صليب النور

 

هيلانة أمُّ الملك قسطنطين، اهتدَت يوم اهتدى ابنها وانتصر بعود الصليب. دُعيَت "أوغسطا"، كما كان ابنها "أوغسطس"، فنعمت بتأثير كبير في الإمبراطوريَّة الرومانيَّة، شرقًا وغربًا. كما كان لها أن تأخذ من الماليَّة العامَّة من أجل مشاريعها.

عند ذاك، مضت إلى فلسطين في بداية سنة 325، وحين وصلت إلى جبل الجلجلة، رأته مغطَّى بالكابيتول أو تلَّة الإله جوبيتر عظيم الآلهة، بعد أن بناه أدريان على أثر انتصاره على الثورة اليهوديَّة الثانية سنة 135. دمَّر هذا المعبدَ قسطنطين غداة انتصاره بعلامة الصليب. وإلى هناك راحت هيلانة وبدأت الحفريَّات فوجدَتْ ثلاثة صلبان. ولكن أيٌّ من الثلاثة هو صليب المخلِّص المطمور في التراب. أتوا بمريض فلمسه الصليب الأوَّل ثمَّ الصليب الثاني. ولمَّا لمسه صليبُ الخلاص نهض حالاً معافًى.

في سنة 351، كتب إلى الإمبراطور كيرلُّس أسقف أورشليم. وتحدَّث عن ظهور صليب النور في السماء فوق الجلجلة. منذ ذلك الوقت، أخذت الكنيسة ترفع الصليب عاليًا. هو تجلٍّ حقيقيّ مع تحوُّل الخشبة إلى جوهر مضيء سنة 351. وصدر عن ذلك تقديم الصليب من الذهب المرصَّع بالحجارة الكريمة. وهكذا أمسى الصليب أداة الانتصار على الموت. وسنة 395، دشَّن القدّيس أمبرواز بازيليك الرسل الاثني عشر في ميلانو: "هذا المعبد الذي بشكل صليب هو معبد انتصار المسيح."

عندئذٍ بُني "مرتيريوم" أو كنيسة الشهداء مع الشهيد الأوَّل "يسوع المسيح". حيث وُضع الصليب قرب الجلجلة. وقال كيرلُّس: "خشب الصليب الذي نراه اليوم في أورشليم، يملأ الأرض كلَّها". وامتدَّ المرتيريوم في "أناستاسيس" أو كنيسة القيامة التي سوف يهدمها الفاطميُّون الآتون من مصر ويبنيها الصليبيُّون وهي التي يزورها المؤمنون من العالم كلِّه. وهكذا تحقَّق ما قال يسوع في إشارة إلى موته وصعوده ومجده: "وأنا إذا ما ارتفعتُ جذبتُ إليَّ الجميع" (يو 12: 33).

 

الصليب الحيّ

الصليب الحيّ عظيمٌ وممجَّد وممتلئ خيرات

للذين، بإيمان الحقّ، يسجدون قدَّامه،

وهو قد صار سورَ المراحم والحافظَ لبني البشر:

الصليبُ خلَّصنا من الموت وأعطانا الحياةَ الجديدة!

في يوم تجديده، تعالوا نهتف: بصليبك احفظْ نفوسنا.

 

الصليب هو الشجرةُ الحاملة الحياة،

تلك التي رآها موسى النبيّ في فردوس ابن الله،

وتحت ظلالها تجلسُ البرايا وسكَّانها،

وجميعهم يتنعَّمونَ من ثمارها، ويسمنون من حلاوتها،

فإنَّها الملجأ للأغنياء والفقراء.

 

صليبُك يا ربَّنا، فليكن سورًا حصينًا

لبيعةِ القدسِ المؤمنةِ في أقطار الخليقة الأربعة؛

ولتعبُر عنها الخصوماتُ والانقساماتُ الشرُّيرةُ والضربات؛

وليملك فيها السلامُ والأمان من الآن وإلى الأبد؛

وتحت أكنافِ (الصليب)، فلتُستَر مع أولادها.

 

صليبك يا ربَّنا، هو صار مفتاحًا للفردوس،

وبه انفتحتْ لنا الجنَّةُ التي أغلقَها آدم بجهالته،

وهو فليكن طريقًا وجسرًا، فنعبر به مكان الخطر،

وبه فلننقَذْ من النار، تلك المعدَّةِ للكفرة؛

ولندخُلْ به إلى ميناء الحياة وإلى المكانِ المملوءِ أفراحًا.

بصليبك يا ابن الله

بصليب ابن الله صار الخلاص للبرايا

وبه عادت كلُّ الشعوب من الضلال إلى المعرفة

وبه أقفرت صهيونُ وخرجت وفي الأقطار الأربعة تبدَّد أولادها.

وبه صارت الحياة والخلاص لأولاد آدم الترابيّ

وها تسجدُ قدَّامه الشعوبُ والقبائلُ والأجيال،

إذ ترتّلُ له التسبحة، لأنَّه خلَّصها، من عبوديَّة الخطيئة.

 

جميع الأبرار والصدّيقين بعين النبوءة تلك،

شاهدوا عارك وصلبك، يا مخلّص جميع البرايا:

شاهدك إشعيا مصبوغةً ثيابُك بالدم مثل العاصر

وشاهدك أيضًا داودُ الملك، مثقوبةً يداك ورجلاك؛

على رأس السلّم في العلاء.

أيُّها المسيح يا من صعدتَ إلى الصليب من أجلنا، بصليبك احفظ نفوسنا.

 

ماذا يُشبه صليبك، يا ربَّنا؟ بالحقيقة (يشبه) تلك الشجرة

التي أعطتِ الحملَ في الجبلِ لإبراهيم محبِّك الحقيقيّ.

سرُّك العظيم خلَّصَ إسحق الطفلَ وفرَّح العاقر.

الطوبى للبيعة المؤمنةِ التي تلتجئ إلى اسمك الحيّ!

في يوم تذكارِ الصليب صانعِ الحياة، هي وأولادها بإيمان،

يرتَّلون المجدَ لذلك الذي صُلب من أجلنا.

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 84، 85، 88، 89)

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM