بهذه العلامة تنتصر

أربعة قياصرة يحكمون الإمبراطوريَّة الرومانيَّة في بداية القرن الرابع، ومنهم قسطنطين بن كونستانس وهيلانة. في تلك الفترة، كان الاضطهاد على أشدُّه، خصوصًا مع ديوكليسيان. فهذا أرسل أربعة قرارات سنة 303-304. الأوَّل، في 24 شباط 303. أمرَ بتدمير جميع الكنائس وإحراق الكتب المقدَّسة. الثاني، بإلقاء رؤساء الكنائس في السجن. الثالث، بإكراههم (أي الأساقفة) على تقديم الذبائح للآلهة. الرابع، بإكراه جميع المسيحيِّين على العمل عينه. ونالت مصر حصَّتها الكبرى، بحيث بدأت تحسب تاريخها منذ سنة 284، وهي السنة التي أُعلنَ فيها ديوكليسيان إمبراطورًا.

رفض قسطنطين وفاليريان مبدأ الاضطهاد، انطلاقًا من صدق الضمير. فكان أن ينال قسطنطين نعمة خاصَّة. كان في فرنسا. وأراد المجيء إلى رومة، ولكنَّ أعداءه كانوا له بالمرصاد، عند جسر ملفيوس. ليلة المعركة كان ساهرًا، وحين نام رأى في الحلم أو في السماء علامة الصليب مع كتابة: "بهذه العلامة تنتصر". وهكذا كان. وانتصر، وجعل هذه العلامة على راياته، كما جعل نفسه بشكل علنيّ في حماية إله المسيحيِّين، قبل أن يعرفه. دخل رومة ولكنَّه ما فعل كما كان يفعل أسلافه، فيَصعدون إلى تلَّة الكابيتول حيث تمثال جوبيتر، رئيس الآلهة. واكتفى بأن يذكر انتصاره على قوس النصر مع عبارة: بدفع من الإله، أي إله المسيحيِّين الذي أظهر له صليبه. عندئذٍ أعلن قرار ميلانو وتوقَّفت الاضطهادات سنة 313.

هذه العلامة حفرها قسطنطين على النقد الذي صكَّه. أعاد إلى المسيحيّين أملاكهم وكنائسهم، وقرَّب منه الأساقفة، ثمَّ المسيحيِّين. كما أنَّه منع عقوبة الصلب في الإمبراطوريَّة. وأسّس نهار الأحد، يوم الشمس، ونظَّم الزواج في روح مسيحيَّة. وهكذا بعلامة الصليب، انطلقت الكنيسة وانتشرت في الشرق والغرب، وبُنيت الكنائس في أورشليم وبيت لحم وأماكن أخرى. في خطِّ ما قال يسوع لتلاميذه ليلة آلامه: "سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا غلبتُ العالم" (يو 16: 33).

                     

بصليبك يا ابن الله

بصليب ابن الله صار الخلاص للبرايا

وبه عادت كلُّ الشعوب من الضلال إلى المعرفة

وبه أقفرت صهيونُ وخرجت وفي الأقطار الأربعة تبدَّد أولادها.

وبه صارت الحياة والخلاص لأولاد آدم الترابيّ

وها تسجدُ قدَّامه الشعوبُ والقبائلُ والأجيال،

إذ ترتّلُ له التسبحة، لأنَّه خلَّصها، من عبوديَّة الخطيئة.

 

جميع الأبرار والصدّيقين بعين النبوءة تلك،

شاهدوا عارك وصلبك، يا مخلّص جميع البرايا:

شاهدك إشعيا مصبوغةً ثيابُك بالدم مثل العاصر

وشاهدك أيضًا داودُ الملك، مثقوبةً يداك ورجلاك؛

على رأس السلّم في العلاء.

أيُّها المسيح يا من صعدتَ إلى الصليب من أجلنا، بصليبك احفظ نفوسنا.

 

ماذا يُشبه صليبك، يا ربَّنا؟ بالحقيقة (يشبه) تلك الشجرة

التي أعطتِ الحملَ في الجبلِ لإبراهيم محبِّك الحقيقيّ.

سرُّك العظيم خلَّصَ إسحق الطفلَ وفرَّح العاقر.

الطوبى للبيعة المؤمنةِ التي تلتجئ إلى اسمك الحيّ!

في يوم تذكارِ الصليب صانعِ الحياة، هي وأولادها بإيمان،

يرتَّلون المجدَ لذلك الذي صُلب من أجلنا.

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 75، 79، 81-82)

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM