يوسف العامل بين العمّال

قراءة من إنجيل يوحنّا (6: 41-47)

41أمّا اليهودُ فكانوا مُتذمِّرين عليه لأنَّه قال: "أنا، أنا الخبزُ الذي نزلَ من السماء." 42وكانوا يقولون: "أما هذا يسوعُ ابنُ يوسف، ذاك الذي نحن عارفون أباه وأمَّه. فكيفَ يقولُ هذا: مِن السماءِ نزلتُ." 43فأجابَ يسوعُ وقالَ لهم: "لا تتذمَّرون واحدًا مع واحدٍ 44لا يقدرُ إنسانٌ أن يأتيَ إليَّ، إلاّ إذا جذبَه الآبُ الذي أرسَلني وأنا أقيمُهُ في اليومِ الآخِر. 45لأنَّه كُتبَ في النبيِّ: يكونونَ كلُّهم متعلِّمي الله، والآنَ كلُّ سامعٍ من الآبِ ومتعلِّمٌ منه، هو آتٍ إليَّ. 46فلا إنسانٌ رأى الآبَ إلاّ الذي من اللهِ هو. ذاكَ رأى الآبَ. 47آمين آمين أنا قائلٌ لكم: "المؤمنُ بي تكونُ له الحياةُ الأبديَّة."

*  *  *

في إحدى الرعايا التي خدمتُ فيها، توفّي عاملٌ في البلديَّة. فقابله الكاهن بيوسف العامل. فغضب أهل الفقيد وأقاربه. أما عنده أحد في أسرته أو في أسرة أجداده من يرفع الرأس. وبحثوا فوجدوا أنَّ ابن خاله كان ضابطًا في الجيش الكوبيّ، وابن خالته موظّفًا كبيرًا في الأوروغواي. عندئذ دعوا خورأسقفًا فأعلى شأن هذا "العامل". كم نحن ضعفاء ومساكين! نتعلَّق بهذا العالم فنشبه ذاك الغنيّ الذي نسي لعازر عند بابه (لو 16). دُفن دفنة رائعة، ولكنَّه كان في الجحيم يتعذَّب.

أكبر شرف لعامل أن يكون في خطِّ يوسف العامل، ويسوع المسيح، وفي خطّ بولس الذي كان يعمل في النهار ليقوم بحاجات الفريق الرسوليّ. ثمَّ يعظ في الليل. أمّا يسوع فلبث ذاك العامل قرابة ثلاثين سنة، يأكل خبزه بعرق جبينه. وفي أيِّ حال، طلب إبليس من يسوع أن يترك العمل فيحوّل الحجارة إلى خبز. ردَّ عليه يسوع: المهمّ أن نأكل أم المهم أن نسمع كلام الله وهو يعرف أن يعطينا ما نحتاج إليه، كما يفعل مع الطيور والزنابق.

أسَّس العالم عيد العمل، وعيد العمّال، في الأوَّل من أيَّار. فيتوقَّف الناس عن العمل في ذلك اليوم وتُطلق الخطب والمطالب من أجل تحسين شروط العمل. أمّا الكنيسة فجعلت أمامنا صورة يوسف، وأسمعتنا كلام الرسول: "مهما عملتم فليكن ذلك لمجد الله". لا نعرف إن كان يتذمَّر ويجدّف ويلعن الحياة. ولكنَّه يذكّرنا بهذا "المعلّم" الذي كان يبني كنيسة. سبقه اثنان، الأوَّل، لعن هذه الحياة بما فيها من تعب. والثاني، أعلن أنَّه يجتمل الحرّ والتعب ليقوم بأود عياله. أمّا الثالث فانطلق من الحجر الذي بيديه ورفع عينيه باتّجاه قبَّة الكنيسة وقال: "أبني بيتًا لله". وهكذا يوسف "العامل" بنى بيتًا ليسوع ومريم. فقالوا عنه: "أما هذا يسوع ابن يوسف. فنحن نعرف أباه وأمَّه" (يو 6: 42). فالبيت معروف. ومنه سينطلق يسوع ليبني بيتًا آخر، أو هيكلاً، هو جسده الذي يقيمه من الموت (يو 2: 19).


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM