الفصل التاسع والعشرون إمتداد الملكوت

الفصل التاسع والعشرون
إمتداد الملكوت
6: 6 ب- 8: 30

خلال المرحلتين الأوليين في الإنجيل، شاهدنا مجيء يسوع إلى الجليل (1: 14- 3: 6) الذي يشكّل الحدث الحاسم في التاريخ، لأنه يدلّ على زرع ملكوت الله في أرض البشر. بعد هذا، إكتشفنا مع التلاميذ كيف يحرّك الملكوتُ القلوبَ في الأعماق، بقدر ما يفتحها استعدادها لسماع الكلمة والإصغاء إليها (3: 7-6: 6 أ). فوسط التباسات الحياة اليومية، والنوايا العدائية، ومحاولات وضع اليد على التعليم، وعدم الفهم والتردّد، والخوف مما يجرّدنا من يقيناتنا، إقترب إنجيل الله من البشر كزرع ينزل في حقول متنوّعة. هذا هو سرّ الملكوت الذي يحوّل مثل العالم إلى بذار حياة، إلى كلمة قيامة، إلى قدرة خلاص، وذلك بالإرتداد والإيمان.
إن طريق الرب الذي يجب تهيئته في برية البشر، قد رسمه يسوع في أرض الجليل، ووسّعه وسع الكون عبر الآلام الطبيعية أو الأدبية، عبر المعارضات والصعوبات والتغرّبات التي يعيشها أشخاص يعرفون السجن أو المنفى أو العزلة والتهمّش. لا يستطيع الإنسان أن يشقّ طريقه إن لم ينزع العوائق التي تتكدّس عليها. ولا يستطيع أن يصبّ الدواء على جرح لم يُعَرَّ من كل "أوساخه". هذا ما نقوله عن كلمة الملكوت: إنها تنزع القلوب من ذاتها لكي تحرّرها، والأبرص ليطهر، والفزعين ليؤمنوا، والموتى ليقوموا. "من هو هذا؟ حتى الريح والبحر يطيعانه" (4: 41).
ولكن هذا يؤلمنا. "ما لنا ولك يا يسوع ابن الله العلي؟ أستحلفك بالله، لا تعذّبني" (5: 7)!
ولكن ما زال يسوع "يعذّب" الإنسان بعذاب الله: هو يتهرّب بعد أن يشفي، فيجعلنا نرغب في شفاء أعمق من شفاء الجسد. واختار الإثني عشر من أجل مهمّة مستحيلة، وهو عالم أن إيمانهم سيكون قليلاً. ولم يتجاوب مع رغبة مجنون الجراسيين، بل أرسله إلى أهله وذويه المحدودين والقصيري النظر. وأجبر النازفة على أن تكشف سرّها. ووهب يائيرس الموهبة العظمة، وخيّب آمال أهل بلدته. من هو هذا ابن الله العلي لكي "يعذب" البشر إلى هذا الحدّ؟ لماذا يدهش من عدم الإيمان لدى البشر، حين يعلم أن الإيمان أبعد من إدراك الإنسان؟
نحن نحسّ بهذه الأسئلة لأننا سمعنا كلمة الملكوت. ومقاومتنا لهذه الكلمة تدلّ على حالنا. فإن أنكرنا هذا الوضع، أغلقنا آذاننا وحسبنا نفوسنا أننا نسمع، جعلنا حجراً على حبة الحنطة في الأرض لئلا تنمو، قسّينا قلوبنا وجدّفنا على الروح القدس. من هو هذا إذن؟ شبح يمرّ في خيالنا ساعة يهرب منا النوم؟ أم الله نفسه الذي يدركنا في أعماق تردّداتنا ليجعل منا رسل كلمته، وحاملي سلطانه لكي نطرح السؤال الذي يقيم فينا والذي ما زال يطرحه علينا: "من تقولون إني هو"؟
إذا أردنا أن ينمو الإيمان في قلوبنا القاسية والنجسة، إذا أردنا أن تنفتح آذاننا على فهم سرّ الله الذي يهب ذاته، نحتاج إلى قوة أخرى، إلى طعام "جوهري". نحتاج إلى أكثر من خبز يتقاسمه البشر وسمكات البحيرة. نحتاج إلى طعام يُشبع ولا يَنفد. يجب أن نأكل على مائدة الله نفسها. فالله نصب مائدته وسط الخطأة، فقدّم خبزه لجوعنا. أنبت حنطته، وأعمل المنجل في الحصاد الذي نضج، ليجعل منه طعاماً يغذّي جماعته التي وُلدت من المجمع واستيقظت من رقاد الموت (إبنة يائيرس، 12 سنة، إبن الوصية، أو الاسباط الإثنا عشر).
في هذا المنظار نفهم بُعد المرحلة الثالثة التي سمّيت "مقال الخبز". ليس فقط لأنها تروي مرتين معجزة تكثير الأرغفة أو الخبزات، بل لأنها تقدّم موضوع الطعام والخبز في الأخبار كما في المناقشات والمجادلات. على سبيل المثال نجد كلمة خبز (ارتوس) 18 مرة في هذه القسمة من الإنجيل (6: 8، 37، 38...)، ولن نجدها بعد ذلك في إنجيل مرقس إلا ثلاث مرات: خبز التقدمة الذي أكله داود (2: 26). ليس ليسوع وتلاميذه وقت جملون فيه خبزاً (3: 20). في العشاء السري، أخذ خبزا (14: 22). أما فعل "أكل" (استياين) فيُستعمل 16 مرة في هذه المرحلة (6: 31، 36، 37...)، وما عدا ذلك يستعمله مرقس 11 مرة. ويعود فعل شبع (خورتازين) اربع مرات (6: 42؛ 7: 27؛ 8: 4، 8). وأخيراً هناك كلمات ترتبط بكسر الخبز (6: 41، 43؛ 8: 6، 8، 19 مرتين، 20).
كان ذلك موقع هذه المرحلة الثالثة. فكيف يقدّم مرقس نصوصها؟
تبدأ هذه المرحلة بتذكير سريع بأسفار يسوع الرسولية (6: 6 ب) مع خبر رسالة الإثني عشر والخطاب الذي ألقاه عليهم معلّمهم (6: 7- 13). وبانتظار عودة الرسل (6: 30)، نرى هيرودس يطرح السؤال حول هويّة يسوع (6: 14- 16). في هذه المناسبة، حدّثنا مرقس بطريقة تفصيلية عن سجن المعمدان وموته (6: 17-29).
بعد هذا نسير في طريق طويل نفهم أنه ليس طريقاً جغرافياً وحسب: المدن، القرى، الأماكن المقفرة، البيت والمركب، بحر جناسرت والمناطق المحاذية للشاطىء، إن من الجهة الجليلية وإن على شواطىء دكابوليس (المدن العشر)، أقاليم وثنية في صور وصيدا إلى الغرب، قصيرية فيلبس إلى الشرق. وأورشليم نفسها موجودة بواسطة موفديها. وقد ترتب هذا الطريق في ثلاث حلقات تستعيد كل واحدة رسمة مشابهة: تجمّع حول يسوع، إنفراد مع التلاميذ، أشفية متعدّدة.
تتضمّن الحلقة الأولى عودة التلاميذ من الرسالة، وكسر الخبز للجموع في موضع قفر (البرية ترمز إلى برية سيناء والمن. في تكثير الأرغفة الثاني، يتحدّث النص عن الذين جاؤوا من بعيد، من العالم الوثني) (6: 30- 44)، والسير على البحر باتجاه التلاميذ (آ: 45- 52)، والأشفية المتعدّدة في منطقة جنسارت (6: 53- 56).
وتجمع الحلقة الثانية سلسلة طويلة من المجادلات بين يسوع والفريسيين حول تقاليد الشيوخ، يتبعها تحريض قصير إلى الجموع (7: 1-23)، ثم تحرير إبنة السورية الفينيقية في منطقة صور، من الشيطان، وشفاء الأصم الألكن (منعقد اللسان) (7: 24-37).
وتقدّم الحلقة الثالثة على التوالي كسراً ثانياً للخبز، ومحاولة من الفريسيين (8: 1- 12)، وتحذيراً من يسوع إلى تلاميذه الذين كانوا معه وحدهم على البحيرة (8: 13- 21)، وشفاء أعمى بيت صيدا (8: 22-26). كل هذا ينتهي بتعرّف بطرس والتلاميذ الى يسوع، حين كانوا ذاهبين إلى قيصرية فيلبس (8: 27- 30). وانطلق يسوع من اعتراف إيمان بطرس، فأوضح إيمان التلاميذ، ووجّههم إلى آلامه التي أعلن عنها بدون مقدّمات (8: 31-33).
يتفّق معظم الشرّاح على القول إن النصوص التي تتضمنها هذه المرحلة هي مجموعة "قبل إزائية" (أي سابقة لتدوين الأناجيل الإزائية، أناجيل مرقس، متى، لوقا). وقد سمّيت "مقال الخبز". أعاد ترتيبها كل من متى ومرقس على طريقته، ليدخلها في إنجيله في منظاره الخاص. أما لوقا فربط حالاً إعتراف إيمان بطرس (9: 18-22) بخبر كسر الخبز (10:9-17).
سنتساءل عن تاريخ هذه النصوص لكي نستخرج التعليم الذي يقدّمه لنا مرقس في تدوينه الخاص، ونفهم الطريقة التي بها يورد لنا ما عمله يسوع. نتوقّف عند تكوين النص، وعند التحليل البنيوي، فنذكر الزمان والمكان والأشخاص، كما نعمل في كل مرحلة.
ونبدأ في تكوين النصّ.
يقدّم الشرّاح تأليف مرقس لمقال الخبز بشكل موازاة دقيقة:
6: 30- 44: كسر الخبز. 8: 1-9: كسر الخبز.
6: 45- 52: عبور البحيرة (عاصفة). 8: 10 أ: عبور البحيرة.
6: 53- 56: في جناسرت (أشفية). 8: 10 ب: في دلمانوثا.
7: 1- 23: جدال مع الفريسيين. 8: 11- 13: جدال مع الفريسيين.
7: 24- 30: حوار مع السورية الفينيقية. 8: 14- 21: حوار مع التلاميذ.
7: 31-37: شفاء الأصمّ الألكن. 8: 22-26: شفاء الأعمى.
يُبرز هذا التوزيع توازيات حقيقية في النص. ولكنه لا يشير بما فيه الكفاية إلى علاقة يسوع بالجموع من جهة، وعلاقته بالتلاميذ من جهة أخرى. ثم إن التوازي بين خبر وخبر فيما يخصّ العلاقة بين كسر الخبز وشفاء الأصم أو الأعمى، يجعل القارىء يتساءل حول تاريخية الوقائع.
إن تحليل خبر أول "تكثير للأرغفة" ومواجهته مع ما في الأناجيل الثلاثة الأخرى يتيح لنا أن نفترض خبراً "قبل إزائياً" عن الحدث. هذا الخبر انتشر في فلسطين حوال سنة 50، واستلهم مواضيع من العهد القديم: يبدو يسوع مثل موسى الجديد الذي يطعم شعبه في البرية (خر 16؛ عد 11). ويبدو "كالنبي" الذي يسير على خطى إيليا (1 مل 17: 7-16)، ويعمل ما عمله اليشاع (2 مل 4: 1-7؛ 4: 22- 44). ويبدو راعياً، يبدو داود الجديد الذي به وعد الله شعبه التائه كخراف لا راعي لها (حز 34). وتوسّعت هذه المواضيع فأوضحت عطية الافخارستيا في جماعة كنسيّة وُلدت في العالم اليهودي. وهكذا ستتضخم صورة المن في خطبة كفرناحوم الافخارستية في إنجيل يوحنا.
ما إن بدأ الوثنيون المرتدّون يمتزجون بالمسيحيين الآتين من العالم اليهودي، حتى طرحت مشاركتُهم في جسد المسيح الواحد، أسئلة ملموسة تحدّث عنها أعمال الرسل (أع 10- 11؛ 15)، وبولس الرسول (1 كور 8؛ 10؛ 11- 12). لهذا وجب على الإنجيلي أن يبيّن أن يسوع، وإن كان يهودياً، وإن أعلن أولاً إنجيل الملكوت في محيط يهودي، في الجليل، إلا أنه لم يحرم الوثنيين من عطاياه وتعاليمه خلال رحلاته الرسولية في صور وصيدا والمدن العشر. إذن، هل نستبعد عن المائدة الافخارستية أولئك الذين جاؤوا من بعيد وآمنوا بيسوع؟ حينئذ دوّن الخبر الثاني "لتكثير الأرغفة"، شأنه شأن الخبر الأول، لأن ليس هناك إلاّ افخارستيا واحدة، افخارستية يسوع. وبرزت اختلافات شدّدت على البعد الشامل للمعجزة الثانية ووصولها إلى العالم الوثني (رج الاعداد، 7، ...4؛ أع 6: 1- 6). إستعمل متى ومرقس هذين الخبرين، لأن الجماعة التي عاش كل منهما فيها، كانت تتخبّط في مسألة مشاركة اليهود والوثنيين بالإيمان الواحد، بجسد يسوع الواحد.
عرف الإنجيليون أن هذه المسألة تعني المدلول العميق لكنيسة فتيّة همها أن تقوم برسالة شاملة، رسالة تعليم وشفاء، سلّمها إليها يسوع، المسيح وابن الله. وهكذا نفهم لماذا أدخل مرقس ومتّى خبرَيْ توزيع الخبز على الجموع في منظار كرازي، في إطار تكوين التلاميذ على يد يسوع. إن متّى قد جعل المجموعة الكرازية التي يشكّلها "مقال الخبز" في سياق واسع، في سياق سيروي (سيرة يسوع) ولاهوتي يرسم مسبقاً وجه الكنيسة في قسماته الكبرى: الكنيسة عبر الافخارستيا، الكنيسة في نهاية عزلة عبد الله المتألم، الكنيسة التي تجد لها صورة حية ومسبّقة في التلاميذ.
وطلب مرقس الهدف عينه: شدّد هو أيضاً على دور الوساطة الجوهري الذي لعبته حلقة الإثني عشر في الجماعة المسيحية الأولى. وهذا الدور كان ثمرة مبادرة يسوع وتدبيره الحرّ، ونعمة منحها حنانه ورحمته، وذلك رغم ما عند التلاميذ من مقاومة ولافهم. وفي الوقت عينه، أعطى مرض كل "مقال الخبز" منظاراً رسالياً هو منظار دعوة الوثنيين الى الخلاص. فالأحداث التي تؤلّف المرحلة الثالثة في إنجيله، تسير في هذا الخطّ. فالجدال حول تقاليد الشيوخ (7: 1- 13)، والتعليم عن الطاهر والنجس (7: 14-23) يدلاّن على أن الله ينقّي الإنسان تنقية جذرية، أين منها تنقية النظم البشرية وإن تأسّست على ممارسة الشريعة. فإن آمن بأن يسوع يطرد الشياطين (7: 26) ويجعل الصمّ يسمعون والخرس يتكلّمون (7: 37)، فيعطي الحياة للعالم، فما الذي يمنعه أن يشارك، شأنه شأن السورية الفينيقية، في "فتات" المائدة الافخارستية (7: 28)؟
إن مختلف أخبار الأشفية، سواء كانت في إجمالة (6: 53-56)، أو في أشفية خاصة (7: 24- 30، 31-37؛ 8: 22-26)، قد دوّنها مرقس فاستند في تدوينها إلى تقاليد مختلفة يصعب علينا تحديد مصدرها. نجد منها مقطعين فقط عند متى (14: 34-36؛ 15: 21- 31). إن خبر مسيرة يسوع على المياه، كما في مرقس (6: 45-52)، هو قريب جداً من خبر يوحنا (6: 16-21) مع توسّع في موضوع اللافهم عند التلاميذ. أما متى فزاد عليه خبرة بطرس (مت 14: 28- 32)، وتعرّف "الذين في السفينة" إليه (14: 33). نحن هنا أمام موضوع توراتي (خر 14: 21- 31؛ يش 3- 4؛ 2 مل 2: 7-28؛ 14-15؛ مز 77: 20؛ أي 9: 8) يدلّ على ظهور الله (وقد يكون كتب في صور وتعابير العالم الهليني). أما متى ومرقس فقد جعلانا أمام ابيفانيا (ظهور) يسوع الذي لم يفهمه تلاميذه.
وخبر مقتل يوحنا ومقابلته مع خبر فلافيوس يوسيفوس، يعطينا أساساً موضوعياً أكيداً، مهما كان مصدر معلومات مرقس.
تطلّع بعض الشرّاح إلى التلميحات العديدة إلى العهد القديم، إلى تكرار معجزة تكثير الأرغفة، إلى الطابع العجيب في الأخبار، إلى الهدف الكرازي الواضح في كل هذه المرحلة، فاستنتجوا أنهم أمام تقديم كرازة عن القائم من الموت في شكل أدبي سمّي "تاريخ يسوع ": لا شكّ في أنه يستحيل علينا أن نقول كيف جرت الأحداث على شاطىء بحيرة طبرية، منذ ألفي سنة. فالأخبار الإنجيلية لا تتوخّى إعطاءنا تقريراً مفصّلاً (كما في الصحف). ومن جهة ثانية، لا نستطيع أن ننكر تاريخية الوقائع بسبب جهلنا (أو تردّدنا) للحقيقة التي تفترضها. هل "نفسّر" عمل يسوع حين نحصره في إدراكنا للأمور، أو "نفهم" تكثير الأرغفة كفعلة سخاء قام بها صبي لامسته كلمة يسوع. وزّع زاده، فسرت العدوى بين الناس فاقتدوا به. وهكذا انتقل الناس من الأنانية إلى التضامن والسخاء! هل نحن في هذه الحالة أمام النصوص الإنجيلية، أم تجاه مخيّلة بعض الشرّاح الذين يبنون "قصة" من عناصر وجدوها هنا وهناك، ثم يقحمون الإنجيل في هذه القصة. ولن نردّ أيضاً على الذين ينكرون هذه المعجزة أو تلك لأنها تحمل تعليماً رمزياً ولاهوتياً. ما هذا اللاهوت الذي لا يرتبط بالواقع؟ وما هذا الرمز الذي لا يستند إلى الحقيقة (هو كاللون نضعه على جسم جامد. فإن أزلنا الجسم ضاع اللون أيضاً).
كل همّنا هو أن ننقل الإنجيل، لا أخبارنا الخاصة. أن نبيّن البعد الافخارستي للنصوص. وهذا ما نحاول أن نقوم بها حين ندرسها بالتفصيل. ونعود إلى السؤال الذي تطرحه علينا هذه الأخبار الخارقة. هل نشك بوجود يسوع على الأرض في الزمان والمكان؟ أما نستطيع أن نقول إنه حقاً كثّر الأرغفة مرة، مرتين، أو أكثر؟ أنه مشى على الأمواج؟ لسنا هنا فقط أمام عدد من الأخبار المتفرّقة والمتقطّعة. نحن أمام تأمّل في حياة يسوع وأعماله على ضوء العهد القديم من جهة وعلى ضوء قيامة يسوع من جهة أخرى. وهكذا ننتقل إلى المعنى اللاهوتي العام في الإنجيل.
إن يسوع أكل أكثر من مرة مع تلاميذه ومع الجموع. معهم ومن أجلهم كسر الخبز. وكانت هذه "الغداوات" تترافق مع توزيع خبز الكلمة. وما كان يحدث في ذلك الوقت كان أكثر من "أكل الخبز". كان منذ ذلك الوقت "أكل الخبز معه". وعلى ضوء العشاء الأخير ثمّ موت يسوع وقيامته، عبّرت الكنيسة عمّا عاشته مع يسوع قبل الفصح ولم تفهمه. حينئذ كتب التلاميذ حقيقة يسوع التاريخية التي لم يدركوا منها إلا الظواهر، وفسّروها تحت نظر يسوع الحي. فهو يحرّك العقول والقلوب بحضوره الافخارستي وروحه القدوس، فينقلها من اللافهم إلى الإيمان. هذا هو المعنى العميق للمرحلة التي نعيشها. إن مرقس قد أيقظ فينا بخبره، تعلّقاً غير مشروط بيسوع، وروى لنا مسيرة المسيح في قلوب التلاميذ القاسية.
ونصل إلى بنية النصّ
على المستوى الأدبي نلاحظ بناء خاصاً بمرقس هو "مقال الخبز". استعمل مرجعاً قديماً فأعاد صياغته في ثلاث حلقات متوازية. كان التمييز بين الجمع والتلاميذ من جهة ومجموعة الخصوم من جهة أخرى، حاضراً بشكل خاصّ في المرحلة الأولى. وفي المرحلة الثانية، توضّحت المسافة بين التلاميذ والجموع، وما زالت تلعب دوراً هاماً في مسيرة الإنجيل خلال المرحلة الثالثة. فهناك إشارة أدبية نجدها في الطريقة التي بها يبدأ خبرا كسر الخبز والجدال حول تقاليد الشيوخ.
- في 6: 30: "واجتمع الرسل قرب يسوع...".
- في 7: 1: "واجتمع الفريسيون قربه...".
- في 8: 1: "وفي تلك الأيام، إذا كان الجمع غفيراً من جديد...".
حين ننطلق من هذه المقاطع الثلاثة، نرى ثلاث فئات من الناس تعبّر عن ثلاثة مواقف التقى بها يسوع خلال عمله الرسولي. وإليك الجمل التي تبدأ الأخبار الثلاثة حيث نجد على التوالي:
- التلاميذ ووظيفتهم بالنسبة إلى الجموع خلال تكثير الخبزات الأول (6: 30-44).
- الفريسيون الذين يطرحون سؤالاً على يسوع حول تصرّف التلاميذ. بعد هذا يُعطى للجمع تعليم قصير (7: 1-15).
- التلاميذ الذين يشاركون المعلّم شفقته على الجموع. بعد هذا نجد جدالاً قصيراً مع الفريسيين الذين يطلبون آية (8: 1- 12).
إذن، التلاميذ حاضرون في كل مرة: في علاقات يسوع مع الجموع، في المعارضة التي تواجههم بسبب تعلّقهم بالمعلّم وبمناسبة "أكل الخبز" (6: 37، 41، 42، 44؛ 7: 2، 5؛ 8: 4، 6، 8).
وإذ نكمّل بحثنا، نجد أن هذه الأخبار الثلاثة المتوازية (وإن اختلفت فنونها الأدبية) تتبعها مقاطع ترينا التلاميذ وحدهم مع يسوع:
- السير على المياه (6: 45- 52)، في السفينة.
- السؤال حول الأمثال (7: 17- 23)، في البيت.
- النقاش حول الخبز (8: 13- 21)، في السفينة.
يشدّد مرقس في كل من هذه الحالات، على لافهم التلاميذ، وعلى نداءات متكرّرة يطلقها يسوع، وفيها نجد إشارة إلى قلب الإنسان. إستعمل مرقس في هذه المرحلة لفظة "قلب" خمس مرات (6: 52؛ 7: 6، 19، 21؛ 8: 17) ليدلّ على قساوة وتصلّب في أعماق الإنسان. وهذا ما نجده أيضاً في بداية إنجيله (2: 6، 8؛ 3: 5). تنسب بعض المخطوطات هذا التصلّب إلى الشيطان (رج 4: 15: الكلمة المزروعة "في قلبهم" أو "فيهم"). بعد هذا، سيتحوّل القلب فيصبح موضع الإيمان (11: 23) والمحبّة (12: 30، 33). إستعمل متى اللفظة (قلب) 17 مرة ولوقا 24 مرة. في العهد القديم، يدلّ القلب على داخلية الإنسان، على موضع الفهم والخيار فيه.
ونعود إلى نصوص المرحلة الثالثة:
- "لم يفهموا شيئاً من أمر الأرغفة، بل كان قلبهم أعمى (أو: متصلّباً) (52:6).
- أإلى هذا الحدّ أنتم إيضاً بلا فهم؟ أفلا تعقلون... (7: 18)؟ "من الداخل، من قلب الإنسان تخرج النوايا الرديئة..." (7: 21).
- أفلا تعقلون بعد؟ أفلا تفهمون؟ أو تكون قلوبكم عمياء (متصلّبة) (8: 17)؟ أفلا تفهمون بعد (8: 21)؟
وأخيراً إن كل من هذه المتتاليات الثلاث تنتهي بمشاهد شفاء يتزاحم فيها الناس أيضاً حول يسوع، وكأن لا وجود للتلاميذ (أقلّه بشكل واضح). فكأن الإنجيلي يتحاشى هنا كلمة "جموع" (ترد فقط مرة واحدة في 7: 33): حملوا إليه المرضى (6: 55؛ 7: 32؛ 8: 22). توسّلوا إليه أن يلمسهم فيضع يديه عليهم (6: 55- 56؛ 7: 32-33؛ 8: 22-23). وتمّت أشفية من أجل مرضى عديدين جاؤوا من كل مكان، ورآهم الجميع في جنسارت (6: 53-56). وفي صور حصل طرد للشيطان عن بعد (7: 24- 30). وفي المدن العشر شفي الأصمّ الألكن على انفراد (7: 31- 35)، ساعة أراد يسوع أن يبقى متخفّياً فلا يدري به أحد (7: 24، 36). وفي بيت صيدا شُفي الأعمى في زمنين، خارج القرية (8: 23) التي منعه يسوع من الدخول إليها (8: 26).
كل هذه الإشارات المتوازية، والدقيقة كل الدقّة، والخاصة بأكثرها بمرقس، تدعونا لكي نرى في "مقال الخبز" بنية أدبية مثلّثة تتألّف من ثلاثة عناصر تتقابل وتتوافق.
ف 6: ف 7: ف 8:
أ-30:6-44 د-7: 1-16 أ أ-8: 1-12
عودة الرسل. جدال حول الخبزات. كسر الخبزات.
كسر الخبزات. (الفريسيون/ التلاميذ). (الجموع/ التلاميذ).
(التلاميذ/ الجموع). تعليم للجموع. علامة من السماء
(الفريسيون).
ب-45:6-52 هـ-17:7-23 ب ب-13:8-21
سير على المياه. تعليم عن القلب. الخبز والخمير.
التلاميذ وحدهم التلاميذ وحدهم التلاميذ وحدهم
في السفينة. في البيت. في السفينة.
ج-53:6-56 و-24:7-37 ج ج-22:8-26
أشفية في جنسارت خروج الروح شفاء في بيت صيدا.
مسيرتان. النجس في صور. زمنان.
شفاء في المدن
العشر
كيف تقودنا هذه الطريقة القرائية إلى فهم النص، وكيف تعبّر عن الحياة التي فيه؟ إنها تبرز أولاً الوحدة الديناميكية التي أشرفت على تأليف مرقس. فما يتطلع إليه قبل كل شيء، هو موقف تجاه يسوع ساعة كان يسوع يمارس سلطته المسيحانية كالراعي الذي يقيت شعبه بالكلمة والخبز اللذين يوزّعهما. الذي يحمل الخلاص للمرضى والممسوسين، الذي يعيد السمع إلى الصمّ والنظر إلى العميان.
طرح عملُه سؤالاً على التلاميذ بقدر ما دعوا لكي يشاركوه في عمله بشكل قريب. واكتشفوا شيئاً فشيئاً المعارضة الحاضرة في قلوبهم (هم يقاومون عمله) كما في قلوب الفريسيين الذين قاوموا المعلم (مع الكتبة) (2: 1-6:3). شهد التلاميذ طرد شياطين وأشفية اجترحها يسوع منذ بداية رسالته. ثم صاروا بدورهم وكلاء قدرته، فرغبوا في أن يدركوا ويفهموا ما يحدث. خلال المرحلة الثانية، اجتاحهم الخوف كما اجتاح بأشكال متنوّعة أولئك الذين شهدوا أعماله القديرة (4: 35- 5: 43). فكيف يستطيع مثلُ العالم فعلةً في الملكوت؟ كيف نفهمه إن لم نسمع ذلك الذي يفسّره؟ ولكن من هو هذا؟
هذا هو في النهاية معنى هذه المرحلة الثالثة. لهذا أسبق الإنجيلي كل "مقال الخبز" بإيفاد التلاميذ في رسالة (6: 6- 13). والسلطان الذي منحه المعلّم لهم، طرح عن هويته سؤالاً سيعود في بداية المرحلة الثالثة وفي نهايتها: من هو يسوع في رأي الناس؟ أعطى الناس ثلاثة أجوبة: يوحنا المعمدان، إيليا، نبي من الأنبياء (6: 14- 16؛ 8: 28). وقدّم بطرس إعلان إيمانه: "أنت هو المسيح". هنا نبحث عن الخطّ الذي يوجّه الخبر، والحاضر منذ إرسال التلاميذ، والواصل بنا إلى الإعتراف الواضح بيسوع المسيح.
الجميع يستطيعون أن يشاركوا في الوليمة المسيحانية التي تكرّس الدخول إلى الملكوت، سواء كانوا يهوداً أم وثنيين، شرط أن يعترفوا بالمسيح. غير أن هناك ملكاً آخر يحتفل بعيد ميلاده مع وجهاء الجليل، يستعد لإعطاء نصف مملكته لعيني هيرودية ورشاقة ابنتها سالومة. حينئذ لا يعطى خبز نوزّعه على الناس، بل رأس يوحنا الدامي، رأس النبي الذي يُذكر أربع مرات (6: 24، 25، 27، 28). إن موت السابق ينبىء بموت المسيح. غير أن المسيح حوّل عرس المدن إلى وليمة حياة. عند ذاك نفهم المعنى "النبوي" لخبر مقتل يوحنا في بلاط هيرودس. والمكان الذي يقع فيه هذا الخبر في مسيرة هذه المرحلة الثالثة، لم يكن من قبيل الصدف. فهذه المرحلة سوف تنتهي بالانباء الثالث عن الآلام.
حين تأمّلنا في تأليف هذه المتتالية القصيرة، لاحظنا اندماجها في المجموعة الأدبية التي تدخل في تضمين يكوّنه سؤال حوله يسوع. بدأه هيرودس (6: 6- 14)، واستعاده يسوع بعد رحلة طويلة (8: 27- 30).
إن "خبر آلام" المعمدان الذي ارتبط بوليمة أقامها التتراخس في عيد ميلاده، يبدو بشكل دائري في هذه اللوحة القصيرة:
أ (6: 17-18): يوحنا هو في السجن لأنه عارض هيرودس في زواجه الثاني.
ب (6: 19- 20): شعور كل من هيرودية وهيرودس تجاه يوحنا.
ج (6: 21- 22 أ): رقصت ابنة هيرودية في عيد ميلاد الملك.
د (6: 22 ب- 23): قسَم هيرودس.
ج ج (6: 24- 25): وطلبت الأم وطلبت الإبنة: رأس يوحنا.
ب ب (6: 26-27 أ): شعور هيرودس تجاه الإبنة وتجاه المدعوين.
أ أ (6: 27 ب-29): قُطع رأس يوحنا في السجن. ودفنه تلاميذه.
منذ البداية نرى أمانة يوحنا للشريعة في مواجهة ضعف هيرودس (أ). وفي نهاية الخبر، نرى إنتصار هيرودية وانتقامها. أما تلاميذ يوحنا الأمناء لمعلّمهم، فأخذوا جسده ودفنوه (أ أ). بعد هذا، يعبّر النصّ عن شعور هيرودس المحصور بين وضعه الزواجي (ب) وموقفه السياسي (ب ب)، وخشيته واحترامه تجاه شخص يوحنا. إن الحدث المحوري يجري في المساومة حول رقصة سالومة (ج) وما طلبت من هيرودس إطاعة لأمّها (ج ج). إن المحور (وقلب الخبر) (د) يبرز قسم هيرودس: إنه مستعد لإعطاء مملكته وحياة رجاله، حتى لو تجاوز الشريعة، وخان احترامه ليوحنا.
إن هذه الدراما تعلن مصير يسوع: عرفه التلاميذ كالمسيح، فسلّمه واحد منهم. وبطرس أقسم، ولكنه خان (14: 71). ولكن سينطلق من القبر إعلان القيامة، بفضل النسوة اللواتي استولى عليهن الخوف في البداية.
وقبل أن نوضح التعليم اللاهوتي في هذه المرحلة، نتوقّف كالعادة عند الزمان، والمكان، والأشخاص.

1- الإشارات الزمنية
هي قليلة، وتبدو للوهلة الأولى غامضة. فتوالي الأحداث تتوزّعه أداة: "وفي الحال" (أوتيس) التي عوّدنا عليها مرقس في البداية قبل أن يخفّف من تواترها (6: 25، 27، 45، 50، 54؛ 7: 25؛ 8: 10). هناك تلميح إلى المساء (6: 47؛ رج 32؛ 4: 35؛ 14: 17؛ 15: 42: الرسل وحدهم مع يسوع في السفينة، أي الكنيسة، من أجل "العشاء" السرّي)، وإلى الصباح الباكر (6: 48: مسيرة يسوع على الماء تذكّرنا بابيفانية موت يسوع وقيامته).
أخيراً، إن توزيع الخبز الثاني على الجموع قد تمّ "في تلك الأيام" (8: 1). هي عبارة اسكاتولوجية تعيدنا إلى أيام ظهور يسوع (1: 9) واختطاف العريس (2: 20). والإشارة إلى عبارة "ثلاثة أيام" التي ترافق هذا الخبر (8: 2)، سيستعيدها يسوع فيما بعد ليدلّ على قيامته (8: 31). عبر كل هذه الإشارات، ترتسم مسيرة متواصلة لمخطّط الله عبر تاريخ البشر الذين يبحثون عن "اليوم الموافق" (اوكايروس) ليقتلوا يوحنا (6: 21) وليسلّموا يسوع (14: 11).

2- على مستوى المكان
بعد أن رُذِلَ يسوع من "بلدته" (6: 1-6 أ)، أخذ يجول في القرى المحيطة، وكان يعلّم (6: 6 ب). سيتحدّث مرقس مراراً عن هذه القرى (6: 36، 56؛ 8: 23، 26، 27)، وعن مدن (6: 33، 56) وأرياف (6: 36، 56، أو: ضياع) امتد إليها نشاطه. وتتوزعّ سلسلة من الأسماء تحرّكات يسوع المتعدّدة: بيت صيدا (6: 45؛ 8: 22)؛ جنسارت (6: 53)؛ بلاد صور (7: 24، 31) وصيدا (7: 31)؛ دكابوليس (7 31؛ رج 5: 20)؛ دلمانوثا (7: 10)؛ قيصرية فيلبس (8: 27).
ويذكر عبور البحيرة ثلاث أو أربع مرات في هذه المرحلة. هناك مرة أولى لا يحدّد انطلاقها، وصلت بالتلاميذ إلى بيت صيدا (6: 45)، ولكنها انتهت في الواقع في جنسارت (6: 53). والعبور الثاني ضمّ دورة يسوع في بلاد صور وصيدا إلى رحلة في دكابوليس (،: 31: نحسّ أننا لا نزال هناك خلال تكثير الأرغفة الثاني). والعبور الثالث ينتهي في نواحي دلمانوثا (8: 10). وبعد هذا ينطلق الفريق باتجاه بيت صيدا (8: 13، 22) حيث نزل التلاميذ في النهاية مع يسوع. وهكذا انتهت الحلقة و"وصلنا" إلى الهدف: هناك شاهدَ التلاميذ شفاء الأعمى قبل أن يصلوا إلى قيصرية فيلبس ويعلنوا إيمانهم بالمسيح.
خلال المرحلة الثانية، بيّن مرقس بوضوح التعارض بين الأرض التي بدت الموضع الذي فيه سمعت المجموع الأمثال (4: 1)، والذي فيه نزل الزرع ليحمل ثمراً (4: 5 مرتين، 8، 20، 26، 28، 31 مرتين)، وبين البحر الذي منه علّم يسوع (4: 1 ثلاث مرات؛ 5: 21) وعليه دلّ قدرته (4: 39، 41؛ 5: 1، 13 مرتين). أما الآن، فيسوع يجد نفسه وحده على الأرض (6: 47) حين أراد الذهاب إلى الجبل للصلاة (6: 46). هناك نزلت مع تلاميذه بعد العبور المضطرب (6: 53). وهناك أجلس الجموع خلال المعجزة الثانية التي فيها كثّر الأرغفة (8: 6؛ رج 6: 39). لقد تقت المقاسمة في البرية (8: 4) كما في المعجزة الأولى (6: 31، 32، 35).
أما البحر فهو الموضع الذي فيه يُظهر يسوع قدرته أمام تلاميذه (6: 47، 48، 49)، وبه سيدخل إلى الأرض الوثنية (7: 31). بعد هذا، لن يُذكر البحر في انجيل مرقس، إلا ليدلّ على المكان الذي يبتلع مسبّب الشكوك (9: 42) وكل حاجز في وجه الإيمان (11: 23). وهكذا يبدو أن عمل يسوع انتزع منه طابعه الشرير، فصار منطلقاً إلى أرض البشر، وموضع سير للذين دعاهم (6: 8؛ 8: 27) وأطعمهم (3:8).
ونزيد أيضاً عنصرين يلفت توازيهما النظر: ظهر البيت حتى الآن كالمدى الحميم الذي فيه نختبر عمل المعلّم ونعيشه من الداخل (1: 29؛ 2: 1، 11، 15؛ 3: 20، 25 مرتين، 27 مرتين؛ 5: 19، 38، 40). هذا ما نجده أيضاً في المرحلة التي ندرس (7: 24، 30؛ 8: 3، 26). ولكن هذا المدلول يمتدّ إلى عمل التلاميذ (6: 10) مع عدم فهمهم الخاص (7: 17). والسفينة هي أيضاً لهم الموضع الذي فيه تظهر حقيقة رسالتهم (6: 32) وقساوة قلبهم (6: 45، 47، 51، 54؛ 10:8،14).
وهكذا عبّرت كل الإشارات التي عدّدناها عن انشداد بين الخارج والداخل، بين العمى والانفتاح على الوحي، بين المقاومة والاستسلام للنداء. وبمختصر الكلام، نحن هنا أمام جغرافية داخلية تدلّ على تردّدات إيمان يتكوّن.


3- الأشخاص
والفاعلون في الخبر. في المرحلتين الأولوين رأينا ولادة ثلاث مجموعات من الأشخاص توضّحت قسماتهم المميّزة شيئاً فشيئاً. وها هو مرقس يبرز كل مجموعة داخل العلاقات التي تقيمها مع المجموعة الأخرى.
أولاً: التلاميذ
لعب التلاميذ دور الوسيط بين يسوع والشعب، إن من أجل إعلان التعليم أو توزيع الخبز للطعام. لقد نظّمهم ومنحهم قدرته. إنهم "الإثنا عشر" (6: 7؛ رج 3: 13، 16) الذي دعُوا في أجل المهمة التي أوكلوا بها: "رسل" أو موفدون (6: 30). وإذ ظلوا قريبين من المعلّم (6: 30؛ رج 3: 14)، شاركوا أيضاً في عدم فهم عرفه الجمع (6: 52؛ 7: 18؛ 8: 21؛ رج 4: 11- 12)، وفي قساوة (عمى) قلب تميّز به الفريسيون (6: 52؛ 7: 21؛ 8: 15، 17؛ رج 2: 6؛ 3: 5).
لهذا اهتم يسوع بأن يأخذهم على انفراد (6: 31- 32، 45؛ 7: 17؛ 8: 10، 13؛ رج 4: 34) كما جعلهم على اتصال بالشعب (6: 7، 13، 37، 45؛ 8: 1، 3، 22). وجعلهم يحضرون صامتين مواجهاته مع الفريسيين (7: 2؛ 8: 11) والأشفية التي يجترحها (6: 53- 56؛ 7: 24- 37؛ 8: 22، 26؛ رج 5: 31، 37). وفي النهاية فقط سوف يطرح عليهم سؤالاً حول شخصه، فيجعلهم يقيسون المسافة بين إيمان الجموع وإيمانهم (8: 27-29). غير أنه طلب منهم أن لا يقولوا شيئاً عن هذا الموضوع (8: 30).
ثانياً: الجموع
الجموع غفيرة. هم أناس جاؤوا إلى يسوع بسبب خبز يعطيه وتعليم يوزّعه (6: 34؛ 8: 2؛ رج 4؛ 37). هم موضوع شفقته الرعائية (6: 34؛ 8: 2؛ رج 4: 33). يأتون إليه بمرضاهم ويتوسّلون إليه أن يشفيهم (6: 55-56؛ 7: 32-33؛ 8: 22؛ رج 3: 7- 10؛ 5: 23، 28). إستجاب يسوع طلباتهم، ولكنّه فرض عليهم الصمت والتحفّظ (7: 24، 36؛ 8: 26؛ رج 3: 12؛ 5: 43). أو أطلقهم بعد أن يكونوا خبروا إحسانه (6: 45؛ 7: 17؛ 8: 9) وعرفوا سلطانه المسيحاني (7: 36- 37؛ رج 5: 42).
بين هذه الجموع التي لا إسم لها، تبرز أسماء الذين اختبروا على درجات متفاوتة، عمله الذي يلامس أجسادهم (6: 56؛ 7: 33؛ 8: 22؛ رج 3: 10؛ 5: 31، 41) ويلج إلى قلوب تلاميذه (6: 45؛ 7: 19، 21؛ 8: 17). إنفتحت هذه الجموع على الأمثال التي دلّت عليها أعمال يسوع وأقواله (رج 4: 11، 34). يبدو أنّها تخلّت عن الحذر الذي غذّاه بعضهم تجاه يسوع خلال المرحلة الثالثة (رج 3: 21؛ 6: 2-3). غير أن يسوع ما زال يحذّرهم من سوء نوايا خصومه (7: 14-15) كما من فهم محدود أو خاطىء لتعليمه. وعى يسوع الإلتباس الذي يعشّش في قلب الناس، فاستقبلهم كما هم وراعى مسيرة كل واحد منهم سواء كان يهودياً أم يونانياً.
ثالثا: الخصوم
وأخيراً جاء معارضو يسوع الذين سألوه لا عن تعليمه، بل عن تصرّفه وتصرّف تلاميذه (7: 1، 5؛ رج 2: 13، 24؛ 3: 2، 22، 30) لكي يجرّبوه (8: 11): هم الفريسيون والكتبة الذين جاؤوا من أورشليم (7: 15؛ 8: 11). في الواقع إنهم يمثلّون كل الذين يعتدّون بفهمهم للكتب المقدسة وبوصايا الشريعة، لكي يحكموا على تصرّفات يسوع. هم لا يقبلون حقاً بحدود علمهم أو تقاليدهم مهما كانت جليلة.
وبجانب هؤلاء الرجال من كهنة وعوام، الذين بدوا متديّنين، ولكنهم استعدّوا لكي يدينوا الآخرين (يسوع، تلاميذه)، هناك أولئك الذي يمثّلون سلطة فاسدة مثل سلطة هيرودس. عاشوا في التحايل والمساومة لكي ينجوا بجلدهم أو لكي يحتموا من الإغتياب والإفتراء، فتساءلوا من هو يسوع (6: 14- 16). وأصغوا إلى الأنبياء (6: 20). ولكن ديانتهم لم تدخل في حياتهم، وحلّت الخرافة والوسوسة محل الإيمان. وفي النهاية، دلّوا في موقفهم على انهم رعاة أردياء، فصار شعبهم مثل خرافٍ لا راعي لها (6: 34).
وُضعت هذه المجموعات الثلاث من الأشخاص أمام خيار يتّخذونه على مستويات مختلفة جداً. كلهم دعوا إلى أن يطرحوا على نفوسهم سؤالاً يواجههم: من هو يسوع؟ هذا السؤال يرافق كل المرحلة الثالثة، فيشكل على المستوى الأدبي تضميناً رائعاً يقابل بين موقف البشر (يوحنا المعمدان، إيليا، أحد الانبياء، 6: 14- 16؛ 8: 28) ونظرة الإيمان التي تتغلّب على معاندات بطرس والتلاميذ (8: 29).
هذا النور يتيح لمرقس أن يدخل في النص سلسلة من التعارضات، بعضها يشير الى فهم سر الملكوت:
- فهم/ لم يفهم (52:6؛ 14:7، 18؛ 17:8، 21).
- أدرك/ لم يدرك (7: 18؛ 8؛ 17).
- تذكّر/ نسي (14:8-18).
وهناك تعارضات حول إدراك الإنسان يعبّر عنها النص بقوة الحواس أو ضعفها: النظر، السمع، الذوق، اللمس. فحسّ الإيمان يشقّ طريقه عبر الواقع الطبيعي والحسّي.
- نفتح الآذان ونسمع (7: 14، 32- 37؛ 8: 18).
- نرفع العيون ونبصر (8: 15، 18، 22- 26).
- نحلّ عقدة اللسان ونتلفّظ بكلمات الإيمان (7: 26، 39، 35؛ 8: 29).
- نترك المسيح يلمسنا، نحسّ بوضع يديه الذي يخلّص، لأنهما طاهرتان وغير نجستين (6: 13، 56؛ 7: 2، 5، 32؛ 8: 23، 25).
وفي النهاية، تلج هذه التعارضات إلى أعماق القلوب (6: 52؛ 7: 6، 19، 21؛ 8: 17) أي إلى باطن الإنسان وشخصيّته الحرّة. ماذا سيكون قلبنا؟ هذا هو السؤال الذي يُطرح على قارىء إنجيل مرقس في "مقال الخبز": قلب أعمى (قاس) (6: 52؛ 8: 17)، بعيد عن الله (7: 6) مع أن شفاهنا تقدّم له عبادتنا؟ أو قلب منفتح، يتقبّل الكلمة، قلب قريب من الله ومتنبّه إلى نداءاته (7: 13، 29)؟
وهكذا يجد قارىء الإنجيل، شأنه شأن الناس الذين سمعوا يسوع، أنه أمام سؤال، أمام موقف يتخذه. غير أن الإنجيل لم يقل لنا بوضوح ما يجب أن نفهمه ونحقّقه، ولا ما يجب أن نسمعه أو نراه، ولا على ما يجب أن ينفتح قلبنا أو ما يجب أن يلامس حياتنا. حين نقابل موقفنا مع موقف التلاميذ والجموع والخصوم، حين نكتشف الطريقة التي بها واجههم يسوع، يصبح السؤال الذي يطرحه علينا نوراً في أعماق حياتنا.
ما هو تعليم النص؟
يحدّد الإنجيلي موقع أول تكثير للأرغفة في أرض يهودية، على شاطىء بحر الجليل، حيث زُرعت كلمة الملكوت في الأرض كبذار ينتظر الحصاد (رج 4: 29). أو كحبّة تنمو وتمدّ أغصاناً يتظلّل تحتها طيور السماء، هؤلاء الوثنيون الذين يبحثون عن الخلاص (رج 4: 32). أما تكثير الأرغفة الثاني، فيجري في إطار أوسع: كان يسوع في دكابوليس حيث مجنون الجراسيين قد أذاع كلّ "ما صنعه يسوع له" (5: 20). ثم هناك أناس "جاؤوا من بعيد" (8: 3). إن السورية الفينيقية قد شقّت لهم الطريق فطالبت من أجل ابنتها بالفتات المتساقط عن مائدة الأبناء (7: 28).
يفهمنا التقليد الإنجيلي، ويشدّد تدوين مرقس على أننا هنا أمام الافخارستيا: طعام مسيحاني يجمع اليهود (أي: الأبناء) والوثنيين (جاؤوا من بعيد) إلى مائدة الملكوت حيث يسوع الزارع (4: 14) والطبيب (2: 17) والعريس (2: 19) يستقبل مع تلاميذه "كثيراً من العشّارين والخطأة" (2: 15). فهو أيضاً الكاهن الأعظم (6: 7) والنبي (6: 4، 15) والراعي المسيحاني (6: 34؛ 7: 36- 37؛ 8: 2).
حينئذ ندرك لماذا وضع مرقس الجدال حول الطاهر والنجسة (بمناسبة أكل الخبز) في موازاة مع معجزتَيْ تكثير الأرغفة. ننطلق من تقاليد الشيوخ، من تقاليد بشرية محضة، فنصل إلى كلمة الله التي هي طعام نأكله كما في البرية (تث 3:8). في هذا المعنى "جعل يسوع كل الأطعمة طاهرة" (7: 19). إنه "قدوس الله" الذي ينقّي أولئك الذين يتقبّلون تعليمه الذي يُلقى بسلطان.
ما من أحد يُستبعد عن مائدة الملكوت، لا اليهود ولا الوثنيون، لأن الخبز يوزّع بوفرة على الجميع. وإذا كانت النجاسة الطقوسية لا تبعدنا عن هذه المائدة، فلأن الله نفسه يقدّم ذاته فيها في شخص يسوع، ولأن "ابن الإنسان له سلطان به يغفر الخطايا على الأرض" (2: 10). هو وحده يستطيع أن يحوّل القلوب الصلبة (العمياء) حسب القول المسيحاني في حز 36: 25- 31: "أرشّ عليكم ماء طاهراً... أعطيكم قلباً جديداً...". فالمتطلّبة المسيحية الوحيدة للإقتراب من الافخارستيا هي إذن نقاوة قلب المؤمن، ويسوع هو الذي يهبها.
إنفصل يسوع عن التقاليد البشرية بأقواله، وها هو ينفصل بأعماله عن تقليد يقسم البشرية مجموعتين، وسيقسم الجماعة الأولى في أورشليم (مسيحيون جاؤوا فن العالم اليهودي، آخرون جاؤوا من العالم الوثني): إنطلق بنفسه إلى مناطق صور وصيدا وهناك استجاب صلاة السورية الفينيقية (7: 24- 30). وتابع طريقه إلى المدن العشر حيث أعطى أذنين ونطقاً لرجل أصمّ ومنعقد اللسان (7: 31- 35).
نجد هنا إشارة إلى طقس التنشئة على أسرار الكنيسة: بما أن يسوع استقبل جميع البشر إلى مائدة الملكوت، فقد طرد الشياطين التي فينا (7: 30، تقسيمات في المعمودية)، وفتح آذاننا وقلوبنا لإدراك عمله المسيحاني (7: 36-37). أدخل مرقس في خبره الإنجيلي تلميحات غير خفية إلى طقوس العماد والاحتفال بالافخارستيا، كما كانت تمارس في أيّامه، فبيّن أن ممارسة الكنيسة تجد تجذّرها التاريخي الملموس في حياة يسوع مع تلاميذه ومع الناس في زمانه: منذ ذاك الوقت كان راعي شعبه، يجمع الخراف الضالّة ويكسر لها الخبز الذي يشبع جوعها.
إن الافخارستيا تجعلنا ننطلق من أجل العمل الرسولي: نتقبّل الجموع التي تتزاحم حولنا، أو نذهب إليها حيث تعيش في القرى والمدن والأرياف (6: 6، 13، 55- 56)، نزور الأمم الوثنية (7: 24- 35) ونعرّفها إلى المسيح الذي بدأ عمله (7: 36-37)، نعطي الجميع نظرة تساعدهم على إدراك واقع العالم (8: 22- 26).
ولكن إذا أردنا لهذا العمل الرسولي أن يظهر حقاً، يجب على التلاميذ الذين هم وسطاء الكلمة والخبز اللذين يعطيهما يسوع، أن يتركوا المسيح يشفيهم من غباوتهم، من عمى قلبهم، من تصلّبهم. لهذا، يُطلَب منهم أن يعرفوا، بلا خوف، القائم من الموت الآتي إليهم، اليوم كما في الماضي، على أمواج حياتهم اليومية الهائجة، ولا يحسبوه شبحاً أو خيالاً (6: 45- 52). يُطلب منهم أن يدركوا حضور يسوع المستمرّ معهم كخبز يقيت حياتهم.
يتحفّظون من خمير هدّام، خمير الذين يحكمون على الآخرين مسبقاً، أو يقبلون مساومات الجبناء. يتركون يسوع يفضح النوايا السيئة التي تتفجّر من قلوبهم وتفسد رغباتهم وأعمالهم وحتى كيانهم نفسه (7: 17- 23). يتقبّلون إصغاء ونظرة نبوية يجعلانهم جديرين بأن يصنعوا ما صنعه يسوع (8: 17- 21)، فيكسرون الخبز للجميع "لذكره حتى مجيئه".
إذا كانت "مقالة الخبز" قد حُصرت في سؤال بسؤالين طرحه يسوع، فالمقطع المحوري في الحلقات الثلاث يدلّ بوضوح على المقاومة التي يجب أن نتغلّب عليها لكي نتعرّف إليه في حقيقته: إنه المسيح (اختاره الله، مسحه بالزيت المقدّس، أرسله) الذي يعطي الجميع عطاء وافراً من الخبز والكلمة. أشبع الشعب اليهودي الذي كان "كخراف لا راعي لها" (6: 34). كما أشبع الوثنيين الذين جاؤوا من البعيد، جاؤوا من كل مكان (... 4 هو ألف الذي يعني عدداً لا يحدّ، و4: أربعة أقطار الأرض). جاؤوا في تلك الأيام (يوم الرب، يوم افتقاده) وقد "تخور قواهم في الطريق" (8: 3) إن صرفناهم صائمين. هو مسيح لهؤلاء وأولئك. فيجب أن يعرفه الجميع لكي يستطيع أن يمارس في القلوب سلطة التطهير، وفي العقول المتغرّبة قدرة التحرير، وعلى الأجساد المريضة لمسه المحيي. كان بطرس أول من اعترف باسم التلاميذ، أول من أعلن "إيمانه المسيحي"، "أنت هو المسيح" (8: 29). على كل مسيحي أن يعيد بدوره فعل إيمان الكنيسة هذا. فالمسيح السائر في الطريق يطرح على كل واحد هذا السؤال: "وأنت، من تقول إني هو"؟
إن فهم شخص يسوع المسيح اليوم كما في أيام التلاميذ، يرتبط بفهمنا لهذا الخبز المكسور الذي هو الافخارستيا. حين نفهم الافخارستيا طعاماً يشبع جوع البشر، نتعرّف إلى حضور يسوع كمسيح في العالم. فهو يجمع في شخصه، كما في بداية الكنيسة، أعضاء الجماعة المسيحية التي تشهد توتّراً على المستوى الإجتماعي والروحي: بين مسيحيين "جاؤوا من العالم اليهودي" فأرادوا أن يعيشوا منعزلين على ذواتهم، أو حاولوا أن يفرضوا شريعتهم (وعوائدهم) على الآخرين. وبين مسيحيين "ولدوا في العالم الوثني" فحاولوا أن يتجاوزوا ما تطلبه الكنيسة. إن المسيح يقيم هذه المصالحة بين الفئتين بواسطة افخارستيته الواحدة: إنها تضمّ الأزمنة والأمكنة، في عطية المسيح الوحيدة للبشر، وهي تصل إلى حياة كل واحد منا مهما كان موقعه.
حافظ مرقس على رسمة المعجزتين، ولكنه ميّز بين جماعتين. الأولى يهودية الأصل. تكوّنت بسماع كلمة الله وتربّت على يد الأنبياء. ولكن إذا أرادت أن تتبع يسوع، وجب عليها أن تنفصل عن تقاليد الشيوخ والسلطات الدينية: فالافخارستيا تفرض ارتداد القلوب الذي تحدّث عنه حزقيال (36: 26) وعودة إلى البرية. في هذه الجماعة المسيحية يرتدي التلاميذ حنان الراعي من أجل شعبه، فيكتشفون في عمق موته هذه الشفقة، ويتعلّمون في قدرة قيامته المسؤولية الراعوية التي تجعلهم في خدمة جميع إخوتهم.
والجماعة الثانية تضمّ اناساً جاؤوا من العالم الوثني الذي سبق له فبُشر. فهو يطلب الفتات المتساقط عن مائدة الأبناء. لا سند تقليدياً له، لا اهتمام بعوائد دينية ورثها. اجتمع حول يسوع وانتظر منه الخبز الذي يحيي العالم. عاشت هذه الجماعة من حضور القائم من الموت فوجدت نفسها ملزمة بالشهادة لإيمانها عبر واقع وجودها.
إن افخارستيا الرب الواحدة التي عبّر عنها الإنجيلي في حدثين متميزين، تدلّ على أن الكنيسة تكتشف وسط الإختلافات والإنشدادت التي فيها، الحدث المؤسّس، حدث الملكوت، في شخص ابن الآب الحبيب. وفي قلب الخلاف الذي عرفته الكنيسة الأولى، تذكّر مرقس تجذّر يسوع التاريخي في أرضه وفي شعبه، كما تذكّر عطاءه ذاته للعالم اليهودي ولجميع الأمم

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM