الشاهد الأوَّل والشاهدان

حين مات إسطفانس أوَّل الشهداء، كان شخص يسوع ماثلاً أمام عينيه. حنقوا عليه، صرُّوا بأسنانهم. أمّا هو فكان ينظر "مجد الله ويسوع قائمًا عن يمين الله" (أع 7: 55). هو "يجدِّف" كما سبق أن قيل عن يسوع الذي أعلن: "ترون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء" (مت 27: 64). وإن قال إسطفانس: "أيُّها الربُّ اقبل روحي" (أع 7: 59) فلأنَّه تعلَّم من يسوع الذي أعلن: "يا أبتاه، في يديك أستودع روحي" (لو 23: 46). وإنْ غفر إسطفانس لراجميه: "لا تحسب عليهم هذه الخطيئة" (أع 7: 60) فلأنَّ يسوع سبقه فقال: "اغفر لهم يا أبتِ، لأنَّهم لا يدرون ماذا يعملون" (لو 23: 34).

أجل، حيث يموت شهيد، هناك يموت يسوع. وهذا ما نفهمه من سفر الرؤيا: فالربُّ صُلب "في المدينة العظيمة" أي رومة. أما هناك صُلب بطرس وقُطع رأس بولس بالسيف؟ وفي مصر، وفي سدوم التي ترمز إلى أورشليم كما قال إشعيا (1: 10).

أمّا في رومة، فالشاهدان يواصلان عمل يسوع. هما الزيتونتان بزيتهما الذي ينير المصابيح. وهما المنارتان بعد أن دعا يسوع المؤمنين نور العالم (مت 5: 14) وذهبا يشهدان بالقوَّات والأعمال، على مثال يسوع المسيح. "ولمَّا تمَّت شهادتهما... غلبهما الوحش (أو: السلطة السياسيَّة) وقتلهما" (رؤ 11: 7). وكما شمت اليهود بيسوع وعيَّروه، هكذا فعلوا مع هذين الشاهدين. ولكن إن كان ليسوع دفنة لائقة، فهذان لبثت جثَّتاهما غير مدفونة. "ثلاثة أيَّام ونصف اليوم" (آ9).

ولكنَّ المسيح لم يلبث في الموت، بل قام في اليوم الثالث. وهذان الشاهدان "دخل فيهما روح حياة من الله فوقفا على أرجلهما" (آ11). وصعد يسوع إلى السماء. وهما ناداهما صوت من السماء "اصعدا" (آ12).

عند موت يسوع "تزلزلت الأرض وتشقَّقت الصخور" (مت 27: 51)، ممّا دلَّ على حضور الله وقدرته وعمله. وذاك ما حصل بالنسبة إلى الشاهدين: "وفي تلك الساعة، حدثت زلزلة عظيمة" (رؤ 11: 13).

في رومة، في المدينة العظمى، مات بطرس وبولس، ولكنَّهما لم يلبثا في الموت، بل قاما كما قام الربّ، وصعدا إلى السماء في سحابة على مثال ابن الإنسان. اعترفا بالربِّ فاعترف بهما، تألَّما مع الربِّ فملكا معه، ماتا مع الربِّ فقاما معه. ذاك كان مصيرهما وهو مصير المؤمنين الذين لا يمرُّون في دينونة بل ينتقلون من الموت إلى الحياة.

 

ظهور الصليب

"الصليب الحيّ الذي تراءى لقسطنطين، وهو يلمعُ فوق في السماء، وآمن به أنَّه هو صليبُ النور، وبه حاربَ وانتصرَ وتشرَّف، وقاتلَ ضدَّ الضلال؛ فبصليبك الحيّ، يا ربَّنا، فليحفظْ جمعُنا كلُّه، ولننتصر به على العدوّ وعلى جميع قوَّاته."

"صليبك، يا ربَّنا، الذي أخفاه الظالمون، وقد ظهر بواسطةِ هيلانة، ولمعَ نورُه على الأرض: فاستنارتِ الأرضُ من أقصاها، وقد كانت مظلمة بالأصنام؛ وها إنَّ البيعة في الأقطار الأربعة، تسجد له وتكرّمه، لأنَّه هو قد خلَّصها من الوثنيَّة، وبه سترثُ ملكوتَ العلاء.

"عندما كان خارجًا قسطنطينُ إلى الحرب للقتال، شاهدَ الصليب مرسومًا في السماء، وجاءه صوتٌ من العلاء: بهذه الراية التي شاهدتَها، بها سوف تنتصر على جميع مبغضيك؛ وعندما عادَ من الظفر، أخبرَ الملك أمَّه عن الصليب الذي شاهده وظفرَ على مبغضيه. فقالت له: هذا هو صليبُ ابن الله، هللويا، الذي صلبَه اليهود."

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 68-69)

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM