وانتهت مهمَّة يوسف

قراءة من إنجيل لوقا (2: 40، 51)

40أمّا الصبيُّ فكان ناميًا ومُتقوِّيًا بالروحِ ومُمتلئًا حكمة، ونعمةُ الله كانَتْ علَيه.

51ونزَلَ مَعهما وأتى الناصرة، وكان مُطيعًا لهما. أمّا أمُّه فكانَتْ حافظةً الكلماتِ كلَّها في قلبِها. 52وأمّا يسوعُ فكان ناميًا في قامتِه وفي حكمتِهِ وفي النعمةِ عندَ اللهِ والناس.

*  *  *

يسوع ينمو في رعاية والديه، يوسف ومريم. مرَّة أولى، قيل عنه: "وكان الصبيّ ينمو ويتقوَّى، ويمتلئ حكمة. وكانت نعمة الله عليه" (لو 2: 40). وسوف نقرأ في آ51: "ثمَّ نزل معهما، وعاد إلى الناصرة، وكان طائعًا لهما. وكانت أمُّه تحفظ كلَّ شيء في قلبها. وكان يسوع ينمو في الحكمة والقامة والحظوة عند الله والناس."

اهتمام كبير. تربية رائعة. نموّ على مستوى الجسد، ونموّ على مستوى الفكر والأخلاق. يتعلَّم القراءة والكتابة. كما يتعلَّم الصلاة بشكل خاصّ حين يمضي إلى المجمع كلَّ سبت، كما حصوله مرارًا خلال حياته العلنيَّة.

مشاركة في الصلاة، مشاركة في الأعياد. فنقرأ في لو 2: 41: "وكان أبواه يذهبان كلَّ سنة إلى أورشليم، في عيد الفصح." فيكون الأولاد تارة مع آبائهم وطورًا مع أمَّهاتهم. فكلُّ فريق يمشي وحده، ولا يختلط الرجال بالنساء، كما في صلاة المجمع، وكما كان الأمر بالنسبة إلى المسيحيَّة حتَّى زمن قريب. وهكذا نفهم أن يكون يوسف ومريم أضاعا يسوع وبحثا عنه ثلاثة أيَّام، وهما "معذّبان" (آ48).

ولكن ماذا كان جواب هذا الصبيّ الطائع، ابن الاثنتي عشرة سنة؟ جواب غريب. هو مع أبيه بالتبنّي، يوسف، ويقول: "ينبغي أن أكون في ما هو لأبي، في بيت أبي." عن أيِّ أبٍ يتكلَّم؟ عن الآب السماويّ. انتهت مهمَّة يوسف الآن. وفي قلبه "الأبويّ" فهمَ الآن ماذا يعمل. منذ الحبل بيسوع، كان قرب مريم ثمَّ قرب يسوع ومريم. والآن، اختفى. كدتُ أقول: استعاد الله ابنه، كما بنت فرعون استعادت موسى من يوكابد أمّه. مضى موسى في طريقه ولم يرجع إلى البيت الوالديّ. وهكذا يسوع. بدأ يشقُّ طريقه. أكادُ أقول: لم يعد بحاجة إلى عناية كما لو أنَّه بعد طفل.

وسأل المؤمنون: أين مضى يوسف؟ إلى البيت، بيت الناصرة، وماذا حصل له؟ لبث يعمل كما من قبل. وقال بعض الأتقياء: مات شابًّا بين يدي يسوع ومريم. ولكنَّ الإنجيل لا يقول شيئًا في هذا الصدد. وسوف يشير إليه الناس في كفرناحوم. فيسوع هو "ابن يوسف" الذي يعرفونه.

ها هي عظمة يوسف. لعب دوره كما أمره الله. ولمّا انتهى دورُه، اختفى. إنَّه مثال الآباء والأمَّهات. ما تعلَّق بيسوع وأراده تحت كنفه حتَّى النهاية. لو فعل ذلك، لبقي يسوع قاصرًا ولا يجسر أن يأخذ قرارًا بنفسه. إذا هو طلب من التلميذ أن "يبغض أباه وأمّه" أي أن لا يفضّلهم على الله، فماذا عمل هو؟ وخصوصًا ماذا عمل يوسفُ ومريم؟ هما ما تصرَّفا مثل رجال "القبيلة" الذين أرادوا أن يعيدوا يسوع إلى رشده (مر 3: 31-35). تخلَّى يسوع، على مستوى الجسد، عن الأمّ والأب والإخوة والأخوات. أسرته الجديدة تكون من الذين يصنعون مشيئة الله.

 

الاحتفال بعيد مار يوسف 

وُلد إكرام القدّيس يوسف من الحنان الذي غمر العصر الوسيط في تأمُّل مع مريم العذراء والطفل يسوع. وإذا كان عيد خطّيب مريم وأبي يسوع ومربّيه – كما ترتّب في القرن الخامس عشر – يقع في زمن الصوم، فلسبب مصادَف. أمّا عندنا في الشرق، فنعيّد القدّيس يوسف قبل عيد الميلاد المجيد.

وتُعرَض بوضوح مهمَّة القدّيس يوسف قرب يسوع ومريم في مقدّمة الكلام الجوهريّ: "إنَّه لواجب ولائق أن نمجّدك أيُّها الربّ الإله. ففيما نعيّد القدّيس يوسف، إنَّما نعظّمك أنت ونباركك. فقد كان الرجلَ البارَّ، الذي جعلتَه خطّيبًا لمريم العذراء، أمِّ الله. وكان الخادم الأمين والحكيم الذي سلَّمتَه العناية بالعائلة المقدَّسة، فسهر كأبٍ على ابنك الوحيد الذي حُبل به بقوَّة الروح القدس، يسوع المسيح."

أمّا صلاة البدء فتقدّم بإيجاز عميق السرّ الذي تتضمَّنه هذه النشاطات المختلفة. "أيُّها الربُّ الإله، في صباح الأزمنة الجديدة، كلَّفت القدّيس يوسف بحراسة أسرار الخلاص." والربّ أراد بأن يواصل القدّيس يوسف عمله في الكنيسة التي هي جسد المسيح، وهو عمل أخذه على عاتقه، فتكرَّس بكلّيَّته لخدمة ابن الله. فكما أنَّ مريم، أمّ يسوع هي أمّ الكنيسة، كذلك القدّيس يوسف حارس يسوع هو حامي الكنيسة. لهذا نطلب لهذه التي مهمّتها إدخال جميع البشر في ملء سرّ التجسُّد، بحيث أن تُسندها على الدوام صلاةُ القدّيس يوسف.

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM