بين عبد وعبد

الأحد الرابع بعد الصليب (1 تس 5: 1-11؛ مت 24: 45-51)

 

45فمَن هو يا تُرى العبدُ الأمينُ والحكيمُ الذي أقامَه سيِّدُه على بني بيتِه ليُعطيَهم الطعامَ في حينِه. 46طوبى لذلك العبدِ الذي يأتي سيِّدُه فيجِدُهُ فاعلاً هكذا. 47آمين أنا قائلٌ لكم: يقيمُه على كلِّ ما له. 48وإذا يقولُ ذلك العبدُ الشرّيرُ في قلبِه: "سيِّدي يتأخَّرُ للمجيء"، 49ويشرعُ يضربُ رفاقَه، ويكونُ آكلاً وشاربًا مع السكارى. 50يأتي سيِّدُ ذاكَ العبدِ في اليومِ اللامنتظرِ وفي الساعةِ التي لا يَعلَمُ. 51ويفصِلُه ويجعلُ نصيبَه مع الآخذينَ بالوجوه. هناكَ يكونُ البكاءُ وصريرُ الأسنان.

*  *  *

نحن في زمن النهاية. القناع الذي وضعناه على وجوهنا سوف يُنزَع. لا نستطيع أن نخفيه ولا أن نختبئ. أيَّ طريق نأخذ يوم لا نعود نستطيع أن نختار؟ وفي أيِّ حال، حياتنا اليوميَّة تحدِّد اليوم الذي فيه يأتي الربُّ إلينا. كلُّنا عبيد الربّ، أي صنعته وعمل يديه، ولهذا يتعلَّق الله بنا. ولكن أيَّ طريق نأخذ: الأمانة والحكمة أم طريق الجهالة التي هي في النهاية إنكار الله ورفض وصاياه. والنتيجة؟ إمَّا التي نراها عند "العبد الأمين الحكيم" أم تلك التي نراها عند "الرديء"؟ طريق تبدو بشكل تنبيه لنا. أين نريد أن تنتهي حياتنا؟ نحن نختار الطريق إلى السعادة والحياة، أو الطريق إلى التعاسة والموت.

 

1.    العبد

حين نتحدَّث عن "العبد" نتخيَّل في مفهومنا، ذاك الذي لونه غير لوننا. والذي لا يزال يُشترى ويُباع حتَّى أيَّامنا. يأتون به من أفريقيا إلى العالم العربي. وهناك "العبدة" أو "الأمة" التي تأتي من أفريقيا لتعمل في البيوت، فنعاملها بقساوة وكأنَّنا اشتريناها، بحيث صارت مُلكًا لنا، فنستغلُّها كلَّ استغلال. لا ليس هذا معنى العبد في الكتاب المقدَّس.

حين نعرف أنَّ داود هو عبد الله، وكذلك موسى وإبراهيم. وغيرهم، ننتظر أن نفهم الإنجيل قبل الإنجيل. وحين نعرف أنَّ قائد الجيش هو عبد داود أو سليمان... هل اشتراه الملك؟ بل هو "صنعه" أو بالأحرى "رفعه" إلى هذا المستوى. وكذا جميع الموظَّفين الكبار. هم "عبيد" الملك، بمن فيهم أبناؤه ونساؤه: كلُّهم يسجدون له ووجههم إلى الأرض أمامه.

خطئ الملكُ شاول فنبَّهه صموئيل. ماذا كان في الماضي وكيف رفعه الله، كما بالصدفة حين كان يطلب أتن أبيه. وكذلك نبَّه ناتان داود. أخذه الربُّ من وراء الغنم وجعله الملكَ في شعبه. هو صنعة الله، عبد الله.

وبولس الرسول الذي كان "شاول"، ذاك الذي يضطهد الكنيسة، دعا نفسه "عبد يسوع المسيح" في بداية رسائله. من "صنعه" رسولاً، من نقله من "عدوّ" للكنيسة إلى رسول كبير في الكنيسة؟ يسوع المسيح. فهو يقول: "ولكن سُرَّ الله فاختارني من بطن أمّي ودعاني بنعمته" (غل 1: 15). مَن "صنَعه"؟ مَن جعله "رسولاً"؟ لا الناس، بل "يسوع المسيح والله الآب" (غل 1: 1).

كلُّنا عبيد الله، كلُّنا صنعة الله. وإن هو خلَّصنا فلكي يسلِّمنا رسالة، وهو "يطالبنا بالحساب". ماذا فعلتَ يا ابني، ماذا فعلتِ يا ابنتي، بهذه السنوات التي أعطيَت، والمواهب التي أُغدِقَتِ؟ وهنا الافتراق بين عبد وعبد.

 

2.    بين أمين ورديء

من يحكم بين عبد وعبد؟ لا الإنسان، أيُّ إنسان. فالرسول قال: "لا يدينني أحد، ولا أنا أدين نفسي. ديَّاني هو الربّ" (1 كو 4: 1-12). الله وحده هو الذي يميِّز بين "عبد أمين حكيم" و"عبد رديء"، لأنَّه وحده يعرف سرائر القلوب. من هو الأمين؟ هو الذي يؤمن. هو الذي يصدِّق ويصدَّق فلا يخون ولا يعمل ما يشاء في غياب سيِّده. هو الثابت في ما يبدأ ويبقى ثابتًا حتَّى النهاية. ونحن لا ننسى أنَّ يسوع دُعيَ: آمين، الأمين، في سفر الرؤيا. فهنيئًا لعبد يأخذ صفة هذا المعلِّم، صفة الربّ بالذات.

ثمَّ هو حكيم. هي الحكمة الآتية من لدن الله، لا حكمة العالم التي رفضت يسوع المسيح وفي النهاية صلبَتْه. فالآتية من العالم اليهوديّ، لم تقبل بمسيح مصلوب. وتريدُه أن يمجَّد دون أن يمرَّ في الصليب. بل يُرفَع كما قالت التعاليم الضالَّة منذ بداية الكنيسة، وردَّد ذلك إنجيل برنابا.

الحكيم هو الذي يتحكَّم بالأمور، ولا يسمح للصعوبات أن تتغلَّب عليه. لو أُخذ يسوع بحكمة العالم، لما كان مضى إلى الصليب، الذي هو "عثرة لليهود وجهالة للأمم" (1 كو 1: 22). ولكنَّ مثل هذه الحكمة البشريَّة تُعتبر جهالة في نظر الله. وما يعتبره العالم جهالة هو أحكم من كلِّ ما يملك العالم. تلك هي الحكمة التي يأخذ بها العبد الأمين، وأمانته تبرز في انتظار السيِّد حين يأتي. وفي ذلك الوقت، يعمل عمل "ربِّ البيت" الذي يمتلك ثقة الربّ.

وتجاه هذا العبد، نجد "العبد الرديء". نحن نجد الصفة هنا، مع أعمال تصفه أدقَّ وصف. الرديء هو ضدَّ الصالح، ويسوع دُعيَ "المعلِّم الصالح" (مت 19: 16). أمَّا هذا العبد فهو عكس الربِّ كلّيًّا. أوَّل موقف: لا ينتظر. بل هو يحسب أنَّ سيِّده قد لا يأتي. يريد أن يكون السيِّد، لا الخادم. لا يعطي الطعام للذين يُسأل عنهم. بل هو يأكل، يشرب، يسكر. وبعد السكر "يضرب رفاقه".

لا شيء يدافع عنه أمام السيِّد. رديء بالنسبة إلى الربّ، ورديء بالنسبة إلى إخوته. هو أبعد ما يكون له من الخادم. فكيف يقف أمام ذاك الذي ما أتى ليُخدَم بل أتى ليَخدُم ويبذل حياته عن الكثيرين، أي عن الجميع.

 

3.    بين نتيجة ونتيجة

طريقتان في انتظار السيِّد: العبد الأمين الحكيم، العبد الرديء. فنحن في حياتنا اليوميَّة نهيّئ النهاية. فالخلاص لا يكون ابن الساعة، بل هو جهاد طويل وعمل يوميّ. فما الذي يحكم على هذا الموقف أو ذاك؟ النتيجة. فالأوَّل، نال ملء ثقة الربّ، الذي فرح حين رآه يفعل ما طُلب منه. يقول الإنجيل: "يقيمه على كلِّ ما له." "على كلِّ أمواله." يسلِّمه كلَّ شيء. هكذا تصرَّف فوطيفار مع يوسف. قال لامرأة فوطيفار: "سيِّدي لا يعرف شيئًا في البيت. وكلُّ ما له دفعه إلى يدي... لم يمسك عنِّي شيئًا" (خر 39: 8-9). وكذلك صار يوسف فيما بعد الرجل الثاني بعد فرعون. تلك نتيجة الأمانة من جهة، والحكمة من جهة أخرى، حين قال فرعون بعد أن فسِّرت الأحلام: "ليس بصير وحكيم مثلك. أنت تكون على بيتي."

إذا الناس يعاملون مثل هذا العبد هكذا، فماذا يفعل الله؟ إذا كنَّا نحن الأشرار نتصرَّف هكذا. فما أحرى بأبينا السماويّ أن يفعل. قال يسوع: "فإذا كنتم، وأنتم أشرار، تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيِّدة، فكم بالحريّ الآب الذي في السماء."

ذاك جزاء العبد الأمين. ولكنَّ كلام الربِّ هو تحذير بالأحرى لكلِّ واحد منَّا: إيَّاك أن تكون العبد الرديء: هو اعتبرَ أنَّ الربَّ لا يأتي، ولكنَّ الربَّ أتى. اعتبر أنَّه يتأخَّر، ولكنَّه ما تأخَّر. لا بدَّ أن يعرف بساعة مجيئه. ولكن لا. فهو أتى في يوم لم يكن يتوقّعه، وفي ساعة... مستحيلة. أتى فجأة. وتكون النهاية تعيسة: يقطعه اثنين. ذاك كان عقاب معروف، فنقرأ عنه في دا 13: 55، 59. بالسيف يُقطَع. كما كانوا يقطعون الجمل في المباريَّات. بئس المصير!

 

الخاتمة

في النهاية، نهاية العالم بالنسبة إليَّ أنا. ماذا يكون الجزاء الذي ينتظرني؟ فأنا أعدُّه يومًا بعد يوم. فأنا "عبد الربّ". اختارني، أرسلني، وكلَّمني في عمل مع إخوتي وأخواتي. أيَّ طريق آخذ؟ وفي أيِّ حال، كلُّ طريق تقود إلى نهاية. إذا كان الهدف أن أكون مع "المرائين"، ينتظرني العقاب. أمّا إذا اخترت أن أكون العبد الأمين الحكيم، فهنيئًا لي منذ الآن.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM