بولس يصعد إلى أورشليم مثل يسوع

تميَّز الإنجيل الثالث عن سائر الأناجيل حين جعل متتالية كبيرة تمتدُّ على اثني عشر فصلاً، هي الصعود إلى أورشليم، الذي يتردَّد ثلاث مرَّات فيشير إلى السنوات الثلاث من حياة يسوع العلنيَّة. "وحين تمَّت الأيَّام لارتفاعه (على الصليب وفي المجد) ثبَّت وجهه لينطلق إلى أورشليم (9: 51). ثمَّ: "واجتاز في المدن والقرى يعلِّم وهو يسير إلى أورشليم" (13: 22). والمرَّة الثالثة في 17: 11: "وفي ذهابه إلى أورشليم."

موضوع الصعود إلى أورشليم طبَّقه لوقا على بولس، بحيث كان هذا الرسول نسخة طبق الأصل عن معلِّمه. ويكون الفرق في النهاية: يموت يسوع في أورشليم، أمّا بولس فيموت في رومة.

أنبأ يسوع بآلامه وبولس قال: "والآن أنا ذاهب إلى أورشليم مقيَّدًا بالروح ولا أعلم ماذا يصادفني هناك" (أع 20: 23). وقال في 21: 13: "أنا مستعدٌّ أن أموت في أورشليم لأجل اسم الربِّ يسوع."

في لو 9: 52 أرسل يسوع رسلاً يسبقونه. وبولس في انطلاقه إلى أورشليم (أع 19: 21) "أرسل اثنين من الذين يخدمونه" (آ22). الجمع يرافق يسوع (لو 11: 29؛ 12: 1) وبولس أيضًا "تبعه التلاميذ مع النساء والأولاد" (أع 21: 25). اقترب يسوع من أورشليم (لو 19: 28) ووصل إلى أبواب أورشليم (آ29) واستقبلوه بالفرح (آ29-40) قبل أن يدخل إلى الهيكل. وذلك ما يقال عن بولس. قال الراوي: "تأهَّبنا وصعدنا إلى أورشليم" (21: 15). "ولمَّا وصلنا إلى أورشليم استقبلنا الإخوة بفرح" (آ17). في الهيكل حاولوا أن يقتلوا بولس (آ26)، وكذلك يسوع. شجَّع الربُّ بولس (23: 11) كما شجَّع ملاك يسوع في الجسمانيَّة (لو 22: 43). اعتُبر يسوع بريئًا ثلاث مرَّات، وكذلك بولس. ومضى بولس إلى رومة مع عبور في الظلمة والمياه العظيمة، رمزًا إلى العبور الذي عرفه يسوع في الموت. نجا يسوع من الموت وبولس نجا من البحر.

مسيرتان متوازيتان. فالرسول يكمِّل في حياته حياة يسوع، ومن مثل بولس استطاع أن يقول: "حياتي هي المسيح والموت ربحٌ لي." وقال: "أتمُّ في جسدي ما ينقص من آلام المسيح من أجل جسده الذي هو الكنيسة" (كو 1: 24). لا شكَّ في أنَّ يسوع غُلب، وبولس لاحقه اليهود حتَّى النهاية. وخبرة يسوع في قساوة القلوب هي خبرة بولس فنقرأ في أع 28: 26: "تسمعون سماعًا ولا تفهمون، وتنظرون نظرًا ولا تبصرون."

بين صعود وصعود، نفهم أنَّ العبد لا يكون أفضل من سيِّده، والتلميذ لا يكون أفضل من معلِّمه. هكذا كان بولس وافتخر. ونحن نسعى للسير كما هو سار، فنقتدي به كما هو اقتدى بالمسيح.

                                

الصليب الحيّ

"صليبك الحيّ الذي به يقوم العلوُّ والعمق والأقطار الأربعة، هو الذي خلَّصني وأولادي، قالت البيعةُ قدَّام الكفرة؛ بهذا الصليب سمعان رسمني، وبه أيضًا خطبني بولس المهندس؛ بهذا الصليب، أولادي مخلَّصون ومختومون، وها هم اليوم يعترفون به، ويسجدون قدَّامه، قائلين: ارحمنا، يا الله، في كلِّ الأوقات...".

"ثلاثةُ أسوار محيطةٌ بي، تهتفُ البيعة، فلا يستطيع الشرّير الغاشّ أن يظفرَ على أولادي: الجسد الطاهر ودم الله الحيّ اللذان يقتربُ أولادي فيتناولونهما، وبهما يسامحون؛ يسجدون للصليب ذلك الذي قد حمل وزيَّح ذلك الجبَّار الحاملَ الأرض والسماء؛ وها يتمُّ تذكارُه في أجواقِ أولادي، ويزيّحونه من الأبد إلى الأبد."

"بصليبك الحيّ أنا مخلَّصةٌ، قالت البيعةُ المؤمنة، ولا أطلبُ سوى الأحد الذي هو إلهٌ من إله، لأنَّه نصبَ فيَّ مذبح القدس، وأعطاني جسده ودمه، وقال لي: إنَّ أمخال الجحيم لن تقوى عليكِ إلى الأبد، لأنَّ الصليبَ الحيَّ موجودٌ فيك."

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 41-42)

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM