طائعًا حتَّى الموت على الصليب

عرفت كنيسة فيلبّي (هي كافالا في اليونان الحاليَّة) المنازعات والخلافات بين المؤمنين. كلُّ واحد يريد أن يكون "الأوَّل" أن يكون "الرأس". فدعاهم الرسول إلى التواضع من أجل عيش في الوحدة. ووضع نصب عيونهم مثالَ يسوع.

إلى أيِّ تنازل انحدر يسوع؟ هو صورة الله التامَّة. قال: "من رآني رأى الآب." هو المساوي للآب في الجوهر. أخفى هذه الصورة. ما شدَّد وقال: أنا مساوٍ لله وأريد أن أرتفع فوق الجميع. لا أحد يقترب منّي.

واللفظ الأساسيّ: أخلى ذاته. أو: لاشى ذاته. جعل مجده جانبًا. خضع للاتِّضاع. من صورة الله انتقل فأرانا صورة "العبد" أي الدرجة الأخيرة في الإنسانيَّة. لا يحقُّ له أن يتصرَّف بإرادته، بشخصه، بحياته. أطاع الآب حتَّى النهاية، واستسلم إلى يد البشر. لم يبقَ له شيء يتعلَّق به.

"تواضع، أطاع حتَّى الموت، الموت على الصليب". هي النهاية التي يمكن أن يصل إليها إنسان. أمّا أن يصل إليها ابن الله، فهذا ما يدلُّ على تواضع منقطع النظير وعلى حبّ لا يمكن وصفه. وهو الذي قال: "ما من حبٍّ أعظم من حبِّ من يبذل الإنسانُ نفسه عن أحبَّائه." إلى هنا قاد الحبُّ يسوع. وهو لا يزال فيه بحيث يبقى في "النزاع" (كما في بستان الزيتون) حتَّى نهاية العالم. قال عنه أحدهم: أخذ المكان الأخير بحيث لا يأخذه منه أحد، فعارض الكتبة والفرِّيسيِّين والذين يشبهونهم منَّا: نحبُّ صدور المجالس في الولائم، وفي المجامع والتحيَّات في الأسواق وأن يدعونا الناس: يا سيِّد، يا... يا... أسماء تُبهرنا نحن فكيف الآخرين. وهكذا لا نكون قرب يسوع إذا جُعلنا في الصفّ الأوَّل، أو هكذا أردنا. ومن ارتفع اتَّضع وجُعل في الصفّ الأخير. يا لتعاستنا!

والمبدأ المعروف في الإنجيل: من اتَّضع ارتفع. اتَّضع يسوع بما هو إنسان حتَّى الموت والموت على الصليب، فرفعه الله جدًّا. هو الذي انحنى أمام تلاميذه يغسل لهم أقدامهم، وانحنى أمام صالبيه. وها هي الأمور تنقلب. قال الرسول: "تنحني أمام يسوع كلُّ ركبة." ذاك هو ارتفاع الصليب الذي نعيشه في كلِّ سنة ونستعدُّ لمجيء الربِّ في المجد. نحمل السراج لنتقبَّله في نصف الليل، نتاجر بالوزنات، وهو يكون ذاك الملك الذي يجعلنا عن يمينه ويقول لنا: "تعالوا يا مباركي أبي."

 

رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبّي (2: 6-11)

6ذاك الذي كان في شبهِ الله ما حسب هذه اختطافًا أن يكون معادلَ الله. 7بل أفرغَ نفسَه وصورةَ العبدِ أخذ. وأضحى في صورةِ الناس وفي الهيئةِ وُجد مثل إنسانٍ 8وواضعَ نفسَه وأطاعَ حتّى الموتِ ولكن موتِ الصليب. 9من أجلِ هذا أكثرَ اللهُ فرفعَهُ ووهبَ له اسمًا أفضلَ من كلِّ الأسماء. 10بحيثُ تنحني باسمِ يسوعَ كلُّ ركبة، ما في السماء وما في الأرض وما تحتَ الأرض. 11ويعترفُ كلُّ لسانٍ أنَّ يسوعَ المسيحَ هو الربُّ لمجدِ الله أبيه.

 

                                           ربُّنا على الجلجلة

"المجدُ لذلك الذي بسط يديه على الصليب لأجلنا، كلمة الآب السماويّ الذي لبس جسدًا وحلَّ بيننا؛ وبالرمح ثقبوا جنبه، فتقطَّرَ من دمه على الأرض. أيَّتها البيعة، رتّلي المجد للابن الذي خلَّصكِ بصليبه."

"قام ربُّنا على الجلجلة، وضبطَ الأقطار الأربعة؛ وفي منتصف الأرض قد أشرق الخلاصُ لآدم المطروح. صرخَ بصوته، فتزلزلتِ الأرض، وقامَ فجأة المنتقلون ليبشّروا بسيادة ذلك الذي صلبه الشعبُ الجاهل."

"عُرّي على الجلجلة ذلك الذي أَلبس آدمَ المجد. بنو الإثم اقتسموا ثيابَه، ورموا القرعة على لباسه: والشمسُ التي شاهدته عريانًا، أخفَتْ وجهها في الظلمة؛ والهيكل شقَّ نفسه، والروحُ خرجَ من داخله."

"فيما كانوا يثقبون بالمسامير يدي ذلك الذي جبلَ آدمَ بأمره، فوقَ خشبة الصليب، وأعطوه خلاًّ ومرًّا، بحربةٍ ثقبوا جنبه، فجرى منه دم وماء؛ وبهما سومِح العالمُ المكسورُ في الخطيئة."

"يوم الجمعة، صلبَ الشعبُ المسيح فوق الخشبة، وصلبوا معه لصَّين عن يمينه وشماله، وإكليلَ الشوك وضعوا على ذلك الذي يضِفرُ تاجَ الملوك؛ وبالرمح ثقبوا جنبَه، فجرى منه دم وماء مسامحةً لأولاد آدم."

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 27-28)

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM