يسوع النجّار ابن يوسف النجّار

قراءة من إنجيل لوقا (4: 14-24)

14ورجِعَ يسوعُ بقوَّةِ الروحِ إلى الجليل، وخرجَ عنه خبرٌ في كلِّ مكانٍ حولَهُ. 15وهو مُعلِّمًا كانَ في مَجامعِهم، ومُمجَّدًا كانَ مِن كلِّ أحَد. 16وأتى إلى الناصرةِ حيثُ تَربّى، ودخلَ كما عادتُهُ إلى المجمعِ في يومِ السبت، وقامَ للقراءة. 17فأُعطيَ له سِفرُ إشعيا النبيّ. ففتحَ يسوعُ السفرَ ووجدَ المكانَ حيثُ كُتبَ: 18روحُ الربِّ عليَّ، ولأجلِ هذا مَسحَني لأبشِّرَ المساكين، وأرسلَني لأشفِيَ مُنكسِري القلبِ ولأكرِزَ للمسبيِّينَ المغفرةَ وللعميانِ البصرَ، ولأثبِّتَ المَكسورينَ في الحرِّيَّة. 19ولأكرِزَ سنةً مَقبولةً للربّ.

20ولفَّ السفرَ وأعطاهُ للخادِم، وذهبَ فجلَس. والذينَ في المجمعِ كلُّهم، عُيونُهم كانَتْ ناظرةً إليه. 21وشرَعَ يَقولُ لهم: “اليومَ تُمِّمَ الكتابُ الذي (سمعتموه) في آذانِكم.” 22وشاهدين كانوا لَهُ كلُّهم. ومُتعجِّبينَ كانوا بأقوالِ النعمةِ الخارجةِ مِنْ فمِه، وكانوا قائلين: “أما هذا هو ابنُ يوسف؟” 23فقالَ لهم يسوعُ: “ربَّما تقولون لي المثلَ هذا: يا طبيبُ، طبِّبْ نفسَك، وكلَّ ما سمِعْنا أنَّك صنعتَ في كفرناحوم، اصنَعْ أيضًا هنا في مدينتِكَ.” 24أمّا هو فقالَ لهم: “آمينَ أنا قائلٌ لكم: ليسَ نبيٌّ مَقبولاً في مدينتِه."

*  *  *

أتى يسوع إلى بلدته الناصرة. ودخل المجمع ليصلّي شأنه شأن المصلّين. ولا شكَّ بأن يكون يوسف دخل للصلاة، وكانت تتمُّ يوم السبت. والعشيرة الواسعة كلُّها هنا. إخوته أو ما يُدعى أقارب يوسف من أبيهم كلاوبا وأمُّهم مريم التي كانت مع مريم العذراء عندَ الصليب.

لا شكَّ في أنَّهم دعوه ليتكلَّم كما حصل مرَّة فقرأ إشعيا النبيّ: "روح الربِّ عليّ". طُلب منه أن يقرأ فقرأ وشرح وعلَّم (لو 4). وسبقت شهرته وصولَه إلى بلدته، إعجاب كبير. ولكنَّه ابن البلدة. فلا يحسب نفسه فوقَنا. فنحن نعرف أباه. هو يوسف، كما قالوا في خطبة خبز الحياة. قالوا: أما هذا يسوع ابن يوسف؟ نحن نعرف أباه وأمَّه، فكيف يقول الآن: إنّي نزلتُ من السماء؟" (يو 6: 42).

ومن هو يوسف؟ هو النجَّار... احتقروا يسوع ودعوه النجَّار (مر 6: 3). إذًا يسوع هو نجَّار ابن نجَّار؟ من أين جاء بهذا التعليم الذي يحمله إلينا؟ وكيف يستطيع أن يجري كلَّ هذه القوَّات؟ في أيِّ مدرسة تعلَّم؟

وهكذا سارت الروايات المنحولة تتحدَّث عن يوسف النجَّار. وتبع هذا الخطّ التقليدُ المسيحيّ، فرأى في يسوع ذاك الرجل "الحقير" الذي يعمل في مهنة لا تدرُّ عليه الكثير.

هنا نتذكَّر أنَّ كلَّ رجل تقيّ امتلك مهنة يعتاش منها إذا ضاقت به الحالة. والفرّيسيُّون راحوا بشكل خاصّ في هذا الخطّ. يكفي أن نعرف أنَّ شاول (بولس الرسول) كان ينسج الخيام من شعر الماعز. قيل عنه في سفر الأعمال: "جاء بولس إليهما (أي أكيلا وبرسكلّة) وكان من صناعتهما. فأقام عندهما وكان يعمل معهما في صناعة الخيام" (أع 18: 2-3). هل نقول إنَّ بولس كان يعمل في نسج الشعر وصنع الخيام؟

ويذكر التلمود هلاّل الذي كان حطَّابًا، ورابّي يهودا فرَّانا، ورابّي يوحنَّان بن زكَّاي إسكافًا، وآخر فلاّحًا وآخر حدَّادًا. في هذا المعنى نفهم أن يكون يسوع "نجَّارًا" ووالده نجَّارًا، متناسين أنَّه كان معلّمًا. فاذهب إلى عملك الحقير، واترك التعليم وجمع التلاميذ.

 

وعد مستحيل؟

"يكون مديحه دومًا في فمي" (مز 34: 2). بدا النبيّ هنا وكأنَّه يقدّم وعدًا مستحيلاً. فكيف يمكن أن يكون المديح في فم الإنسان على الدوام؟ حين يتكلَّم وتكون كلماته عاديَّة ومتعلّقة بحياته اليوميَّة، لا يكون مديحُ الله في فمه. حين ينام يكون صامتًا كلَّ الصمت. حين يأكل أو يشرب، كيف يمدح فمه الله؟

نجيب

كلَّ شيء لمجد الله.

 

القدّيس باسيل الكبير

 

 

على هذا أنَّ هناك فمًا روحيًّا لدى الإنسان الباطنيّ، يغتذي حين يتقبَّل كلمة الحياة التي هي الخبز النازل من السماء (يو 6: 33). عن هذا الفم تكلَّم النبيّ أيضًا: "فتحتُ فمي واجتذبت الروح" (مز 119: 131). والربُّ يدعونا أيضًا لنُبقي فمَنا مفتوحًا واسعًا لتقبُّل طعام الحقيقة بشكل وافر: "افتحْ فمك واسعًا وأنا أملأه" (مز 81: 11).

وفكرُ الله الذي حُفر مرَّة وخُتم كما في عمق النفس، يستطيع إذًا أن يُدعى مديح الله، القائم دومًا في النفس. عندئذٍ يستطيع الإنسان الفاضل أن يعمل كلَّ شيء لمجد الله بحسب نصيحة الرسول (1 كو 10: 31). وهكذا يكون كلُّ عمل وكلُّ كلام وكلُّ نشاط بمثابة مديح. وسواء أكل البارّ أو شرب فهو يعمل 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM