الفصل الثامن:تيودور بركوني عظة الجبل

الفصل الثامن
تيودور بركوني
عظة الجبل

السؤال 35: فسِّر لي التطويبات والتشريع الذي وضعه ربُّنا
أ‌-    التطويبات
إذًا قال الإنجيليّ: إذ رأى يسوع الجموع صعد إلى الجبل، فاقترب إليه تلاميذه ففتح فمه وعلَّمهم قائلاً: طوبى للمساكين بالروح، فإنَّ لهم ملكوت السماوات (مت 5: 1-3). دعا المساكين بالروح أولئك الذين لا يترفَّعون بآرائهم ليقولوا إنَّهم متواضعون.
دعا الحزانى (5: 4) أولئك الذين لا يتوقون إلى خيرات هذا العالم وشهواته، والذين هم في كآبة لأنَّهم يخافون بأن يكون لديهم الزائد.
المتواضعون الذين يرثون الأرض (5: 5). هو ما وعدهم بالغنى الأرضيّ، بل بالخيرات السماويَّة. وضع هذا بحسب ما رمز إليه داود (مز 37: 11) ليعلِّم أنَّ التواضع لا يكون بلا أجر  لمن اقتناه.
الجياع والعطاش إلى البرّ (5: 6). سمّى بهم أولئك الذين يتوقون إلى الصدق (ܙܕܝܩܘܬܐ).
وهب الطوبى للرحماء (5: 7) والذين اقتنوا أفكارًا نقيَّة: سوف يرون الله (5: 8) إذ يؤهَّلون لنعمة الروح الفيّاضة، ولكن لصانعي السلام بأنَّهم يكونون بمثابة أبناء الله (5: 9). وأيضًا للذين يُضطهدون من أجل البرّ (5: 10-12).
وهذه: أنتم ملح الأرض (5: 13) ونور العالم (آ14). ما وضع هذه للرسل وحدهم، مع أنَّه جعلها في شخص الرسل، بل لكلِّ أبناء الكنيسة.

ب‌-    التشريع
عندئذٍ بدأ يضع الشرائع. وبدأ أوَّلاً بالقتل، لأنَّ الطريق نحو الخير هي الابتعاد من الشرّ. من هنا بدأ موسى يحذِّر (خر 20: 12). ولكن ينبغي أيضًا أن نضيف هذا: يجب أن نتبحَّر في شرائع ربِّنا، لا من مضمون أقوالها، بل بحسب هدفها. فهو أمرَ أن نتطلَّع إلى الضمير ونجعل الفكر مستقيمًا.
فهو عندما يقول: حين تصوم، امسح (أو: ادهن) وجهك واغسل رأسك (6: 17). لا يأمرنا بأن نمسح. كلّ من يغضب على أخيه بلا سبب (5: 22). هو لا يدعو الغضوب، بكلِّ بساطة، ذاك الذي حميَ، بل ذاك الذي يلبث ويبقى في غضبه على إنسان ما. ولفظ ܪܩܐ. هو يدعو المحتقَر ذاك الذي يلبث (أو: يقوم) في قرار وفي مشيئة النفس، لا في الكلام. لأنَّه ليس إن قلنا فقط نصبح عرضة للدينونة (مت 5: 22) مثل عادة داود الطوباويّ الذي يجعل الكلام موضع العمل. كما حين يقول: «من يرانا» (مز 64: 6). ولفظ جاهل وضعه عن أمور النفس، ولفظ راقا عن أمور الجسد  ومدهشة هذه (الكلمة): حين تقرِّب قربانك على المذبح (5: 23)، والباقي. بها يعلِّم أنَّه إن غضبنا غضبًا لأنَّ إنسانًا أذنب إلينا، فلا نتجرَّأ ونصلِّي قبل أن نعتني بإرضائه. جليّ أنَّه يأمر ذاك الذي أساء: إذا تذكَّرت (5: 23)، لا ذاك الذي أسيء إليه، لأنَّ ذاك الذي أسيء إليه له عذره في كلِّ حال. إلاَّ أنَّه حين قال هذه للذي أخطأ هنا، فهو من جانب آخر أيضًا يعلِّم ذاك الذي أذنب إليه أحد بأن لا يلبث في غضبه. هذا ما يعلِّم حين يقول: إن أذنب إليك أخوك، امضِ، وبِّخه بينك وبينه فقط (18: 15) إلخ.
وأيضًا أضاف: كلُّ من نظر إلى امرأة لكي يشتهيها، في الحال فجرَ بها في قلبه (5: 28). اعتبر أناس نظر إلى امرأة لكي يشتهيها أنَّها حركة طبيعيَّة، ولكنَّهم ضلُّوا كثيرًا. هو ما سبق وأمر أشياء يمكن أن تحصل، ولكنَّه طلب أن يقول: إن تطلَّع إنسان في امرأة برغبة مشينة وسلَّم نفسه كلَّها للفسق هو فاجر وإن لم يكن أثم الفعل لأنَّ الوقت لم يكن متجاوبًا معه. فالكتاب لا يُسمِّي رغبةً، هذه الحركة الطبيعيَّة، بل تلك التي بها نتمُّ شيئًا باجتهاد وجداننا. فحين يقول: لا ترغب في شيء من رفيقك (خر 20: 17) فهو لا يأمرنا أيضًا: لا يُرَ لك شيء جميلٌ لدى رفيقك، بل يتَّهم رغبةََ الفسق والجسد.
إن عينك اليمنى (مت 5: 29). سمَّى العين اليمنى الأخ الذي يظنُّ أنَّه أفضل من الباقين، ويقول بأن يقتلعه إن كان متَّحدًا بأعمال مشينة.
والزيادة تأتي من الشرِّير (5: 37). وضعها على الكذب، لأنَّ الشرِّير هو المخترع منذ البدء (يو 8: 44).
من ضربك على خدِّك الأيمن، حوِّلْ له الآخر أيضًا (5: 39). وضعَ هذا قبالة سنّ بدل سنّ (5: 38). هو لا يعارضه، بل يتوافق معه حسنًا. ولكن بما أنَّ الشريعة، إذ تطلب العقاب، تمنع (تزجر، ܙܓܪ) المذنبين من الشرّ، وكانوا يُجلسون القضاة أنفسهم لكي يقدروا أن يُصدروا الحكم على المذنبين، حسنًا وضع تلاميذه إلى الصبر ولاسيَّما لأنَّهم سوف يعيشون وسط الغرباء. فقد طلب أن يعلِّمهم أن لا يرغبوا في الانتقام بحيث لا يُنمون بهذا العداوةَ تجاههم، بل أيضًا أن يطيلوا أناتهم بحيث يبدِّلونهم باتِّجاه الفضيلة. وسُمح للذين أسيء إليهم، بحسب الناموس، بأن لا يجازوا الذين أساؤوا إليهم، إذا أرادوا. كما يعلِّم داود الطوباويّ: «إن جازيتُ من صنع بي شرًّا» (مز 7: 5). جليٌّ أنَّه لم يأمرهم بأن يحتملوا هذه الأمور في كلِّ وقت وإلاَّ كيف كان قال: إن خطئ أخوك إليك (18: 18)، عاتبه، وإن لم يقتنع فليكن لك كالعشّار وكالوثنيّ (18: 17). ها الإنجيليّ قال هذين الأمرين: أن نحتمل وأن نوبِّخ، مع أنَّه قال جليًّا: ينبغي أن لا نقاوم الشرِّير.
من سألك أعطِه (5: 42). ينبغي أن لا ننظر إليه في عريه، ولا إن لم يكن لنا شيء نعطيه، ولا إن كان لنا شيء ويطلب منّا إنسان بمكر. وإلاَّ كيف كان قيل بالنسبة إلى التلاميذ: يُعطى لكلِّ إنسان ما يساعده (1 كو 12: 7). وأيضًا: «كماله هكذا يُقبَل» (2 كو 8: 12). ولكن من الوضوح أنَّه في هذا يعدُّ النفس للفضيلة فيترك امتحان الموهبة للذين يهبون.
قال أن نحبَّ أعداءنا (5: 44). فيبدو أنَّ هذا يعارض بولس الذي لعن إسكندر الحدَّاد (2 تم 4: 14). ولكنَّ المعنى هو هو بحسب ما قلنا أعلاه. طلب أن يعلِّم استعمال أناة الروح تجاه المذنبين لكي نجتذبهم إلى الفضيلة قدر الإمكان. فإن لبثوا في شرِّهم عندئذٍ يكونون مبغَضين. إذًا يُرى الله وهو يجازي ويعاقب أولئك الذين لا يقبلون الإصلاح. قال: لا يقدر العبد أن يعمل لسيِّدين (6: 24) غير متساويين في الوجدان وفي الجوهر؟
يسمِّي الأسرار قدسًا ومرجانًا (7: 6).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM