من جوع إلى جوع

قراءة من نبوءة عاموس (8: 7-14)

بجاه يعقوب أقسم الربّ: "لا أنسى عملاً من أعمالهم إلى الأبد، أفلا ترتجف الأرض لأجل ذلك ينوح كلُّ ساكن فيها؟ أفلا تعلو كلُّها كنهر، ثمَّ تفيضُ وتنحسرُ كنهر مصر؟ ويكونُ في ذلك اليوم أنّي أُغيِّبُ الشمس عند الظهيرة وأجلبُ الظلمةَ على الأرض في النهار الضاحي. وأحوِّل أعيادكم نواحًا وجميع أغانيكم مراثي، وأجعلُ المسح على كلِّ حقوٍ والقرعَ على كلِّ رأس، وأجعلُ أوائل أيَّامكم كمناحةٍ على وحيدٍ وأواخرها كيومٍ مرّ.

"ستأتي أيَّامٌ أقول أنا السيِّد الربّ، أُرسلُ فيها الجوعَ على الأرض، لا الجوع إلى الخبز ولا العطش إلى الماء بل إلى استماع كلمة الربّ. فينزحونَ من بحر إلى بحر ومن الشمال إلى المشرق، ويطوفون في طلب كلمة الربِّ فلا يجدون. في ذلك اليوم يُغمى على العذارى الحسان وعلى الشبَّان من العطش. وأولئك الذين يُقسِمون بأثيما، إلهةِ السامرة والذين يقسمون قائلين: "حيٌّ هو إلهك يا دان، وإلهك يا بئر سبع، يسقطون ولا يقومون من بعد."


 

هو الإنسان في كلِّ زمان ومكان. يهمُّه الطعام والشراب. خلقه الله على صورته ومثاله فيريد العودة إلى "الحيوان" الذي يكتفي بأن يملأ بطنه. ذاك كان منتهى الرغبة عند الابن الأصغر الذي ترك البيت الوالديّ: يزاحم الخنازير على الخرُّوب الذي يأكلون (لو 15). والشعب العبرانيّ: أخذ يهرب من العبوديَّة إلى الحرِّيَّة. كانوا جماعة من "الرعاع" فاجتمعوا حول جبل سيناء، لكي يؤدُّوا عبادتهم للربِّ الإله. ولكن ما زالوا يحنُّون إلى بصل مصر وبطِّيخها، إلى السمك، إلى اللحم، ولو كان فيه طعم الانحدار. الربُّ يُريد أن يرفعكم وأنتم تنزلون. ومن يدري؟ لدى البعض، السماء هي طعام وشراب وسائر أمور الحياة. ساعة قال الرسول: "ليس ملكوت الله أكلاً وشربًا، بل فرح وبرّ وسلام في الروح القدس" (رو 14: 17). خُلق الإنسان في اليوم السادس، في اليوم ذاته الذي خُلق الحيوان. هل يبقى على هذا المستوى أم يعرف أنَّه مخلوق "على صورة الله ومثاله"؟ أي عليه أن يرتفع إلى الله ولا ينحدر إلى الحيوان.

حوَّل يسوع الماء خمرًا (يو 2). فرح رئيس المتَّكأ بهذا الخمر الذي هو أطيب من سابقه. فلا هو سأل، ولا الخدم سألوا. غاب عنهم كلِّيًّا ما فعله يسوع. وحدهم التلاميذ آمنوا. وكثَّر يسوع الأرغفة وأطعم الجموع. خمسة آلاف. فرح الناس. هذا هو الملك! يطعمنا. فتعلَّقوا به. لم يفهموا شيئًا. لهذا قال لهم يسوع: "لا تعملوا للطعام الفاني، بل للطعام الباقي للحياة الأبديَّة" (يو 6). أتريدون أهمَّ من المنّ؟ أكله آباؤكم وماتوا! ولكن "من يأكل من هذا الخبز الذي أعطيه أنا لا يموت أبدًا."

في هذا المناخ، نسمع كلام النبيّ: "ستأتي أيَّام - أقول أنا السيِّد الربّ - أُرسل فيها الجوع على الأرض، لا الجوع إلى الخبز ولا العطش إلى الماء، بل إلى استماع كلمة الربّ" (عا 8: 11). أمّا الجوع إلى الخبز فتعدَّاه الله: "لا تقولوا: ماذا نأكل، ماذا نشرب؟ هذا تطلبه الأمم الوثنيَّة. أمّا أنتم فأبوكم عارف بما تحتاجون إليه. اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبرَّه والباقي يُزاد لكم." فالربُّ يعطينا "خبزنا كفاف يومنا"، ويستعدُّ أن يعطينا أكثر من الخبز اليوميّ. وكيف يتصرَّف المؤمنون "في تلك الأيَّام"؟ ما أحلاهم: "ينزحون من بحر إلى بحر، ومن الشمال إلى الشرق، ويطوفون في طلب كلمة الربّ" (آ12).

هذا الجوع الذي يريده الربُّ منَّا. على ما قال الربُّ: "طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ!" إلى العمل بمشيئة الله والسير بحسب ما يطلب منّا. هؤلاء يُشبَعون. يشبعهم الله. أجل، هنيئًا لهم!


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM