يوسف في حضرة الألوهة

قراءة من إنجيل لوقا (5: 8؛ 18: 13-14)

8فلمّا رأى هذا سمعانُ كيفا سقطَ قُدّامَ رِجلَيْ يسوعَ وقال له: “طالبٌ أنا منكَ، يا ربُّ، ابتعِدْ أنتَ عنّي، لأنّي رجلٌ خاطئ.”

*  *  *

13أمّا ذلك الجابي فكان قائِمًا من بعيد وما كان مُريدًا أيضًا أن يَرفعَ عينَيه إلى السماء، إنَّما قارِعًا على صدرِه كان، وقائِلاً: "يا الله، تَحنَّن عليَّ أنا الخاطئ." 14وأنا قائلٌ لكم: "نزَلَ هذا مُبرَّرًا إلى بيتِهِ أفضلَ من ذاك الفرّيسيّ. فكلُّ إنسانٍ يَرفَعُ نفسه يُواضَعُ وكلُّ مَن يُواضِعُ نفسَه يُرفَع.”

*  *  *

نقرأ في الروايات المنحولة أنَّ يوسف، مضى يعمل وغاب مدَّة طويلة عن البيت. وحين عاد، رأى مريم حاملاً. البيتُ كلُّه نور. نظر إلى وجه مريم، القداسة تشعُّ منه. وحشاها حشا الألوهة، لأنَّ ذاك الذي حبلت به هو "ابن الله"، ووجوده هنا بفعل الروح، كما قال الملاك: "الروح القدس يحلُّ عليك وقوَّة العليّ تغطّيك بظلّها". هكذا كان يُغطَّى تابوتُ العهد رمزُ حضور الله. أمّا الآن والكلمة الإلهيّ في حشاها، فكيف لا يظلّلها الله الآب ويظلّل ابنها المخفيّ قرب قلبها.

لا. هذا البيت ليس بالبيت الأرضيّ. إنَّه بيت سماويّ. هي السماء نزلت على الأرض، بانتظار أن تُرفَع الأرض إلى السماء. مريم هي "سماء"، بل أوسع من السماء، لأنَّ في حشاها ربَّ السماء والأرض. ذاك ما شعر به من دُعيَ "البارّ" في المعنى الإلهيّ، بعد أن رفعه الله ليكون على مستوى مريم. ارتكض فرحًا. رقص، ولو استطاع لتكلَّم. فهذه لبثت "مخفيَّة" على يوسف كما قال بعض السطحيّين. لا. بل كانت ظاهرة وظاهرة جدًّا، فبهرته مثل نور الشمس. فأحسَّ أنَّه صغير، لا يستحقُّ أن يكون في هذا البيت. هو من الأرض وها السماء هنا. فصرخ كما صرخ بطرس بعد الصيد العجيب: "ابتعدْ عنّي، يا ربّ، فأنا رجل خاطئ" (لو 5: 8). أنا لا أستحقُّ أن أبقى معكِ، بقربكِ. هو "الخوف" استولى عليه، الخوف المقدَّس. ولا هو وحده، بل "جميع الذين معه" (آ9). عندئذٍ دعاه يسوع: لا تخف". لن تكون فقط "صيَّاد سمك" فتصطادَ الكثير، بل ستكون "صيَّاد بشر" (آ10) وأوَّل صيد كان يوم العنصرة. "انضمَّ إلى الكنيسة ثلاثة آلاف نفس" (أع 2: 41).

وما قيل لسمعان بطرس، ويعقوب ويوحنّا اللذين كانا معه، قيل هنا ليوسف "يا يوسف، ابن داود، لا تخف" (مت 1: 20)، لا تخف من وجودك في السماء. في حضرة مريم ومن في حشاها. ممنوع الخوف ولو برهة قصيرة. بل أنت سترافق هذه المرأة. بل "تأخذها إلى بيتك". فالمشروع أكبر منها وأكبر منك. "لأنَّ الذي حُبل بها هو من الروح القدس".

لم يبقَ أمام يوسف سوى السجود. شأنه شأن شاول (أي بولس الرسول) على طريق دمشق. جاء ساجدًا ورأسه إلى الأرض: "ماذا تريد يا ربّ أن أعمل؟" سأل بولس فقيل له هذا الكلامُ. أمّا يوسف فما سأل. قيل له بأن "يأخذ مريم إلى بيته". وهكذا فعل. ارتفع فوق الأرض مع مريم. هي البتولة وهو البتول. ففي السماء لا يزوّجون ولا يتزوّجون. وهكذا كانت مريم التي أعلنت أنَّها لا تعرف رجلاً ولا تريد أن تعرف. وهكذا يوسف الذي حافظ على بتوليَّته وبتوليَّة مريم فقيل عنه: "لم يعرفها".

ابن الله على الأرض بين مريم ويوسف. وتسألون أين هي السماء؟

 

قال إنَّ الله أبوه 

ما إن نتلفَّظ باسم الآب حتَّى نفكّر بالابن. وحين نسمّي الابن، نفكّر حالاً بالآب. إذا كان هناك من أب، يجب أن نفهم أبا ابن. وإن كان من ابن، يجب أن نفهم ابنَ أبٍ. إذًا، لكي نتجنَّب أنَّنا، على أثر هذا القول: "أؤمن بإله واحد، الآب القادر خالق السماء والأرض، والمسكونة المنظورة واللامنظورة". وإذ نسمع إضافة أيضًا: "وبربّ واحد يسوع المسيح". يصل إنسان ويبلغ إلى هذا الظنّ، لأنَّ الوحيد المولود لا يأتي. حسب النظام، إلاَّ بعد السماء والأرض، لكي نتجنَّب هذا، وقبل أن نُقرّ باسميهما الخاصَّين سمَّينا الله "الآب". هكذا في اللحظة عينها حين نفكّر بالآب، نفكّر بالابن أيضًا. ما من شيء موجود يقف بين الآب والابن.

لا شكّ، في معنى واسع جدًّا، الله هو أبو جمهور الكائنات. ولكن بالطبيعة وبالواقع، هو أبو الابن الوحيد وحده والمولود الوحيد، ربّنا يسوع المسيح هو أبٌ وما احتاج أن يستعمل الزمن. ولكن لأنَّه موجود منذ الأزل كأبٍ للوحيد المولود، فهو ما بدأ بأن يكون بلا ولد، ثمَّ بعد ذلك وعلى أثر تبديل في القرار أضحى أبًا. ولكن قبل كلِّ جوهر وقبل كلِّ إدراك، قبل الزمن وقبل الدهور كلِّها، يمتلك الله كرامة الأبوَّة وهو يُسمَّى باسمها قبل سائر الكرامات كلِّها.

 

القدّيس كيرلُّس الأورشليميّ

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM