ورجع عود الصليب

في القرن الخامس، أضحت أورشليم مسيحيَّة بأكثرها، ومُنع اليهود من المجيء إليها سوى في تذكار دمار الهيكل. وتوافد الحجَّاج المسيحيُّون من أنحاء العالم، واعتادوا أن يحتفلوا كلَّ سنة، في الرابع عشر من أيلول، بتدشين المرتيريوم والتبرُّك بالصليب.

ولكن سنة 614، احتلَّ الفرس أورشليم بعد حصار دام طويلاً. ولمَّا دخلوها، قتلوا الكثير من المسيحيِّين، بإيعاز من اليهود، وسلبوا الكنائس وأحرقوها. ولبثوا فيها حتَّى سنة 629. وفي السنة التالية، عُقد الصلح بين الفرس والملك هرقل. أمّا الشروط فإرجاع عود الصليب إلى أورشليم ومعه البطريرك زكريَّا الذي لم يتخلَّ عن الصليب. ثمَّ جميع الأسرى المسيحيِّين الذين أُخذوا إلى بلاد فارس.

وهكذا أُرجع عود الصليب الذي نقله الفرس إلى المدائن. فمرَّ أوَّلاً في القسطنطينيَّة، فخرج للقائه كلُّ شعب المدينة وفي أيديهم أغصان زيتون ومصابيح متَّقدة. ثمَّ أعيد إلى أورشليم. فلمَّا وصل الخبر، أشعل الناس النار على الجبال، ولبثت هذه العادة حاضرة في جبالنا حتَّى زمن قريب.

لبس الملك هرقل أفخر ثيابه الملوكيَّة وحمل الصليب وسار بين الجمع الغفير. ولكن لمَّا وصل إلى جبل الجلجلة، توقَّف وما عاد يستطيع مواصلة الطريق. تساءل هو وتساءل الناس معه. فأتى البطريرك زكريَّا وقال: "أيُّها الملك التقيّ، أنت بثيابك الفاخرة لا تشبه ما كان عليه ربُّ المجد وملك الملوك من الاتِّضاع حين خرج وهو يحمل صليبه." عندئذٍ خلع الملك ثيابه ولبس ثوبًا عاديًّا وسار حافيًا مكشوف الرأس. عندئذٍ صعد الجبل ووضع الصليب في مكانه.

وتذكَّر المؤمنون ما قيل في الإنجيل. "فأخذوا يسوع ومضوا به. فخرج وهو حامل صليبه... إلى الجلجلة... حيث صلبوه" (يو 19: 16-18). عندئذٍ شابه هرقل سمعان القيروانيّ الذي "وضعوا عليه الصليب ليحمله وراء يسوع. وتبعه جمهور كثير من الشعب" (لو 23: 26-27). ذاك ما حصل يوم الجمعة العظيمة. أجل، "كان ينبغي على المسيح أن يتألَّم ثمَّ يدخل إلى مجده" (لو 24: 26). وتلك تكون طريقنا نحن المسيحيِّين.

 

                                              صليبك ملكَ

صليبك ملك في السماء وفي الأرض كلّها يا ابن الله؛

وبه صارت الحياة لنفوسنا، والرجاءُ الصالحُ لبني البشر؛

وبصليبك، يا ربّ، تكلَّل الشهداء، ولم يكفروا بك في يوم ضيقاتهم؛

وبصليبك، يا ربّ، اجتمعتِ الشعوبُ المشتَّتةُ

واعترفوا وسجدوا لك، لأنَّك الربُّ الرحوم؛

فلنشكُرْ ونسجد للربِّ الذي خلَّصنا بصليبه. هللويا وهللويا.

 

صليبك يا ربَّنا، فليكن لنا سورَ المراحم في كلِّ الأوقات؛

وبه فلتُسامَح نقائصُ الشعوبِ المخلّصة بدمك الحيّ.

صليبك يا ربَّنا، فليحُلَّ على شعبك.

صليبك يا ربَّنا، فليُرافق الساجدينَ لك.

صليبُك يا يسوع، فليكن ترسَ الخلاصِ لرعيّتك التي تزيِّح صليَبك، يا ابن الله،

وتبتهلُ إليك، لأنَّك صلبتَ من أجلها؛ فترأَّف بها. هللويا وهللويا.

 

صليبُك الحيّ الذي به يقومُ العلوُّ والعمق والأقطار الأربعة،

هو الذي خلَّصني وأولادي، قالت البيعةُ قدَّام الكفرة؛

بهذا الصليب سمعانُ رسمني، وبه أيضًا دفنني بولسُ المهندس؛

بهذا الصليب، أولادي مخلَّصونَ ومختومون؛

وها هم اليومَ يعترفون به، ويسجدونَ قدَّامه، قائلين:

ارحمنا، يا الله، في كلِّ الأوقات. هللويا، هللويا.

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 91-93)

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM