الخلاص. ولم يكتفِ بإرسال خدَّامه، بل جاء إلينا بنفسه وأظهر لنا الدرب التي يجب أن نسلكها؛ لقد جاء ليبشّرنا بالكلمة المقدَّسة.

أتعرفون بماذا نشبّه المرءَ الذي لم يتغذَّ من هذه الكلمة المقدَّسة أو أساء استخدامَها؟ إنَّه لأشبه بمريض لا طبيبَ يداويه، أو بمسافرٍ ضلَّ الطريق، أو بفقيرٍ لا موردَ رزقٍ له. إنَّه لحريٌّ بنا، يا إخوتي، أن نقول إنَّه من المستحيل أن نحبَّ الله ونسعى لإرضائه من دون أن نتغذَّى من هذه الكلمةِ الإلهيَّة. فما الذي يدفعُنا إلى التعلُّق به إن لم نكن نعرفه تمامَ المعرفة؟ ما خصَّنا بها، إن لم تكن كلمة الله التي تكشفُ لنا ما قامَ به من أجلنا، والخيراتِ التي أعدَّها لنا في الحياة الأخرى، إن كنَّا نسعى إلى إرضائه؟

القدّيس يوحنّا ماري فيانّاي (خوري آرس)

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM