الفصل الثالث والثلاثون سفر المزامير

الفصل الثالث والثلاثون

سفر المزامير

تنظّمت مجموعة المزامير كما نعرفها اليوم في نهاية الحقبة الفارسية أو ربّما خلال القرن الثالث ق. م. وقُدّم سفر المزامير في خمسة كتب، شأن البنتاتوكس أو الأسفار الخمسة (مز 1- 41؛ 42-72؛ 73- 89؛ 90- 106؛ 107- 150). ولكن هذه القسمة هي مصطنعة. نجد فيها كتلاً قديمة تبيّن أن هناك مزامير استعملت في الهيكل قبل المنفى. ولكن يبقى من الصعب أن نتصوّر كيف تكوّن هذا السفر الكبير. فهناك مزامير قديمة أعيد تفسيرها، ولامستها أيدٍ عديدة. أما الكتاب الحالي فهو كتاب الترنيم في الهيكل الثاني.
لن نتوقّف عند الكتب الخمسة التي تؤلف المزامير، بل عند الفنون (أو: الأنواع) الأدبية: مزامير المديح، مزامير الملك، مزامير التوسّل، مزامير الشكر، مزامير ملوكية، مزامير الحجاج، مزامير تعليميّة.

أ- الفنون الأدبية
1- المدائح
أناشيد للرب تمدحه بسبب جمال الكون الذي خلقه (8؛ 19؛ 29؛ 104)، من أجل صلاحه للبشر (8؛ 103؛ 113). أنشدت في الهيكل خلال الاحتفالات الليتورجية. واستُعملت للاعياد الكبرى ولعشاء الفصح (مت 26: 30). هنا نذكر مزامير الهلل (113- 118). لا ننسى ما نقوله في الليتورجيا: هللويا، أي هللوا للرب وسبّحوه.

2- مزامير الملك
تنشد الرب ملكاً على شعبه وعلى العالم (47؛ 93؛ 96- 99). طابع الشمولية الذي يميّزها يجعلها قريبة من أشعيا الثاني (أش 52: 7).

3- التوسّلات
هي نداء فردي أو جماعي وطلب لمعونة. قد يكون المتوسّل مريضاً، أو باراً مضطهداً، أو متّهماً يحاكم فيعلن براءته، أو تائباً (22؛ 31؛ 35؛ 51؛ 55؛ 69؛ 71؛ 88؛ 109؛ 142). حين يكون المتوسّل جماعة، نكون أمام شعب يصلّي إلى الله بعد هزيمة حربية، أو اجتياح العدو للبلاد، أو تدنيس الهيكل، أو المنفى والسبي، أو سحق الضعفاء والمساكين بيد الأقوياء والأغنياء (12؛ 44؛ 60؛ 74؛ 79؛ 80؛ 83؛ 85؛ 94؛ 137). وهناك توسّلات فردية ردّدها الملك أو الكاهن أو النبي، فصارت جماعية، لأن المصلّي لا يمثّل نفسه وحسب، بل الجماعة كلها.
أنشدت التوسلات في الهيكل (رج يوء 1: 13؛ 2: 17؛ زك 7: 5) لا سيّما في عيد التكفير (كيبور) العظيم (لا 16) الذي اتسع الاحتفال به بعد المنفى ومع عزرا.

4- أفعال الشكر
يمتزج في هذه المزامير المديح والتوسل. بعد أن يذكر المرنّم شقاءه، يرفع شكره لله الذي استجابه. قد تكون أفعال الشكر هذه فردية (9؛ 30؛ 34؛ 40: 1- 12؛ 116) أو جماعية (66؛ 68؛ 124).

5- مزامير ملوكية
هي تحتفل بالملك خلال مسحه بالزيت وتتويجه (2؛ 72؛ 89؛ 101؛ 110؛ 132)، خلال زواجه (45)، ساعة انطلاقه إلى الحرب أو عودته منها (18؛ 20؛ 21؛ 144).
بعد المنفى وزوال الملكية، استُعملت هذه المزامير لتحافظ على شعلة الرجاء المسيحاني في شخص يتحدّر من داود.

6- مزامير الحجاج
هناك مزامير عديدة أنشدها الحجّاج الصاعدون إلى أورشليم من أجل الأعياد: هناك مزامير "المراقي" (120- 134)؛ ومزامير الدخول إلى المعبد تحدّد الشروط المطلوبة للاقتراب من الله (15؛ 24). ومزامير صهيون تشكر الرب لأنه اختار تلة صهيون في أورشليم، ليقيم هناك وسط شعبه (46؛ 48؛ 76؛ 87؛ 132)

7- مزامير تعليمية
تأثرت هذه المزامير أكثر من غيرها بالأدب الحكمي. نضع في هذه المجموعة مزامير تركّز على الشريعة التي هي نور المؤمنين (1؛ 119). مزامير تواجه سر ألم البار (16؛ 37؛ 49؛ 73). مزامير تحاول ان تكتشف العبر من أحداث التاريخ (78؛ 105؛ 106).
كان للمزامير أهمية كبرى للكنيسة الناشئة. فمزامير الأبرار المتألمين صوّرت آلام يسوع وساعدت المؤمنين على فهمها: ورد مز 22 في مت 27: 35، 43، 46؛ ومز 69 في مت 27: 34؛ ومز 109 في مت 27: 39؛ ومز 31 في لو 23: 46.
وقرئت المزامير الملوكية كمزامير مسيحانية (تنشد يسوع المسيح). واستعملت المزامير التي تعبّر عن الرجاء بحياة بعد الموت، لتعلن لليهود قيامة يسوع. نقرأ مز 2 في أع 4: 25- 26؛ أع 13: 33؛ ومز 110 في أع 2: 24- 35؛ ومز 16 في أع 2: 25- 28؛ لو 24: 44.

ب- نصوص للتفسير
1- المدائح
هناك دعوة إلى المديح، توسيع (يبدأ بكلمة "الآن") يُعلن عظائم لله، وخاتمة تستعيد كلمات الدعوة وتنتهي بهتاف (هللويا).

أولاً: مز 114: إله الخروج
- الدعوة: هللويا، سبّحوا الرب.
- التوسيع آ 1- 2: هدف الخروج الاول، أن يجعل الله من شعبه معبداً يقيم فيه.
اَ 3- 4: معجزات الخروج الاول.
آ 5- 6: يتكلم المرتل ويتساءل عن هذه المعجزات.
آ 7- 8: معجزات الخروج الثاني.
ردّد يسوع هذا المزمور في ليتورجية الفصح، فاحتفل بخروجه الذي يتمّه في أورشليم (لو 9: 31). ويمكننا نحن أن نصلّي هذا المزمور على خطى يسوع معتبرين حياتنا خروجاً من الضيق والظلم إلى عالم الحرية، من هذا العالم الى الآب.

ثانياً: مز 113: إله المظلومين
- الدعوة: سبحوا يا عبيد الرب (آ 1- 3).
- التوسيع: آ 4- 6: صفات الله التي نمتدحها.
- آ 7- 9: أفعال الله.
صلّى يسوع هذا المزمور ليلة العشاء السري. ونحن نصلّي هذا المزمور ونعمل لئلا تكون صلاتنا كلاماً وحسب بل أفعالاً.

ثالثاً: مز 8: مجد الله حياة الانسان
- الدعوة: ايها الرب ربنا (آ 2). تعاد في الخاتمة (آ 10).
- التوسيع: 31- 5: ننشد عظمة الله.
الأولاد هم الكواكب التي تنشد الله في صباح العالم، والانسان ينشد أفضل منها. حصن الله هو السماء، والخلق انتصار الله على الفوضى.
آ 6- 9: ماذا يفعل الله للانسان؟
إذ نعلن عظمة الانسان نعلن عظمة الله.
ترد آيات هذا المزمور في نصوص عديدة من العهد الجديد: مت 21: 16؛ 11: 25؛- يو 10: 21؛ عب 2: 6- 9؛ 1 كور 15: 27؛ أف 1: 22.

رابعاً: مز 104: الخليقة تمجّد الله
- الدعوة: آ 1: باركي يا نفسي الرب.
- التوسيع: آ 2- 30: الخلق والخلاص.
- الخاتمة: آ 31- 35: ليكن مجد الرب إلى الأبد.
الصلاة المسيحية: لقد خلق الله كل شيء بالمسيح (كو 1: 15- 18)، وبروحه أعطانا الحياة. والخبز والخمر هما رمز عالم يُصنع من جديد في الروح.
الله هو الاله البعيد الذي يختلف عنّا كل الاختلاف، انه الخالق وسيد التاريخ. ولكنّه أيضاً الإله القريب الذي يقيم وسط شعبه: في أورشليم، في الهيكل، بواسطة شريعته. هناك مزامير تنشد سعادة الانسان الذي يكون ضيفاً على الله (مز 139). هناك مزامير تنشد الله الحاضر في هيكله. كانوا يذهبون إليه ثلاث مرات في السنة، خلال أعياد الحج. نشير إلى ان حضور الله صار لنا نحن المسيحيّين أمراً واقعاً في يسوع المسيح هيكلنا الحقيقي. ثم إن الكنيسة هي جسده الذي ينعشه روحه. لهذا تذكّرنا هذه المزامير بأن الكنيسة هي شعب يسير نحو أورشليم السماوية، المدينة النهائية، التي زال منها الشرّ لأن الله يكون كلاً في الكل. وهناك مزامير تتحدّث عن الشريعة التي نسمعها ونستعدّ بكل قلوبنا لان نتقبّلها (مز 119). وشريعتنا نحن المسيحيّين صارت يسوع المسيح، كلمة الله، وقد جعلت في قلوبنا بواسطة الروح القدس.

خامساً: مز 139: يا رب عرفتني
آ 1- 18: نحن قريبون من الله ومن حياته الحميمة.
آ 19- 22: سؤال يطرح: لمَ الشرّ؟
آ 23- 24: صلاة ختامية: اللهم، أنظر إلى أعماق قلبي، واعلم كلّ ما فيّ.
الصلاة المسيحية: لقد غمرنا الله بكل نعمه في ابنه الحبيب (أف 1: 6). فيه نستطيع أن نصير أبناء ونعرف شيئاً من حياته الحميمة بواسطة الروح الذي يساعدنا لأن نقول: أبّا، أيها الآب.

سادساً: مز 84: كل ما فيّ يصرخ من الفرح
هذا نشيد أحد الحجّاج. وصل إلى الهيكل، فعبّر عن عمق حبّه لله. نكتشف فيه السير، الاقامة (المسكن، البيت، العش)، السعادة (الفرح، سور، ترس).
الهيكل الحقيقي هو جسد يسوع القائم من بين الأموات.

سابعاً: مز 42- 43: عطشان إلى الله
مزموران في مزمور واحد وردّة واحدة: لماذا تكتئبين يا نفسي؟
أرسل المرتل إلى المنفى فصرخ من ألمه. أما عذابه فيقوم فقط في أنه بعيد عن الله، بعيد عن هيكله.
42: 2- 6: ما هي رغبته؟ أن يحضر أمام الرب (خر 34: 23).
ما هو ألمه؟ ما الذي يعزيه؟
42: 7- 12: يستطيع ان يصلي إلى الله من منفاه.
43: 1- 5: هذه هي صلاته.

2- ملك الله
هناك خمسة مزامير (93؛ 96؛ 97؛ 98؛ 99) تنشد ملك الله. يشعّ الفرح على الوجوه، فنحسّ وكأننا في حفلة تنصيب يشارك فيها شعب اسرائيل والشعوب البعيدة (الجزر) وكل عناصر الكون. في ذلك الوقت، سيزيل الله كل شقاء وكل بؤس وكل شرّ.
لقد أعلن يسوع أن ملكوت الله قد جاء في شخصه، فأعلن التطويبات، وصنع المعجزات من أجل المساكين. بدأ مُلك الله، وعلى التلاميذ أن يحققوه.
وهناك سبعة مزامير (2؛ 21؛ 45؛ 72؛ 89؛ 101؛ 110) تنشد ملك اسرائيل. يوم يُنصّب الملك يتبنّاه الله، يوم يُولد الملك للملكة يعلنه الله ابنه.
أما ملكنا فهو يسوع المسيح، ونحن ننتظر أن يعمّ سلطانه على كل البشر.

أولاً: مز 96: الله ملك
آ 1- 3: نداء إلى كل الأرض لتنشد نشيداً جديداً (أش 42: 10): حين خلّص الله شعبه من المنفى، أظهر خلاصه وبرّه ومجده على عيون الأمم (أش 45: 14- 25 25؛ 52: 10).
آ 4- 6: وهذا يبيّن أن الله هو الله وأن سائر الآلهة ليست بشيء (أش 41: 21- 29؛ 43: 9-13).
آ 7- 9: يدعو المرتل كل الشعوب ليمدحوا الله.
آ 10- 13: بما أن الله خالق، فهو يقدر أن يملك كملك عادل

ثانياً: مز 2: أنت إبني
آ 1- 3: الاشرار يتآمرون علي الله وعلى مسيحه.
آ 4- 6: هزىء الله. له مخططه، ولا يقدر الثائرون أن يفعلوا شيئاً.
آ 7- 9: يذكر الملك هذا المخطط: يوم صعد على العرش، أعلنه الله ابنه. ولكن هذا المُلك يتعدّى شعب اسرائيل ليصل إلى كل شعوب الارض. إذاً لم نعد فقط أمام ملك أرضي.
آ 10- 12: تنبيه إلى الثائرين: تعقّلوا.
دخل هذا المزمور في العهد الجديد.
* قيامة المسيح هي الوقت الذي فيه يولد كابن الله وملك مسيح ورب الكون (أع 13: 32؛ روم 1: 3؛ عب 1: 5؛ 5: 5؛ رؤ 12: 25). لسنا إذاً أمام ولادته في بيت لحم، بل تنصيبه كملك وسيد الكون.
* موت المسيح: قد رذله رؤساء الشعب. إنهم هؤلاء الاشرار الذين يتمرّدون على الله وعلى مسيحه (أع 4: 23- 31).
* مجيئه في نهاية العالم، سينضّب يوماً كربّ الكون (رؤ 19: 15؛ 21: 1- 5) هذا هو أساس رجائنا، والقديم يوحنا يعدنا بأننا سنشاركه في مجده (رؤ 21: 7).

ثالثاً: مز 110: إجلس عن يميني
* إجلس عن يميني. يقع القصر عن يمين الهيكل. وإذ يمنح الله الملك أن يجلس عن يمينه، يمنحه حالة تكاد تكون إلهية.
* أنت كاهن. الملك هو في الوقت نفسه كاهن.
* في العهد الجديد طبّق يسوع هذا المزمور على نفسه أمام مجمع اليهود.
إن يسوع جالس من عن يمين الله. هذه العبارة التي نعلنها في "النؤمن" قد قالها بطرس يوم العنصرة، فعبّر عن حدث الفصح (أع 2: 34). وستتكرّر في العهد الجديد (أع 5: 31؛ 7: 55؛ روم 8: 34؛ كو 3: 1؛ أف 1: 20؛ 1 كور 12: 25؛ 1 بط 3: 22؛ عب 5: 6).

رابعاً: مز 89: إيمان بالله رغم كل شيء
سنة 587 زالت الملكية من أرض إسرائيل. ولكن الله كان قد وعد داود ونسله بملك يدوم. أترى الله خان عهده؟
آ 2- 3: رحمة الله وأمانته. هذا هو فعل إيمان المرتل رغم كل الظواهر.
آ 4- 5: يذكر المرتلُ الله بوعده لداود.
آ 6- 19: الله هو خالق وملك قدير، كيف لم يفِ بوعده؟
آ 20- 38: تذكير بوعد الله لداود ونسله.
آ 39- 46: يعلن المرتّل بجرأة: لم يكن الله أمينا!
آ 47- 52: نداء الى الله لكي يفعل.
آ 53: وتنتهي الصلاة بالشكر بعد أن بدأت في الايمان. يمكننا أن نتلو هذا المزمور مع المسيح في الجسمانية.

3- صلوات الطلب والشكر
تمثّل هذه الصلوات اكثر من ثلث المزامير.
وتقسم أربعة أقسام:
- نداء الى الله وصراخ.
- عرض الحالة.
- السبب الذي لأجله يستجاب المرتّل (حمبّ الله، أمانته، مجده، ثقة المرتل).
- الخاتمة وهي صلاة اتكال وشكر لأن المرتل متأكد ان الله يستجيبه.
ما هي الحالات التي تدفع المرتل الى الصلاة؟ المرض، الفقر، المنفى، الحرب، الأعداء، الخطايا.

أولاً: مز 22: إلهي إلهي لماذا تركتني
آ 2- 3: نداء إلى الله وصراخ.
آ 4- 12: الأسباب التي تجعل صلاته قابلة للاستجابة: الله قريب، قد خلّص آباءه، وحمى شعبه منذ ولادته.
آ 13- 22: عرض للحالة التي يتخبّط فيها المؤمن.
آ 23- 27: فعل شكر بعد أن أستجيب المرنّم في الواقع أو في الرجاء. يدعو الشعب لكي ينضمّ إليه، والمساكين لكي يشاركوه في ذبيحة السلامة.
آ 28- 32: إعلان ارتداد الشعوب ومُلك الله.
تلا يسوع هذا المزمور على صليبه، ونحن نتلوه معه وفيه.

ثانياً: مز 51: إرحمني يا الله
آ 3- 4: نداء إلى الرب لكي يغفر.
آ 5- 8: إليك وحدك خطئت.
آ 9- 14: من خطيئتي طهّرني.
آ 15- 19: وعد بالشكر. أما الذبيحة فهي المرتل نفسه مع قلبه المنكسر.
آ 20- 21: صلاة من أجل أورشليم.
شعر المؤمن أنه ينتمي إلى شعب خاطىء، وعرف أن الله يقدر وحده أن يعيد إليه قلباً نقيّاً. وهذا سيكون عمل الروح القدس

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM