لا أفتخر إلاَّ بصليب ربِّنا يسوع

بولس، هذا المتعلِّم في الجامعة في طرسوس، والمتكلِّم اليونانيَّة بطلاقة، والحامل المواطنة الرومانيَّة. لماذا لا يفتخر بكلِّ هذا بحيث يبدو مميَّزًا بين الرسل؟ هو لم يفعل ذلك، فجعل نفسه "السقط وآخر الرسل بعد أن اضطهد كنيسة المسيح" (1 كو 15: 9). بولس ذلك اليهوديّ ابن يهوديّ، المختون في اليوم الثامن، العارف بالكتاب المقدَّس وبشروحه لدى معلِّم كبير اسمه غملائيل. لماذا لا يفتخر بكلِّ هذا ويُفحم الغلاطيِّين، أولئك الوثنيِّين الذين صاروا مسيحيِّين ثمَّ عادوا إلى اليهوديَّة؟ لماذا لا يكون مثلهم؟ قال لهم: "لو كنتُ أدعو إلى الختان لما كنتُ أعاني الاضطهاد" (غل 5: 11). من أبناء أمَّتي ومن الوثنيِّين! كلُّ هذه الامتيازات حسبها بولس نفاية، حسبها كالزبل ليربح المسيح ويُوجَد فيه (3: 1).

إذا كان بولس لا يفتخر بما به الناس يفتخرون، فبماذا يفتخر؟ فقط "بصليب ربِّنا يسوع المسيح" (غل 6: 14). اليهوديّ يفتخر بالختان، واليونانيّ بالحكمة. أمّا الرسول فرفض أن يتعلَّق بما يتعلَّق به الآخرون. الختان؟ لا يزيد شيئًا على الإنسان. وإن لم يُختن؟ لا ينقصه شيء. وإذا خُتن لا يزدادُ شيئًا. والحكمة؟ حكمة العالم هي جهالة بالنسبة إلى الله. فلو كانوا حكماء لما صلبوا ربَّ المجد. وقال الرسول: "اليهود يطلبون المعجزات واليونانيُّون يبحثون عن الحكمة، أمّا نحن فننادي بالمسيح مصلوبًا، وهذا عقبة لليهود وحماقة في نظر الوثنيِّين" (1 كو 1: 22-23).

هناك فصل تامّ بين الصليب وبين العالم. فلا إمكانيَّة للتداخل بينهما. فالعالم هو عدوّ الصليب وعدوّ الله. ولهذا أعلن الرسول: "صرتُ مصلوبًا بالنسبة إلى العالم." يعني صرت ملعونًا، مرفوضًا من العالم. ويواصل الرسول: "صار العالم مصلوبًا بالنسبة إليَّ" هو مرفوض. لا علاقة لي به إطلاقًا ولا أرغب في أن أحمل سماته. وقال: "أحمل في جسدي سمات يسوع." أنا أخصُّه وأخصُّه وحده. وهو من قال: "من يخدمني فليتبعني وحيث أكون أنا هناك يكون خادمي" (يو 12: 26). وإلى أين نتبع يسوع؟ فيتواصل كلام الربّ: "وأنا متى ارتفعت جذبتُ إليَّ الناس أجمعين" (آ32). إلى أين يجذبنا؟ على الصليب. يرتفع فيرفعنا. وفي المجد يرتفع فيرفعنا. وهكذا ظهرت جراح يسوع على جسم الرسول، فكان ذلك الباعثَ على افتخاره. لا هو وحده، بل بطرس أيضًا الذي حمل صليبه وصُلب، كما معلِّمه ورأسه إلى أسفل. مات بولس بالسيف وبطرس مصلوبًا، والاثنان قاما مثل يسوع على ما قال سفر الرؤيا: "ثمَّ بعد الثلاثة أيَّام ونصف، دخلَ فيهما روحُ حياة من الله فوقفا على أرجلهما" (11: 11). أجل لم يبقَ المسيح في الموت ولا الذين ماتوا من أجله وماتوا معه.

 

رسالة القدّيس بولس إلى أهل غلاطية (6: 14-18)

14أمّا أنا فلا يكونُ لي أن أفتخرَ إلاّ بصليبِ ربِّنا يسوعَ المسيحِ الذي بهِ العالمُ مصلوبٌ لي وأنا مَصلوبٌ للعالم. 15لأنَّه لا الختانُ شيء ولا الغُرلَة، بل الخليقةُ الجديدةُ. 16وأولئك السالكونَ هذا السبيل، السلامُ يكونُ عليهم والرحمة، وعلى إسرائيلِ الله. 17من الآن، لا يرمي لي إنسانٌ تعبًا، لأنِّي حاملٌ في جسدي سماتِ يسوعَ المسيح. 18نعمةُ ربِّنا يسوعَ المسيح مع روحِكم، يا إخوتي، آمين.

 

الصليب شجرة الحياة

"بماذا يشبه صليبُك، يا ربَّنا؟ بالحقيقة، يشبه تلك الشجرةَ التي أعطتِ الحمَلَ في الجبلِ لإبراهيم محبِّك الحقيقيّ..."

"الصليب هو الشجرة الحاملة الحياة، تلك التي رآها موسى النبيّ في فردوس ابن الله، وتحت ظلالها تجلس البرايا وسكَّانها، وجميعُهم يتنعَّمونَ من ثمارها، ويسمنون من حلاوتها..."

"الصليب الحيُّ والمقدَّس الذي حمل الابنَ على الجلجلة، الذي مثَّله بالتجلّيات الأنبياءُ والملوك والآباء، شاهده إبراهيمُ في الشجرةِ والحمَل، ومثَّله موسى بالحيَّة والعصا...".

"الصليب الذي حمل وزيَّح ابنَ الله، هو صار المفتاحَ وبه فُتح بابُ الفردوس. الصليب هو الشجرة الحاملة الحياة، وكلُّ من أكله (ثمرها) في وقتِه لن يموت أبدًا. فالصليب هو السلَّم، وقد صار لنا مصعدًا إلى العلاء، وعن يمين السماء أجلسنا!"

"إلى صليبك لجأنا، وما نسيناه؛ ومن يستطيع أن ينسى شجرةَ البركة؟... فيه أيضًا مخفيَّةٌ الحياةُ الجديدة لبني البشر...".

"الصليب هو الشجرةُ الحاملةُ الحياة، تلك التي شاهدها موسى في فردوسِ الربّ... جُعل ملجأً للأغنياء والفقراء...".

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 34-35)

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM